19.8.13

الإلتقاء والإفتراق


إن الإلتقاء هو الدخول في حالة إجتماعية جديدة بعد الخروج من سابقة، والإفتراق هو الخروج من الحالة الإجتماعية الحالية من أجل الدخول في أخرى، فحياتنا كلها عبارة عن سلسلة من الحالات الإجتماعية المتنوّعة، والإنفراد هي أيضا إحدى الحالات الإجتماعية (أن تجلس لوحدك تدرس لإمتحان).

إن الحالات الإجتماعية التي نتكلّم عنها متنوّعة بشكل كبير ولا يمكن حصرها أو إحصاؤها، فيمكنك أن تذهب لزيارة صديق في بيته أو تذهب أنت وإياه لمطعم أو تخرج في رحلة مع أصدقاء أو تجلس جلسة عمل أو تجلس في قاعة المحاضرة في الجامعة وهكذا، وكلها حالات إجتماعية تختلف إحداها عن أخراها، ومعها يختلف أيضا تصرّفنا وسلوكنا تبعا للحالة الإجتماعية التي ندخل بها وبالإستعانة بالخبرات السابقة التي نكتسبها وبشخصيتنا التي تُوجّهنا. ومن القدرات المُدهشة التي يتمتّع بها كل منا هي القدرة على الإنتقال من حالة إلى أخرى بسرعة عجيبة والتأقلم مع كل حالة والإنخراط بعمق، فهذه المرونة الإجتماعية تجعلنا قادرين على الجلوس مع العائلة على مائدة الصباح ومن ثم ملاقاة زملاء العمل مع فنجان قهوة، وبعدها الدخول إلى المكتب على إنفراد والتهيّء لعمل يوم جديد، إستقبال عشرات الزبائن، الخروج للعشاء مع الأصدقاء وغيرها الكثير من التفاصيل التي تعكس قدرتنا على الإنتقال من وظيفة إجتماعية إلى أخرى: فنفس الشخصية ظهرت كأب، كزميل عمل، كالأنا (إنفراد الشخص)، كموظّف وكصديق!

لكن، رغم هذا التنوّع الكبير، إلا أننا نلاحظ من نظرة فوقية أساسا مُشتركا لغالبية الحالات الإجتماعية والتي أغلب ما تحويه علاقات إنسانية، وهو ما يتمثّل بالإلتقاء والإفتراق. الحالة الإجتماعية الطبيعية هي أن يأخذ للإنسان وقتا حتى يدخل في الحالة الإجتماعية ويتكيّف معها ولكن هذا الوقت لا ينبغي أن يكون طويلا، ومن ثم تجري الحالة الإجتماعية بالقرب الكافي للشخص منها، وفي النهاية يحدث الإفتراق بأن يبدأ الإنسان بالخروج من تلك الحالة ليرجع كل إلى عالمه أو ليدخل في حالة أخرى، الخروج أيضا لا ينبغي أن يستغرق كثيرا من الوقت (انظر الصورة، الرسمة "أ"). لكن إلى جانب كل طبيعي تتواجد الحالات الخاصة وهن ثلاث حالات:

1- الإلتقاء المُتأخّر: وهو أن يأخذ للشخص وقتا طويلا يزيد عن الطبيعي حتى يندمج مع الحالة الإجتماعية التي يُواجهها، وبالتالي يكون ذلك على حساب نجاعة هذه الحالة، ولكنّ الخروج منها يكون عاديا ولا يستغرق وقتا إضافي (انظر الصورة، الرسمة "ب")، ونضرب مثالا على حالة إجتماعية كهذه: هناك من الأشخاص من يستصعبون البدء بمهمة ما ولكنهم إذا بدءوا بتلك المهمة فإنهم يُنجزونها وينجحون في الخروج من تلك الحالة بسهولة، فالبداية عندهم تستغرق وقتا حتى يدخلوا جيدا إلى الحالة التي هم في صددها، وذلك يكون على حساب وقتهم المُخصّص لتلك الحالة. كثيرا ما يظهر الإلتقاء المُتأخّر عند مواجهة أمور غير مرغوبة أو حالات مُخيفة أو حالات جديدة.

