22.7.12

النفس الرمضانية 2: رمضان فرصة للتغيير على مستوى المجتمع


المجتمع يتكوّن من أفراد تربطهم مصلحة مشتركة واحدة على الأقل، ولذا فمن المنطقي إذا حدث تغيير على مستوى الفرد، أن يحدث أيضا على مستوى المجتمع. وكما أسلفنا في الحلقة السابقة، فإن رمضان هو مناسبة مشتركة لجميع المسلمين وهو فرصة التوبة الكبرى لأنه مناسبة عامة وحدث فاصل في حياة جميع المسلمين على وجه البسيطة. والمجتمع الإسلامي من وجهة النظر هذه يتعدّى الحدود الجغرافية، أي أن المجتمع الإسلامي كما نقصد به هنا لا ينحصر في دولة معينة، وإنما يشمل جميع المسلمين على وجه الكرة الأرضية لأن المشترك بينهم كثير وأحد المناسبات الأكثر أهمية فيما يشترك بينهم هو شهر رمضان المبارك. لهذا يمكننا أن نصف المجتمع الإسلامي بالعالمية، فالمسلمون كتابهم واحد ونبيهم واحد، وهذا ينطبق مع روح هذا الدين الذي قُدّر له أن يكون رحمة للعالمين.

لذا، فإننا نرى أن رمضان هو مناسبة وفرصة ثمينة لزيادة ترابط وتكتّل المجتمع الإسلامي العالمي بشكل عام، لأن الحدود الجغرافية تضعف أمام تأثير حدث رمضان الذي ليس هو يوما عابرا وإنما شهرا كاملا أي ما يُعادل أكثر من 8% من أيام السنة! لكننا رغم ذلك، نلحظ زيادة أكبر في الترابط بين أفراد المجتمع الإسلامي الذين يعيشون داخل حدود جغرافية معينة، وهذا منطقي لأنهم يحتكّون مع بعضهم البعض أكثر ويرتبطون بمشتركات أخرى فرعية تنبع من دخول رمضان، مثل: صلة الرحم، صلوات الجماعة في المسجد وخاصة صلاة الجمعة والتراويح. ثم إنه لمن المدهش أن نلاحظ أن كثيرا من العبادات والشعائر في الإسلام تتّخذ صبغة إجتماعية، فتلك صلاة الجماعة تجمع الناس في المسجد، والحجّ والعمرة يجمعان الناس في بلاد الحرمين، والزكاة تمنحها لأفراد آخرين في المجتمع ممن هم بحاجة، وهذا الصوم يجمع إهتمام المسلمين كلهم بشأن واحد وتحت نفس الظروف من العطش والجوع. إذا، فإن رمضان يجمع المسلمين في العالم كله ويزيد من ترابطهم، والزيادة الأكثر في الترابط نلحظها عند المجتمع الذي يعيش في منطقة جغرافية محدّدة (دولة معيّنة).

كثير من النظريات تفصل بين مجموعة الداخل (ingroup) وهي ما عرّفناه سابقا بالمجتمع الذي يرتبط أفراده بمصلحة مشتركة واحدة على الأقل، وبين مجموعة الخارج (outgroup) وتشمل كل الأشخاص الذين نضعهم خارج المجتمع الذي نقصده. تجدر الإشارة إلى أن هذين المصطلحين يتكيّفان مع تعريفنا لماهية المجموعة التي نقصدها، فإن قصدنا مجموعة دينية، سيكون كل من دينه غير الإسلام، خارج المجموعة، أما إن قصدنا مجموعة سياسية، فإن كل من لا ينتمي لحزبي سيكون خارج المجموعة. لكننا نلاحظ أن رمضان يؤثّر على المجموعة الدينية بشكل خاص، وتأثيره مضاعف، إذ أنه يعمل على زيادة تكتّل وترابط المجتمع الإسلامي، وكذا فإنه يعمل على تمييز المجتمع الإسلامي عن غيره، وعند ذلك ننجو من خطر الإتباع والتقليد الأعميين لتصديرات غير مرغوب بها من المجتمعات التي تدخل في مجموعة الخارج (المجتمع الأمريكي مثلا). الخطر القائم الناجم عن فهم خاطئ للدين هو إعلان العداوة على من هم في مجموعة الخارج أي على كل من لا يدين بدين الإسلام، وهذا ليس هو التأثير المأمول لرمضان وهو كذلك لا ينسجم مع الفطرة الإنسانية. إننا نتوقّع من مجموعة تزيد من ترابطها (المجتمع الإسلامي) أن تكون مستعدة للجلوس على طاولة الحوار والنقاش، وأن تكون أكثر انفتاحا على مجموعة الخارج. لماذا نتوقّع هذا؟! لأنّ مجموعة الداخل عندما تكون أكثر ترابطا، تكون ثقة أفرادها بأنفسهم أكبر، ولذا فإن الجلوس مع مجموعة الخارج والأخذ والعطاء مع الآخر لن يُهدّد وجود مجموعة الداخل إذ أنّ وضع المجموعة – أي مجموعة الداخل - بخير طالما هي مترابطة. 

