30.8.12

فرقة ناجي عطا الله: هل يستحقّ المشاهدة؟


أحسست وأنا أشاهد هذا العمل الدرامي أنني أمام فيلم مُطوّل، فالحبكة لا تكاد تنحدر من ذروة حتى تعتلي ذروة أخرى، أما من الناحية الفنية فهو عمل متقن، مما يترك في المشاهد آثارا إنفعالية قويّة وتعاطفا مع بعض الشخصيات. لكنّ فكرة المسلسل تقوم على سؤال أخلاقي كبير وهو: هل الحل يكون بأن نسرق من سرق؟ وأن نعتدي على من اعتدى علينا؟ أو بالأحرى أن نثأر لأخوتنا؟ إن المسلسل من أوله إلى قُبيل النهاية يتعامل مع هذا السؤال وكأنّ جوابه مفروغ منه وواضح للعيان، خصوصا وأن الشيخ حسن مندوب الرأي الديني يساند هذا الرأي، إلا أنه في النهاية عندما تثور ثائرة كاميليا وتطرح السؤال المُخيف: هل فعلتك يا ناجي بعيدة عن السرقة؟ هل كل من سرق مني فسأسرقه لأن العين بالعين والسنّ بالسنّ؟ إذا ستعمّ الفوضى ولن يكون هناك إستقرار وأمن وستستمر سلسلة السرقة التي هي أشبه بقانون الغاب، ويمكن أن نطبّق نفس المبدأ على القتل فنبرّر الأخذ بالثأر ومسلسل كامل من الدماء!

ومن ثم نسأل: هل استرداد الحق هو مسؤولية الحكومات أم مسؤولية الأفراد؟ وكيف لأفراد أن يواجهوا حكومات؟ إن المعركة المتصوّرة تبدو خاسرة من أوّلها ولكنّ الخيال الفنّي يجعلها غير ذلك! نحن لا ننكر أن للأفراد تأثير، فكم من قلم غيّر سياسات وكم من فعل فردي أحدث ثورات، ولكن أن يواجه أفراد حكومة أخرى وينتصرون عليها فإن العقل لا يطيق هذا التصوّر! ومن ثم فهل الحل يكون بالعنف والهجوم المُباغت وبالسرقة أم يكون بالتفاوض والسياسة الحكيمة أم بغير ذلك؟

لقد شاهدت المسلسل من حلقته الأولى إلى الأخيرة والصحيح أنه ممتع وفيه حسّ فكاهي ملموس، إلا أن النهاية لم تكن مُتوقّعة ولم تكن منسجمة مع روح المسلسل! إذ كيف لقائد حكيم مثل ناجي عطا الله أن يتّخذ قرارا سريعا بتغيير هدف العملية التي قام بها، فيُقرّر في آخر عشر دقائق من المسلسل أن يتبرّع بملايين الدولارات لشعب الصومال، وبذلك تحطيم آمال الشباب التي لطالما أطلعونا عليها في طيّات الحلقات. إنه بهذا الموقف يخرج من شخصيته الحكيمة التي تحسب حسابا لكل خطوة عندما نفّذ عملية من أخطر ما يكون، ليتّخذ قرارا بعيدا عن الحكمة وبذلك فهو يوقظنا ويلفت انتباهنا للنفس الديكتاتوري الذي ما زال مُسيطرا على العقل العربي ولو بشكل غير واعي، فهل ينبغي للقائد أن يفرض رأيه على الناس؟ أم يأخذ بمشورتهم ومن ثم يُقرّر بناء على رأي الأغلبية؟ وهل للقائد الحقّ في الإستئناف على رأي الأغلبية؟ ونكتشف أمرا آخر من خلال هذا الموقف وهو أن الدكتاتورية لا تقشعّر لها الأبدان إلا حين اتخاذ القرارات غير الحكيمة، أما طالما فعل القائد منطقي وحكيم فإن الغالبية لا ينتبهون للنفس الدكتاتوري.

إنني لا أعلن اعتراضي على واجب تقديم المساعدة لأهل الصومال المنكوبين، وقد أعجبني عرض مأساتهم للرأي العام ولفت أنظار العرب إليهم وبذلك فهي رسالة ليستيقظ العالم فيهبّوا لتقديم العون، إلا أن أسلوب المساعدة لم يكن أسلوبا جيّدا، فلا يمكن لأحد أن يفرض على الآخر أن يتبرّع بحصّته من الأموال دون رغبة وعن غير طيب خاطر! هذا إن سلّمنا أنها حقا حصته من الأموال! ولكنّ التبرّع لأهل الصومال لا يُضفي مشروعية على العمل كما شعرت كاميليا! ويعود نفس السؤال: هل واجب الأفراد أم الحكومات أم الإثنين معا تقديم المساعدة للصوماليين؟ لماذا يُسترخض المواطن العربي وحكومته لا تفتديه في حين حكومات العالم كلها تُسارع إلى إنقاذ أبنائها من أي خطر؟ هل واجب المواطن العربي أن يقوم بواجب حكومته؟ إن الآمال التي تصوّرنا أن نراها مع تحقّق أحلام الشباب على أرض الواقع، فارقت المشاهد بطرفة عين، بل وأودت بالفريق إلى التهلكة فهم لم يجدوا ما يدفعون عندما أكلوا وجبتهم الأخيرة في مصر! إن التضحية واجبة لكن الحكمة أيضا واجبة، وكل التعب والشقاء والأخطار التي حاقت بفرقة ناجي عطا الله لم يجدوا لهم مكافأة عليها!