2- الإفتراق المُتأخّر:  وهو أن يأخذ للشخص وقتا عاديا حتى يدخل إلى الحالة الإجتماعية، ومن ثم تمر بشكل طبيعي، ولكن الخروج منها لا يكون سهلا إذ أنه يستغرق وقتا طويلا (انظر الصورة، الرسمة "ج")، ونضرب مثالا على حالة كهذه: عندما يلتقي الإنسان بشخص طال فقدانه أو إنسان يُحبّه فإن الخروج من تلك الحالة الإجتماعية يطول. كثيرا ما يظهر الإفتراق المتأخّر في الأمور التي نرغب بها، أو نحبها، لأننا نرغب ونريد هذا الإفتراق المتأخّر، وعلى العكس يمكن أن يظهر في حالات مُفزعة وعندها نريد أن نتخلّص من تلك الحالة بسرعة ولكننا نبقى عالقين فيها بحكم تأثيرها السلبي القوي، كأن نفقد شخصا عزيزا. 

3- الإلتقاء والإفتراق المتأخّران: وهو أن يأخذ للشخص وقتا طويلا حتى يدخل في الحالة الإجتماعية ومن ثم يأخذ منه وقتا طويلا للخروج من تلك الحالة، وهي أفظع الإحتمالات لأنها تكون على حساب نجاعة الحالة وعلى حساب الوقت المُخصص لتلك الحالة (انظر الصورة، الرسمة "د"). نضرب مثالا على مثل هذه الحالات: شاب صغير يذهب مع أصدقائه للسباحة في بركة، فيرى الكثير من الحوافز حوله عند وصوله المنتجع السياحي، مما يُربكه ويأخذ منه وقتا إضافيا حتى يندمج مع أصدقائه، ولكنّه بعد الإندماج يصرّ على البقاء إلا أن المنتجع سيُغلق أبوابه فيجبره ذلك على الخروج ولكنّه يبقى يفكّر في تلك المغامرة لساعات أو ممكن لأيام!

إن عمليتي الإلتقاء والإفتراق لا يحدثان في الواقع بالبساطة التي نعرضها هنا وليس بهذا البُطء، فأغلب الحالات الإجتماعية تكون سريعة المرور وعلى أرض الواقع تكون مُفصّلة أكثر، ولك أن تتخيّل عندما تخرج إلى رحلة مع العائلة أو مع أصدقائك إلى "مدينة الملاهي" الكم الهائل من الحالات الإجتماعية التي تمر بها. كما أن هاتين العمليتين لا يتمّان بترتيب صارم، إذ يمكن لحالات إجتماعية مختلفة أن تتداخل ببعضها، والمثال على ذلك هو عندما تخرج إلى رحلة العمر زائرا إحدى الدول التي لطالما حلمت أن تكون فيها، فعند رجوعك إلى البلاد تدخل في حالات إجتماعية كثيرة ولكن تأثير الرحلة لا يزال قائما، كما أننا نلاحظ في هذا المثال إمكانية إندماج عدد من الحالات الإجتماعية لتتشكّل حالة واحدة عامة، حيث أنك في رحلتك تلك قد مررت بالكثير من المحطّات ولكنّك تصوغ من كل ذلك حالة إجتماعية عامة وتسمّيها تأثير الرحلة.

إضافة إلى ذلك فإن الحالات الإجتماعية تختلف عن بعضها بقوة تأثيرها على الفرد (أن تتكلّم مع أخيك هي حالة تختلف كثيرا عن تكلّمك مع خطيبتك)، وكذلك تختلف بمدّة تأثيرها (أن تجلس مع العائلة في البيت هي حالة تختلف عن سفرك إلى خارج البلاد للتعلّم ودخولك إلى سكن جديد وبيئة لم تعهدها من قبل). كما أن الألفة والإعتياد على الحالة الإجتماعية تجعلها تمر بسلاسة وبصورة أوتوماتيكية أكثر، ولك أن تتخيّل الفرق بين أيامك الأولى في قيادة السيارة وبين قيادتك بعد ثلاث سنين، أو اليوم الأول عند استلام وظيفة جديدة وحالتك بعد سنة كاملة من مزاولة نفس العمل، فهذا يدل على أن التكرار هنا يزيد من الخبرة المُكتسبة ويجعل تنفيذ كثير من الأمور يتم بصورة غير واعية ولهذا تمر بسرعة. كما أن الدخول في الحالة، أي المرحلة التي بين الإلتقاء والإفتراق، لا تعني وتيرة واحدة من الإندماج، ولكن لتبسيط الصورة تم التعبير عن هذه المرحلة بخطّين متوازيين، إلا أنه في الحقيقة يبدأ الشخص بالدخول رويدا رويدا حتى ينخرط في عمق الحالة التي هو في صددها، ومثالنا على ذلك أن الكاتب بعد عشر دقائق من بداية الكتابة يكون عادة إندماجه مع ما يكتب أقل من إندماجه بعد ربع ساعة، إن قرّر أن يكتب لمدة ساعة كاملة مثلا. 
 
