26.9.13

القنبلة الأخلاقية!


مما يُثير العجب هو اجتماع صورة المتديّن الذي يؤدّي الشعائر ويذرف العَبَرات في صلاته وصورة ذاك الشخص البعيد عن الأخلاقيات وعن الحسّ الإنساني، فترى أحد المصلّين قد جاء مهرولا الى صلاته، لكنّه أوقف سيارته في فناء بيت ليس له وضيّق على صاحب البيت، فلو حدث أمر ضروري لما استطاع صاحب البيت أن يُحرّك سيارته، ولئن سئلتَ ذاك المصلّي لماذا فعلت، لأجابك أن الصلاة فرض والكل ينبغي أن يكون في الصلاة في هذا الوقت! أو لقال لك: "كلها أكم دقيقة منصلي فيها لربنا، وبعدها منزيح السيارة اللي قاعدة على قلوبكم"! والجواب على التبرير الأول هو: يا أخي بالله عليك وسّع آفاقك، لا تجعل تفكيرك حبيس أنانيّتك، فهناك نساء في البيت وهناك أولاد وهناك رجال لم يلتحقوا بصلاة الجماعة لسبب لا يعنيك وهناك الذين لا يصلّون، فإن رأيت أن هذه الطريقة هي سبيلك في الدعوة الى الله، فهي أبخس الطرق على الأطلاق، لأن فيها تعدّيا على حرية الآخر وعلى أملاكه واكراها، وزيادة على ذلك تبجّحا في التبرير! وأما الرد على التبرير الثاني فأثناء خشوعك يا أيها الأخ، تحدث أمور طارئة، ولكي لا تخرج من خشوعك كُفّ أذاك عن الناس!

وترى المتديّن الذي يأتي اليك دون ميعاد، في حين يكون "الآيفون 5" في يده، ويكون رقمك الخاص معه، وترى المتديّن الذي يريد أن يُجبرك على فعل ما لم تقتنع به رغم أنفك فهو يعتبر ذلك من المسلّمات لضيق فكره، وترى المتديّن ثقيل الدمّ الذي يلتصق بك كما الذبابة، وترى المتديّن الذي يُسمعك نصائح سخيفة مثل: "اجعل قبضتك شديدة عند التسليم". وليس هذا الوصف بعيدا عن الواقع، وصحيح أنني ركّزت عدستي الوصفية على سلبيات المتدينين، إلا أن ذلك كان لأنّ هذه التصرّفات مُوجعة عندما تراها نابعة من هؤلاء الشرفاء، ومن ثم فلأنّ هذه الفئة هي التي تعنيني بالمقام الأول والتي أسأل الله أن أكون واحدا منها!

لا تخفْ من المطالبة بحقّك!


كثير منا يصيبه نوع من الوجل والخوف عندما يُفكّر في مُواجهة ما يرتبط عندنا بالمُقدّس أو بالسلطة، ولذا يمتنع الواحد منا عن المواجهة ويتنازل عن حقّه تفاديا لوجع رأس مُؤكّد وفقا لتقديره! فمثلا، ان كان الحجّاج في طريقهم الى الحجّ وأراد أن يأخذ منهم السائق ما يسمّى بالإكرامية لكي يكمل سفرته، صمت الجميع لئلا يُثيروا الفتنة ولئلا يوجعوا رؤوسهم وأقنعوا أنفسهم أن تنازلهم هو في سبيل الله، واذا سمع أحدهم خطبة جمعة خاف أن يعارض الشيخ بكلمة واحدة، واذا كان المسؤول فاشلا في ادارته للشركة فضّل الموظّفون السكوت لكي لا يُحرموا من قطّارة المال، واذا كان الرئيس مُقصّرا فضّل الجميع السكوت درءً للفتنة!

