22.11.13

ماذا تعني "لا إله إلا الله"؟


تعني أن إله المال غير قائم، وهذا يقول أن كل محاولة للاختلاس والسرقة غير واردة بالحسبان، والربا غير وارد في قاموس المصطلحات، وأكل المال الحرام وانفاقه في الحرام غير وارد، لأنه ان فعلنا فسيكون المال أعز علينا من الله، وعندها سنضفي عليه ( أي على المال) منزلة الألوهية!

وتعني أيضا أن إله الجنس غير قائم، وهذا يقول أن كل محاولات الإغراء ستقاوَم، ولن ينزلق الإنسان الى الاتصال المحرّم مع الجنس الآخر كالتقبيل والملاطفة والزنى، أو مع نفس الجنس، كاللواط والسّحاق، وانما سيُذعن للأمر الإلهي الذي يسمح بالزواج الشرعي وهو الرباط المقدّس.

وكل إله غير الله ساقط وغير قائم، فلا إله الحكمة ولا إله العقل ولا إله حقوق الإنسان ولا إله أمريكا ولا إله السلطة ولا إله الحب ولا إله الشر ولا إله الخير، فنحن نقول: لا إله إلا الله !

العمل الصالح لا ينحصر في المسجد!


لا شكّ أن للمسجد قيمة عالية جدا في حياة المسلمين، وديننا يحثّنا على اعمار المساجد، واعمارها لا يكون فقط بزخرفتها وتركيب المكيّفات والخزائن وبسط السجّادات الجديدة، وانما بالتواصل معها وزيارتها وتعاهدها! ولكن يجب أن ننتبه أيضا أن خارج المسجد هناك أيضا مدارس، وهناك عيادات، وهناك مستشفيات، وهناك مشاريع خيرية، تهدف الى التيسير على الناس في دنياهم، واعتقادنا أن العمل الصالح انما هو في المسجد، والأعمال خارجه أقل شأنا وأقل أجرا هو خطأ فظيع، لأن ذلك سيؤدّي بنا الى أن نسرف في المساجد، فنبعثر سلم الأولويات، ونقوم بتغيير براد شرب الماء كلما أراد أحدهم أن يتبرع بواحد جديد، ونُهمل بالتالي المرافق العامة ونتركها فقيرة ومفتقرة الى أبسط الحاجات، فمدراسنا تأنّ وشوارعنا تأنّ ومتنزهاتنا تأنّ، ونحن نقضي وقتا أكثر في المرافق العامة منه في المساجد، ولذا ينبغي أيضا عدم اهمال هذه المرافق، لأننا ان أحسنا فيها، فسنُسهّل على أنفسنا في حياتنا، وان سَهُلتْ حياتنا فسنتفرّغ أكثر لآخرتنا، وعلينا أن نعيَ ونتذكّر أن الأعمال بالنيات، وليس العمل الصالح في المسجد هو أعظم من العمل الصالح في المدرسة بشكل حتمي، فدور المدرسة لا يُستهان به في تربية أبنائنا وتثقيفهم، ولربما ستُخرّج تلك المدرسة عددا كبيرا من علماء المستقبل الذين سيساهمون في العطاء والتقديم لهذه الأمة بعلمهم وأخلاقهم. 

الشاب المثالي !


الشاب المثالي هو الذي يُملّس شعره ويسرّحه كمثل "جاستين بيبر" وهو الذي يمسك بيده سيجارة وفي المقاهي لا تفارق "كشكة" النارجيلة يده، وان امتلك صاحبة فتلك اضافة تُذكر، وان قاد السيارة عليه أن يقود بسرعة جنونية بعد أن يحني الكرسي الأمامي كمن ينوي المضاجعة أثناء القيادة، ولا بد من الشيطنة في القيادة (الحركوت)، وان زاد على عنقه سلسلة فضية أو على يده فهو خير! ان هذا استغفال لعقل الانسان ولقيمته ولميّزته على سائر الكائنات، اذ كيف لهذه المظاهر التي لا تدوم أن تقرّر المثالية من عدمها ؟!