 
 
 

القدس !


القدس ! كلمة وأي كلمة ! إنها كلمة خماسية مباركة من ألفها إلى سينها . أوسطها يربطها بمركزها . إنها كلمة تهمس في الآذان همسة سينية مُثقّلة بكل أصناف الحب والشوق والحنان والألم من أجلك يا أيتها السخية الصامدة . القدس ! كلمة رنانة تبدأ بأول محطة في مشوار أبجديتنا وتقفز بقوتها الأبدية قفزة نوعية إلى أن تستقر في نهاية المطاف في وسط الطريق الذي يفديها بكل عناصره. سلام عليك يا من وقفتِ في وجه من أرادوا أن يدفنوك تحت التراب لترث أورشليم مكانك . لك ولمن حماك النصر القادم إن شاء الله .

البحر لنا !


اشتقتُ إليك رغم برد الشتاء ! اشتقت لموجك ولمدّك وجزرك ! اشتقت إلى هدوئك وسكينتك ! اشتقت إلى هيجانك وجدّيتك ! أحببتك لأني لامستك كثيرا ، عشقتك لأنك بعُدتَ عني ، تُهت في هواك لأني ما زلت أبحث عنك في ثقافتي . هنا وجدتك في ثقافتي الإسلامية مُعشعشا فيها ، وهذا لا يعني أني قرأت تاريخ الإسلام من بدايته إلى نهايته ، ولكنّي أعلم أنّ ديننا هو دين الفطرة السليمة ولذا كان إدعائي . أما في ثقافة مسلمي اليوم فلم أكد أشمُّ رائحتك الفريدة ، ولم أكد أشعر أنك مصاحب لمصليي المسجد ولا للقانتين في ليلاهم ولا للباكين من خشية الله .

وصيّتي ما قبل الرحيل !



اليوم أودّع بلادي وأوطاني وأبتعد عن الجُرح الفلسطيني ولا أدري ءأعود أم لا . اليوم أترك أحبابي وأقربائي في ديارهم ولا أدري إن سيحالفني قدري برؤيتهم مرة أخرى . وداعا يا فلسطين ! وداعا يا أيها الأقصى الحزين ! وداعا يا كل أصحابي !

يا أبنائي وأبناء هذا الوطن التليد لا تتركوا أرضكم فهي عِرضكم، ولا تجدّدوا نكبتنا وإنّما تشبّثوا بها تشبّث الحبيب بمن يحب، ولا تشروها بمال الدنيا كلّه فالمال يزول والتاريخ يبقى محفورا في الأذهان . أريد منكم أن تُكملوا مسيرة نضالنا وكفاحنا لعيش كريم يتّصف بالحرية وبكل مظاهر الإنسانية وإياكم أن تناموا أو تسكن أنفاسكم أو يصيبكم الوهن .

يا أبنائي لا تنسوا رفع راية هذا الدين العظيم، ولا تخجلوا يوما من عمل صالح ولو احتقرته الأنفس فرب عمل صغير تعظّمه النيّة . أكملوا مسيرة الوحدة ولُمّوا الشّمل ولا تدعوا الأعمال الشيطانية والأفكار الدنيوية تفرّقنا وتباغضنا وتشاحننا، وابحثوا عن منهج الوسطية وإياكم من التشدّد أو التساهل . كونوا أينما يُحب الله أن يراكم وابتعدوا عن حيثما يريد الله أن يفتقدكم . هذه الدنيا حقيرة فلا تُشغلكم عن غيرها، وادخلوا في كل المجالات المباحة، فالإسلام هو دين الشمولية وهو رحمة للعالمين .
- كُتبت قبل الخروج الى رحلة العُمرة لعام 2011م – 1432هـ
 

رمضان 2013م - 1434هـ


 
نسائم مختلفة لاطفت الكائنات بُعيد الغروب

أنوار تنبعث من البيوت والوجوه

المآذن خضراء، القباب بيضاء

أذان مسائي وكأنه أول البدايات

صلاة تنطلق فيها تضرّعات وابتهالات

ليل ليس ككل ليل ولج في النهار

صُبح قريب فيه روائح زكية

عمل جديد رغم ثبوت المكان

أمل جديد مع تغيّر الزمان

أكل جديد

نوم جديد

روح جديدة

ايمان يتجدّد

انها أجواء رمضان !

