18.5.13

كيف احتللنا أنفسنا؟

قبل أن نُوجّه أصابع الاتهام لغيرنا، لا بدّ لنا من أن نلتفت الى تقصيرنا والى أخطائنا، وأنا أتكلّم هنا عن الأقلية العربية في الداخل، فلو توحّدت قلوبنا مسلمين ومسيحيين مُتدينين وعلمانيين لاستعدنا حقوقنا منذ زمن، ولو ثقّفنا أنفسنا وقرأنا وبحثنا زيادة على اللقب الأكاديمي ولو قدّمنا لمجتمعنا زيادة على العمل الرسمي لما احتجنا الى من يشفق علينا، ولو لم نضرب أعناق بعض ولو لم يتشاجر أهل البلد والجيران على شبر أرض ولو لم نظلم المرأة ولو لم نُعريّها ولم نبيعها لتركّزت جهودنا في الحفاظ على الوطن ! لكنّنا تركنا الثقافة وراء ظهورنا، ولربما حصرناها في أمسيات زجل شعبي وأمسيات غناء وطني، في حين أن الثقافة أوسع من ذلك، فكثير منا يعتبر القراءة فضلة وكثير يستحقرها ويعتبرها انغلاقا، في حين تُعتبر في الغرب انفتاحا !
 
ونحن أمة مُستهلكة قليلة الانتاج ولو انتجنا لأنتجنا باسم غيرنا، فكم من مُفكّر عربي وكم من عالم عربي رحل من وطنه بسببنا نحن وذلك لأننا لا نُقيم لهم وزنا، ليستقرّوا في بلاد الغرب فيُنتجوا هناك ويُبدعوا ويدخل انتاجهم في انتاج الغرب ! ومن ثم نقول: احتُللنا ونريد أن نسترجع أرضنا الآن ! كيف سنسترجعها ان كنا مُتفرّقين ؟! كيف سنسترجعها اذا لم نقدّر الانسان واذا لم نعرف كيف نبني جامعات خضراء واذا لم نعرف كيف نُجهّز مراحيض عامة تليق بالإنسان واذا لم نتسلّح بالحيطة والحذر والحكمة في تصرّفاتنا ؟! والحال قابل للتغيير ان أردنا وفهمنا واقعنا، وندعم قولنا بقوله تعالى: "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فإن لم نعزم التغيير بقينا مُحتلّين لأنفسنا !

بين الاستبداد والشورى...

الاستبداد متجذّر فينا وأغلبنا يحب السلطة، فما ان يستقلّ أحدنا منصبا حتى ينسى ماضيه الوضيع وينبهر بالمنصب، ويتحوّل من اللين الى الشدّة لئلا يستخفّ به الناس وليعملوا له ألف حساب، ويترفّع عن محاورة ومناقشة البسطاء لأنه بذلك يفتح المجال للفوضى وللتعدّي على مسؤولياته، وهو مستعدّ للتمسك بالمنصب مهما جرى لأنه حُمّل مسؤوليات وعليه أن يحفظها بكل ثمن، فالتنازل عن الكرسي غير وارد لأنه يُرى كضعف وكفشل وهذا يمسّ شرف المسؤول في حين أن شرف البسطاء يمكنه أن يُمسّ جهارا نهارا! باختصار نحن نحب أن نرى المنصب كتشريف وكتحقيق لذاتنا! وفقا لهذا المنطق فان الرئيس مستعد لأن يُصدر القرارات لوحده وهو ليس بحاجة الى من يساعده والى من يستشيره لأن الاستشارة تُقلّل من هيبته أمام الناس، وأيضا الأب في بيته لن يستشير زوجته وبالتأكيد لن يستشيرها أمام الناس ولن يستشير أولاده لأن ذلك سيقلّل من هيبته ومن قيمته أمام العائلة، فهو الحاكم وهم المُنفّذون.
 
