8.4.16

كلام في الحياة ...

العنف ضعف !  
في معرض الحديث عن العنف فإنه من الواجب التأكيد على أن العنف يصدر عن ضعف وليس عن قوّة، بمعنى أن الشخص الذي يقوم بالعمل العنيف يكون مزعزعا في بنيته النفسية، ثقته بنفسه تكون مهزوزة، شعوره تجاه نفسه يكون سلبيا وذلك يشمل الشعور بالفشل والإحباط. كل ذلك يدفع بالشخص الى أن يرتكب العمل العنيف ليثبت لنفسه وللآخرين أنه قادر على فعل شيء يُذكر. ان ذلك يعني أنه يشعر بينه وبين نفسه أنه غير قادر وأنه لا يسوى شيئا، وليواجه هذا الشعور فإنه يقوم بإبراز القوة والعضلات بطريقة غير مقبولة اجتماعيا.
اننا نحتاج الى التأكيد على هذا الأمر لأنه كثيرا ما يُروّج الى أن الشخص العنيف هو شخص قوي وجريء، واننا نلمس ذلك في عبارات مثل "عنجد انه زلمي" أو "خليك גבר وخلّص عليه" أو "مالك خايف؟ اضرب". هذا الترويج يدفع الى مزيد من العنف ويولّد مزيدا من مرتكبي أعمال العنف ظانين بذلك أنهم يُحقّقوا رجولتهم وأنهم يُثبتوا أنفسهم، رغم أن العكس هو الصحيح. فكما أوضحنا، الشخص العنيف يكون في مأزق، في حالة ضعف وليُثبت عكس ذلك يقوم بفعلته العنيفة، ولو أنه كان واثقا من نفسه ومما عنده لتمكّن من التعبير عن رأيه وفكره بصورة إنسانية حضارية ولما احتاج الى التعبير عن طريق العنف.
 ***

مش ملحق!
رغم توفّر وسائل الرفاهية والوسائل التي من المفترض أن تختصر علينا كثيرا من الوقت، فإن شعور "مش ملحق على ولا اشي" ما زال موجودا، بل ولربما تفاقم مع تزايد وسائل الرفاهية. وانه لأمر غريب فعلا، حيث أنه من المفترض أن يتسنّى للفرد وقتا أكثر نظرا لأن الآلات والأجهزة الحديثة تختصر كثيرا من الوقت، فأنابيب المياه الواصلة الى البيوت والسخانات توفّر نقل المياه من الآبار وتسخينها على الحطب، والغسالة تختصر الغسيل على الأيدي، والنشافة تختصر نشر الغسيل لساعات تحت أشعة الشمس، والخليوي والرسائل تُسرّع التواصل، والسيارات والطائرات تُقرّب المسافات، ومطاعم الأكل السريع تختصر تحضير الأكل، ومع ذلك يشعر الانسان أنه ينقصه الوقت وأنه لا ينجح في انهاء المهام المُلقاة على عاتقه.
ان ذلك يحدث لأنه كلما تقدّمت البشرية وتطوّرت صار المفهوم ضمنا عند الانسان أكبر وبالتالي ازداد مستوى التوقّعات وتضخّم. فإن كان الانسان في الماضي يتوقّع من نفسه أن يعمل في النهار ويجالس أهله في الليل، فإن انسان اليوم يتوقّع من نفسه أن يعمل وأن يجالس أهله وأصدقائه وزملائه في العمل، وأن يخرج مع أبنائه الى مطعم، وأن يردّ على المكالمات والرسائل وأن ينظر في مستجدات الانترنت والى غير ذلك من أمور لم تكن موجودة في النظام الحياتي القديم. ان الحياة صارت أسهل وأيسر ولكن التوقّعات والطموحات صارت أكبر، فمثلا السفر الى خارج البلاد لم يكن من طموح أهل زمان ولا حتى الخروج الى المطاعم وقطع المسافات للترويح عن النفس.
***