ان هذه الظاهرة ناجمة عن عدّة عوامل، وأهمها: ثقافة نقض النقد، تقديس غير المُقدّس وتعظيم غير المُعظّم، وثقافة كبت السؤال. فثقافتنا لا تُرحّب بالنقد ولذا فكل محاولة من الانسان البسيط للاختلاف مع الشخصية الدينية أو السلطوية ستلقى في الغالب صدّا من الجماهير، ولمّا قدّسنا الشيخ وكلامه وعظّمنا الرئيس وكلامه صار الاختلاف معه في نظرنا معصية وجُرما، ولما كبتنا السؤال صرنا نأخذ ونستقبل ونمتص دون أن نتفاعل مع المعلومات ودون أن ننتج تساؤلات ودون أن ننتج آراء أخرى! انه لمن الواجب علينا أن نكون واعين لحقوقنا وأن لا نتنازل عن هذه الحقوق لمجرّد رهبة من شخصية معينة أو إرضاءً للجماهير أو تماشيا مع السائد!

الكلاب تنبح والقافلة لا تسير!


كثيرا ما ردّد المتحمّسون والمتعصّبون لأحزابهم القول الببغاوي: "الكلاب تنبح والقافلة تسير"، وللأسف هو يصدر عن متديّنين وغير متديّنين، وأقل ما يُقال عنه أنه قول ساذج، مُمتهن ومُحتقر، وذلك لما يحويه من استهانة، استهزاء وشتم الآخرين، مما يُساهم في توليد كراهية بين أبناء الصفّ الواحد، وهذا يعكس استخفافا بقيمة الانسان وهو بالتأكيد قول غير انساني فيه من العجرفة ما فيه! والمصيبة الأكبر أن القافلة لا تسير، فأين هي قافلتكم التي تتحدّثون عنها؟ آه انها القافلة الحزبية! وما شأني وشأن حزبكم؟! انني أريد لقافلة مجتمعي كل مجتمعي أن تسير! هل اجتمع العرب في السنوات الأخيرة في الداخل الفلسطيني على موقف واحد، على كلمة واحدة، على جهد واحد؟! هل حققنا مطالبا أو منعنا عنصرية بعد أن وقفنا كلنا في صف واحد أم هي انجازات حزبية نباهي بها بعضنا ولكي تزيد لمعانا نُردّد: "الكلاب تنبح والقافلة تسير"؟! كيف لنا أن نتعاون ان اعتبر بعضنا بعضا كلابا؟!

انها سياسة فرّق تسُد قد تمكّنت منا وأجهزت علينا، حتى لم يعلُ لنا صوتٌ بين الأمم، فتلك حركة اسلامية شمالية، وتلك حركة اسلامية جنوبية، وتلك جبهة، وذاك تجمّع، وذاك مسلم وذاك مسيحي، وذاك شيوعي وذاك متديّن، وذاك ابن عائلة فلان وذاك ابن عائلة علان، وذاك ابن قرية وذاك ابن مدينة، وذاك غني وذاك فقير، والكل يسبّ على الكل ولا أحد يبسط يد التعاون الا القليل، وكل يُغني على ليلاه، والمجتمع العربي في البلاد يُثير شفقة الغير، ويستجدي عطف الراحمين من الناس! اننا بدلا من أن نتركّز في رفض السياسات العنصرية ومقاومة الظلم، تركّزنا في احتلال بعضنا البعض ورحنا نتشاطر على بعضنا، حتى صار همّنا كيف سنكسر الحزب الآخر وكيف سنتفوّق على الآخرين بكل ثمن وكيف سنكون الأقوى والأبرز اعلاميا!

التمثيل ...


لا يُعجبني التمثيل على الناس في الحياة، لأن الإنسان بذلك يبتعد عن حقيقته وشخصيته الحقيقية، وبالتالي يُفني حياته من أجل ارضاء الآخرين، وليس من أجل تحقيق أهدافه التي يسمو اليها! فعندما أريد أن آكل يجب أن أراعي الآداب وهذا لا خلاف عليه، لكن لا ينبغي أن تكون هذه الآداب متكلّفة، كأن آكل من صحن أحمله بيديّ وأنا واقف لكي أحاور شخصا آخر، رغم أن ما يُريحني هو الأكل في حالة الجلوس، أو آكل بواسطة يداي مستغنيا عن الشوكة والسكين تماشيا مع التقاليد، رغم أن ما يريحني هو الأكل بمساعدة الشوكة والسكين! واذا قُدّم اليّ طعامٌ لا أحبّه، لا مشكلة من تركه والمصارحة بسبب تركه، واذا قُدّم اليّ مشروب مُسكر وأنا لا أشربه فلا ينبغي أن أتوجّس من رفضه، واذا قُدّمت اليّ القهوة وأنا لا أحبها فلا بأس من رفضها، واذا قُدّم نوع من طعام وتوصية الطبيب تمنعني من أكله فلا يجب التردّد في الرفض!

