4.4.11

يمين الولاء



منذ خروجي من بطن أمي إلى بطن الدنيا وشهيقي الأول ومنذ بكاء الطفولة الأول وأنا أسمع صدى الإسلام في أذنيّ ليصل إلى دماغي اللين فيُحدث هناك عملية منسجمة مع الفطرة ليخرج عقلا إسلاميا خالصا. والحقيقة أنّ كمّا كبيرا من المسلمين يمرّون بمثل هذا السيناريو ولكن المشكلة أنّ هذا العقل يخضع لإيحاءات أخرى مؤثّرة ومنها الإعلام والإنترنت والبيئة المحيطة وسبب صلاح الفرد أو خرابه يعود في غالبية الأحيان للعالم الخارجي , فالأذان في أذن الطفل لا يكفي وإنّما نحتاج إلى إنشاء بيئة تربوية إسلامية لتنمية هذه البذرة الطيّبة .
ولمّا كانت معزّة الإسلام محفورة في كلّي ومنتشرة في جُلّي كان واجبا عليّ أن أردّ الجميل بالجميل والإحسان بالإحسان والمعروف بالمعروف لأنّ هذا هو التصرّف الطبيعي ومن حاد عنه فإنّه يحيد عن واقعه ويعيش في أوهام وأحلام ويخرج عن الطبيعة . ولطالما سألني ضميري كيف يكون ردّك للجميل ؟! ولم يظهر هذا السؤال في هذه المسألة فقط وإنّما وجدته في دروب كثيرة لأنّه كما يبدو مرتبطا بالمعاملات الإنسانية التي لا تعرف السكينة والإنتهاء .
لقد أوصلني فكري إلى حقيقة صارخة تستوجب منّي وقفة وتحية إكبار وإجلال لنواتج هذا العقل المفكّر فكما وُلدت مسلما عليّ أن أتابع طبيعتي وفطرتي الخلقية فأعيش مسلما في سنين عمري إلى أن أموت مسلما إن شاء الله وبذلك أكون قد أغلقت دائرة الإسلام من حيث بدأتها وحقّقت التوازن النفسي المطلوب للعيش السعيد . بهذا المفهوم فإنّ الصرخة التالية تكون أنّ الإطار الوحيد والواحد الذي أقسم يمين الولاء له هو إطار الإسلام ولا يوجد هناك إطار آخر يستحقّ هذا القسم الغليظ فالتبعية تكون لهذا الدين وتعريف الهوية وتحكيم القول والعمل وفقا لهذا الدين .
أنا لا ألغي بكلامي هذا الأحزاب والكتل والحركات على اختلافها وتنوّعها وإن كنت قد ألغيت بعضها لأنّ المبادئ والأساسات لا تتلائم مع الفكر الإسلامي ولكنّي أقول أنّ أطر هذه الأحزاب لا يجب أن تحكّمنا أو تحرّكنا بشكل حصري وإنّما المحرّك الأول والأخير يكون إطار الإسلام فهو النبع الأصيل والمدرسة التقليدية والتجديدية التي ننهل منها شرعنا . نحن لا نريد من يخلص نواياه لحزب معين أو يفدي نفسه لنصرة هذا الحزب أو يقسم الولاء لهذا الحزب دون الإسلام فالواجب إخلاص النية لله وحده ونصرة الإسلام والولاء لهذا الدين العظيم . من أراد أن ينشأ حزبا أعظم من الإسلام فهو عمليا يتجرّأ عليه ويتحداه رغم أنّه ليس كفئا فأولى له أن يجلس مرتاحا لأنّ عمله لن يثمر إلا السهر والحمّى .
إنّ وظيفة هذه الأحزاب والكتل والحركات وليس كلّها بطبيعة الحال ولكن النافع منها هو بمثابة حلبة للخروج إلى المجتمع والتأثير بواسطة إطار منظّم ومقبول في المجتمع في حين عدم تواجد خلافة إسلامية كما هو الحال في هذه الأيام لأنّ الفرد بذاته لا يملك الطرق والمحفّزات للخروج للمجتمع في غالبية الأحيان وإنّما يحتاج إلى قالب يحويه ليسطّر اسمه في سجل من عمل واشتغل وليس مجرد تكلّم وخطب . لذا فليس من العيب الإنتماء إلى حزب إسلامي وإنّما محبّذ هذه الأيام لكي تصل إلى حلبة التأثير والتغيير فتُحدث بصمتك الخاصة في المجتمع ولكن العيب أن تتأثّر بشكل قوي من هذا الإنتماء فتنسى إسلامك الأصلي وراء ظهرك . إنّ الخطر من وراء هذا الإنتماء هو التأثّر بفكر الحزب وصعوبة التحرّر من هذا التأثّر وبالتالي تضييق صورة العالم والتقوقع في خمس العالم الإسلامي وترك الأربعة أخماس الباقية دون لفت الإنتباه لها وعندها يرفرف خطر آخر وهو أن تقول ما أضيق الإسلام والواقع أنّ الإسلام واسع أكثر ممّا تتخيل وهو شامل ولكنّ فكرك هو الضيق .
إنّ الحل المثالي هذه الأيام هو الإنتماء إلى حزب واحد أو أكثر للوصول إلى منصة التأثير وخصوصا الشباب الذين لم يسطّروا اسمهم إلى الآن في المجال العلمي أو الفني والحذر من خطر الإنخراط الفكري في الحزب وترك الأطار الأوسع والأشمل . لذلك مما يساعد على عدم الوقوع في هذه الحفرة هو متابعة ما يجري في العالم الإسلامي بكلّيته وسماع آراء أخرى في إطار الإسلام الحقيقي وتطوير فكر نقدي ونقاش موضوعي حضاري لأنّ ذلك يساعد على توازن قوى المدّ والجزر . والله ولي التوفيق