31.3.13

عتبي على جيل "العتابا"!

لا أُخفي عتبي على جيل الأجداد، لأنهم في نظري قصّروا في عملهم، ونحن بدورنا اضطررننا لمواجهة تبعات تقصيرهم، فصحيح أن قسما كبيرا منهم حافظ على أرضه وهويته ورفض أن يتنازل عن وطنه وبالتالي سطّر موقفا لا ينساه التاريخ، ولكنّ عتبي ينصب بالتحديد على انحسار الثقافة في ذاك الجيل! فكيف لشعب كامل أن يُغفّل ليتأخّر عن العالم سنوات كثيرة فيرجع الى عصر الأمية؟! كيف استطاع أجدادنا أن يحتملوا تهمة الأمية في القرن العشرين؟! صحيح أن الأزمات كانت كثيرة في تلك الفترة والانتداب والاحتلال والنكبات خلخلت العقول والوجدان، ولكن هل كل هذا يمنع من اتقان أبسط الأشياء ألا وهو فعل القراءة؟ أين كان أجدادنا من أول كلمة نزلت على رسولنا عليه الصلاة والسلام "اقرأ"؟ ولماذا قرأت أوروبا رغم ما مرّ بها من دمار؟ ولماذا قرأت اليابان رغم كارثة هيروشيما؟ ولما ضَعُفَت القراءة ضَعُفَت الثقافة وضَعُفَ الدين وتأخّرنا وبالتالي كانت الأرضية جاهزة للاحتلال، ولن نناقش هنا من جهّز هذه الأرضية ومن خطّطها، ولكن لا يوجد سبب في الدنيا كلها يمنع من فعل القراءة والثقافة!
يقول د. يوسف القرضاوي: "ضع في يدي القيد ألهب أضلعي *** بالسوط ضع عنقي على السكّين، لن تستطيع حصار فكري ساعةً *** أو نزع إيماني ونور يقيني".

لماذا أخّرنا الرحمة الى حين الموت؟

كلنا سمع صوت المنادي مرة واحدة على الأقل عندما يقول: "انتقل الى رحمته تعالى فلان ابن فلان"، ولكن في حياتنا نسمع نبرة أخرى، وفي هذا شيء من المنطق اذ أن العمل ينتهي بمجرّد الموت، ولا يبقى الا الأمل وتبعات العمل، في حين أنه في الحياة نحتاج الى الترهيب أحيانا لكي نمتنع عن الحرام، كما أننا نحتاج الى الغرامات لكي نمتنع عن مخالفة القانون الدنيوي. لكن المشكلة في الأمر أننا نفقد أحيانا كثيرة التوازن بين الترغيب والترهيب، فتراهم يُصوّرون للطفل أن الخالق هو شديد العقاب، ولا يتمّ التوضيح، على من شديد العقاب، هل على الطفل البريء؟ (حاشاه).
وتضيع الرحمة في طيّات الترهيب من غضب الجبّار فيشبّ الطفل مع صورة مشوهّة عن خالقه، فتأتيه أفكار أن الخالق خلقنا ليعذّبنا وأن المصائب التي تحلّ بنا هي انتقام منه (حاشاه)، وربما يودي هذا بالشخص الى أن يكفر بخالقه، لأنه لم يفهم أن الخالق رحمان رحيم وأنه خلقنا ليُدخلنا الجنّة وأنه يعاقبنا أحيانا لكي نرجع اليه وبالتالي لنكون مستحقّين لجنّته سبحانه وتعالى. وانني أتوقّع من كل سياق (خطبة جمعة، حديث عابر ...) أن يحوي ترغيبا وترهيبا بقدر متساو لكي نُحصّل التوازن المطلوب وبالتالي الفائدة الكبرى والأثر الكبير، ولا ينبغي أن ننفض من مجلسنا قبل أن نُوازن الترغيب بالترهيب والترهيب بالترغيب لكي تكتمل الصورة.