الرضى
الشعور بالرضى يكاد يكون نادرا هذه الأيام، فالكل يريد المزيد والمزيد من كل شيء، ولا ينجح في التحرّر من سباق التملّك الا القلّة. وعليه فإن دوّامه التملّك لا تنتهي والركض نحو الاستهلاك والاقتناء لا يتوقّف، وكل هذا يرافقه شعور بعدم الرضى، عدم الرضى عن الحياة، عدم الرضى عن النفس، عدم الرضى عن الآخرين وعدم الرضى عن كل شيء. فقبل تحصيل الغرض يبقى شعور عدم الرضى ملازما للشخص فإذا ما نال مراده لم يتبدّل انعدام الرضى برضى ولكنّه يبقى هناك ويتحوّل الى غرض آخر وهكذا تستمر هذه الدائرة المغلقة تُرهق الانسان جسديا ونفسيا مانعة إياه من تذوّق طعم الرضى والقناعة. ان ذلك ينبع من نظر الانسان الى ما لا يملك، الى ما لا يتواجد عنده، ولا شكّ أن ثقافة الاستهلاك عموما ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصا تُساهم كثيرا في الدفع نحو البحث عن الغير موجود، فهذه الثقافة تسعى الى تسهيل عملية الاقتناء وتقريبها وتزيينها للمستهلك الى أبعد الحدود، ومواقع التواصل الاجتماعي تشجّع تقليد الناس لبعضهم البعض، فإن رأى الواحد جاره أو صديقه قد اقتنى شيئا فإن ذلك سيحفّز شهية الشراء والاستهلاك عنده.
ولو نظر الواحد الى ما عنده والى ما يملك وحاول التمتع بالكنوز التي يملكها لكان الرضى هو سيّد الموقف، ولو أن الواحد فهم نعمة الحمد فهما جيدا فحمد الله على ما منحه لكان الرضى هو المُسيطر. ان كل واحد يقرأ هذه السطور يملك نعما لا تعدّ ولا تحصى فآن له أن يلتفت لها كل وقت وحين، فنعمة الصحة لا تساوى بأي مال، ونعمة الأمن كذلك، ونعمة العقل والعائلة والمسكن والملبس والمأكل وغيرها، وللأسف فإن الانسان لا يدرك حقّ الادراك الكنوز التي عنده الا بعد أن يفقدها، فلا يفهم غلاوة الصحة حتى يمرض ولا يفهم غلاوة الأمن حتى يتهدّد ولا غلاوة الأهل حتى يفقدهم.    
***

الحاجز الغير مرئي
عندما يحدث خلاف بين شخصين فإن الحواجز تبدأ تنبني رغم أن الأنهار كانت تجري بينهما والمياه كانت تتدفّق بكامل عنفوانها والسهول الخضراء بينهما كانت تبدو واسعة وغير مُحدّدة بشيء، ولكن تأتي تلك اللحظة الفارقة لتُعلن بناء سدّ أو حاجز فيقلّ وضوح الرؤية وينحسر تدفّق المياه. واذا ما أراد الشخصان ازالة الحاجز فإنه ينبغي عليهما أن يبصراه وأن يعملا على مواجهته، لأنه ان تمّ تجاهله فسيبقى هناك يحزّ في نفوس المتخاصمين ويمنع إمكانية تقدّم حوار صادق بينهما.

ان هذا يعني أنه في حالة نشوب خلاف أو سوء تفاهم بين أشخاص فإنه ينبغي على الأطراف اعلاء نقاط الخلاف على الطاولة، كي لا تبقى حجر عثرة في النفوس ولكي يحسن صفاء القلوب. فقط في حالة الحديث عن نقاط الخلاف يمكن للحواجز أن تختفي، وهي ستختفي حتما ان تم اخراج ما يحزّ في النفوس الى حيّز الوجود ومن ثم كانت هناك محاولات لتصغير الخلافات واستبدالها بنقاط التقاء جديدة. على سبيل المثال، ان اختلف شخصان على موعد فادّعى أحدهما أن الموعد كان الساعة العاشرة وادّعى الآخر أنه كان الساعة العاشرة والنصف فإنه ان لم يناقشا الموضوع فسيبقى كل واحد منهما متشبّثا برأيه وبموقفه ولن يذوب الحاجز بينهما، ولكن ان عرض كل منهما وجهة نظره وحاول كلاهما أن يفهم نقطة الخلاف، ومن ثم اتفقا على أنه شيء تافه لا يستحق إعطائه حجما أكبر من حجمه، كما واتفقا على آلية تمنع سوء تفاهم آخر في المستقبل، فإن كل ذلك سيكون أجدى بكثير من قطع سبل الحوار وبالتالي إبقاء الحاجز الغير مرئي.  

