22.11.13

ماذا تعني "لا إله إلا الله"؟


تعني أن إله المال غير قائم، وهذا يقول أن كل محاولة للاختلاس والسرقة غير واردة بالحسبان، والربا غير وارد في قاموس المصطلحات، وأكل المال الحرام وانفاقه في الحرام غير وارد، لأنه ان فعلنا فسيكون المال أعز علينا من الله، وعندها سنضفي عليه ( أي على المال) منزلة الألوهية!

وتعني أيضا أن إله الجنس غير قائم، وهذا يقول أن كل محاولات الإغراء ستقاوَم، ولن ينزلق الإنسان الى الاتصال المحرّم مع الجنس الآخر كالتقبيل والملاطفة والزنى، أو مع نفس الجنس، كاللواط والسّحاق، وانما سيُذعن للأمر الإلهي الذي يسمح بالزواج الشرعي وهو الرباط المقدّس.

وكل إله غير الله ساقط وغير قائم، فلا إله الحكمة ولا إله العقل ولا إله حقوق الإنسان ولا إله أمريكا ولا إله السلطة ولا إله الحب ولا إله الشر ولا إله الخير، فنحن نقول: لا إله إلا الله !

العمل الصالح لا ينحصر في المسجد!


لا شكّ أن للمسجد قيمة عالية جدا في حياة المسلمين، وديننا يحثّنا على اعمار المساجد، واعمارها لا يكون فقط بزخرفتها وتركيب المكيّفات والخزائن وبسط السجّادات الجديدة، وانما بالتواصل معها وزيارتها وتعاهدها! ولكن يجب أن ننتبه أيضا أن خارج المسجد هناك أيضا مدارس، وهناك عيادات، وهناك مستشفيات، وهناك مشاريع خيرية، تهدف الى التيسير على الناس في دنياهم، واعتقادنا أن العمل الصالح انما هو في المسجد، والأعمال خارجه أقل شأنا وأقل أجرا هو خطأ فظيع، لأن ذلك سيؤدّي بنا الى أن نسرف في المساجد، فنبعثر سلم الأولويات، ونقوم بتغيير براد شرب الماء كلما أراد أحدهم أن يتبرع بواحد جديد، ونُهمل بالتالي المرافق العامة ونتركها فقيرة ومفتقرة الى أبسط الحاجات، فمدراسنا تأنّ وشوارعنا تأنّ ومتنزهاتنا تأنّ، ونحن نقضي وقتا أكثر في المرافق العامة منه في المساجد، ولذا ينبغي أيضا عدم اهمال هذه المرافق، لأننا ان أحسنا فيها، فسنُسهّل على أنفسنا في حياتنا، وان سَهُلتْ حياتنا فسنتفرّغ أكثر لآخرتنا، وعلينا أن نعيَ ونتذكّر أن الأعمال بالنيات، وليس العمل الصالح في المسجد هو أعظم من العمل الصالح في المدرسة بشكل حتمي، فدور المدرسة لا يُستهان به في تربية أبنائنا وتثقيفهم، ولربما ستُخرّج تلك المدرسة عددا كبيرا من علماء المستقبل الذين سيساهمون في العطاء والتقديم لهذه الأمة بعلمهم وأخلاقهم. 

الشاب المثالي !


الشاب المثالي هو الذي يُملّس شعره ويسرّحه كمثل "جاستين بيبر" وهو الذي يمسك بيده سيجارة وفي المقاهي لا تفارق "كشكة" النارجيلة يده، وان امتلك صاحبة فتلك اضافة تُذكر، وان قاد السيارة عليه أن يقود بسرعة جنونية بعد أن يحني الكرسي الأمامي كمن ينوي المضاجعة أثناء القيادة، ولا بد من الشيطنة في القيادة (الحركوت)، وان زاد على عنقه سلسلة فضية أو على يده فهو خير! ان هذا استغفال لعقل الانسان ولقيمته ولميّزته على سائر الكائنات، اذ كيف لهذه المظاهر التي لا تدوم أن تقرّر المثالية من عدمها ؟!

ان الشاب المثالي هو ذاك الشاب الواعي لما يدور في خلجاته ولما يدور من حوله، وهو متنبّه لجواهر الأمور، وبكل الأحوال فهو لا يُقدّم المظاهر على الجواهر. ان هذا الشاب هو الذي لا ينفك عن تحقيق انسانيته من خلال تطوير قدراته العقلية وأحاسيسه العاطفية التي لا تنحصر في الحب فقط وانما تتعدّاها لتشمل رحمة الآخرين والعطف عليهم ومساعدة المحتاج والضعيف وما الى ذلك. اننا حين نُغيّر صورة الشاب المثالي في أذهاننا، سوف ينتج لدينا جيلا شبابيا مُختلفا، وستصير العلاقات الزوجية أمتن لأن الأنثى ستختار فارس أحلامها حينها بناءً على الجوهر وليس على المظهر، وكذلك الذكر سيختار وفقا للجوهر.  

بنات الجامعة!


عندما نريد أن نتحدّث عن "بنات الجامعة" يظن البعض أننا سنتكلّم عن بنات الليل، في حين أن المعنيَيْن بعيدان عن بعضهما بعد المشرق عن المغرب، فالجامعة هي صرح العلم الذي فيه ينهل الطالب من شتّى العلوم، والجامعة تُسمّى حرما احتراما وتجليلا للعلم ولطلاب العلم وللعلماء الذين يجتمعون في مكان واحد، فحرم الجامعة يعني "ما لا يحل انتهاكه" (من معجم الرائد)، فإن كانت الجامعة حرما وان كانت بهذا الرُقي، فإنه من الأولى أن يكون أبناؤها شباب وشابات كذلك.

لكن الذي حدث أن كثيرا من أبناء الجامعة تركوا الغاية التي جاؤوا من أجلها وراء ظهورهم، وراحوا يستغلّون تلك الفترة للعشق وللغرام وللانتقال من صاحبة الى أخرى، وقد نسوا أن أهلهم قد عهدوا اليهم أن يطلبوا العلم وربما نسوا أيضا أن أهلهم أنفقوا عليهم من أموالهم فأنكروا جميل أهلهم وأهدوهم الذلّ والعار، فمن هنا ارتبطت الأجواء الجامعية في فكرنا بالانحلال وصارت الجامعة في نظرنا أشبه بملتقيات العُشّاق، وكما هو الحال في أغلب مجالات الحياة، فـ "الصالح يذهب بعروى الطالح"، لتصير طالبة الجامعة مشكوك في أمرها، أما طالب الجامعة فإنه في أسوأ الأحوال ينال توبيخا أو نظرة احتقار.  

وصحيح أن الأجواء الجامعية تُعطي نوعا من الحرية وبالتالي تفرض المسؤولية على الطالب الجامعي، ولكننا نتوقّع من النبتة التي رُبّيت جيدا أن تُزهر وتثمر، بمعنى أن الشاب والشابة اللذين نشئا في بيئة صالحة ورُبّيا أحسن تربية، فإننا نتوقع أن يبقيا كذلك ويصيرا أحسن ان وُفّرت لهما البيئة المناسبة، فالكل مُعرّض للإنزلاق الى الهاوية ان ابتعد عن بيئته الطبيعية الحسنة، فالقرآن سطّرها قائلا: "كلا إنّ الإنسان ليَطغَى"!

أما فيما يتعلّق بالتمييز الذي يُمارس في مجتمعنا عند التعامل مع الطالبة والطالب الجامعي فهو متّصل بالتمييز المرفوض الذي يبرز عند التعامل مع الذكر والأنثى، فالطالب الجامعي غير خاضع للمراقبة وهو يملك نوعا من الحصانة وهو يسيد ويميد وفقا لرغبته دونما التفات لأمره، وان أخطأ فإن مجتمعنا سرعان ما يغفر له خطؤه، أما الأنثى فهي منكوبة من مجتمعها، وتُنتكب من مجتمعها ان لاحقها في كل خطوة تخطوها وأعطاها ذاك الإحساس أنها مشكوك في أمرها، فالطالبة الجامعية خاضعة للمراقبة وخاضعة للمسائلة وان كانت عفيفة طاهرة، أما ان أخطأت فخطؤها يصعب غفرانه، وهو مُستهجَن عشرات المرات أكثر من خطأ الذكر، ولذلك حُرمت أناث كُثُر من طلب العلم وحُرمن من الحرية وحُرمن من اختيار الموضوع الذي يرغبن ومكان التعليم الذي يرغبن، ونسيَ الأهل أن التربية الحسنه ان وُجدت والبيئة المناسبة ان وُجدت كفيلان بحفظ الذكر والأنثى على حدّ سواء !

المبادئ خط أحمر !


الالتزام بالمبادئ يكاد لا يكون موجودا عندنا، إذ أن كثيرا منا يُلائم نفسه للظروف المحيطة به، دونما التفات الى شخصيّته والى كيانه والى مبادئه وأفكاره، وربما يلوي بعضنا أعناق المبادئ ليشعر أنه لم يتنازل عن مبادئه! والتأقلم مع الظروف المحيطة مطلوب، لكن عليه أن لا يكون على حساب المبادئ الأساسية ! كما أن أخذ المبادئ والتعامل معها بصورة جامدة وكأنها لا تقبل النقاش هو مرفوض أيضا، لأن ذلك يُنتج لنا أشخاصا جامدين غير مُستعدّين للأخذ والعطاء !

فأن تكون الأنثى المسلمة ساترة لنفسها في حياتها اليومية (ليس القصد أن تكون حتما مُحجّبة أو مجلببة) الى أن تصل الى حفلة عزيزة على قلبها فتلبس الفستان الذي يكشف الرجلين الى ما فوق الركبة، أو البنطال القصير أو الجارزة المفتوحة في منطقة الصدر، فهذا تلاعب بالمبادئ لأن من يُسمّي نفسه مسلما، وجب عليه أن يلتزم بمعاني الإسلام في الحياة اليومية وفي الحفلات وفي الأفراح وفي الأتراح، فالله لا يُعبد فقط في الحياة اليومية، حتى اذا وصلنا الى حفلة أو مناسبة قلنا أنها ساعتان وسنرجع كما كنا بعدها، كما أنه من الجهل التعبير عن الفرح بالتبرّج أو ما يُعرف بـ "التشليح"، اذ أنها سطحية أصابتنا ما أنزل الله بها من سلطان، ومن الجهل أيضا اعتبار الجمال والأناقة مساويتين للتبرّج ! فهذه الصورة من العبادة هي عينها الصورة التي فيها يعبد الانسان ربّه ويُظهر اخلاصه ما دام داخل المسجد، أما حين يخرج فهو يَغمط الناس حقوقهم ويشتم ويسبّ ويظهر كأنّه وحش بشري !