انه يجب علينا أن نعيش الحياة كما نريدها نحن وكما يريدها عقلنا وديننا وضميرنا وليس كما يريدها الآخرون! والأمثلة أعلاه في الأكل هي غيض من فيض، ففي كل حالة اجتماعية نُصادف التمثيل، وهي أمثلة محسوسة لتقريب الصورة. أما ان أردنا عرض أمثلة أكثر عمقا فيمكن الحديث عن تحوّل الزوج الى الصرامة مع زوجته أمام الناس رغم أنه يؤمن بالقيم التقدّمية في التعامل مع المرأة ولكن خوفا من غضب أقربائه، وتحوّل المتديّن الى الوداعة حتى حينما يلمس خطأ، وتحوّل المفكّر الذي تراوده الأسئلة الكثيرة الى مُسلّم ساكت في مجتمع يكبت التساؤل! ان هذا التمثيل سرعان ما ينكشف لأن فيه كبتا، وهذا ينسجم مع التقسيم الذي عرضه عالم النفس وينيكوت، عندما قسّم الأشخاص الى مجموعات تتفاوت صراحتها، بدءً بـ "الشخصية الحقيقية" وانتهاءً بـ "الشخصية المزيّفة"، فالشخصية الحقيقية هي الأفضل كما هو مفهوم، والشخصية المُزيّفة هي الأسوأ وبينهما يتواجد أغلب الناس!

الرأي والرأي الواسع!


هناك آراء تحمل في طيّاتها اشارات للحصر وللقصر وللإقصاء وهي تكون نابعة في أحيان كثيرة من ضيق الفكر، فمثلا اذا أبدى أحدهم رأيا وقال: "اذا أردتَ أن تقرأ لكاتب فلا بدّ أن تتأكّد من سلامة سيرته الذاتية قبل الشروع في قراءة كتبه. ان لم تكن سيرة سليمة فلا تقترب من كتاباته"، أو، "الذين ينادون بالديمقراطية يُقدّمون حكم الشعب على حكم الله، فلذلك ينبغي الحذر منهم"، أو، "لا ينبغي اقتباس مفكّرين غربيين لأن أقوالهم ستساهم في الغزو الفكري"! وهي آراء نابعة من تفكير قالبي منحصر في مربّع ضيّق، وهي ليست ببعيدة عن طريقة التفكير التي كانت دارجة في العصور الوسطى، ولكنها مُستهجنة في عصرنا لأنه عصر انتشار العلم والمعرفة بواسطة الإنترنت، فلم يعد بالإمكان عزل أفكار الغرب عن أفكار الشرق ولا أفكار المتديّنين عن أفكار العلمانيين ولا أفكار السنة عن أفكار الشيعة ولا أفكار المذهب الحنبلي عن المذهب الشافعي!

أما الرأي الواسع فهو الرأي المُتسامح (وليس المُتخاذل) الذي يقبل الآخر ولا يُلغيه ولا يُلغي أطروحاته لمجرّد الاختلاف معه، وأمثلتنا على مثل هذا النوع من الرأي هي: "أنا أقرأ لكل كاتب وأترك لنفسي فرصة الحكم على محتوى الكتاب وعرض صورة نقدية لأفكاره"، أو، "أنا مستعد لأن أسمع من مفكّر غربي كما من مفكّر شرقي وممن اختلف معهم في الرأي". ان المجموعة الأولى من الآراء تحمل في طيّاتها فرضيات لم تثبت صحّتها، ولذلك فهي تُساهم في تضييق المجال الحياتي دونما تبرير منطقي، ولذلك ينبغي مجابهة مثل هذه الآراء من خلال المسائلة السقراطية مثلا، والتي من خلالها يبان للمدّعي بصورة غير مباشرة ضعف رأيه، مما يدفعه الى البحث عن رأي أوسع من ذاك الذي اختاره لنفسه أو فُرض عليه دونما ادراك للبدائل!

حصانة الذكر واتهام الأنثى!


