24.10.12

النباهة والاستحمار/ د. علي شريعتي

الاستحمار هو الاستعمار وهو الاستعباد، وهو كما أفهم لفت النظر عن الأمور الأهم والأمور المصيرية من خلال تزيين أمور مهمة وتسويقها، بهدف إلهاء الشعوب والتحكّم بمصيرها وبالتالي استعمارها واستعبادها، وذلك من أجل المحافظة على الحال القائم لميزان القوى أو تحسينه لصالح الدول العظمى. إنه كتاب يدفعك إلى زيادة الوعي لقضيّتك الأساسية، وهو يُحاول اخراج المستعمَر من وجهة نظره ليرى كيف يفكّر المستعمِر أو المستحمِر وما هي خطّته، وبالتالي يدفع بالإنسان إلى الخروج من دائرة التفكير التي بُنيت له، ليفكّر هو بدوره باستقلالية وبحرية تامة. إن المشكلة الكبيرة هي الغفلة عن الاستحمار لأننا اذا انتبهنا إلى الصورة الكلية وفهمناها جيدا بالصورة الصحيحة ومن خلال نظرة من خارج العلبة المغلقة التي حُشرنا بها، فسوف نخرج حتما من دائرة الاستحمار وهي بداية الطريق إلى النباهة.
 
اقتباسات من الكتاب:
 
 
 

20.10.12

مقال قصير بعد "طوشة" أولاد حارتنا: متى قُتلت الوحدة ؟!


لقد عزمتُ قبل أسابيع قليلة على كتابة مقال حول موضوع الوحدة الزائفة التي تدعو إليها الحركتين الإسلاميّتين الشمالية والجنوبية، إلا أن التسويف استحوذ عليّ في هذه الفترة، وخيرٌ ما كان، لأنّ ما حدث في الأيام القليلة الماضية أكّد لي المشروع الزائف الذي يدعون إليه، مما دفعني إلى المبادرة بكتابة هذا المقال المُقتضب.

ودون إسهاب في الحديث ودون تفصيل مملّ، فإن الحديث يدور حول مفهوم الوحدة، والذي هو من أساسيات العمل الإسلامي، فأمة الإسلام تسعى إلى إعادة هيكلة مفهوم الأمة الواحدة ولكن دون جدوى، فأين يكمن العيب يا ترى؟ هل في فهمنا لمفهوم الوحدة أم في تقصيرنا في الأخذ بالأسباب للوصول إليه؟ إن كان العيب في العامل الثاني فهو أمر مُتوقّع ولا يُزلزلنا بالدرجة التي يزلزلنا إياها العيب في العامل الأول، فالعيب في فهم الوحدة يعني خللا في الأفكار، ومن المنطقي أن يتبعه خلل في التنفيذ، باعتبار أن لكل فعل مجموعة أفكار تسبقه.
 
الوحدة كما نفهمها هي وحدة القلوب، وهي ما يتماشى مع الفطرة الحسنة والأخلاق الحميدة، فلا يصحّ للأحزاب وللحركات بأي حال من الأحوال أن تعمينا عن إبصار الحقائق، ولا يصحّ لنا أن نتعصّب لها ولا أن نكره من لا ينتمي إلى فريقنا، فكلنا أبناء أمة الإسلام تلك الأمة الواحدة، وبالطبع فإن ذلك يعني الكف عمّن قال بلا إله إلا الله. إذا فالوحدة لا تكون بجمع الحركتين في حركة واحدة، فلكل حركة كيانها وتخصّصها، وإنما يكون بجمع قلوب المسلمين تحت مفهوم الأمة الواحدة، فليس من الصواب إضاعة الجهود في جمع حركتين، وإنما الصواب جمع القلوب وهذا هو المعنى الحقيقي للوحدة، ويعني هذا أن تكون هناك تعدّدية حزبية مع منافسة راقية ودون تباغض وتكاره، وفي مواجهة القضايا المصيرية يتمّ جمع الجهود دون أي حرج أو تكلّف. 
 
يقول الشيخ القرضاوي في كتابه الاختلاف المشروع والتفرّق المذموم:

إننا نلحظ أن من يدعو إلى الوحدة هو نفسه الذي يقتلها، ولم تُقتل الوحدة إلا حين أساءت قياداتنا - التي من المُفترض أن تكون على مستوى عال من الثقافة وخاصة الدينية منها – فهم مصطلح الأمة الواحدة.

12.10.12

عرض لروايتين: القوقعة - يوميات متلصص، شرفة الهذيان

القوقعة: يوميات متلصّص/ مصطفى خليفة
إن قوة الكلمات وأثرها لشي عجاب، فمن كان يتصوّر أنه سيرى فيلما من خلال كلمات سوداء على ورق أبيض؟! وما أفظعه من فيلم! والأفظع من ذلك أنه ليس من نسج الخيال، بل هو من وحي الواقع!
إنها الرواية التي تصدمك في كل صفحة أكثر وأكثر، فما أشدّ تشويقها رغم فظاعة المشاهد! إنها الرواية التي تضعك مقابل الحقيقة وجها لوجه، وتترك لك مسؤولية مواجهتها والتعايش معها!
 