ان الشاب المثالي هو ذاك الشاب الواعي لما يدور في خلجاته ولما يدور من حوله، وهو متنبّه لجواهر الأمور، وبكل الأحوال فهو لا يُقدّم المظاهر على الجواهر. ان هذا الشاب هو الذي لا ينفك عن تحقيق انسانيته من خلال تطوير قدراته العقلية وأحاسيسه العاطفية التي لا تنحصر في الحب فقط وانما تتعدّاها لتشمل رحمة الآخرين والعطف عليهم ومساعدة المحتاج والضعيف وما الى ذلك. اننا حين نُغيّر صورة الشاب المثالي في أذهاننا، سوف ينتج لدينا جيلا شبابيا مُختلفا، وستصير العلاقات الزوجية أمتن لأن الأنثى ستختار فارس أحلامها حينها بناءً على الجوهر وليس على المظهر، وكذلك الذكر سيختار وفقا للجوهر.  

بنات الجامعة!


عندما نريد أن نتحدّث عن "بنات الجامعة" يظن البعض أننا سنتكلّم عن بنات الليل، في حين أن المعنيَيْن بعيدان عن بعضهما بعد المشرق عن المغرب، فالجامعة هي صرح العلم الذي فيه ينهل الطالب من شتّى العلوم، والجامعة تُسمّى حرما احتراما وتجليلا للعلم ولطلاب العلم وللعلماء الذين يجتمعون في مكان واحد، فحرم الجامعة يعني "ما لا يحل انتهاكه" (من معجم الرائد)، فإن كانت الجامعة حرما وان كانت بهذا الرُقي، فإنه من الأولى أن يكون أبناؤها شباب وشابات كذلك.

لكن الذي حدث أن كثيرا من أبناء الجامعة تركوا الغاية التي جاؤوا من أجلها وراء ظهورهم، وراحوا يستغلّون تلك الفترة للعشق وللغرام وللانتقال من صاحبة الى أخرى، وقد نسوا أن أهلهم قد عهدوا اليهم أن يطلبوا العلم وربما نسوا أيضا أن أهلهم أنفقوا عليهم من أموالهم فأنكروا جميل أهلهم وأهدوهم الذلّ والعار، فمن هنا ارتبطت الأجواء الجامعية في فكرنا بالانحلال وصارت الجامعة في نظرنا أشبه بملتقيات العُشّاق، وكما هو الحال في أغلب مجالات الحياة، فـ "الصالح يذهب بعروى الطالح"، لتصير طالبة الجامعة مشكوك في أمرها، أما طالب الجامعة فإنه في أسوأ الأحوال ينال توبيخا أو نظرة احتقار.  

وصحيح أن الأجواء الجامعية تُعطي نوعا من الحرية وبالتالي تفرض المسؤولية على الطالب الجامعي، ولكننا نتوقّع من النبتة التي رُبّيت جيدا أن تُزهر وتثمر، بمعنى أن الشاب والشابة اللذين نشئا في بيئة صالحة ورُبّيا أحسن تربية، فإننا نتوقع أن يبقيا كذلك ويصيرا أحسن ان وُفّرت لهما البيئة المناسبة، فالكل مُعرّض للإنزلاق الى الهاوية ان ابتعد عن بيئته الطبيعية الحسنة، فالقرآن سطّرها قائلا: "كلا إنّ الإنسان ليَطغَى"!

أما فيما يتعلّق بالتمييز الذي يُمارس في مجتمعنا عند التعامل مع الطالبة والطالب الجامعي فهو متّصل بالتمييز المرفوض الذي يبرز عند التعامل مع الذكر والأنثى، فالطالب الجامعي غير خاضع للمراقبة وهو يملك نوعا من الحصانة وهو يسيد ويميد وفقا لرغبته دونما التفات لأمره، وان أخطأ فإن مجتمعنا سرعان ما يغفر له خطؤه، أما الأنثى فهي منكوبة من مجتمعها، وتُنتكب من مجتمعها ان لاحقها في كل خطوة تخطوها وأعطاها ذاك الإحساس أنها مشكوك في أمرها، فالطالبة الجامعية خاضعة للمراقبة وخاضعة للمسائلة وان كانت عفيفة طاهرة، أما ان أخطأت فخطؤها يصعب غفرانه، وهو مُستهجَن عشرات المرات أكثر من خطأ الذكر، ولذلك حُرمت أناث كُثُر من طلب العلم وحُرمن من الحرية وحُرمن من اختيار الموضوع الذي يرغبن ومكان التعليم الذي يرغبن، ونسيَ الأهل أن التربية الحسنه ان وُجدت والبيئة المناسبة ان وُجدت كفيلان بحفظ الذكر والأنثى على حدّ سواء !