الذكر يستطيع أن يسيد ويميد وأن يفعل ما يشاء فعين الرقيب لا تطاله عادة، ولو قال لصُدّقت أقواله، ولو علّل لقُبلت تعليلاته، فالحصانة التي يمنحها اياه المجتمع تنفي عنه التّهم وتُسقط عنه الشبهات، فهو ملاك طاهر في الغالب، وان حدث وأخطأ فينبغي التماس الأعذار له، فلربما الظروف لم تساعده ولربما لم ينم جيدا في تلك الليلة أو لم يكن مزاجه رائقا، أما الأنثى فأصابع الاتهام موجّهة اليها بطبيعة الحال كالصواريخ المتأهّبة لإعلان الحرب، وكأنّ الوضع الطبيعي يقول أن الأنثى في طبعها شيطانة أو شريرة وقد اعتبرت في سنوات غابرة أنها ليست انسانة للأسف، ونحن اذ نُصرّح أنها انسانة ننسى أحيانا أنها كذلك دون أن ننتبه، فإن أخطأ الذكر معها حمّلناها المسؤولية، وان أخطأت هي لعناها! لماذا؟ أليست هي الأخرى بشرا يصيب ويخطئ؟! أليست هي انسانة؟!

ان حصانة الذكر واتهام الأنثى هو كيل بمكيالين، فلمجرّد اختلاف الجنس، تختلف الأحكام والتوقّعات والفرضيات، فإن حدثت حالة اغتصاب مثلا، فستُلقى التهمة فورا على الأنثى، كأن يُقال: "هي التي سمحت له بذلك"، "هي التي أغرته"، "لبسها الفاضح هو السبب"، "مياعتها أدّت الى الجريمة"، في حين لا نسمع أقوالا مثل: "انه مجرم، مُغتصب، معتدٍ"، "انه شخص عنده هوس أو جنون أو اختلال عقلي"، "انه مُنحرف". ان هذا الاتهام المُباشر للأنثى الضحية في هذه الحالة، يعدل اغتصابها مرة أخرى، ولماذا؟ لأنها أنثى يجب أن تُغتصب مرتين؟ مرة على يد المُغتصب ومرة على يد المجتمع؟

ان هذا المجتمع الذكوري يجب أن يُعيد حساباته ليصير مجتمعا انسانيا، فنحن لا نريد مجتمعا ذكوريا يتساهل مع الذكور، ولا مجتمعا أنثويا يتساهل مع الإناث، فالكل خاضع لنفس المعايير الإنسانية والكل مُعرّض للخطأ، وبالتالي العقاب يسري على الجميع ولا أحد فوق القانون الإنساني.

الحياة الطيبة


لا ينبغي التحدّث عن الحياة الدنيوية الطيبة دون التطرّق الى مُعضلة الشرّ، لأنه ان تجاهلناها فستخرّ كلماتنا الوعظية بسرعة البرق وعلى أيدي أبسط الناس، فإن راح الواعظ يشرح قوله تعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة"، دون بيان معنى الحياة الطيبة، فستباغته أسئلة مثل: نبي الله أيوب قد ذاق الويلات في حياته، فأين الحياة الطيبة؟ ومن ثم فالرسل هم أكثر من تعرّضوا للمُضايقات وللتنكيل على أيدي أقوامهم، فأين الحياة الطيبة؟ والآف الصالحين يذهبون بعروى الطالحين، فأين الحياة الطيبة؟

والأسئلة هذه ناجمة عن الهرب من مناقشة معنى الحياة الطيبة وعرضها بصورتها الساذجة وبدون شرح أو بيان، فأغلب الناس يتوقّعون أن تكون الحياة الطيبة حياة رغيدة، مثلها كمثل جنة الله على الأرض، لا قلق فيها ولا صعوبات، ولكن الواقع غير ذلك، فالصالح مُعرّض للصعوبات وللمصائب كما الطالح، فهذه سنة الله في عباده، والشرّ (الذي يبدو شرا لأول وهلة) الذي يصيب الصالح سيكون لصالحه وهو بذلك سيكون خيرا، لأنه لربما يحمل له نتائج طيبة بعيدة الأمد، أو تطهير من ذنوب، أو دفع لشر أكبر عنه، وهذا ما يمكن فهمه من حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"، فالشر الذي يبدو شرا لأول وهلة، سيصبح خيرا ان فهم الانسان المؤمن أن أمره كله خير. 

