30.8.12

فرقة ناجي عطا الله: هل يستحقّ المشاهدة؟


أحسست وأنا أشاهد هذا العمل الدرامي أنني أمام فيلم مُطوّل، فالحبكة لا تكاد تنحدر من ذروة حتى تعتلي ذروة أخرى، أما من الناحية الفنية فهو عمل متقن، مما يترك في المشاهد آثارا إنفعالية قويّة وتعاطفا مع بعض الشخصيات. لكنّ فكرة المسلسل تقوم على سؤال أخلاقي كبير وهو: هل الحل يكون بأن نسرق من سرق؟ وأن نعتدي على من اعتدى علينا؟ أو بالأحرى أن نثأر لأخوتنا؟ إن المسلسل من أوله إلى قُبيل النهاية يتعامل مع هذا السؤال وكأنّ جوابه مفروغ منه وواضح للعيان، خصوصا وأن الشيخ حسن مندوب الرأي الديني يساند هذا الرأي، إلا أنه في النهاية عندما تثور ثائرة كاميليا وتطرح السؤال المُخيف: هل فعلتك يا ناجي بعيدة عن السرقة؟ هل كل من سرق مني فسأسرقه لأن العين بالعين والسنّ بالسنّ؟ إذا ستعمّ الفوضى ولن يكون هناك إستقرار وأمن وستستمر سلسلة السرقة التي هي أشبه بقانون الغاب، ويمكن أن نطبّق نفس المبدأ على القتل فنبرّر الأخذ بالثأر ومسلسل كامل من الدماء!

ومن ثم نسأل: هل استرداد الحق هو مسؤولية الحكومات أم مسؤولية الأفراد؟ وكيف لأفراد أن يواجهوا حكومات؟ إن المعركة المتصوّرة تبدو خاسرة من أوّلها ولكنّ الخيال الفنّي يجعلها غير ذلك! نحن لا ننكر أن للأفراد تأثير، فكم من قلم غيّر سياسات وكم من فعل فردي أحدث ثورات، ولكن أن يواجه أفراد حكومة أخرى وينتصرون عليها فإن العقل لا يطيق هذا التصوّر! ومن ثم فهل الحل يكون بالعنف والهجوم المُباغت وبالسرقة أم يكون بالتفاوض والسياسة الحكيمة أم بغير ذلك؟

لقد شاهدت المسلسل من حلقته الأولى إلى الأخيرة والصحيح أنه ممتع وفيه حسّ فكاهي ملموس، إلا أن النهاية لم تكن مُتوقّعة ولم تكن منسجمة مع روح المسلسل! إذ كيف لقائد حكيم مثل ناجي عطا الله أن يتّخذ قرارا سريعا بتغيير هدف العملية التي قام بها، فيُقرّر في آخر عشر دقائق من المسلسل أن يتبرّع بملايين الدولارات لشعب الصومال، وبذلك تحطيم آمال الشباب التي لطالما أطلعونا عليها في طيّات الحلقات. إنه بهذا الموقف يخرج من شخصيته الحكيمة التي تحسب حسابا لكل خطوة عندما نفّذ عملية من أخطر ما يكون، ليتّخذ قرارا بعيدا عن الحكمة وبذلك فهو يوقظنا ويلفت انتباهنا للنفس الديكتاتوري الذي ما زال مُسيطرا على العقل العربي ولو بشكل غير واعي، فهل ينبغي للقائد أن يفرض رأيه على الناس؟ أم يأخذ بمشورتهم ومن ثم يُقرّر بناء على رأي الأغلبية؟ وهل للقائد الحقّ في الإستئناف على رأي الأغلبية؟ ونكتشف أمرا آخر من خلال هذا الموقف وهو أن الدكتاتورية لا تقشعّر لها الأبدان إلا حين اتخاذ القرارات غير الحكيمة، أما طالما فعل القائد منطقي وحكيم فإن الغالبية لا ينتبهون للنفس الدكتاتوري.

إنني لا أعلن اعتراضي على واجب تقديم المساعدة لأهل الصومال المنكوبين، وقد أعجبني عرض مأساتهم للرأي العام ولفت أنظار العرب إليهم وبذلك فهي رسالة ليستيقظ العالم فيهبّوا لتقديم العون، إلا أن أسلوب المساعدة لم يكن أسلوبا جيّدا، فلا يمكن لأحد أن يفرض على الآخر أن يتبرّع بحصّته من الأموال دون رغبة وعن غير طيب خاطر! هذا إن سلّمنا أنها حقا حصته من الأموال! ولكنّ التبرّع لأهل الصومال لا يُضفي مشروعية على العمل كما شعرت كاميليا! ويعود نفس السؤال: هل واجب الأفراد أم الحكومات أم الإثنين معا تقديم المساعدة للصوماليين؟ لماذا يُسترخض المواطن العربي وحكومته لا تفتديه في حين حكومات العالم كلها تُسارع إلى إنقاذ أبنائها من أي خطر؟ هل واجب المواطن العربي أن يقوم بواجب حكومته؟ إن الآمال التي تصوّرنا أن نراها مع تحقّق أحلام الشباب على أرض الواقع، فارقت المشاهد بطرفة عين، بل وأودت بالفريق إلى التهلكة فهم لم يجدوا ما يدفعون عندما أكلوا وجبتهم الأخيرة في مصر! إن التضحية واجبة لكن الحكمة أيضا واجبة، وكل التعب والشقاء والأخطار التي حاقت بفرقة ناجي عطا الله لم يجدوا لهم مكافأة عليها!

إلا أن تصوير الصراع العربي الإسرائيلي يبقى عملا إبداعيا، وكذلك، الفقر والمشاكل التي يعيش تحت وطأتها أبناء الشعب المصري، والأنفاق في رفح وكآبة غزة ومن ثم رغد العيش في إسرائيل، ويتبعها تصوير العراق بعد الغزو الأمريكي وما آلت إليه البلاد من فتن طائفية تحول بين المواطنين والأمن، والفقر المدقع في الصومال، إنها كلها مآسي إنسانية تحتاج إلينا.