المبادئ خط أحمر !


الالتزام بالمبادئ يكاد لا يكون موجودا عندنا، إذ أن كثيرا منا يُلائم نفسه للظروف المحيطة به، دونما التفات الى شخصيّته والى كيانه والى مبادئه وأفكاره، وربما يلوي بعضنا أعناق المبادئ ليشعر أنه لم يتنازل عن مبادئه! والتأقلم مع الظروف المحيطة مطلوب، لكن عليه أن لا يكون على حساب المبادئ الأساسية ! كما أن أخذ المبادئ والتعامل معها بصورة جامدة وكأنها لا تقبل النقاش هو مرفوض أيضا، لأن ذلك يُنتج لنا أشخاصا جامدين غير مُستعدّين للأخذ والعطاء !

فأن تكون الأنثى المسلمة ساترة لنفسها في حياتها اليومية (ليس القصد أن تكون حتما مُحجّبة أو مجلببة) الى أن تصل الى حفلة عزيزة على قلبها فتلبس الفستان الذي يكشف الرجلين الى ما فوق الركبة، أو البنطال القصير أو الجارزة المفتوحة في منطقة الصدر، فهذا تلاعب بالمبادئ لأن من يُسمّي نفسه مسلما، وجب عليه أن يلتزم بمعاني الإسلام في الحياة اليومية وفي الحفلات وفي الأفراح وفي الأتراح، فالله لا يُعبد فقط في الحياة اليومية، حتى اذا وصلنا الى حفلة أو مناسبة قلنا أنها ساعتان وسنرجع كما كنا بعدها، كما أنه من الجهل التعبير عن الفرح بالتبرّج أو ما يُعرف بـ "التشليح"، اذ أنها سطحية أصابتنا ما أنزل الله بها من سلطان، ومن الجهل أيضا اعتبار الجمال والأناقة مساويتين للتبرّج ! فهذه الصورة من العبادة هي عينها الصورة التي فيها يعبد الانسان ربّه ويُظهر اخلاصه ما دام داخل المسجد، أما حين يخرج فهو يَغمط الناس حقوقهم ويشتم ويسبّ ويظهر كأنّه وحش بشري !

ومبرّرات مثل: "اليوم فرح وكل شي مسموح، خلينا ننبسط"، "مهي كلها ساعتين وبتخلص الشغلة"، "القاعة مسكّرة ومحدا غريب شايف"، "مهمي كلهم زي اخوتي"، "هو أنا الوحيد اللي بلبس هذا اللبس"، "الله غفور رحيم"، "هاي الموضة، شو أعمل أنا؟"، هي مُبرّرات لا يقبلها العقل السليم، اذ أنها تلوي أعناق المبادئ لنشعر أننا ممتازين في حين أننا لسنا كذلك ! فالفرح لا يُعبّر عنه بالتبرّج كما أن الممنوع يبقى قائما في زمن الفرح، والعبرة ليست بالكمية وبالوقت القصير وانما بالتحايل على المبدأ، والقاعة غير مُغلقة في وجه الكاميرات التي ترصد كل صغيرة وكبيرة، وأخونة جميع الأقارب هي خدعة، وتقليد الآخرين في كل صغيرة وكبيرة هو ضعف، والاحتجاج بمغفرة الله لفعل المنكر هو تلاعب مع الخالق وبالدين، والانسياق وراء الموضة هو تنازل عن شخصيتك الفريدة !

الكاسيات العاريات !