ان مُعضلة الشر استعصت على كبار الفلاسفة، اذ كان صعبا عليهم أن يُوافقوا بين إله قادر عليم رحيم، وبين وجود الشر في هذا العالم، والشر يشمل الكوارث الطبيعية، الحروبات، الأمراض وغيرها، والتي يعاني منها كثير من البشر وتنتهي حياة آخرون جرّائها، فكيف لإله رحيم أن يسمح بوجود الشر في هذا العالم؟! لكن المؤمن يستطيع التوفيق بين الحقيقتين بسهولة، فالشر الذي يبدو شرّا لأول وهلة، هو خير في نهاية المطاف، فالحكمة الإلهية من هذا الشر غير جليّة لنا في أحيان كثيرة، ولكننا نؤمن أنه سيكون لصالحنا، فلربما هو مطهرة من ذنوب أو ذكرى وغير ذلك، وهو بهذا المعنى خير! ولما كان الايمان يزيد وينقص، وجب عرض معنى الحياة الطيبة مع التطرّق لمعضلة الشر، وبذلك تُغلق السُبُل أمام الشكوك التي من شأنها أن تُزعزع ايمان الفرد! 

13.9.13

"الفردية"، "العائلية"، "البلدية"، "الوطنية" و "العالمية"


في ظل اقتراب موعد الانتخابات للسلطات المحلية، تبدأ الدعايات الانتخابية البنّاءة والهدّامة، وتزيد العقليات العشائرية والقبائلية من بروزها، ولربما ظهرت على الساحة سجلات قديمة من الكراهية والخلافات، وكل ذلك من أجل دعم المرشح الوحيد والأوحد لعائلة فلان! والأهم من ذلك كسر منافسيه، اذ لا يكون النضال نضالا بدون كسر المنافسين، والكسر يكون بكل الوسائل المتاحة، كالتخريب على الآخرين من خلال المناشير والإعلام وكإطلاق النار على البيوت والتهديد بالقتل ولربما محاولة الابتزاز للتنازل عن الترشّح للانتخابات، وكل ذلك بالطبع يصب في الدعاية الانتخابية الهدّامة، اذ أن هذا النهج يعتمد على قانون الغاب الذي بموجبه البقاء للأقوى. أما الدعاية الانتخابية البنّاءة فهي لا تعنينا بالمقام الأول للأسف الشديد، وان عنتنا فهي لا تكفينا ولا تُشبعنا، فأن يشتغل المرشح على طرح منظومة فكرية جديدة وبرنامج انتخابي خلّاق وخطوات عملية لإصلاح البلد، كل ذلك لا يضمن فوز المرشح في نظرنا، وانما ينبغي التمسّك بالعائلية والاغراءات المادية والوعودات "المصلحجية" واسقاط المرشحين الباقين، وبعد ذلك يصلي المرشح قيام ليل يبكي فيه من خشية الله ويطيل في الدعاء ليطلب الفوز والنصر من عند الله على المُخالفين وعلى الأعداء، ويعلن توكّله على الله بعد أن توكّل على العباد!

ولا يمكن الانكار أن العائلية تُسيطر على عقولنا، فإن كان قريب العائلة مرشحا، أحسسنا بضرورة التصويت له، وان صوّتنا لغيره شعرنا بالخيانة ولخفنا من العائلة ولتستّرنا على موقفنا المتخاذل، لأن الإعدام مصيرنا ان بُحنا بهذه الجريمة النكراء، وان لم يكن اعداما ماديا فهو اعدام بمعنى المقاطعة والمشاحنة والنبذ! ولذا وجب احداث تغيير جذري في منظومة الأفكار المجتمعية، بحيث ينبغي الترويج لاختيار المرشح وفقا لمعايير جوهرية، كقدرة المرشح على القيادة، والأفكار التي يطرحها، والخطوات العملية التي ينوي احداثها، مدى واقعيتها ومدى ملامستها لمتطلّبات أهل البلد، وهذه المسؤولية تقع على عاتق كل فرد من أفراد البلد، فالمرشحون يُدرجون هذه المعايير في دعاياتهم الانتخابية، ورؤساء الجمعيات والحركات والمنظّمات يُوعّون لأهمية الأمر، وخطباء المساجد كذلك، والوالدان في البيت، والصاحب لأصحابه وهكذا. لكن تأكيد فكرة اختيار المرشح على أساس الكفاءات لا تكفي، وانما ينبغي اختراق مفهوم العائلية، من خلال التأكيد على الامتناع عن الاختيار وفقا لمناظير عائلية وانما وفقا لمناظير الكفاءات.