إلا أن تصوير الصراع العربي الإسرائيلي يبقى عملا إبداعيا، وكذلك، الفقر والمشاكل التي يعيش تحت وطأتها أبناء الشعب المصري، والأنفاق في رفح وكآبة غزة ومن ثم رغد العيش في إسرائيل، ويتبعها تصوير العراق بعد الغزو الأمريكي وما آلت إليه البلاد من فتن طائفية تحول بين المواطنين والأمن، والفقر المدقع في الصومال، إنها كلها مآسي إنسانية تحتاج إلينا.

29.8.12

قصة وصورة حقيقيتان: من سيُنقذ القطة ؟


الزمان: ثاني أيام عيد الفطر لعام 2012
المكان: منطقة وادي عيون قرب الحدود الإسرائيلية-اللبنانية

سعيد: إنه حرش نظيف كما يبدو والرياح ستساعدنا في إشعال النار بسرعة ..
مروان: يا إلهي، تعالوا إلى هنا، إنها قـ، قطة!
سعيد: هههه، هل يُشاهد مروان القطط لأول مرة، يا له من أعجوبة، هيا بنا نرى ما خطبه ..
جميلة: يا حرام، ساعدوها، إنها مسكينة!
سعيد: ماذا هناك؟
مروان: سعيد افعل شيئا، هل ستبقى واقفا كالشجرة التي بجانبك؟
جميلة: حسبنا الله ونعم الوكيل، أصبحنا وأصبح الملك لله، استفتحنا بمنظر هذه القطة ..
سعيد: إنها تختنق، يا ويلتاه، لا أريدها أن تتعذّب أمامي، فضلا عن أن تموت!
مروان: سأمسكها من العلبة بكل ثمن ..
سعيد: نعم افعل!

مروان: لا، لا أستطيع، إنها عنيدة، تظنني أريد إيذائها، يا لها من غبية!
جميلة: إنها تتقافز كالمجنونة، لا بدّ أنها تنازع!
سعيد: أترون يا أولادي هكذا يموت الإنسان أيضا ..
أنغام: هل أحضرتم اللحم؟ ماذا تفعلون؟ قطة عالقة، دعكم منها وشأنها!
سعيد: فعلا يا مروان دعك منها وشأنها، لن تستطيع مساعدتها، هذا هو قدرها ..
مروان: لكنها روح ..
سعيد: ماذا بوسعك أن تفعل؟
مروان: بوسعي أن أفعل الكثير، إن تركتموني لوحدي، يمكنني أن أبلّغ عن حالتها لجهات تُعنى بشؤون الحيوان إن استلزم الأمر ..
سعيد: ربما تريد دخول الجنة من مساعدتك لها، حاول يا أخي، ولا تتأخّر علينا ..

مروان لم ييأس سريعا وأخذ يفكّر بطريقة يخرجها بها من مأزقها وتسائل: كيف علق رأسها بمثل هذه العلبة؟ إنها حقا قطة غبية! هناك بيوت قريبة، هل يا ترى بحوزة أحدهم أداة تساعدنا؟! وهناك أيضا خمسة عشر يهوديا في الجهة المقابلة قدموا الحرش سائحين كما يبدو. وجدتها! إنهم يهود!

وبما أن حيوانهم المفضّل هو كلب، فمن المنطقي أن يعرفوا كيف يمكن مساعدة هذه القطة التي لا تعضّ، وهرع مروان إلى اليهودي الذي فارق قطيعه وسأله المساعدة فلم يستجب بادئ الأمر، إلا أنه قرّر الذهاب بنفسه ليستطلع الأمر وعندما وصل حنّ قلبه لها ودفع بابنه لينتشل العلبة من رأسها.

مروان: نعم أيها الولد استمرّ، نعم هكذا، نعم، نعم، لقد فعلها! (قالها بالعبرية)
سعيد: أحييك يا ابني فقد نالك شرف إنقاذها من موت مُحتّم في عجز الكبار، هنيئا لك على فعلتك! (بالعبرية)
جميلة: الحمد لله يا رب، مكتوب لها عمر جديد ..
أنغام: تأخّرنا على اللحمة لعيون قطة تعبانة!

28.8.12

65 دقيقة!


إنها البشارة التي تأتي من إشارة، وهي الحكاية التي تأخذك إلى النهاية، رغم أنك ما زلت في البداية! إنها العلم بعد الجهل!