ما إن يخرج الواحد من بيته حتى يرى الكاسيات العاريات، في بلده، في مدرسته، في عمله، في العُرس، في المأتم، في كل مكان ! فكثير من البنات اليوم تلبس البنطال الضيّق وأحيانا الشفاف وهي تظن أنها كست نفسها في حين أنها ليست كذلك، وربما تكون تلك البنت تلبس الحجاب في القسم العلوي من الجسم، وربما مشت بجانب أمها المحجبة، فما حصل هو أننا استسغنا هذا اللباس وانزلقنا اليه تدريجيا وصار عاديا عندنا، في حين أنه مجرد تغيير للون الجلد، فماذا تنفع طبقة جلدية أخرى ؟ وهل الفيزون (أو التايتس) الا تغيير للون الجلد ؟ وهل الـ ""skinny jeans الا تغيير للون الجلد ؟ فهذا اللباس يُظهر للقاصي والداني كل انحدار وكل تعرّج في جسم البنت وهذا أبعد ما يكون عن الستر وأقرب ما يكون الى الكاسيات العاريات ! وهذا لا يعني أن الذكور أتقياء والإناث فاجرات، فالنقطة التي يجب أن ننتبه اليها أنه في حالة الذكور يصعب تحديد مدى الالتزام وفقا للملبس، فكل الذكور يلبسون نفس الثياب تقريبا، أما في حالة الإناث فيسهل ذلك للاختلاف البارز في اللباس الديني عن اللباس المُنحلّ !

قال صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ، ليوجد من مسيرة كذا وكذا". التفسير الأول للعبارة "كاسيات عاريات" هو: أن تلبس الأنثى ثيابا شفافة خفيفة تشف هذه الثياب عما تحتها فتظهر المرأة وكأنها عارية، والتفسير الثاني هو: أن تلبس الأنثى ثياباً ضيّقة فتُظهر تلك الثياب مفاتن المرأة تماماً وكأنها عارية تظهر كل مفاتن المرأة سواء من الأمام أو من الخلف.

وإن هذا الأمر لفظيع، إذ ليست المشكلة تنحصر في اللباس الفاضح، وانما تتعدّاها ليُعتبر هذا اللباس هو الشيء الطبيعي وهو الخيار الوحيد وهو اختيار سليم، فرغم كونه لباسا خاطئا مُنكرا لا يتم الاعتراف بالخطأ، مما يزيد الطين بِلّة، ولذلك فإن كل بنت ناشئة تُلبّس هذا اللباس بدون كثير تفكير !

الصاحبة !


ما إن تظهر مُقدّمات الشارب الأولية عند الشاب وما إن تظهر علامات الأنوثة الأولية عند الشابة حتى يشتعل التجاذب بين الجنسين وينتبه كل طرف الى الجنس الآخر بعد أن كان غافلا عنه منذ نعومة أظفاره. ان هذا معروف وليس بجديد وهو يتلائم مع مراحل تطوّرنا، الا أن المصيبة الكبرى تكمن في مصطلح "الصاحبة" الذي استوردناه من بلاد الغرب ليدخل الى عقول شبابنا وبناتنا.

فالشاب الذي لا يملك صاحبة هو "أهبل" والفتاة التي لا تُصاحب تُعاني من ثلاث عُقد نفسية على الأقل ! هذا ما استطاع الغرب أن يزرعه في عقول شبابنا وفي عقبه ظهرت الويلات والمصائب، فالتحصيل العلمي يقلّ يوما عن يوم، والحماس لطلب العلم يقلّ كذلك، ولا يفطن الذي يحالفه الحظّ الى أهمية العلم وتفاهة مصطلح "الصاحبة" الا بعد أن يُنهي مرحلته الثانوية، وعندها يُصيبه نوع من الندم على ما فرّط من فرص لتوسيع دائرة المعرفة.

ومصطلح "الصاحبة" بمفهومه الغربي هو غريب على ثقافتنا، فالتقاليد العربية تنصّ على فترة تعارف مضبوطة بآداب وأخلاق عالية، وبعدها يكون الزواج، فالتنقّل بين حبيب وحبيب وبين حبيبة وحبيبة ليس موجودا عندنا، ومعاشرة ليلة أو الارتباط لفترة معينة ومن ثم الانفصال هي ليست من مصطلحاتنا، لأن بناتنا ليست سلعة تُباع وتُشترى وهن غاليات وهن دُرر وليس يحظى بالدّرة كل قاصٍ ودانٍ.   

القبول رغم الاختلاف!


