22.10.10

نظرية المنفعية



لما كان عمر الإنسان محدود بالزمن وأجله محتوم وحياته الدنيا مهما طالت فإنها قصيرة ونهائية كان من الطبيعي أن تكون لأفعال الإنسان وأعماله وتصرفاته قيمة خاصة تستدعي إنتقاء الفعل الملائم للحصول على رد الفعل المرجو فلا مكان لأعمال بدون هدف ونفع معين وهنا نصل إلى نظرية المنفعية التي تدعي أن جميع أعمال الإنسان في هذه الحياة القصيرة تحمل نفعا خاصا أو عاما وهدفا ما فلا تجد عملا يخرج عن دائرة المنفعية هذه وكل حسب رؤيته للعالم يرى نفعا مختلفا في عمله الذي يقوم به . إن هذه النظرية تنطبق على المؤمن بالحياة الأخرى والكافر بها فالمؤمن بالحياة الأخرى يسعى عادة لأن يستغل وقته في هذه الحياة ليكسب الحياة الأخرى فتراه يصلي مثلا لخالقه كي يحقق نفعا له بالسعادة في الدار الأخرى وتراه يسير على منهج عبودية الخالق الذي يؤمن به لأن هذا ينفعه لاحقا إلا أن حياته لا تنحصر بالقربات للخالق فهو يعيش الحياة المادية لأن هذا يحمل نفعا عاجلا نسبيا فتجده مثلا يخرج للتنزه أو إلى عطلة لكي يحقق نفعا له بالترفيه عن النفس والخروج عن العادة والعودة بنفس جديد أقوى إلى مسار حياته الطبيعي . أما الكافر بالحياة الأخرى فأعماله تنحصر بأعمال لها نفع عاجل بنظره وربما تكون عديمة النفع بنظر أناس آخرين فعلى سبيل المثال تجده يشرب الخمر حتى يغيب وعيه وهو بنظره يحقق نفعا بأنه ينسى هموم الحياة . النفع كما قلت آنفا على نوعين نفع خاص ونفع عام فالنفع الخاص هو نفع لمنفذ الفعل فقط دون مشاركة الآخرين بنتائج الفعل ومثال على ذلك أن تمارس أبسط الأمور وهي النوم أو الأكل أو الشرب لكي تحققا نفعا خاصا بك وهو أن تستمر في الحياة بشكل طبيعي . أما النفع العام فهو نفع يضم منفذ الفعل ومجموعة من الناس في دائرة النفع ومثال على ذلك هو أن تقوم ببناء ملعب أو مدرسة أو حتى تقديم مساعدة للغير . يجدر الإشارة إلى أن هذين النوعين غير منفصلين عن بعض وإنما أحيانا يكونان مكملان ويتواجدان تحت مظلة النفع لنفس العمل فأنت عندما تقدم المساعدة لمصاب على جانب الطريق مثلا يمكن أن يكون هدفك نفع عام وهو المساعدة وإنقاذ شخص من الموت بالإضافة إلى نفع خاص وهو أن تشعر بأنك قادر على تقديم المساعدة وأنك على قدر المسؤولية وأنك شخص كريم ومبادر فترتفع بذلك معنوياتك لتعانق عنان السماء . إن العمل الذي لا يسير وفقا لنظرية المنفعية فهو عمل لا جدوى منه ويجلب الندم على تضييع الوقت هباءا منثورا . لا بد أن نذكر أن لكل إنسان نظرة أخرى على الحياة ولذا كان من الطبيعي أن يكون هناك إختلاف في الرأي وتعدد في إعتبار عمل ما ذا نفع أم بلا نفع أو أنه يحمل نفعا خاصا أم عاما أم كلاهما وهذا كله يتعلق بالشخص نفسه وبفكره الشخصي وآرائه . كما أن وجود نفع معين للعمل لا ينفي وجود ضرر أو أضرار لنفس العمل فمثلا الرجل الذي يدخن السجائر يرى نفعا معينا في التدخين وهو يعلم عادة أن للتدخين أضرارا عديدة إلا أنه لا يتوقف عن عمله لوجود نفع معين بنظره ولولا وجود هذا النفع لما استمر في التدخين . بناءا على هذه النظرية فإننا نستطيع أن نتخذ القرارات وأن نحسم بين الخيارات المعروضة أمامنا وهذا يكون إما بطريقة واعية محسوبة حسابا دقيقا بحيث تعرض الأمكانيات المختلفة والنفع المقدر من كل إختيار ممكن فتعرض سلبيات وإيجابات كل قرار وإما أن تكون بطريقة لا واعية فتميل إلى خيار معين دون البحث عن تفسيرات وتبريرات وهذا يكون عادة في القرارات البسيطة الشائعة في حياتنا .