فكلنا سمع بالسجن وأساليب التعذيب المختلفة، لكن أن يصف لك أحدهم أدقّ التفاصيل في رحلة العذاب فهو الجديد هنا. والسؤال الذي يسطع فورا: كيف لإنسان أن يقترف هذا الإجرام بحقّ أخيه الإنسان؟ كيف له أن ينهال عليه ضربا بخمس مائة سوط؟ كيف له أن يشنق ثلاثة أبناء مقابل أبيهم المسكين؟ كيف له أن يجبرهم على التعرّي في أشدّ الليالي بردا ومن ثم يرشّهم بالماء البارد؟ كيف له أن يقذفهم بأبشع الكلمات وينتهك أعراضهم؟ كيف لإنسان أن يسرق إنسانية أخيه الإنسان؟ بل كيف له أن يسرق حياته؟
 
وبما أن الإنسان يبحث عن تفسير لهذا الإجرام العصي على الفهم، فإنني أقول أن الدخول إلى وظيفة سجّان أو مسجون يدفع بالإنسان إلى الدخول إلى عمق الوظيفة، مما يجعله يفعل أشياء لم يكن يتوقّع يوما أن يفعلها، فيتحوّل الإنسان إلى سجّان وحشي جلّاد منتقم، في حين يتحوّل الإنسان الآخر إلى مسجون مقهور ذليل مُسلّم بالظلم والقهر، وهذا ينسجم مع تجربة السجن المشهورة التي أجراها الباحث زيمباردو.
 
بطل الرواية العائد إلى وطنه مسرورا، يُستقبل على أيدي أجهزة الأمن ليُلقى في السجن لمدة أكثر من اثني عشر سنة من دون سبب يُذكر، ومن دون أن يُسمح له بالاعتراض على القرار أو حتى اسماع ما لديه أو حتى الدراية بتهمته! وتزداد قوقعته انغلاقا في السجن حينما يقاطعه أغلب المسجونين لأنه مسيحي كافر وفقا لتعبير أحد المتشدّدين، إلا أن المثير في الأمر أن القوقعة التي فُرضت عليه في السجن رغم أنفه، ما تلبث إلا أن تصير اختياره بعد خروجه من السجن، فلنا أن نتخيّل حجم الذلّ والعذاب والتحطيم النفسي الذي لقيه بطل الرواية في يومياته التعيسة. تحفظّي من هذا الكتاب هو على الكلمات النابية التي لسنا بحاجة لسماعها لتخيّل مدى الإذلال، وكذلك على استغلال تعاطف القارئ مع المحنة لعرض إشارات إلحادية وتشكيكية بوجود إله.
 
رواية شرفة الهذيان/ ابراهيم نصر الله
رواية لا تخرج منها بشيء يمكن صياغته سوى مشاهد متقطّعة تلفّها أغطية من الغموض. لكنّ الكاتب رمى بذلك إلى هدف وهو تجسيد حالة الاغتراب المرّة التي باتت تحتلّ مساحة شاسعة في الروح العربية منذ حرب الخليج الأولى، مرورا بالظلال القاسية لما آل إليه الحال الفلسطيني وصولا إلى مرحلة ما بعد 11 سبتمبر واحتلال العراق. وقد برع الكاتب في هذا الجانب فلا تواصل طبيعي بين أبناء العائلة الواحدة، وإنما مجرّد هلوسات يتخيّل فيها الأب أنه قتل عائلته، وعصفور يستحوذ على عقل الأب خوفا من الكلب الذي تريده العائلة، مما يعكس مدى التفاهة والسذاجة، ولا تواصل طبيعي بين الجيران، فكثيرا ما ينتهي الحديث بجملة: "ما الذي تعنيه بكلامك هذا؟ أرجو أن تقول لي بصراحة ما الذي تعنيه إن كنت تعني شيئا بكلامك هذا؟!"، حتى مكان العمل غير طبيعي فما شأن السطح وما شأن جهة الغرب التي يُمنع الموظّف من النظر نحوها؟ ما بدأ غامضا يبقى إلى آخر الرواية غامضا بل ويزداد غموضا، وما بدأ من مشاهد يبقى مع نهاية مفتوحة، لذا يخرج القارئ بشعور بفراغ وعبثية وكأنه لم يحصد من الرواية شيئا. ولولا بساطة كلمات الرواية وتسارع أحداثها لما شدّتني إلى إنهائها.
 
في غلاف الرواية نجد الجملة التالية: "في هذه الرواية يجمع نصر الله ملحمية بريخت وعبثية بيكيت ويدفع بالكتابة الروائية إلى منطقة جريئة لم يسبق للرواية العربية الحديثة أن ذهبت إليها"، وفعلا لم نعتد رواية عربية بهذه العبثية المقصودة، ولهذا كان عنوانها ملائما لمحتواها وبشدّة، فكلها هذيان.

11.10.12

ملكوت الواقع من سلسلة كيمياء الصلاة/ د. احمد خيري العمري

 
كتاب عميق في عرضه وتحليله، يجعلك تنظر إلى أقرب الأمور إليك من زاوية أخرى، ويدفعك إلى إعادة النظر في المألوف، بل ويثبت لنا بساطة نظرنا لأمور مألوفة مثل النداء للصلاة ومن ثم نية الدخول فيها وتكبيرة الإحرام. إنه إعلان ثورة لتجديد الفهم الديني بكل معنى الكلمة!
 
يتكوّن الكتاب من ستة فصول وهي: الأذان – صوت صارخ في البرية، الأوقات الخمسة – أن تصير جزءً من هذا العالم،  الوضوء – ومن الماء تتدفّق الحياة، القبلة – العودة إلى البيت، النية – الركن الذي لا يُرى بالعين المجرّدة، التكبير – إشارة الانطلاق. بالإضافة إلى الخاتمة بعنوان: أن تكون الأول.
 