لمّا كان كل انسان مسؤولا عن نفسه وعن اختياراته، أي مُخيّرا بهذا المعنى، وجب على الفرد احترام الاختيارات التي اختارها الآخر وان كانت مُناقضة لاختيارات الفرد الشخصية! ولنأخذ مثالا لتقريب الصورة: شاب متديّن ملتحٍ يلبس عباية بيضاء والسواك في يده والقرآن الصغير في جيب عبايته العلوية، وفي طريقه الى عمله رأى فتاة في العشرينيات من عمرها تلبس قميصا يكشف القسم العلوي من الصدر والظهر وبنطالا قصيرا يعلو الركبة بحوالي ثلاثين سنتيمترا. هو رآها وهي رأته! هو فكّر بها وهي فكّرت به! هو قال في نفسه: "ملعونة! هي حطب جهنم وبئس المصير، لا حول ولا قوة الا بالله، انها علامات آخر الزمان!"، هي قالت في نفسها: "ما هذا الشبح الذي أمامي؟! متى سيتحضّر هؤلاء الرجعيون؟! كل العالم يلبس وفقا "للستايل" الا هؤلاء المتخلّفون!".

اذا فكّرنا في القولين المكتومين لوجدنا فيهما كراهية متبادلة، رفض متبادل، والغاء للإنسانية بشكل متبادل، هي تعتقد أنه ارهابي ومتخلّف ولذا ينبغي الحذر منه ولربما الابتعاد عنه قدر الإمكان، وهو يعتقد أنها فاسقة ضالّة وأن مصيرها الى النار، ولذا لا جدوى منها وينبغي نبذها ورميها بعيدا عن أعين النساء والرجال، مما ينتج بُعدا شاسعا بين الاثنين، وكراهية تُفضي الى الغاء الانسانية! في حين أن الشاب قد نسي أن اللباس هو جزء من حياة الشخص، ولربما تكون مثل تلك الفتاة محبّة للخير، مُساعدة للضعيف، انسانة راقية في تعاملها مع الآخرين، ولربما ستغيّر طريقة لبسها في المستقبل ولربما ستهتدي الى طريق الالتزام، والشابة نسيت أن هذا الشاب الذي يُصوّر لها أنه ارهابي ومُتخلّف لربما يحمل علما عظيما من علوم الدنيا ومن علوم الدين، فهو محاسب وامام مسجد، وهو متفوّق في عمله وعبادته، والناس يذكرونه بكل خير من خلال تعاملهم معه!

أي أن المظاهر لا يجب أن تجرّنا الى الحكم على الجواهر (هذا لا يعني أن المظاهر غير مهمة)، وينبغي أن نحذر من الأفكار المُسبقة، وبكل الأحوال فلا يجوز لنا أن نُسقط انسانية انسان لاختلافنا معه بطريقة اللبس أو بأمور أخرى، فلا يصحّ أن نكرهه ولا أن نحتقره ولا أن نبصق عليه وانما يجب أن نحبّه وأن نتمنى له الخير وأن نمسح دمعته ان بكى وأن نساعده ان وقع في ورطة، فكما قلنا في البداية كل فرد مسؤول عن اختياراته ولا يجوز لنا أن نفرض على الآخر اختياراتنا نحن!

الإلغاء والشطب !


ربما هي هواية لدى البشر أن يُلغوا ويشطبوا من لا يشبههم ومن لا يقول بقولهم أو حتى من يخالفهم في مسألة فرعية، لكنّ هذا يبرز في مجتمعنا العربي أكثر، ورغم كل المحاولات المُضنية لتذويت قيم التسامح وقبول الآخر وهجران التعصّب وحوار الحضارات والأخذ والعطاء، الا أن العقلية العربية ما زالت تستصعب قبول الاختلاف، ولذلك فهي تُنتج مُربّعات مُغلقة بحيث تحوي كل من يتبع للجماعة المربّعة وتطرد الى خارجها كل من لا يتبع، وهذه المربّعات تُغذّي العقول المُربّعة، فإن دخلت الى عقول هؤلاء الناس، لوجدت أن عقليتهم الإقصائية تسري على جماعتهم أيضا، إذ أنهم يُفضّلون الحديث مع فلان ومقاطعة آخر لاختلاف بسيط يصعب ملاحظته الا بعد وقت طويل من البحث! فهي العقلية المُربّعة الإقصائية التي تُلغي من هو خارج الجماعة أولا، ومن ثم يمتد تأثيرها الى داخل الجماعة لتُلغي الأقربين ولربما يبقى الانسان وحيدا مُقنعا نفسه أن الآخرين مخطئون وهو من الفرقة الناجية!