ومبرّرات مثل: "اليوم فرح وكل شي مسموح، خلينا ننبسط"، "مهي كلها ساعتين وبتخلص الشغلة"، "القاعة مسكّرة ومحدا غريب شايف"، "مهمي كلهم زي اخوتي"، "هو أنا الوحيد اللي بلبس هذا اللبس"، "الله غفور رحيم"، "هاي الموضة، شو أعمل أنا؟"، هي مُبرّرات لا يقبلها العقل السليم، اذ أنها تلوي أعناق المبادئ لنشعر أننا ممتازين في حين أننا لسنا كذلك ! فالفرح لا يُعبّر عنه بالتبرّج كما أن الممنوع يبقى قائما في زمن الفرح، والعبرة ليست بالكمية وبالوقت القصير وانما بالتحايل على المبدأ، والقاعة غير مُغلقة في وجه الكاميرات التي ترصد كل صغيرة وكبيرة، وأخونة جميع الأقارب هي خدعة، وتقليد الآخرين في كل صغيرة وكبيرة هو ضعف، والاحتجاج بمغفرة الله لفعل المنكر هو تلاعب مع الخالق وبالدين، والانسياق وراء الموضة هو تنازل عن شخصيتك الفريدة !

الكاسيات العاريات !


ما إن يخرج الواحد من بيته حتى يرى الكاسيات العاريات، في بلده، في مدرسته، في عمله، في العُرس، في المأتم، في كل مكان ! فكثير من البنات اليوم تلبس البنطال الضيّق وأحيانا الشفاف وهي تظن أنها كست نفسها في حين أنها ليست كذلك، وربما تكون تلك البنت تلبس الحجاب في القسم العلوي من الجسم، وربما مشت بجانب أمها المحجبة، فما حصل هو أننا استسغنا هذا اللباس وانزلقنا اليه تدريجيا وصار عاديا عندنا، في حين أنه مجرد تغيير للون الجلد، فماذا تنفع طبقة جلدية أخرى ؟ وهل الفيزون (أو التايتس) الا تغيير للون الجلد ؟ وهل الـ ""skinny jeans الا تغيير للون الجلد ؟ فهذا اللباس يُظهر للقاصي والداني كل انحدار وكل تعرّج في جسم البنت وهذا أبعد ما يكون عن الستر وأقرب ما يكون الى الكاسيات العاريات ! وهذا لا يعني أن الذكور أتقياء والإناث فاجرات، فالنقطة التي يجب أن ننتبه اليها أنه في حالة الذكور يصعب تحديد مدى الالتزام وفقا للملبس، فكل الذكور يلبسون نفس الثياب تقريبا، أما في حالة الإناث فيسهل ذلك للاختلاف البارز في اللباس الديني عن اللباس المُنحلّ !

قال صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ، ليوجد من مسيرة كذا وكذا". التفسير الأول للعبارة "كاسيات عاريات" هو: أن تلبس الأنثى ثيابا شفافة خفيفة تشف هذه الثياب عما تحتها فتظهر المرأة وكأنها عارية، والتفسير الثاني هو: أن تلبس الأنثى ثياباً ضيّقة فتُظهر تلك الثياب مفاتن المرأة تماماً وكأنها عارية تظهر كل مفاتن المرأة سواء من الأمام أو من الخلف.

وإن هذا الأمر لفظيع، إذ ليست المشكلة تنحصر في اللباس الفاضح، وانما تتعدّاها ليُعتبر هذا اللباس هو الشيء الطبيعي وهو الخيار الوحيد وهو اختيار سليم، فرغم كونه لباسا خاطئا مُنكرا لا يتم الاعتراف بالخطأ، مما يزيد الطين بِلّة، ولذلك فإن كل بنت ناشئة تُلبّس هذا اللباس بدون كثير تفكير !

الصاحبة !


ما إن تظهر مُقدّمات الشارب الأولية عند الشاب وما إن تظهر علامات الأنوثة الأولية عند الشابة حتى يشتعل التجاذب بين الجنسين وينتبه كل طرف الى الجنس الآخر بعد أن كان غافلا عنه منذ نعومة أظفاره. ان هذا معروف وليس بجديد وهو يتلائم مع مراحل تطوّرنا، الا أن المصيبة الكبرى تكمن في مصطلح "الصاحبة" الذي استوردناه من بلاد الغرب ليدخل الى عقول شبابنا وبناتنا.

فالشاب الذي لا يملك صاحبة هو "أهبل" والفتاة التي لا تُصاحب تُعاني من ثلاث عُقد نفسية على الأقل ! هذا ما استطاع الغرب أن يزرعه في عقول شبابنا وفي عقبه ظهرت الويلات والمصائب، فالتحصيل العلمي يقلّ يوما عن يوم، والحماس لطلب العلم يقلّ كذلك، ولا يفطن الذي يحالفه الحظّ الى أهمية العلم وتفاهة مصطلح "الصاحبة" الا بعد أن يُنهي مرحلته الثانوية، وعندها يُصيبه نوع من الندم على ما فرّط من فرص لتوسيع دائرة المعرفة.

ومصطلح "الصاحبة" بمفهومه الغربي هو غريب على ثقافتنا، فالتقاليد العربية تنصّ على فترة تعارف مضبوطة بآداب وأخلاق عالية، وبعدها يكون الزواج، فالتنقّل بين حبيب وحبيب وبين حبيبة وحبيبة ليس موجودا عندنا، ومعاشرة ليلة أو الارتباط لفترة معينة ومن ثم الانفصال هي ليست من مصطلحاتنا، لأن بناتنا ليست سلعة تُباع وتُشترى وهن غاليات وهن دُرر وليس يحظى بالدّرة كل قاصٍ ودانٍ.   

القبول رغم الاختلاف!


لمّا كان كل انسان مسؤولا عن نفسه وعن اختياراته، أي مُخيّرا بهذا المعنى، وجب على الفرد احترام الاختيارات التي اختارها الآخر وان كانت مُناقضة لاختيارات الفرد الشخصية! ولنأخذ مثالا لتقريب الصورة: شاب متديّن ملتحٍ يلبس عباية بيضاء والسواك في يده والقرآن الصغير في جيب عبايته العلوية، وفي طريقه الى عمله رأى فتاة في العشرينيات من عمرها تلبس قميصا يكشف القسم العلوي من الصدر والظهر وبنطالا قصيرا يعلو الركبة بحوالي ثلاثين سنتيمترا. هو رآها وهي رأته! هو فكّر بها وهي فكّرت به! هو قال في نفسه: "ملعونة! هي حطب جهنم وبئس المصير، لا حول ولا قوة الا بالله، انها علامات آخر الزمان!"، هي قالت في نفسها: "ما هذا الشبح الذي أمامي؟! متى سيتحضّر هؤلاء الرجعيون؟! كل العالم يلبس وفقا "للستايل" الا هؤلاء المتخلّفون!".

اذا فكّرنا في القولين المكتومين لوجدنا فيهما كراهية متبادلة، رفض متبادل، والغاء للإنسانية بشكل متبادل، هي تعتقد أنه ارهابي ومتخلّف ولذا ينبغي الحذر منه ولربما الابتعاد عنه قدر الإمكان، وهو يعتقد أنها فاسقة ضالّة وأن مصيرها الى النار، ولذا لا جدوى منها وينبغي نبذها ورميها بعيدا عن أعين النساء والرجال، مما ينتج بُعدا شاسعا بين الاثنين، وكراهية تُفضي الى الغاء الانسانية! في حين أن الشاب قد نسي أن اللباس هو جزء من حياة الشخص، ولربما تكون مثل تلك الفتاة محبّة للخير، مُساعدة للضعيف، انسانة راقية في تعاملها مع الآخرين، ولربما ستغيّر طريقة لبسها في المستقبل ولربما ستهتدي الى طريق الالتزام، والشابة نسيت أن هذا الشاب الذي يُصوّر لها أنه ارهابي ومُتخلّف لربما يحمل علما عظيما من علوم الدنيا ومن علوم الدين، فهو محاسب وامام مسجد، وهو متفوّق في عمله وعبادته، والناس يذكرونه بكل خير من خلال تعاملهم معه!

أي أن المظاهر لا يجب أن تجرّنا الى الحكم على الجواهر (هذا لا يعني أن المظاهر غير مهمة)، وينبغي أن نحذر من الأفكار المُسبقة، وبكل الأحوال فلا يجوز لنا أن نُسقط انسانية انسان لاختلافنا معه بطريقة اللبس أو بأمور أخرى، فلا يصحّ أن نكرهه ولا أن نحتقره ولا أن نبصق عليه وانما يجب أن نحبّه وأن نتمنى له الخير وأن نمسح دمعته ان بكى وأن نساعده ان وقع في ورطة، فكما قلنا في البداية كل فرد مسؤول عن اختياراته ولا يجوز لنا أن نفرض على الآخر اختياراتنا نحن!

الإلغاء والشطب !