أهلا رمضان !

عندما تتكلّم الطفولة !


عندما تتكلّم الطفولة ينساب بيان القلم ، وتعجز المشاعر المتدفّقة عن السكون والبكم ، ويسقط كل صنم يستعصي عليه الفهم ... عندما تتكلّم الطفولة تتكتّم الأفواه وتتجمّد الشفاه ، ويهوي كل ظالم متجبّر إلى العدم ... عندما تتكلّم الطفولة المقهورة فلا كلاما يُسمع بعدها ، ولا خطابا رنانا ينفع لإبطالها ... الويل لك يا كلب سوريا ، صرخة هذا الطفل المسكين ستبقى وزرا عليك إلى يوم حسابك الأسود ، الويل لك يا من يتمّت أطفالا مرضى ، الويل لك يا كلب سوريا !!!

في حب النبي صلى الله عليه وسلم


وبينما القوم جلوس يتبادلون أطراف الحديث، إذ شرد أحدهم في مخيلته وذهنه الذي حوى من لا تصفه أبلغ الكلمات، ليغوص في أعماق بحر الصّفاء والنّقاء والطُّهر والإيمان، وليحلّق في سماء الحرية وليسابق الغيمات بمكارم الأخلاق وليجد عقله الواسع وقلبه السليم منتصبان أمام أعظم شخصية على الإطلاق، ألا وهي شخصية الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. ألا إن البخيل من لم يصل على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين وسيد ولد آدم حتى اللحظة. أنت محمد، أنت أحمد، أنت مصطفى. تالله إني بذكرك لأمدح كلماتي وأزيدها رونقا وجمالا، ومن حروف أسمائك الطاهرة ينبعث شعاع النور الذي أضاء الدنيا وخطف الظلمة عنها. من ذِكْر الحبيب المصطفى انطلقت مخيلته في رحلتها الطويلة لتعيش ساعة في بيت النبي: منذ أن شم الهواء نفسك الرزين ورأت الشمس جسدك المتين عرفوك ولم ينكروك، الكون كله عرفك مخلصا أمينا مُحبّا صادقا مميّزا، رغم كل ما قاسيت في طفولتك من موت أمّك وجدّك وعمّك، لكنك صبرت واحتسبت لأن مهمتك عظيمة وجليلة وأملك بالله كبير.

في متعة التجربة ...


ما أجمل أن ننظر إلى الحياة كمجموعة من التجارب! إنها تجارب تُضاف إلى تاريخنا وماضينا! عندها لن تخطر على بالنا كلمة "فشل".

عندما أنجح في عمل أفهم أنه ما أريد، وعندما لا يحالفني الحظ في آخر - بعد محاولات متكرّرة - أفهم أنه لا يلائمني، فكل ميسر لما خُلق له.

عندما أنجح في مقابلة لتعليم أو عمل أتذكّر فضل الله عليّ، وعندما لا أُقبل في أخرى أتذكّر أنّي جرّبت وحاولت ويكفيني شرف التجربة، وأحمد الله على هذا الشرف.

أحب أن أعيش حياتي بالطول وبالعرض وأن أجرّب الكثير من الأمور، فلا تكفيني السمعات ولا يشبعني كلام الناس.

أحب أن أجرّب لكي أعرف ولكي أحسّ بالموصوف على جلدي، فما حكّ جلدك غير ظفرك!

أحب أن أجرّب لأنّ للتجربة ذكرى ولأنّ الذكرى عزيزة وأحبّ أن تكثر ذكرياتي!

أحبّ أن أجرّب ما يخطر على البال وما لا يخطر لكي أعيش التجربة بنفسي وأحدّد مسلكي ومصيري بنفسي!

أحبّ أن أجرّب لكي أقتنع ولأعمل عن رضا ولأجد حافز العمل داخلي!

أفهم أن حياتي ممكن أن تكون واسعة أو أن تكون ضيّقة باختياري وليس باختيار أحد غيري.

أكره احتقار أبسط الأعمال، فلدهان حائط متعة ولزرع شتلة متعة ولتنظيف أرضية متعة، وأجاهد نفسي كي لا تُسارع بإلغاء هذه المتع الخفية، وأحتقرها عندما تغفل عن بعض هذه المتع.

أحبّ أن أجرّب طالما تجربتي في دائرة المباحات وما أوسعها من دائرة!

وأشفق على من يجرّب لكنّه لا يفقه معنى التجربة، لأنه ببساطة لا يعيش تجربته التي بين يديه!