اننا عندما نتذكّر أن لكل انسان بصمة اصبع خاصة، علينا أن نتذكّر أيضا أن لكل انسان شخصية خاصة، عالم خاص، ذكريات خاصة، أحلام خاصة، أوهام خاصة، فكل انسان نشئ في بيئة مختلفة وهو يحمل في كل خلية من خلاياه شيفرة وراثية تختلف عن الآخرين، لذا فإن الاختلاف مزروع فينا نحن البشر، وكل محاولة لإلغاء الاختلاف ستبوء بالفشل، لأنها محاولة لمجابهة الطبيعة الانسانية! ومن ثم فلو حوى العالم نسخا متشابهة، فأي ملل سيصيب هذا العالم؟! وهل سيبقى العالم متحرّكا وحيويا أم انه سيجمد؟! ان الاتصال في هذا العالم سيكون أشبه بما نصفه بأنه "بحكي مع حاله، شكله انجنّ!". لذا فإن الخطوة الأولى هي الاعتراف بالاختلاف وقبول فكرته سرّا وجهرا.

 ان المتدينين والعلمانيين والعرب بشكل عام هم أبطال في ساح الإلغاء والشطب، فذلك يريح من عناء المناقشة والمحاورة والمجادلة والإقناع، ولكن فرصة الاطلاع على المُختلف تضيع وفرصة توسيع الآفاق تضيع هي الأخرى وفرصة بناء علاقات اجتماعية تضيع كذلك! ولما فهمنا أن البشر خُلقوا ليكونوا مُختلفين، علينا أن نفهم أيضا أن هذا الاختلاف هو لصالحنا وإيجابياته كثيرة لو أحسنا فهمه، وقد صدق من قال: "خلاف الرأي لا يُفسد للودّ قضية"! أما أن تُلغي فلانا لأنه لا ينتمي للحزب، وأن لا تسمع لأقوال فلان خوفا من التأثّر به لأنه لا ينتهج نفس المنهج، وأن لا تقرأ كتابا لمفكّر لأن موقفا عنده لم يُعجبك، وأن لا تسمع لمتديّن لأنك علماني، وأن لا تسمع لعلماني لأنك متديّن، وأن لا تسمع لشيعي لأنك سني، وأن لا تسمع لشيوعي لأنك رأسمالي، فهذا هو الإلغاء والإقصاء والشطب! لذا فإن الخطوة التالية هي قبول الآخر رغم الاختلاف معه، وهذا لا يعني أن تتبنّى آرائه، ولكن أن تتقبّل وتتفهّم أفكاره ولربما تناقشها وتحاججها دون محاولات الاقناع المُضنية برأيك لمجرد أنه رأيك، وانما لهدف البحث عن الحقيقة!

Gangnam Style or Nosa


دخلت الى معهد اللياقة البدنية في بلدي ذات مساء واذا بأغنية من طراز "هبل بهبل" على شاشات التلفاز وكانت تلك المرة الأولى التي أشاهدها فيها! ذهبت إلى أحد فروع شبكة حوانيت "عمر المختار" لاقتناء جارزة قبيل عيد الأضحى المبارك واذا بنفس الأغنية في السماعات! أصبحت مبكّرا لتدريس ولد في الصف الرابع ضمن مشروع لمساعدة الطلاب واذا به يُريني تطبيق على "الآيباد" الذي اقتناه حديثا يحمل اسم نفس السخافة: Gangnam Style!