ربما هي هواية لدى البشر أن يُلغوا ويشطبوا من لا يشبههم ومن لا يقول بقولهم أو حتى من يخالفهم في مسألة فرعية، لكنّ هذا يبرز في مجتمعنا العربي أكثر، ورغم كل المحاولات المُضنية لتذويت قيم التسامح وقبول الآخر وهجران التعصّب وحوار الحضارات والأخذ والعطاء، الا أن العقلية العربية ما زالت تستصعب قبول الاختلاف، ولذلك فهي تُنتج مُربّعات مُغلقة بحيث تحوي كل من يتبع للجماعة المربّعة وتطرد الى خارجها كل من لا يتبع، وهذه المربّعات تُغذّي العقول المُربّعة، فإن دخلت الى عقول هؤلاء الناس، لوجدت أن عقليتهم الإقصائية تسري على جماعتهم أيضا، إذ أنهم يُفضّلون الحديث مع فلان ومقاطعة آخر لاختلاف بسيط يصعب ملاحظته الا بعد وقت طويل من البحث! فهي العقلية المُربّعة الإقصائية التي تُلغي من هو خارج الجماعة أولا، ومن ثم يمتد تأثيرها الى داخل الجماعة لتُلغي الأقربين ولربما يبقى الانسان وحيدا مُقنعا نفسه أن الآخرين مخطئون وهو من الفرقة الناجية!

اننا عندما نتذكّر أن لكل انسان بصمة اصبع خاصة، علينا أن نتذكّر أيضا أن لكل انسان شخصية خاصة، عالم خاص، ذكريات خاصة، أحلام خاصة، أوهام خاصة، فكل انسان نشئ في بيئة مختلفة وهو يحمل في كل خلية من خلاياه شيفرة وراثية تختلف عن الآخرين، لذا فإن الاختلاف مزروع فينا نحن البشر، وكل محاولة لإلغاء الاختلاف ستبوء بالفشل، لأنها محاولة لمجابهة الطبيعة الانسانية! ومن ثم فلو حوى العالم نسخا متشابهة، فأي ملل سيصيب هذا العالم؟! وهل سيبقى العالم متحرّكا وحيويا أم انه سيجمد؟! ان الاتصال في هذا العالم سيكون أشبه بما نصفه بأنه "بحكي مع حاله، شكله انجنّ!". لذا فإن الخطوة الأولى هي الاعتراف بالاختلاف وقبول فكرته سرّا وجهرا.

 ان المتدينين والعلمانيين والعرب بشكل عام هم أبطال في ساح الإلغاء والشطب، فذلك يريح من عناء المناقشة والمحاورة والمجادلة والإقناع، ولكن فرصة الاطلاع على المُختلف تضيع وفرصة توسيع الآفاق تضيع هي الأخرى وفرصة بناء علاقات اجتماعية تضيع كذلك! ولما فهمنا أن البشر خُلقوا ليكونوا مُختلفين، علينا أن نفهم أيضا أن هذا الاختلاف هو لصالحنا وإيجابياته كثيرة لو أحسنا فهمه، وقد صدق من قال: "خلاف الرأي لا يُفسد للودّ قضية"! أما أن تُلغي فلانا لأنه لا ينتمي للحزب، وأن لا تسمع لأقوال فلان خوفا من التأثّر به لأنه لا ينتهج نفس المنهج، وأن لا تقرأ كتابا لمفكّر لأن موقفا عنده لم يُعجبك، وأن لا تسمع لمتديّن لأنك علماني، وأن لا تسمع لعلماني لأنك متديّن، وأن لا تسمع لشيعي لأنك سني، وأن لا تسمع لشيوعي لأنك رأسمالي، فهذا هو الإلغاء والإقصاء والشطب! لذا فإن الخطوة التالية هي قبول الآخر رغم الاختلاف معه، وهذا لا يعني أن تتبنّى آرائه، ولكن أن تتقبّل وتتفهّم أفكاره ولربما تناقشها وتحاججها دون محاولات الاقناع المُضنية برأيك لمجرد أنه رأيك، وانما لهدف البحث عن الحقيقة!

Gangnam Style or Nosa


دخلت الى معهد اللياقة البدنية في بلدي ذات مساء واذا بأغنية من طراز "هبل بهبل" على شاشات التلفاز وكانت تلك المرة الأولى التي أشاهدها فيها! ذهبت إلى أحد فروع شبكة حوانيت "عمر المختار" لاقتناء جارزة قبيل عيد الأضحى المبارك واذا بنفس الأغنية في السماعات! أصبحت مبكّرا لتدريس ولد في الصف الرابع ضمن مشروع لمساعدة الطلاب واذا به يُريني تطبيق على "الآيباد" الذي اقتناه حديثا يحمل اسم نفس السخافة: Gangnam Style!

خرجت في رحلة أثناء عطلة عيد الفطر مع العائلة المُوسّعة واذا بجميع أولاد خالي الصغار يردّدون كالببغاوات Nosa Nosa…، حتى ابن خالي الذي لم يتجاوز عمره الأربع سنوات ظلّ يغنّى تلك الأغنية إلى أن لاحظت سكوته واذا به يهوي نائما على كتفي. هل هي هلوسات ما قبل النوم؟ أم إنها هلوسات في كل وقت؟ لقد دفعني فضولي وانتشارهما على كل لسان الى البحث عن هاتين الأغنيتين لأجدهما من أسوأ ما رأيت وما سمعت في حين أن أبنائنا يحفظونهن ويتراقصون على أنغامهن البائسة، فلا المعاني معاني راقية، ولا الانتاج الفني انتاج راقي، وحتى الرقص أشبه برقص المجانين الاعتباطي!

هذا مقطع من كلمات أغنية Gangnam Style وفيه يظهر الهذيان الجلي:

"رجل بأسلوب جانجام، أسلوب جانجام
يا امرأة دافئة إنسانية في النهار
يا امرأة أنيقة تعرف التمتع بحرية رشف فنجان القهوة
يا امرأة قلبها يزداد حرارة عندما يأتي الليل
يا امرأة لديها هذا التقلّب
أنا رجل، أنا رجل دافئ مثلك في النهار
أنا رجل يشرب قهوته كاملة برشفة واحدة حتى قبل أن تبرد".

التربية المبكّرة


مما تم ملاحظته أن النفس الإنسانية تعير إهتماما كبيرا لبدايات الأمور وذلك لأن كل بداية تشكل مقدّمة للتعريف بالشيء المراد فهمه، وهي أي البدايات بمثابة الأسس والدعائم التي تُبنى عليها الأفكار والمعلومات اللاحقة، وبكلمات أخرى كل بداية تشكّل البنية التحتية للفهم . كما أن الإنسان في بداية كل أمر يبذل طاقة تفكيرية عالية لغرض التركيز والتحليل وسبر غور كل مبهم، ونضرب مثالا حتى نسهل الفهم في باب ما يسمى بالإنطباع الأول . عندما تقابل شخصا لأول مرة فهو بالنسبة لك مبهم، بمعنى غير معروف من هو وما هو طبعه وطبيعة شخصيته، وكلما زادت اللقاءات وتتابعت زادت المعرفة بالشخص حتى نصل إلى درجة نكوّن فيها بطاقة تعريف تفصيلية للشخص بحسب رؤيتنا للأمور ومن وجهة نظرنا نحن . عندها سنفسر كل تصرف يصدر عن نفس الشخص بحسب تلك البطاقة التعريفية التي في عقولنا وسنتوقع منه أمورا وسنستبعد عنه أمورا أخرى . لكن يجب الإنتباه إلى أن إمكانية التغيير واردة والأمور ليست حاسمة ومصيرية ولا رجعة فيها، فالعالم ملوّن وليس أسودا أبيض، وإنما ادعاؤنا أنّ للبدايات والمقدّمات تأثير كبير على سير الأمور وإمكانية التغيير واردة رغم صعوباتها، فعندما يصدمنا شخص معين بتصرف خارج عن دائرة تصورنا له فأمامنا إمكانيتان، إما أن ننسب تصرفه إلى دافع خارجي أي الى الظروف المحيطة به وما شابه، أو إلى دافع داخلي ينبع من إرادة الشخص نفسه وهو ما يُحدث تغييرا في تصوّرنا القديم للشخص .

من هنا نصل إلى لبّ الموضوع ونقول أن التربية المبكرة هي حجر الزاوية والأساسات التي تُصقل بناءً عليها الشخصية، لذلك كان جيل الطفولة المبكرة غاية في الأهمية، وقد شدّد علماء النفس كثيرا على هذه الفترة من الحياة لأن البناء فيها والهدم سهلان، بمعنى أن الشخصية تكون مرنة نسبيا. لذا كان من الضروري التشديد على التربية المبكرة الحسنة ولا بد للوالدين أن يعيا خطورة وأهمية جيل الطفولة المبكرة، فيحسنان التربية ويغرسان في أبنائهما القيم المحمودة ويصنعان النموذج المثالي من الإنسان بنظرهما . وقد قيل سابقا : العلم في الصغر كالنقش في الحجر وما أسهل النقش في الحجر وما أصمده وما أمتنه، وقد قيل أيضا أنه من شبّ أي نشئ على شيء شاب عليه وفي هذا دليل على قوة تأثير التربية المبكرة على الإنسان . لهذا فإننا نلاحظ صعوبة التنازل عما صار جزءً من هويتنا أو حتى استبداله، لأن الإنسان يرى أن هذا هو الوضع الطبيعي ويؤمن أن مفهوم الحياة كما يراه هو الصواب، فقد توارث هذا المفهوم من أقرب وأحب الناس إليه وممن يثق بهم وهما الوالدان أو الأقارب أو البيئة المحيطة أو المجتمع الذي وُلد فيه . فمن وُلد مسلما أو نصرانيا أو يهوديا فإنه يبقى ملاصقا لدينه ومروّجا له ومدافعا عنه لأنه يرى أن هذا هو الصواب بعينه . هكذا هم غالبية بني البشر وليس جميعهم، وقليل من يبحثون عن الحقيقة فيشككون في إنتمائهم الديني أو القومي وما شابه، وربما يغيرون هذا الإنتماء عن قناعة ورضا وبعد بحث طويل . وفي هذا الشأن يقول الرسول محمد عليه الصلاة والسلام : "كل مولود يُولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".