أنطلق في مسار بين أكناف الطبيعة متحمّسا ومنسجما مع أول سحور الأشجار والوديان، وإذ بي أتذكّر أني لا أدري! فمن يُعلمني؟! فلست أدري كم هو طول المسار الذي سأمشيه! هل سأمشي ساعة أم ساعتين أم سأبيت ليلتي هنا؟ يا إلهي ما أبغض الجهل! وبينا أنا كذلك إذ طالعتني لافتة شامخة لتخرجني من حيرتي ومن جهلي ومن الظلام إلى النور! هل سقطت من السماء في هذه اللحظة لتطمئن فؤادي أم إنها سئمت ركودها في نفس المكان؟

إنها 65 دقيقة باقية والسهم يؤكّد مسيرتي الفطرية، فهل يُعقل أن يكون لمثل هذه اللافتة الحقيرة مثل هذا الأثر في نفسي؟ من وضعها في مكانها؟ كيف حسبوا الدقائق إلى نهاية المسار؟ هل هي بسرعة شاب أم بزحف شيخ عجوز؟ أوف، ما بالي أحيد عن صلب الموضوع!

من الجدير ذكره أني رأيت لمثل هذه اللافتة شقيقات كثيرات على طول الطريق، وإنها بمثابة علامات يهتدي بها السائر في طريقه، ولا بأس أن يُضيف الإنسان علامات يهدي بها الناس إلى سواء الصراط، وليس القصد مضاهاة علامات النجوم وإنما الإحسان هو المراد. الأسهم هي إشارات بدائية لا تسقطنا أرضا من وَقْعها على أهميتها، ولكنّ وجود 65 دقيقة على اللافتة هي شيء آخر، فلولا أهمية الوقت عند هؤلاء القوم لما اهتمّوا بموضوع الدقائق المتبقيّة لنهاية المسار، ولو لم يفهموا معنى كل دقيقة في حياة الإنسان لما أضاعوا وقتهم في حساب الدقائق المتبقية.

ومن ثم فلماذا وضعوا الدقائق ولم يضعوا المترات المتبقية؟ إن القصد من ذلك التيسير والتبسيط ومراعاة النفس الإنسانية، فالنفس تحبّ العلم وتكره الجهل وتحب السيطرة على الأمور وتكره أن تكون ضائعة، فلو أنهم كتبوا بقي 500 متر لما استفدنا شيئا ولاحتجنا إلى أن نعرف سرعتنا وورقة وقلم لحساب الزمن المتبقي. علينا أن نتذكّر أخيرا أن الزمن يرافقنا في كل وقت وزمن، ولذا فمن الطبيعي أن يكون معنا في رحلاتنا كما في جلساتنا.   

26.8.12

خاطرة: مياه في الطريق!


كثيرا ما تشدهنا المناظر العملاقة الخلّابة، ولكن في أحيان كثيرة وَقْع ما دقّ وحَسُن لا يقلّ أثره على النفس من لوحات فنية ضخمة! فكما أن دقّة صنع الخالق في الجسيمات دون الذرية تبهرنا، وكما أن مبنى الشيفرة الوراثية في الخلية تلفتنا، فكذلك دقة النظم على مستوى الكواكب والأجرام تأسرنا.

أثناء تجوالي في الجولان قرب نهر البانياس، شدّت انتباهي ثمرة إحسان مع الطبيعة يغفل عنها كثيرون إلا أنها تعكس ثقافة تأبى مجاوزة صغائر الأمور. إنه واد صغير يوازي عرض الطريق، عرضه لا يتعدى الثلاثين سنتيمترا، تفيض فيه مياه قليلة من جانب الطريق الأول إلى الآخر، لكي لا تُترك سائبة فتُغرق الطريق بأسره وتخرّ أقدام المارّة بالوحل.

إنه عمل بسيط ولكنّه يقول لنا أن من يهتمّ بتلك المحمية الطبيعية يلتفت إلى صغائر الأمور ويُصلحها، لذا فمن المؤكّد أنه عالج المشاكل الكبرى قبل ذلك وبالتالي نستنتج أنه مسؤول أتقن عمله بشكل كامل، إنه يقول لنا أيضا أنهم يحبون البيئة والطبيعة ويحسنون إليها كي تُحسن إليهم بالمقابل، فلولا هذا الواد لتبعثرت المياه ولما تم تجميعها في مكان واحد وبالتالي لما استفدنا منها، بل ولأضرّتنا، إنه يقول لنا أن المياه يمكن أن تكون نعمة بحسن إستعمالنا لها ويمكن أن تكون نقمة كذلك، فهي مُسخّرة للإنسان ويمكنه أن يتلاعب بمجراها كيفما شاء فينتج لنا لوحة مائية تستقطب السياح من كل بقاع الدنيا، إنه يقول لنا أيضا أن إيذاء الطبيعة غير وارد بالحسبان وإنما هي عملية مساعدة وتقويم يقدّمها الإنسان لبيئته، إنه يقول لنا أن الجهد بسيط ولكنّ الناتج مستمر وكثير! 