ان الانسان وُلد حرا ولذا كان حريّا باختياراته أن تكون حرّة ومستقلة ونابعة من الذات، فلا الضغوط المجتمعية ولا المصالح ولا أواصر المحبة والقرابة هي التي يجب أن تُحدّد اختيارنا، وانما العقل الصريح والمنطق السليم والفطرة الحسنة. لذا فإننا نقترح تبديل عدسات النظر "الفردية" و"العائلية" بعدسات أوسع وأشمل، ليتسع مجال الرؤية ولتتضّح معالم الطريق أكثر، فـ"الفردية" تملي علينا تصرّفا "مصلحجيا" أنانيا، بمعنى أن مصالحي مقدّمة على كل المصالح الأخرى والآخرون لا يعنوني، و"العائلية" تملي عليّ اتباع الآباء والأجداد وان كانوا على جهل وبذلك المساهمة في حفظ "جينات الجهل"، أما "البلدية" فهي اطار أوسع، وهي تعني التفكير في ما يصبّ في مصلحة البلد وأهلها، و"الوطنية" تعني التفكير في ما يصب في مصلحة الوطن كل الوطن، فإن كان هناك مرشحا معروفا بقدراته الفائقة على التواصل فهو مُقدّم على غيره، لأنه سيفيد في الاتصال والتعاون مع رؤساء آخرين لتنظيم احتجاجات قطرية مثلا، ولإخراج وادخال مشاريع من والى البلد، و"العالمية" هي التفكير في ما يصب في مصلحة العالم، فمثلا ان كان أحد الأهداف عند المرشّح هو المحافظة على البيئة فهو مُقدّم على غيره ان فكّرنا في مصلحة العالم. انها دوائر التفكير المختلفة ولو وسّعنا آفاقنا وتنازلنا عن عصبيّتنا القبلية، العشائرية، العائلية والفردية، لاخترنا المرشّح الذي يكون هو الأفضل للبلد، للوطن كله، وللعالم.

4.9.13

اقتلها ولك الجنة!




هو: اقتلها فلم تُطعْ والدها! هي: هل أعطيتها فرصة لتطيعك؟

هو: اقتلها فهي أنثى! هي: أليست الأنثى بشرا؟

هو: اقتلها فهي ضعيفة مسكينة! هي: أتريد أن تُثبت رجولتك عليها؟

هو: اقتلها فهي تتكلّم مع شاب على التليفون! هي: ألم تكلّم أنت في شبابك مئة امرأة؟

هو: اقتلها فهي رخيصة! هي: ألست أنت من ربّاها؟

هو: اقتلها فلا يحقّ لها أن تعيش! هي: هل أنت ربّها حتى تُقرّر؟

هو: اقتلها فقد فضّت غشائها! هي: ألا يخطئ الانسان؟

هو: اقتلها فقد شوّهت سمعتك! هي: هل سمعتك أغلى من بنتك؟

هو: اقتلها ولك الجنة! هي: هل أنت مجنون؟

القول الفصل !