إن التربية المبكرة هي خليط من وراثة وبيئة، حيث أن الإبن يكتسب جينات من كلا الوالدين، ولهذا من المنطقي أن يشترك الولد مع والديه في صفات خَلقية وخُلُقية موروثة، وليس هذا فحسب بل إن للبيئة المحيطة بالطفل أثر كبير أيضا عليه، وتشمل الأشخاص والأغراض وكل ما يلتقط الطفل بحواسه الخمس. لكن للوالدين مكانة خاصة في نظر الطفل وهما بمثابة المثل الأعلى بالنسبة له، لأنهما أقرب الناس إليه وهما المربيّان الأساسيان والمزوّدان بالحاجات الضرورية لبقاء الطفل، وهما أول من يتّصل بهما الطفل اتصالا عاطفيا، وحتى أنهما يشكّلان العالم الخارجي كله بالنسبة للطفل في بداية حياته. لهذا كان أثرهما ملحوظا في شخصية الطفل وتقليد الطفل لهما أمر شائع جدا، فالطفل بمثابة مرآة للبيئة الموجودة في البيت، ولا يظن أحد أن الأطفال غير مدركين لما حولهم كما كان يُعتقد سابقا أو أنهم جماد متحرك. هذا الإدعاء يتناسب مع قول الشاعر: وينشئ ناشئ الفتيان فينا كما كان عوّده أبوه، والأمثلة على ذلك كُثُر. أضف الى ذلك، أنه في المجتمعات المحافظة يكون الأبناء أشبه بالآباء وهم يجسّدون على الأغلب صورة مصغّرة للآباء.

من هنا وبعد بيان أهمية التربية المبكّرة وضرورة الإنتباه إليها نطلق نداءً للأهالي: أن ربّوا أبنائكم منذ الصغر كما تريدوهم في الكبر ولا تقولوا يوجد وقت وما زالوا صغارا جاهلين، فهذا الكلام من قلة العقل والغفلة عن واقع الحياة وفيه تنكّر للحقيقة وركون إلى الوهم المريح. صحيح أن الأطفال لم يصلوا بعد إلى كامل رُشدهم، ولكنّهم يملكون قدرات إستيعابية تُمكّنهم من صقل شخصيتهم في السنوات الأولى من حياتهم، فمن غرس في طفله شيئا كبُر عليه، وهذا يعني أن من عوّد ابنته الصغيرة على اللباس الكاشف لنصف الجسم وإن كانت صغيرة فهي ليست دمية متحرّكة ولم يُبيّن لها أن الحجاب واللباس الشرعي فرض لا غنى عنه وأن العفة واجبة والحياء مطلوب، فكيف لها أن تُغطّي النصف المكشوف في سن الحادي عشر تقريبا أو حتى قبل ذلك، إن كانت قد رُبّيت على حُب اللباس العصري كما يقولون. يا أخي، يا أختي اللباس الشرعي فرض عين على كل مسلم ومسلمة ابتداءً من سن البلوغ، أي أن الطفلة والبنت التي لم تصل إلى هذا السن غير مجبرة بهذا اللباس، ولكن كون التربية المبكّرة تحمل أثرا كبيرا على النفس الإنسانية، فإن ذلك يستدعي لباسا منضبطا وتوجيها مستمرا لما هو واجب في سن البلوغ. أنا لا أفهم ما دهى مجتمعنا الإسلامي عندما يُلبسون البنت الصغيرة لباسا كاشفا أكثر ومثيرا أكثر مما يلبسون الذكور وكأنّ الموازين قُلبت وتقلّبت. 
* كُتبت في نهاية السنة الأولى من بكالوريوس علم النفس.

البحث عن الهدوء !


كلنا يبحث عن الهدوء، لكن كثيرا ما نستصعب ايجاده، فلو كنتَ في قرية لسمعت صرخات الباعة المتجوّلين وصرخات الأولاد الصغّار الذين يلعبون بالكرة في فناء الدار، ولربما أقاموا عرسا في وسط القرية ولربما أطلقوا الألعاب النارية التي تُباغت الساهي وتُزعج الصاحي وطلقات الرصاص على كل كبيرة وصغيرة، والسيارات التي تدور في الشوارع وصافراتها التي استبدلت افشاء السلام وموسيقاها الصاخبة، وصرخات الأهل والجيران ... ولو كنت في المدينة، لسمعت أصواتا أعلى للسيارات وللشاحنات، ولأُضيفت أصوات سيارات الإسعاف والإطفائية والشرطة، وصافرات الباصات ونباح الكلاب وأصوات المارّة ...

لكن رغم ذلك الكل يبحث عن الهدوء! فحتى ذلك الذي يطلب الموسيقى الصاخبة، هو عمليا يبحث عن الهدوء دون أن يدري، فهو يريد أن يُفرّغ طاقاته في الرقص، والانفعال تحت وطأة موسيقى البوب والجاز، ليصل الى درجة مقبولة من الهدوء النفسي والمادي بعد أن تنتهي لحظات تفريغ الشحنات السالبة.

26.9.13

القنبلة الأخلاقية!


مما يُثير العجب هو اجتماع صورة المتديّن الذي يؤدّي الشعائر ويذرف العَبَرات في صلاته وصورة ذاك الشخص البعيد عن الأخلاقيات وعن الحسّ الإنساني، فترى أحد المصلّين قد جاء مهرولا الى صلاته، لكنّه أوقف سيارته في فناء بيت ليس له وضيّق على صاحب البيت، فلو حدث أمر ضروري لما استطاع صاحب البيت أن يُحرّك سيارته، ولئن سئلتَ ذاك المصلّي لماذا فعلت، لأجابك أن الصلاة فرض والكل ينبغي أن يكون في الصلاة في هذا الوقت! أو لقال لك: "كلها أكم دقيقة منصلي فيها لربنا، وبعدها منزيح السيارة اللي قاعدة على قلوبكم"! والجواب على التبرير الأول هو: يا أخي بالله عليك وسّع آفاقك، لا تجعل تفكيرك حبيس أنانيّتك، فهناك نساء في البيت وهناك أولاد وهناك رجال لم يلتحقوا بصلاة الجماعة لسبب لا يعنيك وهناك الذين لا يصلّون، فإن رأيت أن هذه الطريقة هي سبيلك في الدعوة الى الله، فهي أبخس الطرق على الأطلاق، لأن فيها تعدّيا على حرية الآخر وعلى أملاكه واكراها، وزيادة على ذلك تبجّحا في التبرير! وأما الرد على التبرير الثاني فأثناء خشوعك يا أيها الأخ، تحدث أمور طارئة، ولكي لا تخرج من خشوعك كُفّ أذاك عن الناس!

وترى المتديّن الذي يأتي اليك دون ميعاد، في حين يكون "الآيفون 5" في يده، ويكون رقمك الخاص معه، وترى المتديّن الذي يريد أن يُجبرك على فعل ما لم تقتنع به رغم أنفك فهو يعتبر ذلك من المسلّمات لضيق فكره، وترى المتديّن ثقيل الدمّ الذي يلتصق بك كما الذبابة، وترى المتديّن الذي يُسمعك نصائح سخيفة مثل: "اجعل قبضتك شديدة عند التسليم". وليس هذا الوصف بعيدا عن الواقع، وصحيح أنني ركّزت عدستي الوصفية على سلبيات المتدينين، إلا أن ذلك كان لأنّ هذه التصرّفات مُوجعة عندما تراها نابعة من هؤلاء الشرفاء، ومن ثم فلأنّ هذه الفئة هي التي تعنيني بالمقام الأول والتي أسأل الله أن أكون واحدا منها!

لا تخفْ من المطالبة بحقّك!


كثير منا يصيبه نوع من الوجل والخوف عندما يُفكّر في مُواجهة ما يرتبط عندنا بالمُقدّس أو بالسلطة، ولذا يمتنع الواحد منا عن المواجهة ويتنازل عن حقّه تفاديا لوجع رأس مُؤكّد وفقا لتقديره! فمثلا، ان كان الحجّاج في طريقهم الى الحجّ وأراد أن يأخذ منهم السائق ما يسمّى بالإكرامية لكي يكمل سفرته، صمت الجميع لئلا يُثيروا الفتنة ولئلا يوجعوا رؤوسهم وأقنعوا أنفسهم أن تنازلهم هو في سبيل الله، واذا سمع أحدهم خطبة جمعة خاف أن يعارض الشيخ بكلمة واحدة، واذا كان المسؤول فاشلا في ادارته للشركة فضّل الموظّفون السكوت لكي لا يُحرموا من قطّارة المال، واذا كان الرئيس مُقصّرا فضّل الجميع السكوت درءً للفتنة!

ان هذه الظاهرة ناجمة عن عدّة عوامل، وأهمها: ثقافة نقض النقد، تقديس غير المُقدّس وتعظيم غير المُعظّم، وثقافة كبت السؤال. فثقافتنا لا تُرحّب بالنقد ولذا فكل محاولة من الانسان البسيط للاختلاف مع الشخصية الدينية أو السلطوية ستلقى في الغالب صدّا من الجماهير، ولمّا قدّسنا الشيخ وكلامه وعظّمنا الرئيس وكلامه صار الاختلاف معه في نظرنا معصية وجُرما، ولما كبتنا السؤال صرنا نأخذ ونستقبل ونمتص دون أن نتفاعل مع المعلومات ودون أن ننتج تساؤلات ودون أن ننتج آراء أخرى! انه لمن الواجب علينا أن نكون واعين لحقوقنا وأن لا نتنازل عن هذه الحقوق لمجرّد رهبة من شخصية معينة أو إرضاءً للجماهير أو تماشيا مع السائد!

الكلاب تنبح والقافلة لا تسير!


كثيرا ما ردّد المتحمّسون والمتعصّبون لأحزابهم القول الببغاوي: "الكلاب تنبح والقافلة تسير"، وللأسف هو يصدر عن متديّنين وغير متديّنين، وأقل ما يُقال عنه أنه قول ساذج، مُمتهن ومُحتقر، وذلك لما يحويه من استهانة، استهزاء وشتم الآخرين، مما يُساهم في توليد كراهية بين أبناء الصفّ الواحد، وهذا يعكس استخفافا بقيمة الانسان وهو بالتأكيد قول غير انساني فيه من العجرفة ما فيه! والمصيبة الأكبر أن القافلة لا تسير، فأين هي قافلتكم التي تتحدّثون عنها؟ آه انها القافلة الحزبية! وما شأني وشأن حزبكم؟! انني أريد لقافلة مجتمعي كل مجتمعي أن تسير! هل اجتمع العرب في السنوات الأخيرة في الداخل الفلسطيني على موقف واحد، على كلمة واحدة، على جهد واحد؟! هل حققنا مطالبا أو منعنا عنصرية بعد أن وقفنا كلنا في صف واحد أم هي انجازات حزبية نباهي بها بعضنا ولكي تزيد لمعانا نُردّد: "الكلاب تنبح والقافلة تسير"؟! كيف لنا أن نتعاون ان اعتبر بعضنا بعضا كلابا؟!

