14.2.13

تبّا لكَ وتبّت يداك !

تبّا لكَ وتبّت يداك يا قاتلي !
يا من بعثرت دمي وأدميتني
يا من سرقت مني أبي ويتّمتني
وسلبت رِجْلَي أمّي وحرمتني جنّتي
أتريد حقّا أن تحفظَ وطني يا شقي ؟!
***
تبّا لكَ وتبّت يداك يا مُهلكي !
شيطانٌ أنت في صورة بَشَر غبي !
تنتهك انسانيّتي ولا تستحي ؟!
وتغتصب ملاييني لئلا تنتهي !
فإنك وربّ الكعبة مُنتهي !
فتبّا لك على الدّوامِ إلى أن تنتهي !
***
حسبتُك أسدا، فأسدُك مات وخذلتني
ظننتُك بشّارا، فبِشَارتُك ماتت ونفّرتني
قيل انك طبيب، فطبّك مات وأسقمتني
كلّك مات يا مُوجعي !
فتبّا لكَ وتبّت يداك كل فجر وعشي !
***
زَرعتَ أرضي حقدا واتّهمتني
وسويّت بيتي بأرضي وهجّرتني
وأمّي المبتورة تدعو عليك كل يومي لا تنثني
وتقول تبّا لكَ وتبّت يداك يا جارحي !
ولك الويل والويلات من ربّي يا مُقعدي !
***
قَتلتَني وقَتلتَ شعبي وتريد حِفْظَ وطني ؟!
دمّرتني ودمّرت مدرستي وجامعتي وجامعي !
أشعلت ناري في قلبي فاحترق زرعي وحصادي !
وتريد أن تحفظ وطني ؟!
مَسَحْتَ بسمتي وسلبتني كعكتي من يدي !
وأنسيتني عيدي فلم يعُدْ عيدي عيدي !
وتريد أن تحفظ وطني ؟!
***
أتظنّكَ الهاً في أرضِ خالقي ؟!
أم تنازعُ ربّي في ردائِهِ لئلا تنحني ؟!
وهل تستبيحُ مَنْ نفخ فيهم من روحه كروحي ؟!
أم تراك غفلت عن غضب الجبّار يا ظالمي ؟!
وربّما نسيتَ مصير زُمرتكَ أيها الغبي !
فتبّا لكَ وتبّت يداك إلى أن تنقضي !
***
ارحل من وطني واخرج من يائي !
فأنا الطفل الذي يشري كتابا لأشتريَ سيفي
طائرتك، مدافعك وكلّ كلابك لن تُخيفني
ولنا موعدٌ هنا أو هناك وسأنتقم لأمي وأبي
ولن أنسى أن أقول لك يا ظالمي
تبّا لكَ وتبّت يداك إلى أن تمّحي !

13.2.13

كلما اقتربت، كلما رأيت الحدود !


في لحظة من لحظات الحب، إن كان العاطفي منه بين الذكر والأنثى وإن كان الأخوي منه، يظن الإنسان لبرهة أن هو صاحبه وصاحبه هو وأنه هو حبيبته وحبيبته هو، ويتوقّع أن يصبحا روحا واحدة وطموحا واحدا وآمالا واحدة ومستقبلا واحدا، في حين أنهما اثنان، ماضيهما مختلف، تجاربهما مختلفة، شخصياتهما مختلفة، حاضرهما مختلف، والأجدر بمستقبلهما أن يختلف. إذا فهي آمال وردية لا تلبث إلا أن تتحطّم والذي يحطّمها هو الواقع الذي لا يُحابي أحدا، فليس لديه صبر على اتحاد العاشقين ولا على وله المحبّين ولا على انسجام المنسجمين. كم من اثنين التقيا تحت مظلة سماء واحدة وعلى بساط واحد، في زمان ومكان واحد، في شعور واحد، في روح واحدة، في لباس واحد، في قلق واحد، في ذكريات واحدة، في اهتمامات واحدة، وجائهما ذاك الحلم الذي يقول أننا صرنا واحد، ولكن لم تمض سويعات، حتى انفصل هذا عن ذاك، ليس لخلاف أو لرغبة في ذلك، ولكن لأن الواقع بالمرصاد. جائهما ذاك الواقع الذي يُذكّرهما بحقيقتهما، فهما اثنان وليس واحدا كما ظنّا في تلك اللحظة السعيدة. نعم هو الواقع يفرض على المحبوبة أن تعود إلى بيت أهلها وعلى المُحب أن ينام مبكّرا ليستيقظ للعمل، وعلى الزوج أن يؤدّي واجباته وعلى الزوجة كذلك، وعلى المحبّ في الله أن يهرع إلى أداء وظيفة الاستخلاف في الأرض.
 