مهما وصفتُ لك فإن الوصف لن يُذيقك عنصر التجديد البارز في هذا الكتاب، وإنما قراءته هي الكفيلة بأن تجعلك تنبهر من أصالة أفكاره وبراعة تحليله، فالله أكبر ترتبط بالتجربة الإبراهيمية والعمرية (نسبة لعمر بن الخطاب)، والشهادتان هما قانون الأولويات، وحي على الصلاة هي دعوة للحياة وليس فقط لأداء الصلاة، وحي على الفلاح هي دعوة لبذل ذلك الجهد الإنساني للوصول إلى ثمرة أكثر تعقيدا، للوصول إلى حياة بمقاييس وقيم أعلى. إن فحوى هذا الكتاب كنز يمكنك أن تتذوٌق قليله من خلال المختصر في الغلاف الخلفي:
 
اقتباسات من الكتاب:
 
 

الإسلام والفن/ د. يوسف القرضاوي

كتاب يُعالج موضوع غاية في الأهمية ألا وهو موضوع الفن: فهل يُحرّم الإسلام الفن بمطلقه؟ أم أنه يضع ضوابط ينبغي مراعاتها حتى لا يكون فنّا هابطا تسويقيا؟ والحق أنك عندما تقرأ هذا الكتاب تكتشف المسافة الهائلة بين فهم الدكتور القرضاوي وغيره من علماء الأمة للفن وبين واقعنا الذي نحياه، ففي واقعنا هناك من نبذ الفن وراء ظهره كأنه رجس من عمل الشيطان، وهناك من تمادى ففتح الأبواب على مصراعيها دون أن يستعمل المصفاة وصار مُقلّدا للغرب ومستهلكا لبضاعاتهم الهابطة، مما أضاع الحق بين مُفرط ومفرّط.  
 
ففي أهمية الفن يقول الدكتور القرضاوي: "ولا مراء في أن موضوع الفن موضوع في غاية الخطر والأهمية ، لأنه يتصل بوجدان الشعوب ومشاعرها ، ويعمل على تكوين ميولها وأذواقها ، واتجاهاتها النفسية ، بأدواته المتنوعة والمؤثرة ، مما يسمع أو يقرأ ، أو يرى أو يحس أو يتأمل "، أما عن حكم الفن فهو يقول: "ولأن الفن وسيلة إلى مقصد ، فحكمه حكم مقصده ، فإن استخدم في حلال فهو حلال ، و إن استخدم في حرام فهو حرام"، وأما عن المتشدّدين في الموضوع فهو يقول: "وربما ساعدهم على ذلك سلوك بعض المتدينين ، الذين لا ترى أحدهم إلا عابس الوجه ، مقطب الجبين ، كاشر الناب ، وذلك لأنه إنسان يائس أو فاشل أو مريض بالعقد والالتواءات النفسية ، ولكنه برر ذلك السلوك المعيب باسم الدين ، أي أنه فرض طبيعته المنقبضة المتوجسة على الدين ، والدين لا ذنب له ، إلا سوء فهم هؤلاء له ، وأخذهم ببعض نصوصه دون بعض . وقد يجوز لهؤلاء أن يشددوا على أنفسهم إذا اقتنعوا بذلك ، ولكن الخطر هنا : أن يعمموا هذا التشديد على المجتمع كله ، ويلزموه برأي رأوه ، في أمر عمت به البلوى ، ويمس حياة الناس كافة "، بل إن الفن يدخل في العبادات: "وقراءة القرآن وسماعه عند من عقل وتأمل إنما هما غذاء للوجدان والروح لا يعدله ولا يدانيه غذاء ، وليس هذا لمضمونه ومحتواه فقط ، بل لطريقة أدائه أيضاً ، وما يصحبها من ترتيل وتجويد وتحبير تستمتع به الآذان ، وتطرب له القلوب ، وخصوصاً إذا تلاه قارئ حسن الصوت ، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم لأبي موسى : «لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود » رواه البخاري والترمذي".
 
في موضوع الغناء ينتهي إلى: "والخلاصة أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح ، أو صريح غير صحيح . ولم يسلم حديث واحد مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح دليلاً للتحريم ، و كل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية . قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب « الأحكام » : لم يصح في التحريم شيء . و كذا قال الغزالي و ابن النحوي في العمدة . و قال ابن طاهر في كتابه في « السماع » : لم يصح منها حرف واحد . و قال ابن حزم : « و لا يصح في هذا الباب شيء ، و كل ما فيه فموضوع . ووالله لو أسند جمعية ، أو واحد منه فأكثر ، من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم،‌ لما ترددنا في الأخذ به » (انظر « المحلى » : 9/59)"، وأيضا: " فمن نوى باستماع الغناء ، ومن نوى به ترويح نفسه ، ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل ، وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن ، وفعله هذا من الحق ، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه ، كخروج الإنسان إلى بستانه ، و قعوده على باب داره متفرجاً وصبغه ثوبه لا زورديّاً أو أخضر أو غير ذلك ، ومد ساقه وقبضها ، و سائر أفعاله (المحلى : 9/60(".
 
ويقول أيضا: "ولو تأملنا لوجدنا حب الغناء والطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية ، حتى إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه ، و تنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه . ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم . بل نقول : إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة حتى قال الغزالي في « الإحياء » : «‌ من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال ، بعيد عن الروحانية / زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور و جميع البهائم ، إذ الجمل – مع بلادة طبعه – يتأثر بالحداء تأثر يستخف معه الأحمال الثقيلة و يستقصر – لقوة نشاطه في سماعه – المسافات الطويلة ، و ينبعث فيه من النشاط ما يسكره و يولهه . فترى الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها ، وتصغي إليه ناصبة آذانها ،‌ وتسرع في سيرها ،‌ حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها »"، ويزيد على ذلك: "و إذ كان حب الغناء غريزة وفطرة فهل جاء‌ الدين لمحاربة‌ الغرائز و الفطر و التنكيل بها ؟ كلا ، إنما جاء لتهذيبها والسمو بها ، و توجيهها التوجيه القويم . قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها و تغييرها". لكن من العجيب أن تسمعه يقول: " فقد ورد عن أبي الدرداء قوله : « إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحق «".
 