11.8.12

النفس الرمضانية 6: المحافظة في مجتمع محافظ – الجزء الثاني



أما السلطات (يشمل المجالس المحلية) فهي الجانب المكمّل لجوهر المشكلة، فعليها أن توفّر ما يساعد المواطنون في المحافظة على بيئتهم وأن تُرشدهم إلى ذلك وتحذّرهم من الإخلال بالنظام لأنها هي مصدر قوة لا يُستهان به، ورغم أننا ندعو إلى المراقبة الذاتية التي يراقب فيها الإنسان أفعاله، إلا أننا لا نتوقّع أن يستجيب كل الأفراد لفطرتهم السليمة ولذا كان لا بدّ من مراقبة خارجية. لا بدّ للمجالس المحلية أن تستثمر في موضوع المحافظة على البيئة لما فيه من مصلحتها، وليس عليها أن تلقِ اللّوم على السلطات التي تعلوها، وإنما أن تزيد من عدد حاويات القمامة بحيث تنتشر في كل مكان والأهم من ذلك أن توفّر سيارة واحدة ليس أكثر لتنظيف الشوارع. أما بالنسبة لإلقاء النفايات في أطراف البلدة، فلا يمكن أن تنتصب اللافتات التي تُحذّر، في حين لا يتم توجيه الناس إلى مكان يستوعب النفايات، فالواجب توجيه الناس إلى مكان كهذا، أو تخصيص مكان منبوذ في أحد أطراف البلد بحيث لا يُزعج بصرنا. إنه ليس دلال زائد، ولكن من أحد حقوق الإنسان الأساسية أن يُحافَظ على صفاء سمعه وبصره وشمّه.

لربما سيقول أحدهم أنه يجب أن ننظر إلى نصف الكأس المليئة وأن نترك النصف الفارغة، ولكن هذا الذي يقول يغفل عن أن هناك أخطائا قاتلة ينبغي معالجتها دون أدنى انتظار، فمثلا لو جائنا إنسان يلبس أجمل الثياب وشعره يلمع وحذاؤه كذلك وكان سحّاب بنطاله مفتوحا لنسينا كل أناقته ولسميّناه بأبي السحّاب المفتوح! إن شوارعنا كذلك هي سحابات مفتوحة إذا اعتبرنا أن كل شيء غير ذلك تمام (وهو في الحقيقة ليس كذلك)، فهي الظاهرة التي لا يمكن إخفاؤها تحت التراب ومن سيزورنا في بلدنا سيمشي في شوارعنا، وله أن يبتأس بمنظر الأوساخ في كل مكان، وله أن يأخذ أسوأ الأطباع عن أمة الإسلام! إن الواحد منا ليستحي من نفسه أمام هذا الإهمال في حين أن شوارع أقرب القرى اليهودية إلى قريتنا تسخر منا! لا تقل لي أن هناك تمييزا في الميزانيات فنحن نتكلّم عن أبسط الأشياء وهي سيارة واحدة لتنظيف الشوارع، والذي يُثبت أننا قادرون على إقتناء مثل هذه السيارة أنه قبل سنين كانت سيارة كهذه تجوب شوارع كفرقرع كلها، فهل نحن في تراجع مستمر؟ وبالمقابل لنا أن نتخيّل لو أن كل فرد منا حافظ على بيئتنا المشتركة كما يجب، من أين ستأتي الأوساخ؟ هل ستنزل من السماء؟ معاذ الله، إنها بفعلنا نحن، ونحن سببها، وفي هذا يقول تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم، 41).

كنا على أبواب رمضان وللأسف لم نلاحظ نقلة مشهودة في المحافظة على البيئة، ونحن الآن على أبواب العيد وحريٌ بنا أن نستقبل هذا العيد من بين اثنين على حين نظافة ونقاوة تعمّ الشوارع وأطراف هذا البلد. لربما يكون هذا التقصير نابع من إختصار الدين في الشعائر الدينية، في حين أننا غفلنا عن مكارم الأخلاق التي يدعو إليها الإسلام ولذا اختصرنا اسلامنا بالصلاة والصيام، ونسينا فعل الخيرات وكفّ الأذى عن الطرقات والإحسان إلى البيئة، ولربما يكون أيضا من اختصار النظافة في المساجد، ونحن لا نقلّل ممّن يعمر مساجد الله ويعمل على نظافتها، ولكن ينبغي أن لا يتمّ إختصار النظافة والمحافظة في المساجد وإنما توسيع دائرتها لتشملّ كل الأرض، فرسولنا عليه الصلاة والسلام يقول: "وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً". خلاصة القول، أن الحفاظ على البيئة وعلى نظافتها هي ثقافة مُكتسبة، وعلى الأفراد وعلى السلطات كذلك تنمية الفطرة السليمة لتصير ثقافة، وهذه الثقافة منوطة بتنمية الجوهر لا مجرّد المظهر.