اذا فمهما اقتربت فلن تندمج وستذكّرك تلك اللحظات بالحدود التي بينك وبين الإنسان الذي أمامك والتي أنّى لك أن تصهرها أو أن تمحقها من على وجه البسيطة، ذاك أنك اقتربت كل الاقتراب ولم تندمج، فماذا بعد ينفع؟ والجواب أنه لا شيء لأن مرحلة الاندماج قد ولّت هاربة ولم ولن تُعقّب، وهذا ما ينسجم مع جوهر النظرية التطورية لمارجريت مالير (Margaret Mahler)، حيث إنها تصف عملية انفصال الوليد عن أمه من خلال مراحل عدة، لينتهي الأمر بالطفل إلى إدراكه بأنه كيان منفصل عن أمه وهو ما سمّته بـ ""Separation-Individuation Phase. بعد الوصول لهذه المرحلة وفي الحالة الطبيعية لا عودة إلى الوراء، أي لا عودة إلى الاندماج، وهو ما نلمسه عندما نكون في اتصال قوي مع الآخر، فرغم كل الاقتراب إلا أنه لا يمكننا الاطّلاع على أسرار القلوب والعقول ولا يمكننا الاطّلاع حتى على حقيقة ما يفكّر به الآخر اتجاهنا إلا من خلال ما أبداه، ولكن يبقى السؤال هل الظاهر يطابق الباطن مئة بالمئة؟ في هذه الحالة لا نملك إلا أن نخمّن حول شعور الآخر اتجاهنا من خلال ما يظهر منه من ردود أفعال كلامية أو غير كلامية!

3.2.13

معذرة قلبي، ومعذرة أكبر لك ربي!

عندما تغوص في علم البيولوجيا وبالتحديد في مادتي "الاناتوميا والفيزيولوجيا" فإنك تعيد اكتشاف صَغَارك !
سلسلة طويلة من التفاعلات المعقّدة التي تحتاج منك وقتا لا بأس به لقراءتها وفهمها ومن ثم الى جهد اكبر ووقت أكثر لحفظها عن ظهر قلب، في حين أن كل سلسلة التفاعلات تحدث في ثوان وهي مستمرة وأنت تقرأ وتفهم وتحفظ ! فعلا انها مهزلة حقيقية، فأثناء قراءتك عن الدورة الدموية وعمل القلب يكون القلب قد أعاد دورته آلاف المرات وكل تلك السلسلة المعقّدة من التفاعلات ! يا رب ارحمني فأنا عاجز ! يا من وسع بكل شيء علما، اجعلني عالما على الأقل بجسمي !
ويا قلبي لك مني تحية على جهودك، ومعذرة على كل لحظة لم أقدّر فيها أتعابك ! ليس مفهوما ضمنا ما تعمله وليس بالعمل السهل ! كيف لك أن تضخّ دمي من مركز جسمي الى كل أنحائي في كل دقيقة ثمانين مرة ؟! ألا تكلّ ؟ ألا تملّ ؟ ألا تحتاج استراحة ؟ اني أشفق عليك، بل وعلى نفسي أكثر، فأنت فان وروحي باقية !
قلبي أنت تعمل وأنا أعمل، أنت تعمل وأنا جالس، وأنا نائم، وأنا مسترخي، وأحيانا تغضب لأني أزعجتك بحركتي الزائدة أو لربما تفرح لتضامني مع عملك الدؤوب، لكنك عندما تقف فإن وقفتك تكون نهائية، وسيسمع بصداها كل من حولي وربما كل بلدي وربما كل الوطن وربما كل العالم، من يدري فأنت صاحب القرار! صوتك ساعة رنانة في جوفي فكيف لي أن أنسى غلاوة وقتي؟!
لكنك رغم ذلك مُسيّر مأمور، لا تملك ارادة ولا رغبة ! إنك عبد يا قلبي ! مثلي ! فالشكر اذا خالص لربّي، والاعتذار والاستغفار لا ينقطع مني لمن أمدّني بقلبي.

مُجرّد تساؤل !