كثير من كبار السنّ أو ممن ظنّوا أنفسهم أساتذة كبار بعد تحصيل قدر من العلم، يُصرّون على اطلاق القول الفصل الذي يحسم النقاش والجدال ويُجهز على خصوبة الحوار ويقضي على حيوية الفكر، ما لم تنتبه المجموعة الى هذا القول الفصل، وتحاول ادخاله مجدّدا الى حلبة النقاش بعد أن قام صاحبه بإخراجه، إما لأنه يريد أن يُريح نفسه من الجدال مع البسطاء وإما لأنه لا يريد أن يُغيّر قناعاته التي بناها على مرّ السنين وعلى أثر الخبرات المتراكمة، وفي كل ذلك كِبْر، إذ صحيح أن للخبرة حقّها وللسنين أثرها، ولكن طريقة عرض القناعات ينبغي أن تكون مرنة، بحيث يعرض الإنسان رأيه، ولا يتعصّب له، فهو واعٍ لضرورة النقد ولا يهمّه ان جاء النقد ممن يصغره في الجيل أو في العلم، فلكل جيل ولكل درجة علمية وجهة نظر ورؤية مختلفة ولو استمعنا الى هذه الرؤى لأغنينا مكتبتنا الفكرية، وان لم تُفدنا آراء الآخرين، فلن تضرّنا، وحسبنا أننا ساهمنا في فتح المجال للنقاش وبالتالي للتفكّر ولم نُغلق بابه بمجرّد اطلاق القول الفصل!

وحتى لو كنا مُتأكّدين من فضل رأينا على الآراء الأخرى، فلا ينبغي أن نفرضه على الآخرين فرضا، لأنه في الغالب لن يُقبل، ولو كان هو الأصح، ولكنّ الطريقة الأفضل هي الإقناع وعرض الأدلة والبراهين والحجج التي تدعم قولنا! ربنا جلّ وعلا يقول لرسوله الكريم رغم أنه جاء بالحقّ والصواب: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، ففرض الآراء بالقوة والإكراه غير واردين في قاموس مصطلحاتنا.

سذاجة الحياة اليومية !


تمر سنون كثيرة من عمر الإنسان حتى يصطدم بأسئلة مثل: ماذا سأقدّم لمجتمعي؟ وأي أثر سأترك من خلفي؟ وما هي انجازاتي وما هي البصمة التي سأتركها من ورائي؟ وهي أسئلة جوهرية تصبّ في معنى حياة الفرد، لأن الإنسان يدرك من خلالها معنى حياته وما هي مميزاته!

لكن أغلب الناس يعلقون بأمور روتينية وبمتطلبات الحياة اليومية، مثل: التعليم، العمل، بناء بيت، شراء سيارة، زواج، تربية أولاد، زيارة أقارب، أعراس، بيوت عزاء وما الى ذلك، وهذا لا يعني أننا نُقلّل من قيمة هذه الأمور، ولكن القصد هنا أن الانسان الذي يسعى نحو التميّز لا يجب أن يكتفي بأعمال يشترك فيها أغلب الناس، وانما عليه أن يطلب ما يتعدّى حدود الحياة الروتينية. وقد استعملت كلمة "يعلق" لأن الغالبية يحسّون أن حياتهم رتيبة ولا تحمل في طيّاتها بصمات خاصة، وهم لا يعرفون كيف يتحرّرون من ذاك الروتين وتلك الرتابة!

فروتين الحياة في أحيان كثيرة يحول بيننا وبين تحقيق حلمنا وميّزتنا واضافتنا على هذه الحياة، اذ نُفضّل أن نكون كسائر البشر، بدلا من أن نكون مُختلفين لنحقّق أسطورتنا الشخصية، وبذلك تتكرر النسخ البشرية دون أن يأخذ كل فرد منا دوره الشخصي، الخاص والمميّز في اعمار الأرض وتحقيق وظيفة الاستخلاف، ولن نستغرب ان نسي التاريخ هؤلاء الأشخاص سريعا لأنهم لم يتركوا أثرا من بعدهم يدلّ عليهم.

تعليم المرأة وعملها ...


لا يُعقل أن تكون أمّهات أطفالنا واللواتي سيُرضعنهم حليبا وحنانا وحبّا وثقافة وطبائعا، لا يُعقل أن تكون هؤلاء الأمّهات قليلات الاطلاع، ضيّقات الثقافة، قاصرات في العلم، لأنّ قاعدة فاقد الشيء لا يُعطيه تسري في هذه الحالة، لتكون الأمّ من هذا النوع عاجزة عن العطاء الفكري والثقافي، واذا كانت الأم قُدوة الولد فسيمرّ وقت ليس بالقليل حتى يدرك الشبل منابع الثقافة بنفسه، ولذلك كان من المنطقي جدا تفاني المرأة في تثقيف نفسها وإثراء دائرة اطلاعها والارتقاء في سلّم العلم، إذ أنها هي حاضنة الطفل ومُرضعته الأولى.  