9.8.12

النفس الرمضانية 5: المحافظة في مجتمع محافظ – الجزء الأول




مع إطلالة كل صباح نهمّ بفتح النافذة لنرى منظرا يُسعدنا وإذ بنا نرى الأوساخ تروح وتجيء مع الرياح! نحمل العائلة إلى وادي القرية عند أطرافها وإذ بنا نُذعر بأكوام الزبالة تنتشر في كل مكان واللافتة في مكانها: ممنوع إلقاء النفايات، كل من يُخالف القانون سيُعاقب! نفتح النوافذ لتهوئة المنزل وإذ بالجار يحرق ما لا يريد وقت هبوب الرياح! تجلس للدراسة لإمتحان وإذ بأحدهم يُشعلها موسيقى صاخبة في سيارته أو في بيته! تُركّب حنفيات ماء على حافة الطريق عن روح الحاج فلان وإذ حالتها بعد فترة قصيرة يُرثى لها! الطاولات في المدارس تُخلّع، مصابيح الإنارة في الشوارع تُكسّر، هذا عدا الإعتداء الممنهج على الممتلكات العامة مثل حرقها أو سرقتها أو ما شابه! ومن ثم نقول نحن مجتمع محافظ! والسؤال على ماذا نحافظ فعلا؟ على الممتلكات العامة؟ أعوذ بالله. على الأخلاق والآداب؟ لربما في الظاهر!

لكنّ ما يزيدنا تناقضا أننا ندّعي الإسلام في حين أن الإسلام يحث على المحافظة على البيئة، وفي ذلك نصوص كثيرة، منها: "وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا" (الأعراف، 56)، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (البقرة، 205)، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا ضرر ولا ضرار"، وأيضا أنه قال عليه الصلاة والسلام: "من أماط أذى من طريق المسلمين، كُتبت له حسنة، ومن تقبلت منه حسنة دخل الجنة". والعجيب أن الأمة التي أُمرت بالحفاظ على بيئتها قد جعلتها وراء ظهرها، في حين أن من لم يردعهم أمر إلهي حافظوا على محيطهم!

إن هذا التناقض يصل بنا إلى البحث عن جوهر المشكلة: فهل الفرد هو المتّهم أم هي السلطات الحاكمة (ومن بينها المجالس المحلية)؟ إننا نرى أن المسؤولية تتوزّع على الأفراد وعلى السلطات، فالفرد والسلطة عنصران أساسيان في القضية. على صعيد الأفراد، نسأل ما هي طبيعة البشر: هل الطفل عندما يُولد يكون خيّرا أم شريرا؟ إن الفلاسفة اختلفوا في الإجابة عن هذا السؤال فمنهم من قال أن الطفل بطبيعته خيّر والمجتمع يُفسده مثل روسو، ومنهم من قال أنه شرير والبيئة تُصلحه مثل فرويد، ومنهم من قال أنه لوح أملس بمعنى لا خيّر ولا شرير مثل جون لوك، إلا أننا نعتقد أن الطفل يُولد على الفطرة الحسنة، ولكنّ المشكلة تكمن في البيئة التي لا تنمّيها كما يجب وإن كانت بيئة إسلامية في ظاهرها.

من هنا نصل إلى أن هناك خللا في البيئة التي تُسمّى إسلامية (وهي في الحقيقة لا تُطبّق تعاليم الإسلام كما يجب) ونحن نعلم أيضا أن بيئة الطفل هي التي تُساهم في تربيته، لذا فإن التربية هي جوهر المشكلة، وعليه فإننا نلاحظ أن التربية في هذه الأيام سطحية لأنه يتم التركيز على الظواهر أكثر من الجوهر ومن الباطن، وهي مبنيّة على الخوف أكثر من الفهم والإقناع، ففي غياب أعين الوالد ترى الولد يستبيح كل نهي وهذا أمر جدّ خطير، حتى أن بعض الآباء والأمهات يشتركون مع أبنائهم في فعل الشر، فطالما هم بعيدون عن ممتلكاتهم الخاصة يمكن للولد أن يفعل ما يريد، إذا كانوا في مكان عام يمكن للولد أن يُخرّب أو يُدمّر حتى أمام أعين الأب أو الأم، أما في بيت العائلة فإياه ثم إياه. لكنّ تأثير البيئة أوسع مما فصّلنا حتى الآن، فللقيم التي تُذوّت في الولد من الكتب ومن وسائل الإتصال الحديثة مثل: التلفاز والإنترنت وألعاب الحاسوب أثر ملحوظ، وللأصدقاء تأثير كبير (خاصة أبناء نفس الجيل) وكذلك للجو العام في الحارة التي يقطنها وللإيحاءات التي يراها ولبيئة القرية بشكل عام. مثال على إيحاءات سلبية: نظرية "الشباك المكسور" التي تقول أن الإنسان إذا شاهد شباكا مكسورا في مكان معيّن فإنه يفهم أن كل شيء مسموح في ذاك المكان ولا قوانين حاكمة، ولذا يمكنه التكسير والتخريب.

