8.6.12

فدوى طوقان: رحلة جبلية ... رحلة صعبة ...



إن السيرة الذاتية التي عرضتها فدوى طوقان على الملأ تعكس الجرأة والشفافية في الطرح، وذلك لأنها كانت سيرتها وهي التي كشفتها بنفسها. وإذا أردنا أن نقارنها بعالمنا العربي المتستّر فإنها تُعتبر ثورة حقيقية، لأنّ المجتمع العربي يعيش في تناقض صعب، فمن جهة يحرص الأفراد على إخفاء عالمهم الشخصي لئلا يطّلع الناس على خصوصياتهم خاصة إذا تكلّمنا عن الجانب السلبي في كل إنسان، ومن جهة أخرى فإن أبناء المجتمع العربي يتّسمون بالفضول لمعرفة أحوال من حولهم، لكنّها تثور على هذا التناقض وتمنح قارئها حياتها الشخصية على طبق من ذهب. إنها تعرض شخصيتها وحياتها بإيجابياتها وسلبياتها دون إكتراث لتقييدات مجتمعية مُبتدعة، وعادة ما تكون الشخصية القوية هي تلك القادرة على كشف نقاط ضعفها لتحسينها أو لربما لإعادة النظر فيها، فهي لا تخاف من نفسها ولا من مجتمعها وإنما تعرض نفسها كما هي.

إننا وإذ نقرأ سيرتها نستشعر تلك الطرق الصعبة التي تسير بها والتي تُسيّرها أيضا، ونشمّ رائحة العرق ونحس بحرارة الشمس الحارقة وهي تسير في رحلتها الجبلية الوعرة نحو القمة. ولا يقع اللوم كله على خضوعها للواقع الذي تحياه، وإنما نقدّر تلك الظروف التي عايشتها وتلك المحطّات التي مرّت بها والتي تهزّ الجبال وتزلزلها، فأولها انتداب، ثم نكبة ثم حكم عسكري، فنكسة، فيوم أرض، فإنتفاضتين وحروبات وثورات عربية، أي أن المنطقة كانت في ذروة توتّرها، مما يُصوّر لنا فدوى طوقان كمثال للشخصية الفلسطينية المقهورة، وكنموذج للمرأة التي تُعاني أيضا من عادات وتقاليد المجتمع الخانقة مثل منع النساء من الخروج من المنزل وحرمانهن من التعليم.

لكننا ننتقد ذاك الإستسلام للواقع في حياتها، فلم نرها تُحاول التغيير، حتى أنها عجزت عن الإدلاء برأيها حينما منعها رجال البيت من تعلّم الإنجليزية خارج المنزل، رغم أن أختها سطّرت موقفا فنبست ببنات شفة ولم تبق صامتة. إن هذا الصمت وهذه السلبية لن يُغيّرا شيئا وكما قيل بدل أن تلعن الظلام أضئ شمعةّ! أضف إلى ذلك فإن الظروف التي تُحيط بها هي التي تُحرّكها وهذا يجسّد خضوعا إضافيا واستسلاما للواقع، فعندما مات أخوها المُحبّب إليها إبراهيم أحسّت أن نبض حياتها قد توقّف وكذا عندما مات أخوها الآخر، وهذا يُرشدنا إلى أن شخصيتها وكيانها متعلّقين بالآخرين وبوجودهم، بخلاف الشخصية المستقلة.

نقطة أخرى هي وجود تناقض بين كتابتها الثورية التي تدعو إلى تحرير المرأة من قيودها وإلى مشاركة الرجال في المجالس السياسية، في حين أن شخصيتها الواقعية كما ترسمها هي بقلمها تبدو خاضعة وخانعة، لا تُدلي حتى برأي عندما تُثار مواضيع ظلم المرأة وغيرها.

إن مرحلة الطفولة كما تُشير هي بنفسها هي فعلا مرحلة مهمة جدا لأن فيها تتحدّد اللبنات الأساسية لبناء الشخصية الإنسانية، ولكننا ورغم ذلك نؤمن بقوة التغيير وفي حالة فدوى فإننا نرى تغييرا وتطوّرا بطيئا، إذ أنها وبعد أن عايشت المجتمع الإنجليزي، استطاعت أن تُباشر مسيرة تعليمية جادّة، وقد أعجبني أن النهاية كانت إيجابية عندما بدأت أعينها تنظر إلى جمال الدنيا عبر نظارات أكثر تفائلا وأملا، ولكن ورغم انتقالها إلى المجتمع الأوروبي إلا أننا ما زلنا نلمس عندها عودة مستمرة إلا ماضيها الصعب وإلى تقييد مجتمعها، وإلى إنطوائها رغم أن الحرية هناك لا تمنعها من أي مراد.

إذا تكلّمنا عن علاقتها مع والديها، فإننا نراها متناقضة أيضا، فهي تشعر أنهم لم يعاملوها كما عاملوا إخوتها وأخواتها أي أنها تشعر بظلم معين، ولكنها ورغم ذلك لا تستطيع نسيانهم ولا تجاوز فقدانهم، وإننا نقول أن هذا التعامل المميِّز يمكن أن ينجم عن شخصيتها المختلفة مقارنة بإخوتها، أو لظروف قاسية واجهت العائلة آنذاك، ولذا كان من الأفضل لها أن تنظر إلى نفسها في هذا الجانب أكثر قبل أن تُلقي باللوم على والديها.

ثلاث نقاط إضافية وأخيرة هي: الأولى أنها تخلط ما بين ظلم المرأة وإكرامها، فنحن نرفض منع المرأة من حقها في التعليم والعمل والخروج من المنزل قبل كل شيء، ولكن ذلك لا يعني أننا من دعاة تحرير المرأة من شرفها وطُهرها ودينها، فالظلم والتشديد المفروض والذي ما أنزل الله به من سلطان، لا يُستبدل بنزع الحجاب ومصادقة العشّاق. النقطة الأخرى أنني أقدّر تمسّكها بحلمها الأدبي، إذ أن صعوبات الحياة لم تُثنها عن عزمها، والأمر الأخير هو وجود نقص معين على مستوى السيرة الذاتية كلها بالنسبة لعقدة العزوبة كما أسمتها هي، إذ أنها لم تأخذ هذه القضية إلى عالمها الخاص ولم تُطلعنا على حال علاقتها الإجتماعية مع الجنس الآخر.