أما فيما يتعلق بعمل المرأة فأنا أميل الى فتح الأبواب، بخلاف من يدعون الى غلق الإمكانيات المُتاحة في وجه الإناث كي يبقين في البيوت، ففي ذلك استبداد وظُلم وتحكّم بحرية المرأة، فالأصل أن تكون المرأة حرّة في اختيارها، فإن أرادت أن تعمل في شركة حاسوب فلا يجب أن يمنعها أحد، وكذلك الأمر ان أرادت أن تعمل في أشغال شاقّة مثل: ترميم البيوت وغيرها، لكن عليها أن تنتبه كما على الرجل أن ينتبه الى أن لا يكون العمل على حساب المسؤولية في المنزل، والمرأة عليها أن تنتبه الى هذا الأمر أكثر من الرجل بحكم كون طبيعتها الفيزيولوجية تختلف عن الرجل، فهي التي تحمل تسعة أشهر وهي التي تُرضع وهي التي تفطُم، ولذلك فهي غير مُجبرة على العمل ان كان ذلك يشقّ عليها، ولكن عليها من جهة أخرى أن لا تُمنع من المساهمة في خدمة المجتمع ان وفّقت بين عملها وبيتها.

كرم الإله !


اذا اتجّهنا من "الماكرو" الى "الميكرو"، فتأمّلنا على سبيل المثال العين الانسانية، وكيف أنها مبنيّة على صغر حجمها من الكثير الكثير من الأجزاء، فهي تتكوّن من ثلاث طبقات أساسية: الصلبة، المشيمية والشبكية، وهذه الثلاث طبقات تتكوّن من أجزاء أصغر، فالشبكية تتكوّن من وريقة صباغية خارجية ووريقة عصبية داخلية، والوريقة العصبية الداخلية تتكوّن من طبقة الخلايا البصرية والطبقة الوسطى وطبقة المشابك الداخلية وطبقة عقدية، ويستمر هذا التعقيد والتناسق وهذا الترتيب والنظام الفائقين الى أن نصل الى الخلية ومن ثم الى البروتين والـ DNA ومنه الى الذرة والى البروتونات والإلكترونات والنيوترونات. نفس الإعجاز يأسرنا ان اتجّهنا من "الميكرو" الى "الماكرو"، فالإنسان هو جزء من مواطني دولته ودولته جزء من مئات الدول وهذه الدول تُشكل 30% فقط من مساحة الكرة الأرضية، والكرة الأرضية هي جزء من المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية هي جزء من مجرّة درب اللبّانة وهناك مجرّات أخرى غيرها ! فكل محاولة لإحصاء النعم ستبوء بالفشل لكثرة النعم التي أنعم الله بها علينا فله الحمد وله الشكر وله الثناء الحسن !

ومن ثم يأتي من يقول لك بعد كل هذا الإعجاز، أن المصائب التي تنزل على رؤوسنا تدلّ على ظلم الإله وأنه خلقنا لكي يعذّبنا ! وهو يُطلق هذا الادّعاء مُتسرّعا وقبل أن يُفكّر في الحكمة من وراء المُصيبة التي حلّت به، ويعتقد أنه ان لم يفهم غرض المصيبة، فإن ذلك يعني أن هذا العالم عشوائي، وينسى أو لا يفهم أن الحكم الإلهية لا يمكن أن تكون ظاهرة ومفهومة لإنسان يعيش في الزمان والمكان ! فالحكم الإلهية هي خارج الزمان والمكان، وتفكيرنا نحن ينحصر في الزمان والمكان وفي الآني واللحظي ولذا فلا يُمكننا معرفة الحكمة من الفعل الإلهي ومن القَدَر الإلهي، وكل ما نملكه هو مجرّد فرضيات تحتمل الخطأ أو الصواب، وبكل الأحوال علينا أن نكون مؤمنين بأن كل ما حلّ بنا وما يحلّ وما سيحلّ هو لصالحنا، إذ أنه لا يُعقل أن يكون من سخّر لنا كل هذه النّعم والتي لا نفلح في احصائها لكثرتها، قد أراد بنا سوءا، فكرمه في النّعم الحسّية يؤكّد كرمه في النّعم النفسيّة والمصيرية !