أما فيما يتعلّق بالتصوير فهو يجمل القول بما يلي: "ونستطيع أن نجمل أحكام الصور والمصورين في الخلاصة التالية :
( أ ) أشد أنواع الصور في الحرمة والإثم صور ما يعبد من دون الله ، فهذه تؤدي بمصورها إلى الكفر إن كان عارفاً بذلك قاصداً له .
و المجسم في هذه الصور أشد إثماً ونكراً . و كل من روج هذه الصور أو عظمها بوجه من الوجوه داخل في هذا الإثم بقدر مشاركته .
( ب ) ويليه في الإثم من صور ما لا يعبد ، ولكنه قصد مضاهاة خلق الله ، إي ادعى إنه يبدع و يخلق كما يخلق الله ، فهو بهذا يقارب الكفر ، وهذا أمر يتعلق بنية المصور و حده .
( ج ) و دون ذلك الصور المجسمة لما لا يعبد، و لكنها مما يعظم كصور الملوك والقادة والزعماء وغيرهم ممن يزعمون تخليدهم بإقامة التماثيل لهم ، و نصبها في الميادين ونحوها ، ويستوي في ذلك أن يكون التمثال كاملاً أو نصفياً .
( د ) ودونها الصور المجسمة لكل ذي روح مما لا يقدس ولا يعظم ، فإنه متفق على حرمته ، يستثنى من ذلك ما يمتهن ، كلعب الأطفال ، ومثلها ما يؤكل من تماثيل الحلوى .
( هـ ) و بعدها الصور غير المجسمة ( اللوحات الفنية ) التي يعظم أصحابها ، كصور الحكام والزعماء ، وغيرهم ، و خاصة إذا نصبت وعلقت ، وتتأكد الحرمة إذا كان هؤلاء من الظلمة والفسقة والملحدين ، فإن تعظيمهم هدم للإسلام .
( و ) ودون ذلك أن تكون الصورة غير المجسمة لذي روح لا يعظم ، ولكن تعد من مظاهر الترف ، و التنعم كأن تستر بها الجدر ونحوها ، فهذا من المكروهات فحسب .
( ز ) أما صور غير ذي الروح من الشجر والنخيل والبحار والسفن والجبال والنجوم والسحب ونحوها من المناظر الطبيعة ، فلا جناح على من صورها أو اقتناها ، ما لم تشغل عن طاعة أو تؤد إلى ترف فكره .
( ح )‌ و أما الصور الشمسية ( الفوتوغرافية ) فالأصل فيها الإباحة ، ما لم يشتمل موضوع الصورة على محرم ، كتقديس صاحبها تقديساً دينياً ، أو تعظيمه تعظيماً دنيوياً ، وخاصة إذا كان المعظم من أهل الكفر أو الفساق كالوثنيين والشيوعيين والفنانين المنحرفين .
( ط ) وأخيراً . . إن التماثيل والصور المحرمة أو المكروهة إذا شوهت أو امتهنت ، انتقلت من دائرة الحرمة والكراهة إلى دائرة الحل ، كصور البسط التي تدوسها الأقدام والنعال ونحوها ".
 
كما يشتمل الكتاب على حديث عن حدود الضحك والمزاح، وعلى حديث عن الألعاب المتنوّعة (مثل الشطرنج والألعاب البهلوانية ووو) وما يتوجّب الحذر منه في هذا الباب. وباختصار فإن روح الكتاب تنسجم مع الفطرة وما يحرم لا يحرم إلا إذا احتوى على ضرر، فلكل تحريم حكمة علمناها أم لم نعملها.

10.10.12

الأحلام/ د. مصطفى محمود

كتاب مشوّق في أسلوبه، فبدءً من مُقدّمته المكثّفة والتي تجعلك تنظر إلى العالـمَين بالصورة الإبداعية التي أرادها الكاتب، فهي تنتهي إلى: "لقد فطرها (أي النفس) على البحث عن الحق والإيمان به وقال لنا في جميع كتبه إنه الحق، ولهذا كانت كل خطوة في سبيل معرفة الحق هي عبادة وهي دين وهي علم، وهي الفكر كما أراد له الله أن يكون".
وكما هي مؤلّفات مصطفى محمود الأخرى، الكتاب لا ينحصر فقط في أحلام النوم وإنما يتحدّث أيضا عن حقيقة الحب وعن محنة القلق وعن الوهم والفصل الأخير هو فصل لطيف، مسلٍ ورائع بعنوان أقوال غير مأثورة. خلاصة قول الكاتب فيما يتعلق بالأحلام هي:
أما فيما يتعلّق بالحب فهو يجمل قوله بالتالي:
 

وأما فيما يتعلق بالقلق فهو يخلص إلى:
وأما بالنسبة لفصل الوهم فإليكم هذه الاقتباسات المّلخِّصة:

خواطر شاب/ احمد الشقيري

الكتاب مقسّم إلى أربعة أجزاء وهي: خواطر للقلب والروح، خواطر لتطوير الذات، خواطر للعقل والفكر، خواطر عن أحداث. كتاب مُبسّط، يحوي مواضيع عديدة، معروضة بصورة عصرية على شكل خواطر قصيرة. الجزء الأول يحوي خواطر قلبية وروحية مثل: حديث عن القلب وأهميته، لقاء الأموات بالأحياء واقتباس من كتاب الروح لابن القيم، أهمية الإخلاص وأقوال للأم تريسا، كيف يملك كلنا أربع زوجات؟ ومن هي الزوجة الأهم والتي ننشغل عنها؟، وغيرها من المواضيع من مثل: النية، حب الله، الشكر يكون بالعمل...  
  
الجزء الثاني من الكتاب يحوي مواضيع مثل: السعادة الحقيقية، كيفية التحكّم بالغضب، كيفية الخشوع في الصلاة، كيفية تطوير العقول، التبرّع بالدم، التخلّص من العادات السيئة... الجزء الثالث يضمّ مواضيع فكرية مثل: الاختلاف، التواضع، الغرور، إنسانية المرأة، سنن الله في التغيير، الحرية والتبرّج، القراءة، التقاليد مقابل الدين، البيوت مقابل الحكومات... الجزء الثالث هو الأقصر ويشمل ثلاثة مواضيع: الإسلام دين الرحمة، كيف يكون زلزال آسيا رحمة؟، رد الفعل على رسومات الكاريكاتير المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام لا يكون بالمقاطعة وإعلان الحرب وإنما بالدعاء لأهل الدنمارك بالهداية وعرض الدين بالصورة الصحيحة.