أما اذا اعتبرنا المنصب تكليفا وليس تشريفا، فإننا عندها سنضع جانبا أنفسنا وهيبتنا وقيمتنا، لنفكّر بالاطار الواسع الذي كُلّفنا فيه، وآنذاك سنكون جاهزين لسماع الآراء وللأخذ بالشورى، وفي أحيان معينة سنكون جاهزين للاستقالة اذا لم نُنفّذ وظيفتنا على أحسن وجه، لأن المهم هنا ليس هيبة المسؤول وانما حال الرعية! ففي اطار العائلة لا يمكن أن يُصدر الأب فرمانا وقرارا جاهزا يُلزم به كل أفراد العائلة دون أن يرجع اليهم، لأنه من غير المنطقي أن يُقرّر لابنه ماذا سيتعلّم ومن غير المنطقي أن يُقرّر لابنته من ستتزوّج، وانما القاعدة الذهبية التي يجب أن نعقلها ونُطّبقها هي الحوار والنقاش مع أفراد آخرين يخصّهم الأمر قبل اتخاذ أي قرار، وكل قرار يتم اتخاذه دون حوار ونقاش واستشارة هو استبدادي ولا يمكن قبوله!

الشهوة!

لطالما أخذت الشهوة معاني سلبية في تفكيرنا ونحن نقرنها غالبا مع الحرام، في حين أنها يمكن أن تكون مقرونة بالحلال أيضا! نسمع كثيرا: "الشهوة هي هلاك"، ويمكننا حمل هذا القول على أن المقصود منه الشهوة الحرام، ولكن يبقى فيه تعميم وربط للشهوة بالحرام! في كلامنا الدارج نقول: "اشتهيت الطعام" و "أنا مشتهي مرة أشوفك مبسوط"، فالكلمة جاءت هنا للتعبير عن رغبة مقبولة في العُرف والدين، والقرآن الكريم يقول: "زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب"، فالقرآن يُسطّر الشهوة ولا يتنكّر لها، فهي طبيعتنا الانسانية!
 
ورغم أن الشهوة هي أوضع ما في الانسان، الا أنها لا تأخذ صبغة عامة سلبية، كما يظهر في الآية، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "وفي بُضع أحدكم صدقة" - أي في جماعه لأهله - فقالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال عليه الصلاة والسلام : "أرأيتم لو وضعها في الحرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر". من هنا لا ينبغي أن نرتدع من اشتهاء الحلال، واشتهاء الحرام هو المرفوض، ولذا كان لا بد من توجيه الشهوة وتوظيفها في الحلال، ولا ينبغي أن نُصرّ على تعميم الهلاك على كل شهوة، ففي الشهوة أجر ان وُظّفت في المكان السليم، ولأن ذلك يجعلنا نشعر بإحساس دوني وربما نستحقر أنفسنا اذا مارسنا الشهوة في الحلال!

الحجاب قوة، لكن ليس دائما!

خارج القرى والمدن العربية، تشعر أحيانا أنك أقلية في الجامعة أو في "السوبر ماركت" أو في مكان العمل، وليس هذا الشعور لإحساس بضعف أو بسبب عنصرية وانما لمجرد مشاهدة من حولك، لترى أنك الوحيد الذي تبدو عليه علامات العروبة، ولكن فجأة تظهر فتاة مُحجّبة وربما لبست جلبابا أيضا، فيتبدّل الشعور بشعور آخر لتشعر أنك في بيتك، فحجابها يدلّ بالتأكيد على أنها مسلمة، وفي هذه البلاد أغلب الظنّ أن تكون عربية. اذا فكّرنا في الأمر فهذا اللباس الخاص (الحجاب والجلباب أو الحجاب وحده) هو قوة لأن الفتاة من خلال لباسها تقول لنا: "أنا مسلمة وأنا عربية وأفتخر، ولأني أؤمن بمبادئي وقيمي وديني وقوميتي ولا أخاف إلا الله فاني مستعدّ لأن أكشف عن هويّتي بين أي مجموعة من الناس! أنا لا أحتاج لأن أخبّئ هويتي في جيبي فهويتي تعرفها من مظهري! ومظهري يدلّ على باطني!". انه ليس قول باللسان ولكنه قول من خلال الفعل والتصرّف، فتراها فتاة عزيزة قوية ولأنها كذلك فهي لا تخاف أن تحاور المُختلف عنها فهويتها قوية راسخة وهي مقتنعة بما تعمل.
 