* الصور أعلاه من تصوير الأخ فضل أحمد مرة. 

يتبع ... 

8.8.12

مسلمات في الأولومبيادة







رغم أن الصحافة الغربية تعجّ بالجدل حول مشاركة المرأة المسلمة في الألعاب الأولومبية، خصوصا بعد مشاركة لاعبتين سعوديتين لأول مرة، إلا أن غالبية الأوساط الدينية ما زالت تُحافظ على الصمت.

فهي قضية جدّ مركبة وتحتاج إلى بحث وإيضاح: من جهة أولى، إن التزمت اللاعبات بالزي الإسلامي ولم تتخلّ الواحدة عن مبادئها، فما هو المانع من المشاركة؟ بالإضافة إلى أن المشاركة بحد ذاتها يمكن أن توصل رسالة الإسلام السمحة، فالإسلام يدعو إلى الرياضة ويشجّعها ولكن بحدود، ولذا فإن ظهور اللاعبات بشكل مُختلف عن الأخريات يلفت الأنظار ويذكّر الغرب بدين اسمه الإسلام ويُفهمهم أنه ليس دين التطرّف وليس يظلم المرأة ولكنه لا يتنازل عن ثوابته مهما كان، وهو بالتالي يظهر فريدا بين الآخرين.

لكن من جهة أخرى، فإن الظهور بشكل مُختلف يمكن أن يُشعر بالوحدة وبكونك شاذ في المكان، ومن ثم فإن اللباس الإسلامي الكامل يمكن أن يكون غير مريح وغير ملائم خصوصا للرياضات التي تتطلب مجهودا كبيرا، والنقطة الأهم هي أن التواجد في بيئة غير إسلامية يمكنه أن يؤثّر على اللاعبة فتبدأ بالتساهل شيئا فشيئا في لباسها إلى أن تلبس اللباس الضيّق وربما تخلع الحجاب. هذا بالإضافة إلى الإخلال في مسؤوليات المنزل ورعاية الأولاد، حتى أن إحدى اللاعبات المسلمات شاركت في الألعاب الأولومبية أثناء فترة حملها!  

للمزيد يمكن الإطلاع على المقال التالي باللغة الإنجليزية: 
http://muslimmedianetwork.com/mmn/?p=11072

4.8.12

النفس الرمضانية 4: توجيه الغضب



من العجيب أن تسمع أن حمام دماء كامل بين عائلتين وعداوة وبغضاء راحت ضحيتهما أنفس، نجمت عن سبب تافه يستحي الإنسان السوي من ذكره ألا وهو: خلاف على حق الأولوية أثناء قيادة السيارة. إلا أن هذا الخلاف البسيط الذي بدأ بين شخصين في لحظة غضب، صار يكبر شيئا فشيئا وكلٌ يحشد رجاله وذويه للوقوف في صفّه وليس في صفّ الحق، إلى أن وصل الخلاف إلى عصبية قبلية وإلى صراعات لنرى فيها من الأقوى ومن هم الرجال حقا وحقيقة! إنه الغضب الذي يُسيطر على نفس واحدة أو أكثر فيُعدي الأخريات حتى يستشرس في أفراد كثر وكلهم يحسبون أنهم على حق، لكنك إذا نظرت من الخارج (نظرة موضوعية دون تحيّز لأحد الأطراف) تكتشف تفاهة عقولهم وتفكيرهم الساذج البسيط الذي يصغر تفكير الأطفال لأنه يفتقد للبراءة علاوة على أنه يرفض المنطق بعد أن عُرض عليه.

"والغضب عدو العقل" (إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان)، "والغضب يُنسي الحرمات، ويدفن الحسنات، ويخلق للبريء جنايات" (قرى الضيف)، لكن من جهة أخرى، فإن "الغضب من الصفات التي ندر أن يسلم منه أحد بل تركه بالكلية صفة نقص لا كمال" (د. نايف بن أحمد الحمد)، والغضب يأخذ في الغالب معان سلبية، لكننا نحتاجه في أحيان كثيرة لأنه يدفعنا نحو العمل والتغيير، فما هو الغضب المذموم وما هو الغضب المحمود؟ الغضب المذموم تستحقره النفس وتزدريه، وترى فيه اللا منطقية، لأن من يعرف أن حياته محدودة وأنه سيُحاسب على فعله، يبدأ يفكّر: هل يُعقل أن أسمح لأحد من البشر أن يستفزّني وأن يُغضبني؟ وكيف لبشر أن يُحرّكك كيفما شاء فيُغضبك متى شاء هو؟! ثم هل يُعقل أن أهلك نفسي في معركة كلامية أو جسدية أو نفسية أو كلهن مع بعض، ونحن بحجم حقير مقابل مليارات البشر ومقابل حجم الكرة الأرضية وحجم الكون بأكمله؟ من سيسمع صدانا؟ إن أردنا إظهار بأسنا وقوّتنا وأننا رجال، هل ستسمع أوروبا ببطولتنا، وهل ستنحرف الشمس عن مسارها عند غضبنا؟ وهل الرجولة بالعضلات والعنف؟ هل يُعقل أن أُشغل نفسي بتوافه كهذه وأهدر الساعات على مسائل لا طائل منها، في حين أني أستطيع تطوير ذاتي وإضافة الخير إلى هذا العالم بدل هذا الوقت الضائع؟ هل يُعقل أن أبدأ الشر أو أستجيب لإشارة الشر فأُدخل نفسي وعائلتي وربما كل أهل قريتي في دوّامة لا مخرج منها؟ هل يُعقل أن أُعذّب نسلي وأهل بلدي من أجل إظهار القوّة والقهر؟