الفعل يدلّ على الفاعل !

اذا سبّك أحد فلا تستعجل بالردّ، واذا هزئ منك أحد فلا تستعجل الاستهزاء، واذا ذمّك أحد فلا تستعجل الذم، واذا غضب عليك أحد فلا تستعجل بغضب آخر، واذا شتمك أحد فلا تستعجلنّ الشتم، لأن كل هذه الأفعال دالة على فاعلها، فمن يشتم، يشتم إما لأنه لم يستطع أن يسيطر على نفسه في تلك اللحظة، أو لأنه غير ناجح في السيطرة على غريزته الشريرة، أو لأنه جاء يحمل غضبا من معاملة سابقة، وتتعدّد الأسباب عند الشاتم أو عند الغاضب، في حين أن المشتوم لا ينبغي أن يسارع الى الاستنتاج أن الشتيمة كانت من فعله وأنه مستحق للشتم على الدوام. والمنطق من وراء هذا أن الشاتم هو الفاعل في حين أن المشتوم هو المفعول به، ولو قلتَ لي أن المشتوم هو الذي أوصل الشاتم الى الفعل بمعنى أن المشتوم هو من أدّى بالشاتم الى أن يفقد سيطرته على نفسه، فصار الشاتم مفعولا به، لقلتُ لك أن الحُجّة الداحضة لهذا الادعاء هي أن الشاتم في هذه الحالة مُتحَكّم به على يد المشتوم وهذا أيضا يدلّ على سيطرته الضعيفة على نفسه، وبطبيعة الحال فإن البادئ بالإثم هو أظلم، والشتم أو الغضب هو مُقدّمة العنف!

التربية هي الأساس !

كثيرا ما ننشغل بعلاج النواتج بدلا من معالجة الأسباب، وننشغل بتقليم الأغصان في حين أن المشكلة متواجدة في الجذر، فترى الأب يفرض على ابنته البالغة حصارا في المنزل، لكي لا تلفت ولا تلتفت الى الشباب، وفي هذا استبداد وعلاج لظاهر المشكلة بدلا من باطنها، فلو أنه أقنع ابنته عبر سنوات التربية المبكّرة بضرورة الاحتشام وذوّت فيها حبّ الأخلاق العُليا، لما اضطر الى فرض حظر تجوال على ابنته لأنها تلبس البنطال الضيّق والذي يشفّ في بعض أجزائه ان لم يكن في أغلبه، فلا بدّ أن ننصرف الى معالجة الجوهر والى الاقناع والى مخاطبة العقل والقلب، لأن المظهر سريعا ما يتبدّل ان لم يكن الجوهر راكزا.

اغراء بائس !

في مجتمعنا العربي، تُخطئ الفتاة عندما تظنّ أنها لمّا ترتدي الملابس "المُغرية" فإنها تزيد من امكانيات الزواج، فالشاب اليوم يبحث عن الفتاة التي تفتخر بحيائها – بخلاف الخجل – كزوجة له، ومن الممكن أن تزيد بفعلتها هذه من امكانيات "المصاحبة" التي عادة ما تكون نهاياتها غير محمودة لأنها لا تُفضي الى الزواج، وبالتالي فهي تُساهم على العكس من القصد المُعلن أو المُدرك الى تقليص امكانيات الزواج، لأن الشاب العربي عندما يبحث عن زوجة - وليس صاحبة - فهو يريدها أن تكون عفيفة حتى ولو لم يكن هو نفسه عفيفا! ولسنا هنا بصدد دعم هذه المعادلة الغير متكافئة عندما يطلب شابا فقد عذريته، فتاة عذراء، وعندما يطلب شابا عشق في ماضيه، فتاة لم تعشق في حياتها، وانما للتأكيد على أن الإغراء لا يزيد من احتمالات الزواج، كما أن اللباس الشرعي لا يخفّض من امكانيات الزواج.