انها سياسة فرّق تسُد قد تمكّنت منا وأجهزت علينا، حتى لم يعلُ لنا صوتٌ بين الأمم، فتلك حركة اسلامية شمالية، وتلك حركة اسلامية جنوبية، وتلك جبهة، وذاك تجمّع، وذاك مسلم وذاك مسيحي، وذاك شيوعي وذاك متديّن، وذاك ابن عائلة فلان وذاك ابن عائلة علان، وذاك ابن قرية وذاك ابن مدينة، وذاك غني وذاك فقير، والكل يسبّ على الكل ولا أحد يبسط يد التعاون الا القليل، وكل يُغني على ليلاه، والمجتمع العربي في البلاد يُثير شفقة الغير، ويستجدي عطف الراحمين من الناس! اننا بدلا من أن نتركّز في رفض السياسات العنصرية ومقاومة الظلم، تركّزنا في احتلال بعضنا البعض ورحنا نتشاطر على بعضنا، حتى صار همّنا كيف سنكسر الحزب الآخر وكيف سنتفوّق على الآخرين بكل ثمن وكيف سنكون الأقوى والأبرز اعلاميا!

التمثيل ...


لا يُعجبني التمثيل على الناس في الحياة، لأن الإنسان بذلك يبتعد عن حقيقته وشخصيته الحقيقية، وبالتالي يُفني حياته من أجل ارضاء الآخرين، وليس من أجل تحقيق أهدافه التي يسمو اليها! فعندما أريد أن آكل يجب أن أراعي الآداب وهذا لا خلاف عليه، لكن لا ينبغي أن تكون هذه الآداب متكلّفة، كأن آكل من صحن أحمله بيديّ وأنا واقف لكي أحاور شخصا آخر، رغم أن ما يُريحني هو الأكل في حالة الجلوس، أو آكل بواسطة يداي مستغنيا عن الشوكة والسكين تماشيا مع التقاليد، رغم أن ما يريحني هو الأكل بمساعدة الشوكة والسكين! واذا قُدّم اليّ طعامٌ لا أحبّه، لا مشكلة من تركه والمصارحة بسبب تركه، واذا قُدّم اليّ مشروب مُسكر وأنا لا أشربه فلا ينبغي أن أتوجّس من رفضه، واذا قُدّمت اليّ القهوة وأنا لا أحبها فلا بأس من رفضها، واذا قُدّم نوع من طعام وتوصية الطبيب تمنعني من أكله فلا يجب التردّد في الرفض!

انه يجب علينا أن نعيش الحياة كما نريدها نحن وكما يريدها عقلنا وديننا وضميرنا وليس كما يريدها الآخرون! والأمثلة أعلاه في الأكل هي غيض من فيض، ففي كل حالة اجتماعية نُصادف التمثيل، وهي أمثلة محسوسة لتقريب الصورة. أما ان أردنا عرض أمثلة أكثر عمقا فيمكن الحديث عن تحوّل الزوج الى الصرامة مع زوجته أمام الناس رغم أنه يؤمن بالقيم التقدّمية في التعامل مع المرأة ولكن خوفا من غضب أقربائه، وتحوّل المتديّن الى الوداعة حتى حينما يلمس خطأ، وتحوّل المفكّر الذي تراوده الأسئلة الكثيرة الى مُسلّم ساكت في مجتمع يكبت التساؤل! ان هذا التمثيل سرعان ما ينكشف لأن فيه كبتا، وهذا ينسجم مع التقسيم الذي عرضه عالم النفس وينيكوت، عندما قسّم الأشخاص الى مجموعات تتفاوت صراحتها، بدءً بـ "الشخصية الحقيقية" وانتهاءً بـ "الشخصية المزيّفة"، فالشخصية الحقيقية هي الأفضل كما هو مفهوم، والشخصية المُزيّفة هي الأسوأ وبينهما يتواجد أغلب الناس!

الرأي والرأي الواسع!


هناك آراء تحمل في طيّاتها اشارات للحصر وللقصر وللإقصاء وهي تكون نابعة في أحيان كثيرة من ضيق الفكر، فمثلا اذا أبدى أحدهم رأيا وقال: "اذا أردتَ أن تقرأ لكاتب فلا بدّ أن تتأكّد من سلامة سيرته الذاتية قبل الشروع في قراءة كتبه. ان لم تكن سيرة سليمة فلا تقترب من كتاباته"، أو، "الذين ينادون بالديمقراطية يُقدّمون حكم الشعب على حكم الله، فلذلك ينبغي الحذر منهم"، أو، "لا ينبغي اقتباس مفكّرين غربيين لأن أقوالهم ستساهم في الغزو الفكري"! وهي آراء نابعة من تفكير قالبي منحصر في مربّع ضيّق، وهي ليست ببعيدة عن طريقة التفكير التي كانت دارجة في العصور الوسطى، ولكنها مُستهجنة في عصرنا لأنه عصر انتشار العلم والمعرفة بواسطة الإنترنت، فلم يعد بالإمكان عزل أفكار الغرب عن أفكار الشرق ولا أفكار المتديّنين عن أفكار العلمانيين ولا أفكار السنة عن أفكار الشيعة ولا أفكار المذهب الحنبلي عن المذهب الشافعي!

أما الرأي الواسع فهو الرأي المُتسامح (وليس المُتخاذل) الذي يقبل الآخر ولا يُلغيه ولا يُلغي أطروحاته لمجرّد الاختلاف معه، وأمثلتنا على مثل هذا النوع من الرأي هي: "أنا أقرأ لكل كاتب وأترك لنفسي فرصة الحكم على محتوى الكتاب وعرض صورة نقدية لأفكاره"، أو، "أنا مستعد لأن أسمع من مفكّر غربي كما من مفكّر شرقي وممن اختلف معهم في الرأي". ان المجموعة الأولى من الآراء تحمل في طيّاتها فرضيات لم تثبت صحّتها، ولذلك فهي تُساهم في تضييق المجال الحياتي دونما تبرير منطقي، ولذلك ينبغي مجابهة مثل هذه الآراء من خلال المسائلة السقراطية مثلا، والتي من خلالها يبان للمدّعي بصورة غير مباشرة ضعف رأيه، مما يدفعه الى البحث عن رأي أوسع من ذاك الذي اختاره لنفسه أو فُرض عليه دونما ادراك للبدائل!

حصانة الذكر واتهام الأنثى!


الذكر يستطيع أن يسيد ويميد وأن يفعل ما يشاء فعين الرقيب لا تطاله عادة، ولو قال لصُدّقت أقواله، ولو علّل لقُبلت تعليلاته، فالحصانة التي يمنحها اياه المجتمع تنفي عنه التّهم وتُسقط عنه الشبهات، فهو ملاك طاهر في الغالب، وان حدث وأخطأ فينبغي التماس الأعذار له، فلربما الظروف لم تساعده ولربما لم ينم جيدا في تلك الليلة أو لم يكن مزاجه رائقا، أما الأنثى فأصابع الاتهام موجّهة اليها بطبيعة الحال كالصواريخ المتأهّبة لإعلان الحرب، وكأنّ الوضع الطبيعي يقول أن الأنثى في طبعها شيطانة أو شريرة وقد اعتبرت في سنوات غابرة أنها ليست انسانة للأسف، ونحن اذ نُصرّح أنها انسانة ننسى أحيانا أنها كذلك دون أن ننتبه، فإن أخطأ الذكر معها حمّلناها المسؤولية، وان أخطأت هي لعناها! لماذا؟ أليست هي الأخرى بشرا يصيب ويخطئ؟! أليست هي انسانة؟!

ان حصانة الذكر واتهام الأنثى هو كيل بمكيالين، فلمجرّد اختلاف الجنس، تختلف الأحكام والتوقّعات والفرضيات، فإن حدثت حالة اغتصاب مثلا، فستُلقى التهمة فورا على الأنثى، كأن يُقال: "هي التي سمحت له بذلك"، "هي التي أغرته"، "لبسها الفاضح هو السبب"، "مياعتها أدّت الى الجريمة"، في حين لا نسمع أقوالا مثل: "انه مجرم، مُغتصب، معتدٍ"، "انه شخص عنده هوس أو جنون أو اختلال عقلي"، "انه مُنحرف". ان هذا الاتهام المُباشر للأنثى الضحية في هذه الحالة، يعدل اغتصابها مرة أخرى، ولماذا؟ لأنها أنثى يجب أن تُغتصب مرتين؟ مرة على يد المُغتصب ومرة على يد المجتمع؟

ان هذا المجتمع الذكوري يجب أن يُعيد حساباته ليصير مجتمعا انسانيا، فنحن لا نريد مجتمعا ذكوريا يتساهل مع الذكور، ولا مجتمعا أنثويا يتساهل مع الإناث، فالكل خاضع لنفس المعايير الإنسانية والكل مُعرّض للخطأ، وبالتالي العقاب يسري على الجميع ولا أحد فوق القانون الإنساني.