20.7.12

النفس الرمضانية 1: رمضان فرصة للتغيير على مستوى الفرد



كثير من البشر يبحثون عن حدث فاصل أو يوم مميّز ليفتتحوا به صفحة بيضاء جديدة، فترى الفرد يقول: "يوم الأحد هو أول أيام الأسبوع ولذا سأبدأ هذا اليوم بنشاط غير مسبوق لتكون ثمرة أسبوعي عظيمة"، وترى الفرد يعمل على أن يكون يومه في بداية السنة من أفضل الأيام ليفتتح سنة جديدة على بياض، وغيرها الكثير من الأمثلة. في الحقيقة، الإنسان يحتاج إلى هذه المحطات والوقفات لكي يضع ما أسلف من عمل في طيّ النسيان بعدما يأخذ من ماضيه ما ينفعه لتحسين مستقبله، ومن ثم يبدأ بأمل جديد ويفتتح صفحة بيضاء أخرى ليقدّم أكمل ما يمكنه فعله في هذه الحياة، ولا شكّ أن بداية رمضان هي إحدى هذه المحطات التي تُبشّر بتغيير قادم.

عندما يُقبل رمضان يُشعرنا أن تغييرا سوف يحدث في حياتنا،  فكلنا يعلم أن الإفطار يتغير وقته ومصطلحات الغداء والعشاء تفقد من معناها عند غالبية الناس ويحل محلّها السحور، الأكل يُمنع من طلوع الشمس إلى غروبها وكذلك الشرب، ولذا كان لا بدّ منا أن نعقل هذا التغيير ونتكيّف معه لنستمر في التوازن المطلوب، فلا يكفي أن نُغيّر نظام الأكل والشرب وإنما نحتاج إلى تغيير مرافق للنفس، وذلك لأن النفس والجسم لا ينفكّان يؤثّران على بعضهما البعض.

والصحيح أننا نرى مع دخول هذا الشهر الفضيل، تحمّسا ملحوظا عند غالبية الناس، وتحسّ بعزم الكثيرين وإصرارهم على بداية رمضانية قوية، فترى من كان آخر همّه دينه يبعث بالتهاني عبر رسائل الجوال أو عبر حديثه مع الناس الممزوج بإبتسامات تُنبّئ عن تفائل وتحمّس شديدين، وترى المساجد تمتلئ في صلاة الجمعة وفي التراويح، وهذا منطقي ومُتوقّع لأن بلوغ رمضان وحده هو بمثابة هدية لا تُقدّر بثمن، ذلك أن الأجر فيه يتضاعف والخيرات فيه تكثر. لكن ما نخشى حدوثه في بداية كل رمضان هو تحمّس غير مسبوق من قبل الكثيرين في أول الشهر ومن ثم يبدأ الإنسان بالتراجع في همّته ونشاطه مع تقدّم أيام الشهر، ولا نجد لهذا التراجع تفسيرا منطقيا لمن يعلم أن رمضان هو شهر وليس أسبوعا إلا أن الناس تملّ الروتين وتتحمّس عند كل بداية تحمّسا شديدا فتضع كل طاقتها في أول الشهر فتتعب من الكدّ والجهد في وسطه. طبعا هذا لا يقول أنه يجب علينا أن نتجنّب البداية القوية ولكن أن نتجنّب البداية المُبالغ فيها، فلا يُعقل أن ينتقل الإنسان من نقيض إلى نقيض، أي من هجران للصلاة وللقرآن، إلى الإعتكاف وإلى قيام ليل مُرهق وإلى قراءة عشرة أجزاء يوميا، لأن النفس تميل إلى التوازن، وإذا شرعت ببداية مع جهد عال وفوق طاقتك فلا بدّ للأيام التي تلي الأولى أن تكون أقل جهدا ونشاطا ونخشى من التراجع إلى ترك الفروض. لذا فإننا ننصح ببداية قوية لكن على قدر طاقة الإنسان، وأن يكون الجهد متوازنا في أول عشرين يوما، لكي يصل الفرد إلى العشر الأواخر مع طاقة تكفيه.

إن دخول رمضان هو حدث فاصل فعلا في حياة كثير من الناس، ولذا يجدر بنا أن نستغلّه لنُغيّر من أنفسنا إلى الأفضل، وأن نفتتح هذا الشهر بصفحة بيضاء لنكتب عليها ما ينفعنا في دنيانا وأخرانا، وإني لأشبّه رمضان بالتوبة الكبرى، لأنه وقت دخوله يضع الإنسان كل تقصيره وكل ما أسلف جانبا، راجيا من الله أن يغفر لك ذنبه، ليستأنف بطاقة جديدة عزما أقوى على تقديم أفضل ما يمكنه، فالتوبة هي أيضا حدث فاصل في حياة الإنسان ولكنها غير ثابتة في الزمان وليست عامة، فيمكن للإنسان أن يتوب متى شاء وأن يتوب لوحده دون أن يتوب الآخرون، أما رمضان فهو التوبة الكبرى لأنه ثابت في الزمان وهو حدث عام لجميع المسلمين. من الطبيعي أن تحمل كل بداية آمالا كثيرة ولكن علينا أن نحمل آمالا يمكن تحقيقها على أرض الواقع، لأن التغيير لا يأتي بين ليلة وضحاها، وإنما يحتاج إلى وقت وجهد، ولذا فإن البعض يخرج من رمضان بخيبة أمل من نفسه لأنه لم يُحقّق نصف ما أراده في بداية الشهر، ولذا فإننا ننصح أيضا بملائمة الآمال للواقع ليتمكّن الفرد من إنجازها.