6.10.12

مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي/ مالك بن نبي

كتاب فكري من الدرجة الأولى، ثري ومثري ولكنه صعب في لغته وأفكاره، مما يتطلب من القارئ انكبابا تاما عليه أثناء قراءته، ولربما يحتاج إلى أكثر من قراءة حتى تبقى أفكاره حيّة داخلنا. لكنّ الجيّد في النسخة التي قرأتها أنها تحتوي على مختصر لكل فصل وإليكم مجموع هذه المختصرات:
 
 
 
 




 
 




بسيخولوجي! - الجزء الثاني

المرحلة التي تليها تشمل دمج مصطلح الـ"بسيخولوج" في حياتنا، حتى يصير الحديث عن الذهاب إليه أو التوجّه له حدثا طبيعيا، فيصبح الفرد يقول: "سأستشير بسيخولوجي في الأمر". إن ما نرنو إليه يبدو حُلُما بعض الشيء في مجتمع كمجتمعنا العربي، ولكن يمكن النظر إلى القضية بشكل مختلف، إذ أنّ الطبيب العام أو طبيب العائلة دارج في كلامنا وهو يُعالج الأمراض الجسدية، ولذا فمن المنطقي أن يكون الطبيب النفسي بالمثل لأنّ الفرق هو أن الثاني يُعالج الأمراض النفسية، ووفقا لهذا المنطق فإن المسألة مسألة وقت لا أكثر! لكن يبقى هناك قول شائع بين الناس أننا لا نحتاج أصلا إلى "بسيخولوج"، وعند بعض المتديّنين يظهر القول: أن القرآن هو علاجنا من كل مرض نفسي!
 
إن الرفض لـ "البسيخولوج" يشبه الرفض لأي عنصر من عناصر الحداثة ومثال ذلك هو رفض "الإنترنت" أو "التلفاز" عند بعض المتشدّدين. كما أننا نُجيب على من يدّعون أن القرآن هو علاج كل مرض نفسي بما يلي: إن الـ "بسيخولوج" هو حلقة الوصل وهو الوسيلة، مثله كمثل الطبيب العام فهو الوسيلة أيضا، وليس هو "الشافي"، فالله هو الشافي وكلامه تعالى في القرآن هو الشافي نعم، ولكنّنا نحتاج إلى من يُترجم كلام الله إلى طُرق علاج وإلى واقع عملي، ونضرب مثالا الصدمة الكبيرة التي حدثت عند اكتشاف الميكروسكوب عام 1595، إذ مكّنت العلماء لأول مرة من رؤية الجراثيم، التي ثبت بعد ذلك أنها المسئولة عن كثير من الأمراض. كيف ذلك؟! أليس الله (أو الشيطان) هو الذي يُنزل الطاعون والأوبئة بالبشر؟ إنها نفس الكرّة تعود لتظهر هنا، فكل مرة حين لا يجد بعض المتديّنين تفسيرا علميا يعجبهم، يرجعون ذلك إلى غيبيات لا يمكن فكّ لغزها، فهي أسهل الطرق للتنصّل من الواقع.
 
ما يُطمئن القلب أنه عندما يزيد الوعي لدى مجتمع معين فإنه من الصعب إرجاعه إلى الوراء في وعيه، فمن أدرك أنه مظلوم حقّ الإدراك فإنه سيستعصي على ظالمه القعود بهدوء لأن مظلومة فهم الوضع الذي يعيش فيه. إنّ إخفاء المشكلة النفسية الصغيرة يمكن أن تصل بصاحبها إلى درجات لا تُحتمل وعندها سينفجر البركان وربما يحدث ما لا يُحتمل عُقباه مثل حوادث الإنتحار والعنف، كل هذا بسبب التستّر والإنغلاق خشية العار!!! زد على ذلك أن مشكلة المجتمع العربي مزدوجة: فمن جهة واحدة الأفراد "فضوليون" ويحبّون أن يعرفوا ما جرى مع معارفهم وأن يتتبعوهم، ومن جهة أخرى هناك تكلّف إجتماعي يسعى لإخفاء أي زيارة لعيادة نفسية مهما يكن السبب.

4.10.12

بسيخولوجي! - الجزء الأول

شاب قروي: مرحبا، هل لي أن أسئلكِ كيف تم قُبولكِ للقب الثاني في علم النفس؟ ما هي الأشياء التي من المفضّل تواجدها في المرشّح للقبول؟
 
شابة من إحدى المدن المختلطة: أنا شخصيا تم إعلامي بالقبول في فترة متأخّرة، قبل بداية السنة الدراسية بفترة قصيرة، ولكني أنصحك بالتزوّد بتوصيات من أماكن عملت بها أو تطوّعت وكذلك توصية من محاضر أو محاضرة في الجامعة، فهي من أهم الطلبات. كذلك، إن أمكنك مرور سلسلة من اللقاءات العلاجية عند "بسيخولوج"، فهذا سيزيد من إحتمال القبول!
 
الشاب: نعم سمعت بهذا القول ولكن ألا يبدو لكِ الأمر سخيفا؟ بصراحة أنا لا أرى نفسي محتاجا لـ "بسيخولوج"!
 
الشابة: غريب قولك، فكلنا نملك إيجابيات وسلبيات، ولذا كل إنسان يستطيع أن يُطوّر نفسه، فالـ "بسيخولوج" ليس قصرا لمن يعاني من مرض نفسي وإنما يمكن تسميته "مُرشد للحيران".

