26.8.12

خاطرة: مياه في الطريق!


كثيرا ما تشدهنا المناظر العملاقة الخلّابة، ولكن في أحيان كثيرة وَقْع ما دقّ وحَسُن لا يقلّ أثره على النفس من لوحات فنية ضخمة! فكما أن دقّة صنع الخالق في الجسيمات دون الذرية تبهرنا، وكما أن مبنى الشيفرة الوراثية في الخلية تلفتنا، فكذلك دقة النظم على مستوى الكواكب والأجرام تأسرنا.

أثناء تجوالي في الجولان قرب نهر البانياس، شدّت انتباهي ثمرة إحسان مع الطبيعة يغفل عنها كثيرون إلا أنها تعكس ثقافة تأبى مجاوزة صغائر الأمور. إنه واد صغير يوازي عرض الطريق، عرضه لا يتعدى الثلاثين سنتيمترا، تفيض فيه مياه قليلة من جانب الطريق الأول إلى الآخر، لكي لا تُترك سائبة فتُغرق الطريق بأسره وتخرّ أقدام المارّة بالوحل.

إنه عمل بسيط ولكنّه يقول لنا أن من يهتمّ بتلك المحمية الطبيعية يلتفت إلى صغائر الأمور ويُصلحها، لذا فمن المؤكّد أنه عالج المشاكل الكبرى قبل ذلك وبالتالي نستنتج أنه مسؤول أتقن عمله بشكل كامل، إنه يقول لنا أيضا أنهم يحبون البيئة والطبيعة ويحسنون إليها كي تُحسن إليهم بالمقابل، فلولا هذا الواد لتبعثرت المياه ولما تم تجميعها في مكان واحد وبالتالي لما استفدنا منها، بل ولأضرّتنا، إنه يقول لنا أن المياه يمكن أن تكون نعمة بحسن إستعمالنا لها ويمكن أن تكون نقمة كذلك، فهي مُسخّرة للإنسان ويمكنه أن يتلاعب بمجراها كيفما شاء فينتج لنا لوحة مائية تستقطب السياح من كل بقاع الدنيا، إنه يقول لنا أيضا أن إيذاء الطبيعة غير وارد بالحسبان وإنما هي عملية مساعدة وتقويم يقدّمها الإنسان لبيئته، إنه يقول لنا أن الجهد بسيط ولكنّ الناتج مستمر وكثير!