الحياة الطيبة


لا ينبغي التحدّث عن الحياة الدنيوية الطيبة دون التطرّق الى مُعضلة الشرّ، لأنه ان تجاهلناها فستخرّ كلماتنا الوعظية بسرعة البرق وعلى أيدي أبسط الناس، فإن راح الواعظ يشرح قوله تعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة"، دون بيان معنى الحياة الطيبة، فستباغته أسئلة مثل: نبي الله أيوب قد ذاق الويلات في حياته، فأين الحياة الطيبة؟ ومن ثم فالرسل هم أكثر من تعرّضوا للمُضايقات وللتنكيل على أيدي أقوامهم، فأين الحياة الطيبة؟ والآف الصالحين يذهبون بعروى الطالحين، فأين الحياة الطيبة؟

والأسئلة هذه ناجمة عن الهرب من مناقشة معنى الحياة الطيبة وعرضها بصورتها الساذجة وبدون شرح أو بيان، فأغلب الناس يتوقّعون أن تكون الحياة الطيبة حياة رغيدة، مثلها كمثل جنة الله على الأرض، لا قلق فيها ولا صعوبات، ولكن الواقع غير ذلك، فالصالح مُعرّض للصعوبات وللمصائب كما الطالح، فهذه سنة الله في عباده، والشرّ (الذي يبدو شرا لأول وهلة) الذي يصيب الصالح سيكون لصالحه وهو بذلك سيكون خيرا، لأنه لربما يحمل له نتائج طيبة بعيدة الأمد، أو تطهير من ذنوب، أو دفع لشر أكبر عنه، وهذا ما يمكن فهمه من حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"، فالشر الذي يبدو شرا لأول وهلة، سيصبح خيرا ان فهم الانسان المؤمن أن أمره كله خير. 

ان مُعضلة الشر استعصت على كبار الفلاسفة، اذ كان صعبا عليهم أن يُوافقوا بين إله قادر عليم رحيم، وبين وجود الشر في هذا العالم، والشر يشمل الكوارث الطبيعية، الحروبات، الأمراض وغيرها، والتي يعاني منها كثير من البشر وتنتهي حياة آخرون جرّائها، فكيف لإله رحيم أن يسمح بوجود الشر في هذا العالم؟! لكن المؤمن يستطيع التوفيق بين الحقيقتين بسهولة، فالشر الذي يبدو شرّا لأول وهلة، هو خير في نهاية المطاف، فالحكمة الإلهية من هذا الشر غير جليّة لنا في أحيان كثيرة، ولكننا نؤمن أنه سيكون لصالحنا، فلربما هو مطهرة من ذنوب أو ذكرى وغير ذلك، وهو بهذا المعنى خير! ولما كان الايمان يزيد وينقص، وجب عرض معنى الحياة الطيبة مع التطرّق لمعضلة الشر، وبذلك تُغلق السُبُل أمام الشكوك التي من شأنها أن تُزعزع ايمان الفرد! 

13.9.13

"الفردية"، "العائلية"، "البلدية"، "الوطنية" و "العالمية"


في ظل اقتراب موعد الانتخابات للسلطات المحلية، تبدأ الدعايات الانتخابية البنّاءة والهدّامة، وتزيد العقليات العشائرية والقبائلية من بروزها، ولربما ظهرت على الساحة سجلات قديمة من الكراهية والخلافات، وكل ذلك من أجل دعم المرشح الوحيد والأوحد لعائلة فلان! والأهم من ذلك كسر منافسيه، اذ لا يكون النضال نضالا بدون كسر المنافسين، والكسر يكون بكل الوسائل المتاحة، كالتخريب على الآخرين من خلال المناشير والإعلام وكإطلاق النار على البيوت والتهديد بالقتل ولربما محاولة الابتزاز للتنازل عن الترشّح للانتخابات، وكل ذلك بالطبع يصب في الدعاية الانتخابية الهدّامة، اذ أن هذا النهج يعتمد على قانون الغاب الذي بموجبه البقاء للأقوى. أما الدعاية الانتخابية البنّاءة فهي لا تعنينا بالمقام الأول للأسف الشديد، وان عنتنا فهي لا تكفينا ولا تُشبعنا، فأن يشتغل المرشح على طرح منظومة فكرية جديدة وبرنامج انتخابي خلّاق وخطوات عملية لإصلاح البلد، كل ذلك لا يضمن فوز المرشح في نظرنا، وانما ينبغي التمسّك بالعائلية والاغراءات المادية والوعودات "المصلحجية" واسقاط المرشحين الباقين، وبعد ذلك يصلي المرشح قيام ليل يبكي فيه من خشية الله ويطيل في الدعاء ليطلب الفوز والنصر من عند الله على المُخالفين وعلى الأعداء، ويعلن توكّله على الله بعد أن توكّل على العباد!

ولا يمكن الانكار أن العائلية تُسيطر على عقولنا، فإن كان قريب العائلة مرشحا، أحسسنا بضرورة التصويت له، وان صوّتنا لغيره شعرنا بالخيانة ولخفنا من العائلة ولتستّرنا على موقفنا المتخاذل، لأن الإعدام مصيرنا ان بُحنا بهذه الجريمة النكراء، وان لم يكن اعداما ماديا فهو اعدام بمعنى المقاطعة والمشاحنة والنبذ! ولذا وجب احداث تغيير جذري في منظومة الأفكار المجتمعية، بحيث ينبغي الترويج لاختيار المرشح وفقا لمعايير جوهرية، كقدرة المرشح على القيادة، والأفكار التي يطرحها، والخطوات العملية التي ينوي احداثها، مدى واقعيتها ومدى ملامستها لمتطلّبات أهل البلد، وهذه المسؤولية تقع على عاتق كل فرد من أفراد البلد، فالمرشحون يُدرجون هذه المعايير في دعاياتهم الانتخابية، ورؤساء الجمعيات والحركات والمنظّمات يُوعّون لأهمية الأمر، وخطباء المساجد كذلك، والوالدان في البيت، والصاحب لأصحابه وهكذا. لكن تأكيد فكرة اختيار المرشح على أساس الكفاءات لا تكفي، وانما ينبغي اختراق مفهوم العائلية، من خلال التأكيد على الامتناع عن الاختيار وفقا لمناظير عائلية وانما وفقا لمناظير الكفاءات.

ان الانسان وُلد حرا ولذا كان حريّا باختياراته أن تكون حرّة ومستقلة ونابعة من الذات، فلا الضغوط المجتمعية ولا المصالح ولا أواصر المحبة والقرابة هي التي يجب أن تُحدّد اختيارنا، وانما العقل الصريح والمنطق السليم والفطرة الحسنة. لذا فإننا نقترح تبديل عدسات النظر "الفردية" و"العائلية" بعدسات أوسع وأشمل، ليتسع مجال الرؤية ولتتضّح معالم الطريق أكثر، فـ"الفردية" تملي علينا تصرّفا "مصلحجيا" أنانيا، بمعنى أن مصالحي مقدّمة على كل المصالح الأخرى والآخرون لا يعنوني، و"العائلية" تملي عليّ اتباع الآباء والأجداد وان كانوا على جهل وبذلك المساهمة في حفظ "جينات الجهل"، أما "البلدية" فهي اطار أوسع، وهي تعني التفكير في ما يصبّ في مصلحة البلد وأهلها، و"الوطنية" تعني التفكير في ما يصب في مصلحة الوطن كل الوطن، فإن كان هناك مرشحا معروفا بقدراته الفائقة على التواصل فهو مُقدّم على غيره، لأنه سيفيد في الاتصال والتعاون مع رؤساء آخرين لتنظيم احتجاجات قطرية مثلا، ولإخراج وادخال مشاريع من والى البلد، و"العالمية" هي التفكير في ما يصب في مصلحة العالم، فمثلا ان كان أحد الأهداف عند المرشّح هو المحافظة على البيئة فهو مُقدّم على غيره ان فكّرنا في مصلحة العالم. انها دوائر التفكير المختلفة ولو وسّعنا آفاقنا وتنازلنا عن عصبيّتنا القبلية، العشائرية، العائلية والفردية، لاخترنا المرشّح الذي يكون هو الأفضل للبلد، للوطن كله، وللعالم.

4.9.13

اقتلها ولك الجنة!




هو: اقتلها فلم تُطعْ والدها! هي: هل أعطيتها فرصة لتطيعك؟

هو: اقتلها فهي أنثى! هي: أليست الأنثى بشرا؟

هو: اقتلها فهي ضعيفة مسكينة! هي: أتريد أن تُثبت رجولتك عليها؟

هو: اقتلها فهي تتكلّم مع شاب على التليفون! هي: ألم تكلّم أنت في شبابك مئة امرأة؟

هو: اقتلها فهي رخيصة! هي: ألست أنت من ربّاها؟

هو: اقتلها فلا يحقّ لها أن تعيش! هي: هل أنت ربّها حتى تُقرّر؟

هو: اقتلها فقد فضّت غشائها! هي: ألا يخطئ الانسان؟

هو: اقتلها فقد شوّهت سمعتك! هي: هل سمعتك أغلى من بنتك؟

هو: اقتلها ولك الجنة! هي: هل أنت مجنون؟

القول الفصل !


كثير من كبار السنّ أو ممن ظنّوا أنفسهم أساتذة كبار بعد تحصيل قدر من العلم، يُصرّون على اطلاق القول الفصل الذي يحسم النقاش والجدال ويُجهز على خصوبة الحوار ويقضي على حيوية الفكر، ما لم تنتبه المجموعة الى هذا القول الفصل، وتحاول ادخاله مجدّدا الى حلبة النقاش بعد أن قام صاحبه بإخراجه، إما لأنه يريد أن يُريح نفسه من الجدال مع البسطاء وإما لأنه لا يريد أن يُغيّر قناعاته التي بناها على مرّ السنين وعلى أثر الخبرات المتراكمة، وفي كل ذلك كِبْر، إذ صحيح أن للخبرة حقّها وللسنين أثرها، ولكن طريقة عرض القناعات ينبغي أن تكون مرنة، بحيث يعرض الإنسان رأيه، ولا يتعصّب له، فهو واعٍ لضرورة النقد ولا يهمّه ان جاء النقد ممن يصغره في الجيل أو في العلم، فلكل جيل ولكل درجة علمية وجهة نظر ورؤية مختلفة ولو استمعنا الى هذه الرؤى لأغنينا مكتبتنا الفكرية، وان لم تُفدنا آراء الآخرين، فلن تضرّنا، وحسبنا أننا ساهمنا في فتح المجال للنقاش وبالتالي للتفكّر ولم نُغلق بابه بمجرّد اطلاق القول الفصل!