إن هذه المحادثة القصيرة تعكس صورة فيها اختلاف بين أبناء المجتمع العربي، ذلك أن هذا المجتمع يُحاول التحرّر من المحافظة والإنغلاق إلى الحداثة والإنفتاح على العالم، ولكننا نرى تفاوتا في هذا التحوّل بين سكّان القرى، المدن العربية والمدن المُختلطة وتفاوتا آخر عند أبناء نفس البلد الواحد تبعا لمدى الثقافة الفردية والإطلاع. ولربما يرجع سبب سبق أبناء المدن المُختلطة لكونهم يعيشون في عالم قريب من الحداثة والذي يحوي التعددية الطائفية والدينية، ولهذا كان من السهل عليهم تقبّل الآخر والتأثّر به. إن هذا التحرّك في المجتمع العربي هو فعلا ملحوظ ولكنّه يحتاج إلى تحفيز دائم وتوجيه إلى الإتجاه السليم، فقبل سنين لم نكن نسمع أصلا بمصطلح "بسيخولوج"، عدد طلاب علم النفس كانوا أقل بكثير والخوف من الموضوع كان كبيرا، بإختصار لم يكن هناك وعي لأهمية هذا الموضوع في حياة كل واحد منا. 
 
إن المرحلة الثانية تتمثّل بتحرير العقول من ربط العيادات النفسية وربط الـ "بسيخولوج" بعالم الجنون، إذ أن الطبيب النفسي أو عالم النفس لا يتعاملون فقط مع "مجانين"، وإنما يصل العيادات أناس يعانون من خوف مُبالغ به من المرتفعات، أو أناس يُعانون من الخوف من الإمتحانات، أو أناس يُعانون من مرض الشك (Ocd)، أو أناس يُعانون من إكتئاب، أو أُناس يريدون إختيار زوجة وهم متحيّرون أو أُناس يريدون إختيار موضوع تعليم أو عمل مناسب، أو أب يريد أن يستشير "بسيخولوجه" بشأن أمر ما في تربية الطفل! لذا فإن هذه المرحلة تتطلّب تعديل الوعي العام بأن ليس كل من يذهب إلى عيادة نفسية فهو "معتوه" أو "مجنون" أو "انتهى أمره وذهب عقله"! فكما أن هناك كثير من الأمراض الجسدية التي تختلف بخطورتها وطرق علاجها، فكذلك هناك أنواعا وأصنافا كثيرة من الأمراض النفسية التي تختلف بدرجة تأثيرها على مسار الحياة العادي.

1.10.12

رواية شرفة العار

إنها الرواية التي فيها يُشرف الكاتب على العار المُصطنع والمُبتدع بحكم عادات وتقاليد جاهلية توارثها المجتمع العربي جيلا عن جيل، حتى صمدت إلى يومنا هذا رغم انفتاح الناس على عصر العلم والمعرفة. في بداية الرواية ترتسم أمامنا صورة محافظة البيئة العربية التقليدية، فنرى منار تلك الشابة العفيفة والتي هي مركز الرواية، تلك الطالبة الجامعية التي هي حلم أبيها والتي لم يجرأ يوما على تركها وحيدة بين الذئاب، فقد كان حريصا على إيصالها إلى مدخل الجامعة يوميا، ولكنّ كبار العائلة دائما ما كانوا يثبّطون من عزيمة أبيها ويوحون إليه أن الجامعة تُفسد الشباب كما الشابات. إلا أن أبا أمين يُصر على تحقيق حلمه في ابنته ورغم قلة حيلته وقعوده من المرض، إلا أنه يخترع الحلول ويوكّل يونس في البداية ليقلّ منار إلى جامعتها، ومن ثم يتولّى الأمر أمين. خلال فترة الدراسة تتعرّف منار على *** وتبدأ بالإقتراب منه ولكنها مع ذلك تبقى تلك البنت الشريفة المُخلصة لأنّ التربية التي نشأت عليها ما انفكّت تؤتي أكُلُها، ولكنّ الفساد الإنساني يلتصق بالفرد من حيث لا يدري، وعندها لا يملك قوة ولا حيلة لمواجهة الشر لما صار في وسطه دون قصد منه ولا رغبة.
 
 
تبدأ فكرة يونس السوداء تجول في رأسه إلى أن تحين له فرصة، فيختطف العبدة الفقيرة منار إلى مكان لم تطئه قدمها يوما، ويهمّ هناك ليفعل فعلته النكراء، متّخذا من جسد منار ملكا شخصيا له لإشباع غريزته الجنسية فيتنكّر لروحها ونفسها ويُحطّم قداسة عفتها ويفض بكارتها ويخلّ نفسيتها لتخرج عن توازنها المعهود! يُغلّق عليها الأبواب فتُذعر هي وتُقاوم، ويهمّ بها ولكنها لا تهمّ هي وتتملّص، ويُضيف إلى قوته الجسدية قوة السلاح فيُخرج سكينا ويقرّبها من رقبتها لئلا تجرأ على المقاومة، يتعرّى بالكامل ويُعرّيها رغم أنفها، وينال منها بذكوريته المحمية في مجتمع ذكوري، ويكسّر نفسها قبل جسدها، وينتهك شعورها قبل طهارتها. إنها جريمة لا يُمكن للقارئ تجاوزها بسهولة وهو يسمع تفاصيلها بدقة، مما يحشد تعاطفه الكبير مع الضعيفة منار، المحكومة لمجرد أنها أنثى. ترجع منار إلى بيتها فتنقلب حياتها رأسا على عقب وتبقى أسيرة نفسها ومأساتها لمدة أيام، ويزداد جرحها النفسي يوما عن يوم بعكس أي جرح آخر، وتزداد مشكلتها تعقيدا بعد ظهور الجريمة على جسدها!
 