في مساق اسمه "مقابلة وتشخيص" استضفنا مؤخّرا رجلا اسمه *** ليلعب دور المريض ونحن بدورنا قمنا بتشخيص وضعه النفسي من جميع النواحي. تجدر الإشارة إلى أن كلمة مريض لا تعني أن عنده مشكلة معينة وإنما هو تعبير عن دور المُعالَج. أخذ الرجل يجيب عن الأسئلة التي وُجّهت له بطلاقة وبانفعال وظهر لي أنه شخص عادي نسبيا، بل ومتفوّق في حياته فهو اليوم محاضر في الجامعة العبرية وهو يساري في توجّهه السياسي ووو، مما أثار تعاطفي عندما أخذ يتحدّث عن بعض المشاكل التي مرّ بها خصوصا من ناحية اجتماعية، لكنّ اللحظة الفاصلة هي تلك التي أعلن فيها أنه مثلي بافتخار وأخذ يحدّثنا بتفصيل عن علاقته مع "جون"، كإجابة منه على أسئلة في مجال العلاقات الزوجية. عندها بدأ تعاطفي يخفّ وتغيّرت تلك الصورة التي أخذتها عنه في أول نصف ساعة، وثار عندي التساؤل: كيف سيكون لقائي الأول بمثل هؤلاء الأشخاص في لحظات العلاج بعد فترة قصيرة؟

حدث معي ...

بينما أنا جالس على بساط المسجد منتظرا صعود الخطيب إلى منبر الجمعة، وإذ برجل تبدو عليه علامات البداوة يقف بجانبي ليصلي ركعتي تحية المسجد. لم يلفت الرجل نظري إلى أن ركع وبدأ يقول بصوت خفيض مسموع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فقلت ربما أخذته سهوة فلفظ ما لم يدرك، ولكن الغريب في الأمر هو لماذا يُصرّ على اسماع صوته؟
 
أكمل الرجل صلاته إلى أن وصل إلى جلسة التشهد الأخيرة، ولكنّ ما أدهشني هنا أن الرجل أخذ يقرأ بفاتحة الكتاب بصوت مسموع كذلك: "الحمد لله رب العالمين، الرحمان الرحيم ..." إلى آخر السورة. الرجل لا يعرف خطأه ويتفاخر بما يعرف لأنه يظنّه صوابا، لكنه أكمل عفويته بأن مدّ يده ليسلّم على كل من حوله بابتسامة عريضة وحماس زائد، فتذكّرت قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "رب أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره".

الفكرة قبل الشخص !

كلنا واقع في هذه الورطة ! ببساطة لأننا بشر !
هل المسرحية ناجحة أم لا ؟ اذا كنتُ على علاقة جيدة مع القائمين عليها فنعم وإلا فلا !
هل الكتاب مفيد ؟ يتعلّق بنظرتي للكاتب !
هل الإنسان الذي أمامك ملائم للوظيفة ؟ يتعلّق بانتمائه الحزبي وبأجندته !
هل الفكرة التي سمعتها من فلان سائغة؟ يتعلّق بماضيه وكونه معنا أو علينا !
إن الشخص غاية أمانينا في حين أن الفكرة تنساق خلف الانطباع الأولي. إنها العلاقات الإجتماعية التي تطغى على المعايير المضبوطة، إنه التصوّر المسبق و"الستيريوتيبي" الذي يُبعدنا عن العدل. نعم إنها الفكرة قبل الشخص، فالحكم على ما بين أيدينا من أداء هو المُلزم ! إنها كلمة العدل التي تُقال ولو كانت مزعجة ولو كانت في أولي القربى ! لا محاباة، لا تخفيضات عندما يتعلّق الأمر بالعدل وقول الحق.

طرفا النهار: ما أعجبهما !



طرف قُبيل شروق الشمس، في ظلمة الفجر، في برودة الصباح، في نقاوة الهواء، وأهم من كل ذلك، في وقت صفاء الذهن بعد نوم هنيئ. إنها اللحظات التي تفتتح فيها صفحة جديدة من مفكّرتك، وهي نفسها اللحظات التي تعصف بك فيها أفكار شتى على أمل يوم مُختلف، لكنها مع ذلك تبقى لحظات البداية ولأنها كذلك فهي خالية من الخلفيات، متّصفة بالصفاء والنقاء، ملاصقة لراحة البال والأمل، وغنيّة بالتفكّر: لماذا أعيش؟ ما هو هدفي؟ وهل أنا في الطريق الصحيح؟
الطرف الآخر هو طرف ما بعد هبوط الليل، عندما يغشى الليل النهار، ايذانا باقتراب نفاذ الأسطر القليلة التي بقيت في صفحة اليوم نفسه. إنها اللحظات التي يرجع فيها الإنسان من مجتمعه محمّلا بذكريات. إنها اللحظات الثقيلة المثقّلة التي فيها يراجع الإنسان حساباته: مع من أخطئت اليوم؟ هل قصّرت في شيء؟ كيف يمكنني التحسين من أدائي؟ هل أضعت جزءً من وقتي؟ إنها لحظات النقد الذاتي وأيضا لحظات الرضى على ما تم أداؤه، فهو شعور مختلط يجمع بين ذم النفس على التقصير، والمدح على صحيح التنفيذ.
فسبحان من قال في كتابه: "وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين" (هود، 114).