أما الغضب المحمود فهو المطلوب لأنه الخطوة الأولى لمواجهة الشر والظُلم والعُدوان، "وهو ما كان لله تعالى عندما تُتنهك محارمه، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان" (د. نايف بن أحمد الحمد)، وقد قال ربنا جلّ وعلا على لسان نبيه موسى عليه السلام: "وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ" (الأعراف، آية 150). لكنّ أمتنا الإسلامية لم تعرف كيف توجّه غضبها فركّزته في مشاحنات حول توافه الأمور مثل: إختلاف على شبر أرض، إختلاف على حبيبة، والجامع لهذه الأمور كلها أنها اختلافات على أمور دنيوية من عالم الأشياء أو الأشخاص، ونسيت بالمقابل أن تغضب على الظلم والإستبداد وقتل الناس الأبرياء في العالم الواسع، والعجيب في الأمر أن أغلب ما يدور حوله الغضب المحمود هو غضب على أفكار مذمومة. لهذا فإن الغضب المحمود يُحرّك النفس ويدفعها لتعمل نحو التغيير، والواجب أن يسكت الغضب بعد ثورانه ليفسح المجال للعقل كي يأخذ دوره ويحرّر الناس بطرق مدروسة من الظلم والشر ومن العادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان ومن الغلو في الدين.

ومن ثم فلماذا نتناول موضوع الغضب عند الحديث عن النفس الرمضانية؟ رمضان يُسفر عن مدى صبر الإنسان على أذى أخيه الإنسان لأنه ساعة شدّة بحكم تحريم الأكل والشرب خلال النهار، ولذا فإن الإنسان وتحت الظروف الصعبة (الجوع والعطش وحرارة الطقس العالية وضيق المعيشة) يكون مُعرّضا أكثر للغضب، فالواجب كما أسلفنا عدم تجاوز وعدم كبت الغضب، ولكن توجيهه إلى المسار الصحيح، لأننا إن لم نوجّهه ولم يلقَ له مسلكا فلربما سينفجر في الطريق الغير آمن وعندها سنشهد حالة أخرى من الغضب المذموم الذي لا يمكن إسكاته سريعا في أحيان كثيرة. لكنّ زيادة العُرضة للغضب، تجابه بتأثير لا يتواجد في الأيام العادية وهي تأثير الأجواء الرمضانية، ولذا وإن بدا لنا كثير من بوادر الغضب، إلا أن هذه البوادر لا تتطوّر إلى خلافات كبيرة في غالب الأحيان بفعل تأثير رمضان وهذا من رحمة الله علينا.

أما فيما يتعلّق بالحديث الذي رواه أبو هريرة عندما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أوصني. قال عليه الصلاة والسلام: "لا تغضب فردد مرارا قال: لا تغضب". فإنه كما يظهر من الحديث أن "الغضب المذموم الذي نهى عنه الشرع هو أن يغضب الإنسان انتقاما لنفسه. أما إذا غضب غيرة لله لانتهاك محارمه أو دفعا للأذى عن نفسه وغيره في ذات الله فهذا غضب محمود شرعا وفاعله يثاب على ذلك" (خالد بن سعود البليهد)، وهذا يؤكّد ما أسلفنا من قول، إذ أن الغضب نوعين: نوع محمود وآخر مذموم. والعجيب أنه إذا نظرنا في أثر الغضبين على النفس الإنسانية، فإننا نلاحظ أن الغضب المذموم يودي بصاحبه في غالب الأحيان إلى الندم لأنه يُدرك أن عمله فظيع مقابل سبب غضبه، وأما الغضب المحمود فإنه يترك أثرا إيجابيا في النفس لأنه يُعتبر نوعا من التضحية في سبيل مصلحة الأمة. 