 
حبيبها الجامعي يفتقدها فلا يجدها، عملها يطلبها فتذهب أخيرا ولكنها تكون منار أخرى لدرجة أن اسمها يصير مهزلة مع مصابها، أهلها يُلاحظون حالها الكئيب فيحاولون مساعدتها، إلا أن الكل يجهل جرحها، وكيف لها أن تُفصح عنه في مجتمع يُخطّئ المرأة ويُذنّبها في كل حال؟! من أين لها تلك الجرأة لتشاركهم حُزنها؟! وهل سيصدّقونها؟! هل هي نفسها تصدّق روايتها؟! حتما سيقتلونها دون تفكير، فحادثة قتل قريبتها لنفس السبب لم يمر عليها كثير من الوقت! إلا أن الكتمان يثور نفسه على الظلم ولكن ثورة التعصّب للعادات تكون أكبر، فينتشر خبر فاجعتها من امرأة أمين إلى أمها وأخيها الأصغر ومن ثم إلى أمين نفسه إلى أن تجري القصة على لسان القاصي والداني، وعندها تُرفرف راية العار السوداء عالية غير مُكتفية بجرح منار العميق، ومما يزيد الطين بلّة ويؤكّد القصة هو انتفاخ بطنها لتدخل في مرحلة الحمل! كل جهود الإجهاض تبوء بالفشل لأن الأطباء يُعجزونهم، الحصار الإجتماعي يُفرض على عائلة أبو أمين، وجريمة الإغتصاب تُنسى وتتحوّل إلى فضيحة وعار والمغتصب فارّ ولا يُعرف له مكان! يا لغدر الزمان والأيام، أهذا هو جزاء المحسن؟! أهو جزاء تستحقّه من تطلب العفة؟! لكنها دنيا لا يتم عدل فيها، ويبقى هناك ظالم ومظلوم.
 
 
ألسنة النار تستمر بإحراق قلب منار وأسنان الخناجر تُعلن تأهّبها لقتل الفضيحة قبل قتل المجرمة! مجرمة؟! أيترك المجرم الحقيقي الذي اغتصب وهدّد بالقتل دون عقاب وتنال الضحية عقابه؟! لكنّ جرم الضحية أنها رفعت الراية السوداء على مدخل بيتهم! في الحقيقة جرمها هو أنها وُلدت، وأنها أنثى، وأنها خرجت للتعلّم ومن ثم للعمل، وأنها لا تملك قوة جسدية ولا أداة تدافع بها عن نفسها، جرمها أنها وُلدت في عصر العقول المظلمة! تُنقل منار من سجنها إلى سجنها لتفادي بطش يد غدّارة تسلب حياتها الباقية، وتعيش هناك منار أقسى لحظات عمرها، فهل خُيّل لها أن تخرّ في هذا البئر العميق، وهل خُيّل لها أن ينتفخ بطنها قبل زواجها، أو أن تلد بلا أب أو أن تخرج من الجامعة إلى السجن ومن المجد إلى هذا الذل والهوان؟! أم هي حياة الأنثى لا يحقّ لها مجدا، وإن اعتلته يجب انزالها بقوة؟! وعندما يأتي الحلّ العبقري في نهاية الرواية وهو سفر منار مع أخيها القابع في دولة أخرى لتقضي بقية أيامها هناك، يعترض شرف العائلة ليُسقطوها قتيلة برصاصات أخيها أمين الذي لم يعد أخاها بفعلته القبيحة والمكمّلة لجرم يونس، وبذلك لتنتهي القضية بقتل الضحية وقتل المقتول لا لشيء إلا لكونها أنثى. أمين ذاك الذي أجرم مرتين بحقها، مرة عندما ترك يونس المنحرف جنسيا يقلّ أخته ورغم كونه على دراية بتاريخ يونس المُشبع بانتهاك الأعراض، والمرة التي فيها أرداها قتيلة ظانّا منه أنه بفعلته فإنه يغسل العائلة من العار وينتقم نقمة الرجال الأشراف. إنها جرائم الشرف التي لا شرف فيها! إنها جرائم الإنتقام التي تخدم سمعة رجال العائلة وإن كانت على حساب عذاب الأنثى! إنها الجرائم التي تُبرّر نفسها في مجتمع ذكوري مُغلق! وإن المنطق ليسأل: ما هي الفائدة من قتل المُغتصبة؟ هل سيُحصّل الرجال شرفا بالقتل؟ ثم ما هذه الأنانية التي تتنكّر للمرأة مهما كانت الظروف وحتى وإن كانت هي الضحية؟! وما هذا الإستبداد؟! إنها معالجة لمشكلة بمشكلة أكبر!
 
 
إن هذه الرواية تشدّ القارئ إلى أعماقها فلا تدعه يُفلت من حبكتها ولربما تدمع عينه عند احتدام أحداثها، إنها مكتوبة بأسلوب فنّي رائع وراق، فتلك الفقرات التي كانت تظهر في النص الروائي قبل حدوثها في عالم الرواية كانت تُشير إلى القادم وتزيد من التشويق لتتسلسل الأحداث فتصل إليها وتندمج معها في النهاية. أما رسالة منار في آخر الرواية فهي خاتمة تزيد الألم واقعية فيصير محسوسا بقلمها وخطّها المرسوم بالضنى والوجع، وهي مُلخّص ظلم مرفوض، عندما تُعامل الضحية معاملة المسؤولة عن جريمة لم ترتكبها، ولذا ولسبب انقلاب الموازين واختلال قانون "الصالح يستحقّ الجزاء الحسن والطالح يناله العذاب الأنكى" فإن الرواية تترك بالإنسان حُرقة وهمة كبيرة وعزم آخر لتغيير هذا الواقع البائس!
 

 

زوجتي أيضا تتكلّم!