خرجت في رحلة أثناء عطلة عيد الفطر مع العائلة المُوسّعة واذا بجميع أولاد خالي الصغار يردّدون كالببغاوات Nosa Nosa…، حتى ابن خالي الذي لم يتجاوز عمره الأربع سنوات ظلّ يغنّى تلك الأغنية إلى أن لاحظت سكوته واذا به يهوي نائما على كتفي. هل هي هلوسات ما قبل النوم؟ أم إنها هلوسات في كل وقت؟ لقد دفعني فضولي وانتشارهما على كل لسان الى البحث عن هاتين الأغنيتين لأجدهما من أسوأ ما رأيت وما سمعت في حين أن أبنائنا يحفظونهن ويتراقصون على أنغامهن البائسة، فلا المعاني معاني راقية، ولا الانتاج الفني انتاج راقي، وحتى الرقص أشبه برقص المجانين الاعتباطي!

هذا مقطع من كلمات أغنية Gangnam Style وفيه يظهر الهذيان الجلي:

"رجل بأسلوب جانجام، أسلوب جانجام
يا امرأة دافئة إنسانية في النهار
يا امرأة أنيقة تعرف التمتع بحرية رشف فنجان القهوة
يا امرأة قلبها يزداد حرارة عندما يأتي الليل
يا امرأة لديها هذا التقلّب
أنا رجل، أنا رجل دافئ مثلك في النهار
أنا رجل يشرب قهوته كاملة برشفة واحدة حتى قبل أن تبرد".

التربية المبكّرة


مما تم ملاحظته أن النفس الإنسانية تعير إهتماما كبيرا لبدايات الأمور وذلك لأن كل بداية تشكل مقدّمة للتعريف بالشيء المراد فهمه، وهي أي البدايات بمثابة الأسس والدعائم التي تُبنى عليها الأفكار والمعلومات اللاحقة، وبكلمات أخرى كل بداية تشكّل البنية التحتية للفهم . كما أن الإنسان في بداية كل أمر يبذل طاقة تفكيرية عالية لغرض التركيز والتحليل وسبر غور كل مبهم، ونضرب مثالا حتى نسهل الفهم في باب ما يسمى بالإنطباع الأول . عندما تقابل شخصا لأول مرة فهو بالنسبة لك مبهم، بمعنى غير معروف من هو وما هو طبعه وطبيعة شخصيته، وكلما زادت اللقاءات وتتابعت زادت المعرفة بالشخص حتى نصل إلى درجة نكوّن فيها بطاقة تعريف تفصيلية للشخص بحسب رؤيتنا للأمور ومن وجهة نظرنا نحن . عندها سنفسر كل تصرف يصدر عن نفس الشخص بحسب تلك البطاقة التعريفية التي في عقولنا وسنتوقع منه أمورا وسنستبعد عنه أمورا أخرى . لكن يجب الإنتباه إلى أن إمكانية التغيير واردة والأمور ليست حاسمة ومصيرية ولا رجعة فيها، فالعالم ملوّن وليس أسودا أبيض، وإنما ادعاؤنا أنّ للبدايات والمقدّمات تأثير كبير على سير الأمور وإمكانية التغيير واردة رغم صعوباتها، فعندما يصدمنا شخص معين بتصرف خارج عن دائرة تصورنا له فأمامنا إمكانيتان، إما أن ننسب تصرفه إلى دافع خارجي أي الى الظروف المحيطة به وما شابه، أو إلى دافع داخلي ينبع من إرادة الشخص نفسه وهو ما يُحدث تغييرا في تصوّرنا القديم للشخص .