كيف تصل الى اللقب الثاني في علم النفس ؟

منذ أن يبدأ الطالب الجامعي دراسته للّقب الأول في علم النفس، تستحوذ على تفكيره قضية القبول للقب الثاني ولربما تُؤرّقه الصعوبات التي تنتظره الى حين دخوله للقب الثاني. ذلك أنه لا يمكن تحصيل رخصة العمل في هذا التخصّص الا بعد انهاء اللقب الثاني، وعليه فإن قضية العبور من اللقب الأول الى اللقب الثاني تشغل بال الكثيرين، كونها لا تتم بصورة تلقائية ولكنها تستدعي من الطالب عددا لا يُستهان به من المتطلّبات والكفاءات. لهذا، فإننا سنكتب هنا عددا من النصائح التي تساعد في هذا الشأن.
1- معدّل العلامات: من المهم المحافظة على أن لا يقلّ المعدل عن 90. قسم من الجامعات تطلب معدلا لا يقل عن الـ 87 ولكن لتحسين فرص القبول يُستحسن المحافظة على معدل 90 على الأقل، علما أن قسما من الجامعات تضع هذا المعدل كحد أدنى للقبول.
2- التجربة البحثية: اللقب الثاني يشمل كتابة أطروحة علمية موسّعة (תיזה) ومن هذا المنطلق فإن للتجربة البحثية ومدى الإلمام بأسس وآليات البحث العلمي تاثير كبير على القبول للقب الثاني. من هنا فإنه من المهم الدخول في تجربة كتابة بحث علمي واحد على الأقل (סמינריון) والعمل المتواصل قبال المحاضر المُشرف على البحث لكي يتسنّى للطالب طلب توصية منه (המלצה).
3- التجربة العلاجية: خلال اللقب الثاني يخوض الطالب تجربة علاج أشخاص يعانون من مشاكل نفسية وبعد انهاء اللقب فإنه يحصل على رخصة ممارسة مثل هذا النوع من العمل، وعليه فإنه في المقابلات يتمّ التطرّق الى التجربة العلاجية التي مرّ بها الطالب، كيف كانت بالنسبة له ومدى ملائمته لها. لهذا فإنه من المهم العمل أو التطوّع في مؤسسة تُعنى بمعالجة أشخاص يعانون من تخلّف عقلي أو مشاكل نفسية واجتماعية (למשל, הוסטלים, פנימיות ...). في جامعات معينة، يمكن الدخول في تجربة من هذا النوع من خلال مساق عملي أو ما شابه. في نهاية العمل أو التطوّع ينبغي الحصول على توصية من المؤسسة.

4- امتحان المتآم (מתאם): هذا الامتحان يتمركز حول محورين أساسيين: الأول وهو الإحصاء وأساليب البحث (סטטיסטיקה ושיטות מחקר) والثاني وهو فهم مقالات علمية باللغة الإنجليزية في مجال علم النفس. المركز القطري هو القائم على هذا الامتحان ومدته قرابة الـ 5 ساعات. العلامات فيه تتراوح من 50 الى 150 بحيث أن العلامة 100 هي العلامة الأدنى التي تُمكّن من الدخول الى تخصّصات معينة في علم النفس. يجري الامتحان مرة واحدة في السنة عادة خلال شهر 10، وهو بحاجة الى التحضّر المكثّف اما بالدراسة الذاتية واما عن طريق دورات من مثل التي تقترحها شركة פתרונות و אופק. مفضل الالتحاق بالدورة في الصيف الذي يلي نهاية السنة الثانية والتقدّم لامتحان المتآم قبيل بداية السنة الثالثة. 

المأساة السورية ...