صخر: هل لي أن أسأل سؤالا؟
يردّ الأستاذ خالد (المشرف على الندوة) ممازحا: مع أنك قد سئلت، ولكن تفضّل!
يضحك الحضور فيستشيط صخر غضبا ويقول: اتقوا الله عباد الله، فإن الضحك ليس من الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: "وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ" ...
يردّ الأستاذ خالد مقاطعا: أخي الكريم لا وقت لدينا، نحن أردنا ترطيب الأجواء بعد محاضرة الدكتور عمرو. تفضّل ما هو سؤالك؟
صخر: سؤالي هو لماذا نلجأ إلى نظريات التربية الغربيّة في حين أن عندنا كل ما نريد وهما كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام؟ صلوا على رسول الله يا إخوان!
الأستاذ خالد: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، د. عمرو و د. هبة ما هو ردّكما على سؤال أخينا الكريم؟
د. عمرو: سأترك المجال لزوجتي هبة لتجيب على هذا السؤال لأنه في مجال تخصّصها.
د. هبة: حسنٌ، إن هذا الإدعاء قد ...
تثور ثائرة صخر ويقول: أنا أريد جوابا من الأستاذ عمرو!
الأستاذ خالد: هو دكتور وليس أستاذا فحسب، ثم إن الدكتورة هبة على دراية عميقة في هذا المجال لأنه ببساطة مجال تخصصها. تفضّلي دكتورة وعفوا على المقاطعة!
صخر: شكرا لكم، لا أودّ سماع الإجابة!
الأستاذ خالد: لكنك سئلت سؤالا؟!
صخر: أنا قصدت توجيه سؤالي للدكتور عمرو لأنّ ديني لا يسمح لي أن أكلّم النساء!
يضجّ الجمهور فيدخل رجال الأمن إلى القاعة ويحاول الأستاذ خالد السيطرة على الوضع قائلا: دعوه يُلقي بالجواهر العتيقة التي يحملها في فمه!
صخر: معذرة من الجميع، لكنّ ديني يُملي عليّ أن أنهى عن المنكر!
الأستاذ خالد: عن أي منكر تتحدّث؟ ثم ما هو دينك أنت؟
صخر: صوت المرأة التي تقف أمامي هو عورة، ووقوفها أمام الجماهير هو منكر آخر!
الأستاذ خالد: أطلب من رجال الأمن أن يُخرجوا هذا الرجل ليستريح قليلا فيبدو أنه متوتّر كثيرا.
د. عمرو: دعه وشأنه فهذا رأيه وهو حر به، ولا عيب في النقاش!
الأستاذ خالد: ألتمس منك ومن الدكتورة المعذرة على هذا الموقف.
د. هبة: لا حاجة للإعتذار، فقد سبق أن التقينا بمثل هذه النماذج التي تحمل عقولا مُظلمة، وهي التي لم ولن تُساهم في بناء مجتمع حضاري، فإن قلت لهم أننا اخترعنا تلسكوبا لنرى هلال شهر رمضان، ردّوا عليك أن هذه بدعة ولا يجوز استعماله لهذا الغرض، وإن سئلتهم عن حال أزواجهم، يقولون لك هنّ في البيوت لا يعرفن من أين تُشرق الشمس ولا كيف يبدو البحر، وإن سئلتهم هل هناك تعاون بينكم، يقولون لك لا تعاون وإنما أمر وطاعة، تلك هي المرأة الصالحة المطيعة طاعة عمياء لزوجها. هم لا يُدركون الحقيقة ويقولون دوما: لقد حسمنا قناعاتنا ولملمنا أوراقنا فلا تزعجونا بحقائق جديدة، وهم نصيّون، يتعاملون مع النص ببرودة، ويُغفلون المعنى الجوهري العميق. تلك الشريحة أنا أعرفها جيدا ولذا فإني لست مندهشة!
د. عمرو: فعلا، إن هذا الصراع يظهر في كل وقت وحين بين المُقلّدين والمُجدّدين، ولا شكّ أن التخلّف الذي أصابنا هو نتيجة حاصلة لوجود مثل هذه النماذج، لأنهم يبحثون عن طرق ملتوية ليصلوا إلى مبتغاهم حذرا من المنكر، فيُشدّدون على حالهم وينصبون الحواجز التي ما أنزل الله بها من سلطان في طريقهم ويتنطّعون بحجة إقامة الدين على أصوله، ولئن سئلتهم من أنتم، ليقولنّ لك نحن أبناء الفئة الناجية!
صخر: قبل أن أُغادر القاعة أودّ أن أقول أني ما زلت متشبثّا برأيي وأنا على يقين أن هذا هو الحق ولكنه زمان الغرباء!
الأستاذ خالد: لكن لمَ قدمت إلى الندوة إن كنت تمقت كلام النساء في التربية ومع أننا نشرنا البرنامج قبل أسبوع كامل؟
صخر: هي ضرورة طلب العلم النافع دفعت بي إلى هنا، ولعلمكم أنه وقت محاضرة الأخت الواقفة أمامي كنت قد خرجت لكيلا أُفسد ديني! (يقولها ويخرج من القاعة)
الأستاذ خالد: نأسف على كل ما حدث، ونطلب من الحضور إلتزام الصمت لإستكمال فقرة الأسئلة.
د. هبة: لكن قبل أن نأخذ سؤالا آخر أريد أن أجيب على سؤال الأخ المنسحب. كنت قد بدأت قولي أن هناك تحفّظ دائم عند المتديّنين المتشدّدين على كل إنتاج غربي، وأقول أن من يشتري سيارة ألمانية لأنها تفيده وتُقلّه من بيته إلى عمله أو إلى المسجد، عليه أن يكون مُستعدّا لإستقبال أي نظرية من شأنها أن تُفيد البشرية. ولأنّ المسلمون في أيامنا تركوا مهمة التفكير والإنتاج إلى غيرهم ولم يُعملوا فكرهم في فهم ودراسة العلوم انطلاقا من النص المقدّس، كان حتما علينا أن ننهل من بحور الغرب ما ينفع أمتنا ونترك إختراعاتهم السلبية لهم.