وحتى لو كنا مُتأكّدين من فضل رأينا على الآراء الأخرى، فلا ينبغي أن نفرضه على الآخرين فرضا، لأنه في الغالب لن يُقبل، ولو كان هو الأصح، ولكنّ الطريقة الأفضل هي الإقناع وعرض الأدلة والبراهين والحجج التي تدعم قولنا! ربنا جلّ وعلا يقول لرسوله الكريم رغم أنه جاء بالحقّ والصواب: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، ففرض الآراء بالقوة والإكراه غير واردين في قاموس مصطلحاتنا.

سذاجة الحياة اليومية !


تمر سنون كثيرة من عمر الإنسان حتى يصطدم بأسئلة مثل: ماذا سأقدّم لمجتمعي؟ وأي أثر سأترك من خلفي؟ وما هي انجازاتي وما هي البصمة التي سأتركها من ورائي؟ وهي أسئلة جوهرية تصبّ في معنى حياة الفرد، لأن الإنسان يدرك من خلالها معنى حياته وما هي مميزاته!

لكن أغلب الناس يعلقون بأمور روتينية وبمتطلبات الحياة اليومية، مثل: التعليم، العمل، بناء بيت، شراء سيارة، زواج، تربية أولاد، زيارة أقارب، أعراس، بيوت عزاء وما الى ذلك، وهذا لا يعني أننا نُقلّل من قيمة هذه الأمور، ولكن القصد هنا أن الانسان الذي يسعى نحو التميّز لا يجب أن يكتفي بأعمال يشترك فيها أغلب الناس، وانما عليه أن يطلب ما يتعدّى حدود الحياة الروتينية. وقد استعملت كلمة "يعلق" لأن الغالبية يحسّون أن حياتهم رتيبة ولا تحمل في طيّاتها بصمات خاصة، وهم لا يعرفون كيف يتحرّرون من ذاك الروتين وتلك الرتابة!

فروتين الحياة في أحيان كثيرة يحول بيننا وبين تحقيق حلمنا وميّزتنا واضافتنا على هذه الحياة، اذ نُفضّل أن نكون كسائر البشر، بدلا من أن نكون مُختلفين لنحقّق أسطورتنا الشخصية، وبذلك تتكرر النسخ البشرية دون أن يأخذ كل فرد منا دوره الشخصي، الخاص والمميّز في اعمار الأرض وتحقيق وظيفة الاستخلاف، ولن نستغرب ان نسي التاريخ هؤلاء الأشخاص سريعا لأنهم لم يتركوا أثرا من بعدهم يدلّ عليهم.

تعليم المرأة وعملها ...


لا يُعقل أن تكون أمّهات أطفالنا واللواتي سيُرضعنهم حليبا وحنانا وحبّا وثقافة وطبائعا، لا يُعقل أن تكون هؤلاء الأمّهات قليلات الاطلاع، ضيّقات الثقافة، قاصرات في العلم، لأنّ قاعدة فاقد الشيء لا يُعطيه تسري في هذه الحالة، لتكون الأمّ من هذا النوع عاجزة عن العطاء الفكري والثقافي، واذا كانت الأم قُدوة الولد فسيمرّ وقت ليس بالقليل حتى يدرك الشبل منابع الثقافة بنفسه، ولذلك كان من المنطقي جدا تفاني المرأة في تثقيف نفسها وإثراء دائرة اطلاعها والارتقاء في سلّم العلم، إذ أنها هي حاضنة الطفل ومُرضعته الأولى.  

أما فيما يتعلق بعمل المرأة فأنا أميل الى فتح الأبواب، بخلاف من يدعون الى غلق الإمكانيات المُتاحة في وجه الإناث كي يبقين في البيوت، ففي ذلك استبداد وظُلم وتحكّم بحرية المرأة، فالأصل أن تكون المرأة حرّة في اختيارها، فإن أرادت أن تعمل في شركة حاسوب فلا يجب أن يمنعها أحد، وكذلك الأمر ان أرادت أن تعمل في أشغال شاقّة مثل: ترميم البيوت وغيرها، لكن عليها أن تنتبه كما على الرجل أن ينتبه الى أن لا يكون العمل على حساب المسؤولية في المنزل، والمرأة عليها أن تنتبه الى هذا الأمر أكثر من الرجل بحكم كون طبيعتها الفيزيولوجية تختلف عن الرجل، فهي التي تحمل تسعة أشهر وهي التي تُرضع وهي التي تفطُم، ولذلك فهي غير مُجبرة على العمل ان كان ذلك يشقّ عليها، ولكن عليها من جهة أخرى أن لا تُمنع من المساهمة في خدمة المجتمع ان وفّقت بين عملها وبيتها.

كرم الإله !


اذا اتجّهنا من "الماكرو" الى "الميكرو"، فتأمّلنا على سبيل المثال العين الانسانية، وكيف أنها مبنيّة على صغر حجمها من الكثير الكثير من الأجزاء، فهي تتكوّن من ثلاث طبقات أساسية: الصلبة، المشيمية والشبكية، وهذه الثلاث طبقات تتكوّن من أجزاء أصغر، فالشبكية تتكوّن من وريقة صباغية خارجية ووريقة عصبية داخلية، والوريقة العصبية الداخلية تتكوّن من طبقة الخلايا البصرية والطبقة الوسطى وطبقة المشابك الداخلية وطبقة عقدية، ويستمر هذا التعقيد والتناسق وهذا الترتيب والنظام الفائقين الى أن نصل الى الخلية ومن ثم الى البروتين والـ DNA ومنه الى الذرة والى البروتونات والإلكترونات والنيوترونات. نفس الإعجاز يأسرنا ان اتجّهنا من "الميكرو" الى "الماكرو"، فالإنسان هو جزء من مواطني دولته ودولته جزء من مئات الدول وهذه الدول تُشكل 30% فقط من مساحة الكرة الأرضية، والكرة الأرضية هي جزء من المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية هي جزء من مجرّة درب اللبّانة وهناك مجرّات أخرى غيرها ! فكل محاولة لإحصاء النعم ستبوء بالفشل لكثرة النعم التي أنعم الله بها علينا فله الحمد وله الشكر وله الثناء الحسن !

ومن ثم يأتي من يقول لك بعد كل هذا الإعجاز، أن المصائب التي تنزل على رؤوسنا تدلّ على ظلم الإله وأنه خلقنا لكي يعذّبنا ! وهو يُطلق هذا الادّعاء مُتسرّعا وقبل أن يُفكّر في الحكمة من وراء المُصيبة التي حلّت به، ويعتقد أنه ان لم يفهم غرض المصيبة، فإن ذلك يعني أن هذا العالم عشوائي، وينسى أو لا يفهم أن الحكم الإلهية لا يمكن أن تكون ظاهرة ومفهومة لإنسان يعيش في الزمان والمكان ! فالحكم الإلهية هي خارج الزمان والمكان، وتفكيرنا نحن ينحصر في الزمان والمكان وفي الآني واللحظي ولذا فلا يُمكننا معرفة الحكمة من الفعل الإلهي ومن القَدَر الإلهي، وكل ما نملكه هو مجرّد فرضيات تحتمل الخطأ أو الصواب، وبكل الأحوال علينا أن نكون مؤمنين بأن كل ما حلّ بنا وما يحلّ وما سيحلّ هو لصالحنا، إذ أنه لا يُعقل أن يكون من سخّر لنا كل هذه النّعم والتي لا نفلح في احصائها لكثرتها، قد أراد بنا سوءا، فكرمه في النّعم الحسّية يؤكّد كرمه في النّعم النفسيّة والمصيرية !

19.8.13

الإلتقاء والإفتراق


إن الإلتقاء هو الدخول في حالة إجتماعية جديدة بعد الخروج من سابقة، والإفتراق هو الخروج من الحالة الإجتماعية الحالية من أجل الدخول في أخرى، فحياتنا كلها عبارة عن سلسلة من الحالات الإجتماعية المتنوّعة، والإنفراد هي أيضا إحدى الحالات الإجتماعية (أن تجلس لوحدك تدرس لإمتحان).

إن الحالات الإجتماعية التي نتكلّم عنها متنوّعة بشكل كبير ولا يمكن حصرها أو إحصاؤها، فيمكنك أن تذهب لزيارة صديق في بيته أو تذهب أنت وإياه لمطعم أو تخرج في رحلة مع أصدقاء أو تجلس جلسة عمل أو تجلس في قاعة المحاضرة في الجامعة وهكذا، وكلها حالات إجتماعية تختلف إحداها عن أخراها، ومعها يختلف أيضا تصرّفنا وسلوكنا تبعا للحالة الإجتماعية التي ندخل بها وبالإستعانة بالخبرات السابقة التي نكتسبها وبشخصيتنا التي تُوجّهنا. ومن القدرات المُدهشة التي يتمتّع بها كل منا هي القدرة على الإنتقال من حالة إلى أخرى بسرعة عجيبة والتأقلم مع كل حالة والإنخراط بعمق، فهذه المرونة الإجتماعية تجعلنا قادرين على الجلوس مع العائلة على مائدة الصباح ومن ثم ملاقاة زملاء العمل مع فنجان قهوة، وبعدها الدخول إلى المكتب على إنفراد والتهيّء لعمل يوم جديد، إستقبال عشرات الزبائن، الخروج للعشاء مع الأصدقاء وغيرها الكثير من التفاصيل التي تعكس قدرتنا على الإنتقال من وظيفة إجتماعية إلى أخرى: فنفس الشخصية ظهرت كأب، كزميل عمل، كالأنا (إنفراد الشخص)، كموظّف وكصديق!