كل كلام يُكتب في وصف المأساة السورية سيكون ناقصا وكل فيديو يُظهر تلك المعاناة سيكون مجحفا، ذلك أن تلك المأساة التي يعيشها ملايين لا يمكن لأي كلمات أو لقطات أن تعبّر عنها، فهي هناك يوما وراء يوم، لحظة وراء لحظة وأثرها قد طال الملايين ونغّص حياتهم وعكّر صفو أيامهم، ورغم ذلك فإننا سنحاول تقريب ذاك الواقع البائس.
فهناك القتل في الشوارع، وهناك الدم يلطّخ الأراضي والمباني، وهناك الجثث، وهناك الأبنية المنهارة والعمارات المحطّمة والجوامع المهدّمة، وهناك الأطفال الذين يبكون حزنا على فقدان والديهم أمام أعينهم وهناك المرأة التي تبكي زوجها بعد أن صار أشلاء، وهناك الجوع وهناك كل شيء لا ينتمي الى الحياة، هناك الموت. بمعنى أن آثار تلك المأساة لا تنحصر في الجسد، فليست المسألة مقتل أشخاص واصابة آخرين وحسب، وليست المسألة فقر وجوع وانعدام للمأوى، ولكنها أكبر من ذلك بكثير، اذ هي جروح نفسية الى جانب الجروح الجسدية، ولنا أن نتخيّل مدى الحزن والاكتئاب عند من مرّوا بتلك الويلات، ولنا أن نتخيّل مدى الآثار النفسية للصدمات التي لا تعدّ ولا تحصى، ولنا أن نتخيّل مدى القلق والخوف الذي يرافق الكبار كما الصغار. هل يعرف الأطفال هناك النوم؟ هل ينتظرون الأكل الوفير؟ هل يطلبون لعبة أو عيدا؟ هل يفكّرون بالمدرسة وهل يحلمون بمستقبلهم؟ أم أنهم يتمنّون أن لا ينزل صاروخا على دارهم؟ وأن لا يسمعوا صوت انفجار؟ وأن لا يُسيطر الخوف والهذيان على نفوسهم؟ وأن لا يبردوا في الليل؟ وأن لا يجوعوا؟ وأن لا يفزعوا من نومهم؟

الحرب وغريزة الموت ...
وانه لمن المثير للعجب كيف أن الحروب كانت هي المسيطرة على التاريخ الإنساني، رغم أنه كان بالإمكان أن يعيش الانسان الى جانب أخيه الانسان بسلام وأمان، دون أن يضرّ أحدهما بالآخر ودون أن تحتاج البشرية الى حروب، فالحروب تُغلّب طرفا على آخر ولكن لا يمكنها أن تُغلّب الجميع، بمعنى أنه لا بد من أن يكون هناك طرفا خاسرا. اذا ما هي وظيفة الحروب وما الحاجة التي دعت اليها؟ علينا أن ندرك أن الحروب تنجم في الغالب عن تعنّت طرف واحد على الأقل وضيق فكره وتشبّثه بأفكار غير قابلة للنقاش. في حالة تعنّت طرف واحد، يضطر الطرف الآخر الى الدخول في صراع مع الطرف الأول، لأنه لا يتسنّى له تحقيق الغايات السامية دون استعمال القوة، نظرا لرفض الطرف الأول أي نوع من الحوار أو النقاش. في هذه الحالة، تكون الحرب حدثا طارئا جبريا وغايتها تكون تغليب العدل على الظلم أو نصر الحق على الباطل وفقا للمصطلحات الدينية. أما عندما يتعنّت الطرفين ويكون كلاهما منغلقا على فكره رافضا الحوار والنقاش، فإنه عندها لا يمكن للحرب أن تكون تغليبا لعدل على ظلم ولا تغليبا لحق على باطل، لأنه لو طلب أحد الطرفين ذلك لما كان متعنّتا برأيه وفكره، وانما ذلك أقرب ما يكون الى صراع المصالح اللا منتهي.
أولئك المتعنّتون هم الذين يجرّون البشرية باستمرار الى حروب دامية، وهم الذين يحصلون على ألقاب متعدّدة مثل "الأشرار"، "أهل الباطل"، "الظالمين"، المجرمين"، وبسببهم يلحق الأذى بالأبرياء والصالحين كالأطفال والأشخاص الذين لا حول لهم ولا قوة. تركيبتهم النفسية تكون غير سليمة، اذ أن غريزة الموت وفقا لمصطلحات التحليل النفسي تكون هي المسيطرة عندهم وهي المحرّك الأساسي، مما يدفعهم الى تدمير الأشياء والقضاء عليها لا لغاية معينة ولكن لأنهم يهنؤون بالتدمير ويتمتعون بالتخريب على الآخرين. هم يظنون أن نجاحهم لا يتحقّق الا اذا دمّروا ما حولهم وأبدوا سيطرتهم التامّة من خلال البطش والتنكيل والتدمير. هؤلاء يجترّون الأشخاص الأصحاء الذين تكون غريزة الحياة هي مُحرّكهم الى الحرب والى غريزة الموت رغما عن أنفهم. وبذلك فإن الذين يواجهون مرضى النفوس أولئك يفعّلون غريزة الموت عندهم ليقووا على المواجهة ولئلا يغريهم العيش الهني في ظاهره، ولكنهم يفعّلون تلك الغريزة لمواجهة الظلم ولتخليص العالم من هؤلاء المرضى وليُقام العدل على الأرض. فهم يضحّون بأنفسهم من أجل الآخرين، أي يفعّلون غريزة الموت عندهم لينعم الآخرين بغريزة الحياة، بمعنى أن قصدهم ومحرّكهم الطبيعي والأساسي يبقى غريزة الحياة.

