4.2.15

كيف نتحدّث ؟


اذا تغيّر منحى تفكيرنا فإنه من المفروض أن نرى تغييرا مُقابلا في حديثنا وخطابنا. لو آمنا وترسّخ في أذهاننا أنه يجب الخوض في الكليات قبل الجزئيات، فإن ذلك سيُترجم الى كلام وحديث وبالنهاية الى تطبيق عملي. الا أننا نودّ هنا أن نلفت النظر الى منحى الحديث الذي يجب أن ننتهجه والى منحى الحديث الذي يجب أن نمتنع عنه ونحذر منه، ذلك أننا نؤمن أن التغيير يمكن أن يعمل على كلا المستويين: المستوى الفكري وهو الأساس والمستوى العملي ان جاز التعبير عنه هكذا (الخطاب جزء منه).

وبما أن منحى التفكير يوصل الى منحى الحديث (والفعل بشكل عام)، فإنه من الحريّ بحديثنا وخطابنا أن يخوض كذلك في الكليات بدلا من الجزئيات. ولا يعني ذلك أن عندنا أشياء نؤمن بها ستُهدّد الآخر وستقضي عليه ان بُحنا بها، ولأجل ذلك اخترنا الصمت عنها واخترنا أن نُخفيها كي نستدرج الآخر الينا، ومن ثم نُسيطر عليه ونُخرج الى حيّز التنفيذ كل ما أخفينا من قبل. ليس هذا هو المراد من الحديث عن الكليات قبل الجزئيات بكل حال من الأحوال، لأنه لو فكّر فعلا كل الأطراف بالكليات قبل الجزئيات لما خاف أحدنا مما يُضمر له الآخر من قنابل موقوتة، ولو حدث وخاف فريق من غدر فريق آخر فإن الكليّات المُتفقّ عليها ينبغي أن تحول دون انفجار مثل هذه القنابل (مثل فرض أجندة فريق على الآخرين بالقوّة)، ولو لم يكن كذلك فإنه من الواضح أن البلاهة أو الخبرة الضحلة أو انعدام الرؤية المستقبلية قد سيّطرت على المُتفاوضين.

وخطاب الكليّات هذا ينبغي أن يتلاءم مع كليّات المرحلة ومع متطلّباتها، فهناك مصطلحات لا تُناسب مرحلتنا الحالية، ولن أقول أكل عليها الدهر وشرب، فإننا لا ندري ما سيحدث في السنوات القادمة. مصطلحات مثل دار السلم ودار الحرب هي مما لا يتلاءم مع عصرنا الحالي، لأن دول الحاضر هي دول قومية، فتلك بريطانيا وتلك اسبانيا وتلك الجزائر وتلك تونس، ولا توجد دولة المسلمين أو دولة المسيحيين. فكيف لنا أن نتحدّث عن دار السلم ودار الحرب وهما مصطلحان لا يمتّان الى الواقع بصلة؟ وعلاوة على ذلك، يجدر بحث جذور هذين المصطلحين ومدى ملائمتهما لعصرنا وبكل حال من الأحوال لا يمكن فرضهما على الناس بقوّة أو حتى التحدّث بهما دون بحثهما.

وما لنا نُصرّ على أسماء ونتقاتل على مُسمّيات والمضمون واحد في أحيان كثيرة، فعلى سبيل المثال الديمقراطية حلّت محلّ الشورى. أفنرفض اسم الديمقراطية لأنه غير موجود في مصطلحاتنا؟ ومصطلحات أهل الحلّ والعقد ووزارة التفويض ووزارة التنفيذ هي غريبة عن زماننا كذلك. والحديث عن الخلافة وتطبيق الشريعة يجب أن لا يكون هوسا عندنا وينبغي قبل أن نُصدّع رؤوس الناس بمثل هذه المصطلحات أن نفهم أولا ما هو جوهر الخلافة وما جوهر تطبيق الشريعة، فإن عَقَلْنا الجوهر فلا ينبغي أن نُعاند على المُسمّيات. والجوهر والغاية العُليا والأهم من كل المُسمّيات هو اقامة العدل على هذه الأرض، فبناء الدولة العادلة هو ما يجب أن نسعى اليه ليل نهار وهو ما يجب أن يندرج في خطابنا.