أما الصنف الآخر، فهو صنف تحسبه من خلال مشاهدة صورة فوتوغرافية ساكنة كالأول، ولكن ما ان تتحرّك الصورة حتى تكتشف أن الحجاب الذي أمامك هو مجرّد غطاء للرأس يدل على هوية ولكن ليس على باطن، ذلك أنه غير مبني على اقتناع ذاتي وانما لمجرد التماشي مع العادات والتقاليد وأوامر رب العائلة والخوف من بطشه، ولو اختفى الأقارب من الصورة لسقط الحجاب من فوره.   

كيف تكون الثورة على التقاليد؟


مما لا شك فيه أننا نتوارث بعضا من التقاليد الحسنة وبعضا من التقاليد والعادات السيئة وأخرى غير معروف أصلها وغير مفهومة دلالتها للجيل الجديد. والحسن أو القبح يُحدّده الفطرة والمنطق والدين، فمثلا، عادة اكرام الضيف واستقباله بأبهى طلّة هي شيء حسن، ولذا لم يأتِ الاسلام ليُعلن اجتثاث كل ما كان سائدا وانما جاء ليُقوّم البُنيان مُعلنا على لسان نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام: "انما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق". أما تلك التقاليد المُخالفة للدين وللمنطق وللفطرة الحسنة فهي مرفوضة ولا يهمّنا ان ألقينا بها عرض الحائط ولو كانت من تاريخنا ومن تراثنا، فمثلا، تقاليد التبجيل الزائد للملك أو للرئيس أو لكبير العائلة ومن بين ذلك القيام له والتصنّع أمامه وتقبيل اليد والرجل، كل ذلك مرفوض لما فيه من تقديس ومن تعظيم لبشر يحتمل أن يخطأ ويصيب، ومما زاد الطين بلّة أن الشخصية المُبالغ في تبجيلها كثيرا ما تكون قاصرة في الثقافة والعلم وربما تكون شخصية أميّة، فاحترامنا واصل لكل الناس وخاصة لكبار السنّ، لأنهم أعطوا وقدّموا ومنهم نأخذ خبرة حياتية غنية ولكن لا ينبغي أن ننزلق الى تقبيل اليد والرجل والجبين.
 
ثم ان عادة تقديم معيار السن على الكفاءة هي عادة بائسة، فتجد من يُفضّلون قيادة كبير العائلة، بدلا من الشاب المُثقّف الأكثر كفاءة، ونرى ذلك في الإمامة والإدارة وحتى في الجلسات العائلية. عادات أخرى يمكن أن تكون غير مفهومة للجيل الجديد، فمثلا، عادة وضع اليد على الصدر عند سماع النشيد الوطني أو ترديد كلمات تقليدية مثل: "أوف" و"عتابا". هذه العادات تحتاج الى بحث ومحاولة لفهم مدلولاتها، فان اقتنع الشخص بها فليُنفّذ والا فلا ينبغي على العاقل أن يكون كقطيع الغنم، يُنفّذ ما نفّذه الآخرون دون فهم ودون بحث! رغم ذلك أحيانا وفي سياقات معينة نكون غير مُقتنعين بالعادة ولكن لتفادي احتكاكات طويلة وخلافات نضطر الى المداراة، وهذا التصرّف أو ذاك يرجع الى ما يراه الشخص مناسبا في كل حالة. خلاصة القول، أننا لا يجب أن نرفض العادات والتقاليد جملة وتفصيلا، وانما أن ننتقي منها ما يستقيم مع الدين والمنطق والفطرة الحسنة، وبكل الأحوال لا ينبغي أن نكون كالأمّعة الذي يُنفّذ قبل أن يفهم وقبل أن يبحث عن المدلولات!