24.9.12

القدس كما رأيتها !


 
"ما هذا الضجيج الصباحي؟ ماذا يجري؟ أهي هزة أرضية أم الحرب قد اندلعت؟" - هذا ما جال في خاطري لحظة استيقاظي على صوت صافرات الإنذار المُفزعة.
 
لكنها لم تكن صافرات الحرب ولا صافرات كارثة إنسانية مُستجدّة لا سمح الله ولا صافرات تدريب عسكري، وإنما كانت صافرات الكارثة القديمة التي يُسمّونها بالكارثة والبطولة أو بذكرى المحرقة، وكيف لن تؤرّقني والصافرة تحت أذني، وكيف لا تكون تحت أذني وأنا أقطن في سكن الجامعة العبرية. نعم هي ليست غلطة مطبعية فالجامعة التي درست بها للقبي الأول هي الجامعة العبرية ولكني ما زلت عربيا وأفتخر، وما زالت لغتي الأم لغة القرآن العربية وأفتخر.
 
أخرج من فوري من السكن لأبدأ نهاري الإعتيادي فأمرّ على بوابة الحارس النعسان ولا أسلّم عليه لأنه سيستغرب فعلتي إن فعلت! تظلّني أشجار عملاقة ويُزيّن دربي خَضارٌ عن اليمين والشمال والشارع الذي يرافقني في طريقي القصيرة إلى الجامعة مُعبّد، واسع ومَثَلٌ في النظافة والنظام، فالحافلات لها مكان مُخصّص على هامش الطريق وللسيارات أمكنة وقوف لا تُعدّ ولا تُحصى وللدراجات الهوائية مسلك خاص وللدراجات النارية موقف خاص وللمُعاقين منحدرات خاصة، والإستراحات والمقاهي على الطريق تجذب من كان طريقه أطول من طريقي ليُرطّب فمه وليُباهي في دلاله. عند مدخل الجامعة تدور السيارات من فرط إعجابها بالدوّار الذي تتوسطه حديقة من الزهور، ولكنّ رجال الأمن ينغّصون فرحتها عند محاولة مرور الحاجز الذي يفصل الجامعة عن خارجها، فيستقبلها الحارس "الروبوت" ببرود وملل ويخضّها خضّا قبل دخولها كنوع من التفتيش الأمني.
 
أحضر محاضرتين من ثلاثة، لأن صاحبي يسحبني من خلال مكالمته فيدعوني لأزوره فأنزل عند رغبته ومن ثم إليه. أبتعد عن الجامعة مسافة لا تتعدّى المئة متر وإذ بالتضاريس تتغيّر رأسا على عقب! يا إلهي! إن الشارع هنا بالكاد يتّسع لسيارة واحدة فكيف لو التقت سيارتان؟ وها هي فكرتي تظهر أمام عينيّ دون تردّد، فتلتقي سيارتان! والأنكى من ذلك أن الشارع منحدر انحدارا شديدا، فيتوقّف السائقان أمام بعضهما ويبدأ الواحد يُلقي بمهمة الرجوع إلى الوراء على الآخر، هل سيتنازعان؟ إلى الآن ما زالا يتصايحان فقط، إلا أن أحدهما يختصر الشر بعد أن رأى سيارة أخرى تصطف وراء المقابلة له، فألتقط أنفاسي وأحمد الله أن مشت الأمور على ما يُرام، ولكن يبقى السؤال: هل سيتكرّر هذا المشهد كل يوم ولماذا نتّهم الناس هنا بعدوانية زائدة إن كانت شوارعهم تخنقهم؟! أواصل سيري في الطريق الضيّق المائل المليء بالأوساخ وأشاهد الكتابات المندّدة بالمقاومة ترتسم على الجدران، والبيوت بطبيعة الحال تحتضن بعضها البعض! أهو حب من الله، أم هي ضيق معيشة؟ ولسنا بحاجة إلى دراسات عميقة لنكتشف سر التناقض بين منطقة الجامعة والجهة الأخرى التي لا تبعد عنها كثيرا، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه كما يُقال، وهو ليس لجُرم ارتكبه الساكنون وإنما لأن من يسكنون في العيسوية هم عرب!