27.7.14

تأمّلات في الجائزة


لا شكّ أن من صام رمضان، قد بذل جُهدا في الثبات على الطاعات والانتهاء عن المعاصي. هذا الجهد استمرّ شهرا أي أكثر من 8% من أيام السنة. انه موسم ماراثوني يأتي كل سنة! واذا كان الجُهد كبيرا، فلا بدّ أن تكون الجائزة غالية! اذ أن الإله الذي يعطينا عشر حسنات قبال كل حسنة وسيئة واحدة مقابل سيئة (ويمحوها ان تُبنا، بل ويستبدلها بحسنة) هو نفس الإله الذي يُجازي على الصوم وغيرها من الأعمال. يقول تعالى: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون" (الأنعام، 160).

يقول عليه الصلاة والسلام: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه". يمكننا أن نُقسّم الجائزة الى قسمين أساسين: الأولى عاجلة (في الدنيا) والثانية آجلة (في الآخرة). وكل واحد من هذين القسمين يحوي جوائزا فرعية، لنخرج بعدد لا يُحصى من الجوائز، ولكن لتبسيط الصورة، نودّ أن نلفت النظر الى الرئيسية منها. ان الجوائز العاجلة لا تتلخّص في فرحة العيد، ولكنّ فرحة العيد هي واحدة من الجوائز العاجلة وربما تأخذ مركزية لكون الجميع واعٍ لوجودها. فالكل يعلم أن هناك عيد الفطر، والعيد في عُرف الناس يعني الفرح.

اننا يمكن أن نتحدّث عن أربعة جوائز عاجلة يستلمها الصائم فور الفراغ من صوم رمضان. الأولى سنُسمّيها جائزة الانتهاء وهي تعني أن مجرّد الفراغ من الجهد والكدّ والتعب المُضاعف فإن ذلك يُعطي شعورا بالراحة. انه شعور يُشبه ما يشعره الانسان عند الفراغ من عمل مُجهد، كيوم عمل شاق، أو كيوم تعليمي مُطوّل، أو كامتحان مصيري. انه عندما يُدرك الانسان أن المارثون صار من ورائه وأن الفُسحة قادمة، عندها يمكنه أن يشعر بالتخفيف. الجائزة الثانية هي جائزة الإنجاز، فهو انجاز عظيم يُضاف الى سجل الانسان اذا ما أتمّ صيام رمضان وقيامه على أكمل وجه. ان هذه الجائزة لا تضمّ مجموع الأعمال وحدها ولكنها تشمل أيضا تأثيرها على عقل الانسان، نفسه وروحه. انه وفقا لهذا المفهوم فإن الانجاز ينطبع في كيان الانسان، اذ هو ليس عملا عمله الواحد وانتهى، ولكنّ أثره يبقى في الانسان. والحقّ أن الانجاز يضم عددا لا يُحصى من الانجازات، فقراءة القرآن وتدبّره هي انجاز، الصيام انجاز، الصلاة الخاشعة انجاز، قيام الليل انجاز، صلة الأرحام انجاز، الصدقة انجاز وكل عمل صالح هو انجاز. ان استحضار مجموع هذه الانجازات في نقطة النهاية (عند انتهاء شهر رمضان) يثير في النفس مشاعرا ايجابية، ذلك أنها ليست بالإنجازات الهامشية ولا بالغير محسوبة. وهي تُثير في النفس تلك المشاعر الإيجابية لأنها أعمال ايجابية، راقية ومؤثّرة في مضمونها، وكذلك، فإنها تُساهم في تقريب الانسان من كمال الإيجاب (النعيم الأبدي في الجنة).  

الجائزة الثالثة هي جائزة البقاء. انه ليس مفهوما ضمنا أن نبلغ رمضان ولا أن ننهيه، فلا تدري نفس بأي أرض تموت ولا تدري متى. لذلك يدعو المؤمن ربّه ابّان رمضان: "اللهم بلّغنا رمضان"! انه موسم الخيرات، وأن تُعطى لك فرصة لتحيا فيه، لتعيشه، لتُريَ الله منك خيرا فيه، فإن تلك نعمة كبيرة وفضل عظيم وجائزة لا تُقدّر بثمن. لذلك واجب علينا أن يكون كلنا مشاعر حمد وامتنان لخالقنا على أن بلّغنا هذا الشهر الفضيل الكريم وأن بلّغنا العشر الأواخر منه وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر! أما الجائزة الرابعة فهي جائزة العيد. انها الجائزة التي يحدث فيها الانتقال الفعلي من الامتناع عن الأكل الى الأخذ مما لذّ وطاب من المأكولات والمشروبات، ومن الجهد المُضاعف الى تحصيل أقساط من الراحة ومن العمل والحرث الى الفرح بالنتيجة.

ان هذه الجوائز وخصوصا جائزة العيد، لتسير وفقا لما يُسمّى بعلم النفس "Operant conditioning"، والذي بموجبه فإن إعطاء تشجيع (جائزة كمثال) مع إتمام عمل معين فإن ذلك يزيد الإنتاج والعمل. ان هذه الجوائز من شأنها أن تكون مزوّدا للطاقة ومحفّزا للاستمرار والحمد لله رب العالمين.