2.8.12

النفس الرمضانية 3: رمضان في الأقصى، الأقصى في رمضان



مثلما يزيد الترابط ما بين المصلين والمساجد في رمضان فكذا يزيد إرتباط الناس بالأقصى الشريف. وقد استعملت كلمة المصلين عند الحديث عن المساجد العادية، لأننا نتوقّع أن يزيد اندفاع من كان عنده اندفاع سابق نحو المساجد، فالذي كان يُصلّي صلاة المغرب والعشاء بالمسجد، سيصير يُصلّي في رمضان المغرب والعشاء والتراويح، أما من كان آخر همّه وصول المساجد قبل رمضان، فإن دخول الشهر الكريم لا يزيد من إرتباطه بالمساجد إلا من رحم ربي فأعلنها توبة نصوحا. أما عند الحديث عن الأقصى الشريف فإن المصطلح يختلف فنستبدل كلمة المصلين بالناس، ذلك أن للأقصى مكانة خاصة في قلوب المسلمين وعقولهم، وأن كونه مظلوما يزيد من تعاطف الناس مع قهره وألمه وأساه في رمضان، ولا نستغرب عندما نرى الناس أفواجا أمواجا في تراويح الليل أو جمعة النهار، إذ أن كثيرا ممن كانوا لا ينتبهون لنداء خالقهم صاروا يُهرولون للصلاة ولو كان من باب التقليد والعادات.

هالة التقديس الحيوية التي تُحيط بالأقصى هي مما يُساهم في حمايته، فعندما يعتبر الناس المكان مقدّسا، يزيد من وجلهم وإحترامهم له، وإذا ما خُدش أو نيل منه فإن الجموع تنفر لأنّ التقديس يرفع من شأن الشيء. كما أن لنفس هالة التقديس تأثير إيجابي على إزدياد إرتباط الناس بالأقصى، ولا شكّ لدينا أن التقديس يدخل أيضا في المساجد العادية، إلا أنه يبقى أكثر بروزا وتأثيرا عند الحديث عن ثالث الحرمين الشريفين وأولى القبلتين. أضف إلى ذلك، أن الأجر يتضاعف في المسجد الأقصى بإذن الله، فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى عظيم الأجر لمن صلّى في المسجد الأقصى في أكثر من موضع، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة"، وأيضا قوله: "لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى". فجمع مناسبة رمضان إلى الأقصى، أو جمع الأقصى إلى رمضان، يزيد من الأجر عند القيام بنفس العمل، لذا من المنطقي لمن كان عيشه محدود، أن يبحث عن هذه الفرص الثمينة التي فيها تتضاعف الأجور مع نفس الجهد والعمل.

رمضان في الأقصى مُختلف، ذلك أن كثيرا من الإيحاءات ترمز إلى أجوائه، وبالطبع ليس كلّها، وأقصد في هذا أنه مُذ دخولك إلى الأسواق تحسّ بحيوية رمضان ونشاطه إذا تكلّمنا عن الأجواء بعد الإفطار قُبيل صلاة التراويح، فترى الجموع تسير نحو هدف واحد وقسم يحمل مصلّاه بين يديه، والجدران مُزيّنة بالزخارف الإسلامية المضيئة وبهلال رمضان، والجلبة قائمة والنشاط والحركة والنداءات بفعل الأجواء الرمضانية، ولو لم يكن رمضان لما وجدنا كل هذا النشاط والحركة في مثل هذه الأوقات. عندما تدخل إلى المسجد الأقصى تكتشف أنك لست وحيدا، بل إنك غيض من فيض، فلربما هو أكبر تجمّع يومي للمسلمين في بلادنا، وكيف لا يكون ذلك ونحن نتكلّم عن الحرم القدسي الشريف. الساحات ممتلئة وقراءة الإمام تعطّر المكان في كل زاوية من زواياه، والصلاة لا تنحصر بين جدران أربعة وإنما يمكنك أن تُصلي في الهواء الطلق على بلاط الأقصى القديم الذي يذكّرنا بحزنه وألمه. إن كل هذه الإيحاءات والرموز كفيلة بأن تُدخلنا في أجواء رمضانية خاصة، على الرغم من أن كثير من هذه الرموز والإيحاءات لا يتم إلتقاطها بصورة واعية.

أما الأقصى في رمضان فإنه ينال حصة لا بأس بها من الدلال، ففيه يزيد إعماره ويعجّ بمحبّيه، وهو الذي يضمّهم إليه في كل يوم على الأقل مرة واحدة في صلاة التراويح، وفيه تكثر الصدقات وتزيد من الأعمال الخيرية على أرضه التي ما تلبث أن تستقر عليها بصمات. رمضان في الأقصى شيء آخر، وكذلك، الأقصى في رمضان شيء مُميّز، ولا ننسى بطبيعة الحال أن لهذا المكان يتوق ملايين من المسلمين الذي حُرموا من رؤيته بأم أعينهم، فلنا أن نستغلّ هذه الفرصة، وأن نجمع الفضلين: فضل رمضان وفضل الأقصى، في آن واحد.