أخيار وأشرار ...
انه كان بالإمكان وضع جميع من ينزعون الى الحرب والقتال في خانة واحدة، فكلهم يمتلكون غريزة موت مسيطرة وكلهم مهوسون بسفك الدماء وازهاق الأرواح، ولكن ليس هذا من الإنصاف وليس من الحقيقة الكاملة بشيء. انما وعينا لمفاهيم الخير والشر والعدل والظلم يحتّم علينا أن نفصل بين من يقاتل لأجل القتال والتدمير والسيطرة وبين من يقاتل من أجل إقامة العدل على الأرض ودحر الظلم. أما الفريق الأول فهم الذين يشعلون الحروب وهم الذين يمتلكون غريزة الموت بداخلهم. انهم يحبّون الهدم فتراهم يُعكّرون صفو الأجواء ويبطلون ما فعله الآخرون وربما يذهبون الى تدمير ما حصّلوه وخطف أرواحهم. ثقتهم بنفسهم مزعزعة وهم لا يشعرون أنهم قادرون على فعل أشياء تحظى بتقدير مجتمعهم ولذا فهم يسعون الى ابراز أنفسهم ودعم ثقتهم وسيطرتهم من خلال استعمال القوّة والعنف، مما يعني أن نزوعهم الى القتال لا يهدف الى تحقيق غايات سامية ولكن الى الوصول الى مصالح شخصية ضيّقة. الفريق الثاني هم الذين يضطرون الى استعمال القوة وهم بالتالي يفعّلون غريزة الموت لينعم آخرون بغريزة الحياة. ان القتال ليس هو هدفهم وليس هو محرّكهم، فهم يريدون البناء لا الهدم، السلام لا الحرب، الحوار والنقاش لا النزاع. انهم يريدون إيصال البشرية الى مكان أفضل وهم يدركون جيدا أنه لا يمكن للحروب أن تساهم في تقدّم البشرية ولا أن تدفع الى الإمام، بمعنى أن الحرب تناقض ايمانهم وأهدافهم وتركيبتهم النفسية. ولكنهم ينزعون اليها مضطرين بعد أن جرّبوا كل الوسائل الأخرى، فيقاتلون لاجتثاث السرطان من المجتمع ولإزالة الورم الخبيث المتأصّل في جسد الأمة، هذا الورم الذي لا ينفكّ يبثّ سمومه ويعوّق مسيرة التقدّم الإنساني. فإزالته يمكن أن تكون صعبة ويمكن أن تستغرق سنينا، ولكن الحاجة دعت الى استئصاله والأمل بالحياة الأفضل بعد الخلاص منه يدفع نحو القضاء عليه، أي أن التغاضي عنه ومحاولة التعايش معه والسكوت عنه لا يعود ممكنا ولا يعود خيارا مجديا.

الا أن الأطفال يستصعبون قبول الحرب، وحُقّ لهم ذلك لأن بنيتهم النفسية تحتوي على غريزة الحياة بالأساس ومن الصعب عليهم أن يفعّلوا غريزة الموت، كما أن الكبار يمكنهم أن يتراجعوا في لحظات معينة الى مراحل طفولية فيرفضون فكرة الحرب من أساسها، ولهذا ينبغي التذكير بالفكرة التي وُلدت لأجلها الحرب ألا وهي دحر الظلم وإقامة العدل. فالواجب التأكيد على أن غريزة الحياة هي التي يجب أن تكون المحرّك الأساسي ولكن لمواجهة مرضى النفوس تم تفعيل غريزة الموت لوقت محدود، وعليه فإنه علينا أن نحذر من أن تتحوّل غريزة الموت الى محرّك الأطفال الأساسي فيصيروا ناقمين على الوجود وعلى الموجودين بلا تمييز بين صالح وطالح، لذا فهم أيضا يجب أن يفهموا أن الحرب الدائرة ما هي الا حدث طارئ لمواجهة مجموعة من الأشرار وأن الذين يقاتلون الأشرار هم مجموعة الأخيار الذين يسعون الى تخليص العالم منهم. ان ذلك يتحقّق في حال لم يكن الأطفال منكشفين على الشرور على الدوام، بل تم بدلا من ذلك احياء طفولتهم بالقدر المستطاع.