لكن، رغم هذا التنوّع الكبير، إلا أننا نلاحظ من نظرة فوقية أساسا مُشتركا لغالبية الحالات الإجتماعية والتي أغلب ما تحويه علاقات إنسانية، وهو ما يتمثّل بالإلتقاء والإفتراق. الحالة الإجتماعية الطبيعية هي أن يأخذ للإنسان وقتا حتى يدخل في الحالة الإجتماعية ويتكيّف معها ولكن هذا الوقت لا ينبغي أن يكون طويلا، ومن ثم تجري الحالة الإجتماعية بالقرب الكافي للشخص منها، وفي النهاية يحدث الإفتراق بأن يبدأ الإنسان بالخروج من تلك الحالة ليرجع كل إلى عالمه أو ليدخل في حالة أخرى، الخروج أيضا لا ينبغي أن يستغرق كثيرا من الوقت (انظر الصورة، الرسمة "أ"). لكن إلى جانب كل طبيعي تتواجد الحالات الخاصة وهن ثلاث حالات:

1- الإلتقاء المُتأخّر: وهو أن يأخذ للشخص وقتا طويلا يزيد عن الطبيعي حتى يندمج مع الحالة الإجتماعية التي يُواجهها، وبالتالي يكون ذلك على حساب نجاعة هذه الحالة، ولكنّ الخروج منها يكون عاديا ولا يستغرق وقتا إضافي (انظر الصورة، الرسمة "ب")، ونضرب مثالا على حالة إجتماعية كهذه: هناك من الأشخاص من يستصعبون البدء بمهمة ما ولكنهم إذا بدءوا بتلك المهمة فإنهم يُنجزونها وينجحون في الخروج من تلك الحالة بسهولة، فالبداية عندهم تستغرق وقتا حتى يدخلوا جيدا إلى الحالة التي هم في صددها، وذلك يكون على حساب وقتهم المُخصّص لتلك الحالة. كثيرا ما يظهر الإلتقاء المُتأخّر عند مواجهة أمور غير مرغوبة أو حالات مُخيفة أو حالات جديدة.

2- الإفتراق المُتأخّر:  وهو أن يأخذ للشخص وقتا عاديا حتى يدخل إلى الحالة الإجتماعية، ومن ثم تمر بشكل طبيعي، ولكن الخروج منها لا يكون سهلا إذ أنه يستغرق وقتا طويلا (انظر الصورة، الرسمة "ج")، ونضرب مثالا على حالة كهذه: عندما يلتقي الإنسان بشخص طال فقدانه أو إنسان يُحبّه فإن الخروج من تلك الحالة الإجتماعية يطول. كثيرا ما يظهر الإفتراق المتأخّر في الأمور التي نرغب بها، أو نحبها، لأننا نرغب ونريد هذا الإفتراق المتأخّر، وعلى العكس يمكن أن يظهر في حالات مُفزعة وعندها نريد أن نتخلّص من تلك الحالة بسرعة ولكننا نبقى عالقين فيها بحكم تأثيرها السلبي القوي، كأن نفقد شخصا عزيزا. 

3- الإلتقاء والإفتراق المتأخّران: وهو أن يأخذ للشخص وقتا طويلا حتى يدخل في الحالة الإجتماعية ومن ثم يأخذ منه وقتا طويلا للخروج من تلك الحالة، وهي أفظع الإحتمالات لأنها تكون على حساب نجاعة الحالة وعلى حساب الوقت المُخصص لتلك الحالة (انظر الصورة، الرسمة "د"). نضرب مثالا على مثل هذه الحالات: شاب صغير يذهب مع أصدقائه للسباحة في بركة، فيرى الكثير من الحوافز حوله عند وصوله المنتجع السياحي، مما يُربكه ويأخذ منه وقتا إضافيا حتى يندمج مع أصدقائه، ولكنّه بعد الإندماج يصرّ على البقاء إلا أن المنتجع سيُغلق أبوابه فيجبره ذلك على الخروج ولكنّه يبقى يفكّر في تلك المغامرة لساعات أو ممكن لأيام!

إن عمليتي الإلتقاء والإفتراق لا يحدثان في الواقع بالبساطة التي نعرضها هنا وليس بهذا البُطء، فأغلب الحالات الإجتماعية تكون سريعة المرور وعلى أرض الواقع تكون مُفصّلة أكثر، ولك أن تتخيّل عندما تخرج إلى رحلة مع العائلة أو مع أصدقائك إلى "مدينة الملاهي" الكم الهائل من الحالات الإجتماعية التي تمر بها. كما أن هاتين العمليتين لا يتمّان بترتيب صارم، إذ يمكن لحالات إجتماعية مختلفة أن تتداخل ببعضها، والمثال على ذلك هو عندما تخرج إلى رحلة العمر زائرا إحدى الدول التي لطالما حلمت أن تكون فيها، فعند رجوعك إلى البلاد تدخل في حالات إجتماعية كثيرة ولكن تأثير الرحلة لا يزال قائما، كما أننا نلاحظ في هذا المثال إمكانية إندماج عدد من الحالات الإجتماعية لتتشكّل حالة واحدة عامة، حيث أنك في رحلتك تلك قد مررت بالكثير من المحطّات ولكنّك تصوغ من كل ذلك حالة إجتماعية عامة وتسمّيها تأثير الرحلة.

إضافة إلى ذلك فإن الحالات الإجتماعية تختلف عن بعضها بقوة تأثيرها على الفرد (أن تتكلّم مع أخيك هي حالة تختلف كثيرا عن تكلّمك مع خطيبتك)، وكذلك تختلف بمدّة تأثيرها (أن تجلس مع العائلة في البيت هي حالة تختلف عن سفرك إلى خارج البلاد للتعلّم ودخولك إلى سكن جديد وبيئة لم تعهدها من قبل). كما أن الألفة والإعتياد على الحالة الإجتماعية تجعلها تمر بسلاسة وبصورة أوتوماتيكية أكثر، ولك أن تتخيّل الفرق بين أيامك الأولى في قيادة السيارة وبين قيادتك بعد ثلاث سنين، أو اليوم الأول عند استلام وظيفة جديدة وحالتك بعد سنة كاملة من مزاولة نفس العمل، فهذا يدل على أن التكرار هنا يزيد من الخبرة المُكتسبة ويجعل تنفيذ كثير من الأمور يتم بصورة غير واعية ولهذا تمر بسرعة. كما أن الدخول في الحالة، أي المرحلة التي بين الإلتقاء والإفتراق، لا تعني وتيرة واحدة من الإندماج، ولكن لتبسيط الصورة تم التعبير عن هذه المرحلة بخطّين متوازيين، إلا أنه في الحقيقة يبدأ الشخص بالدخول رويدا رويدا حتى ينخرط في عمق الحالة التي هو في صددها، ومثالنا على ذلك أن الكاتب بعد عشر دقائق من بداية الكتابة يكون عادة إندماجه مع ما يكتب أقل من إندماجه بعد ربع ساعة، إن قرّر أن يكتب لمدة ساعة كاملة مثلا. 
 
 
 
 

القدس !


القدس ! كلمة وأي كلمة ! إنها كلمة خماسية مباركة من ألفها إلى سينها . أوسطها يربطها بمركزها . إنها كلمة تهمس في الآذان همسة سينية مُثقّلة بكل أصناف الحب والشوق والحنان والألم من أجلك يا أيتها السخية الصامدة . القدس ! كلمة رنانة تبدأ بأول محطة في مشوار أبجديتنا وتقفز بقوتها الأبدية قفزة نوعية إلى أن تستقر في نهاية المطاف في وسط الطريق الذي يفديها بكل عناصره. سلام عليك يا من وقفتِ في وجه من أرادوا أن يدفنوك تحت التراب لترث أورشليم مكانك . لك ولمن حماك النصر القادم إن شاء الله .

البحر لنا !


اشتقتُ إليك رغم برد الشتاء ! اشتقت لموجك ولمدّك وجزرك ! اشتقت إلى هدوئك وسكينتك ! اشتقت إلى هيجانك وجدّيتك ! أحببتك لأني لامستك كثيرا ، عشقتك لأنك بعُدتَ عني ، تُهت في هواك لأني ما زلت أبحث عنك في ثقافتي . هنا وجدتك في ثقافتي الإسلامية مُعشعشا فيها ، وهذا لا يعني أني قرأت تاريخ الإسلام من بدايته إلى نهايته ، ولكنّي أعلم أنّ ديننا هو دين الفطرة السليمة ولذا كان إدعائي . أما في ثقافة مسلمي اليوم فلم أكد أشمُّ رائحتك الفريدة ، ولم أكد أشعر أنك مصاحب لمصليي المسجد ولا للقانتين في ليلاهم ولا للباكين من خشية الله .

وصيّتي ما قبل الرحيل !



اليوم أودّع بلادي وأوطاني وأبتعد عن الجُرح الفلسطيني ولا أدري ءأعود أم لا . اليوم أترك أحبابي وأقربائي في ديارهم ولا أدري إن سيحالفني قدري برؤيتهم مرة أخرى . وداعا يا فلسطين ! وداعا يا أيها الأقصى الحزين ! وداعا يا كل أصحابي !

يا أبنائي وأبناء هذا الوطن التليد لا تتركوا أرضكم فهي عِرضكم، ولا تجدّدوا نكبتنا وإنّما تشبّثوا بها تشبّث الحبيب بمن يحب، ولا تشروها بمال الدنيا كلّه فالمال يزول والتاريخ يبقى محفورا في الأذهان . أريد منكم أن تُكملوا مسيرة نضالنا وكفاحنا لعيش كريم يتّصف بالحرية وبكل مظاهر الإنسانية وإياكم أن تناموا أو تسكن أنفاسكم أو يصيبكم الوهن .

يا أبنائي لا تنسوا رفع راية هذا الدين العظيم، ولا تخجلوا يوما من عمل صالح ولو احتقرته الأنفس فرب عمل صغير تعظّمه النيّة . أكملوا مسيرة الوحدة ولُمّوا الشّمل ولا تدعوا الأعمال الشيطانية والأفكار الدنيوية تفرّقنا وتباغضنا وتشاحننا، وابحثوا عن منهج الوسطية وإياكم من التشدّد أو التساهل . كونوا أينما يُحب الله أن يراكم وابتعدوا عن حيثما يريد الله أن يفتقدكم . هذه الدنيا حقيرة فلا تُشغلكم عن غيرها، وادخلوا في كل المجالات المباحة، فالإسلام هو دين الشمولية وهو رحمة للعالمين .
- كُتبت قبل الخروج الى رحلة العُمرة لعام 2011م – 1432هـ