من هنا نصل إلى لبّ الموضوع ونقول أن التربية المبكرة هي حجر الزاوية والأساسات التي تُصقل بناءً عليها الشخصية، لذلك كان جيل الطفولة المبكرة غاية في الأهمية، وقد شدّد علماء النفس كثيرا على هذه الفترة من الحياة لأن البناء فيها والهدم سهلان، بمعنى أن الشخصية تكون مرنة نسبيا. لذا كان من الضروري التشديد على التربية المبكرة الحسنة ولا بد للوالدين أن يعيا خطورة وأهمية جيل الطفولة المبكرة، فيحسنان التربية ويغرسان في أبنائهما القيم المحمودة ويصنعان النموذج المثالي من الإنسان بنظرهما . وقد قيل سابقا : العلم في الصغر كالنقش في الحجر وما أسهل النقش في الحجر وما أصمده وما أمتنه، وقد قيل أيضا أنه من شبّ أي نشئ على شيء شاب عليه وفي هذا دليل على قوة تأثير التربية المبكرة على الإنسان . لهذا فإننا نلاحظ صعوبة التنازل عما صار جزءً من هويتنا أو حتى استبداله، لأن الإنسان يرى أن هذا هو الوضع الطبيعي ويؤمن أن مفهوم الحياة كما يراه هو الصواب، فقد توارث هذا المفهوم من أقرب وأحب الناس إليه وممن يثق بهم وهما الوالدان أو الأقارب أو البيئة المحيطة أو المجتمع الذي وُلد فيه . فمن وُلد مسلما أو نصرانيا أو يهوديا فإنه يبقى ملاصقا لدينه ومروّجا له ومدافعا عنه لأنه يرى أن هذا هو الصواب بعينه . هكذا هم غالبية بني البشر وليس جميعهم، وقليل من يبحثون عن الحقيقة فيشككون في إنتمائهم الديني أو القومي وما شابه، وربما يغيرون هذا الإنتماء عن قناعة ورضا وبعد بحث طويل . وفي هذا الشأن يقول الرسول محمد عليه الصلاة والسلام : "كل مولود يُولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".

إن التربية المبكرة هي خليط من وراثة وبيئة، حيث أن الإبن يكتسب جينات من كلا الوالدين، ولهذا من المنطقي أن يشترك الولد مع والديه في صفات خَلقية وخُلُقية موروثة، وليس هذا فحسب بل إن للبيئة المحيطة بالطفل أثر كبير أيضا عليه، وتشمل الأشخاص والأغراض وكل ما يلتقط الطفل بحواسه الخمس. لكن للوالدين مكانة خاصة في نظر الطفل وهما بمثابة المثل الأعلى بالنسبة له، لأنهما أقرب الناس إليه وهما المربيّان الأساسيان والمزوّدان بالحاجات الضرورية لبقاء الطفل، وهما أول من يتّصل بهما الطفل اتصالا عاطفيا، وحتى أنهما يشكّلان العالم الخارجي كله بالنسبة للطفل في بداية حياته. لهذا كان أثرهما ملحوظا في شخصية الطفل وتقليد الطفل لهما أمر شائع جدا، فالطفل بمثابة مرآة للبيئة الموجودة في البيت، ولا يظن أحد أن الأطفال غير مدركين لما حولهم كما كان يُعتقد سابقا أو أنهم جماد متحرك. هذا الإدعاء يتناسب مع قول الشاعر: وينشئ ناشئ الفتيان فينا كما كان عوّده أبوه، والأمثلة على ذلك كُثُر. أضف الى ذلك، أنه في المجتمعات المحافظة يكون الأبناء أشبه بالآباء وهم يجسّدون على الأغلب صورة مصغّرة للآباء.

من هنا وبعد بيان أهمية التربية المبكّرة وضرورة الإنتباه إليها نطلق نداءً للأهالي: أن ربّوا أبنائكم منذ الصغر كما تريدوهم في الكبر ولا تقولوا يوجد وقت وما زالوا صغارا جاهلين، فهذا الكلام من قلة العقل والغفلة عن واقع الحياة وفيه تنكّر للحقيقة وركون إلى الوهم المريح. صحيح أن الأطفال لم يصلوا بعد إلى كامل رُشدهم، ولكنّهم يملكون قدرات إستيعابية تُمكّنهم من صقل شخصيتهم في السنوات الأولى من حياتهم، فمن غرس في طفله شيئا كبُر عليه، وهذا يعني أن من عوّد ابنته الصغيرة على اللباس الكاشف لنصف الجسم وإن كانت صغيرة فهي ليست دمية متحرّكة ولم يُبيّن لها أن الحجاب واللباس الشرعي فرض لا غنى عنه وأن العفة واجبة والحياء مطلوب، فكيف لها أن تُغطّي النصف المكشوف في سن الحادي عشر تقريبا أو حتى قبل ذلك، إن كانت قد رُبّيت على حُب اللباس العصري كما يقولون. يا أخي، يا أختي اللباس الشرعي فرض عين على كل مسلم ومسلمة ابتداءً من سن البلوغ، أي أن الطفلة والبنت التي لم تصل إلى هذا السن غير مجبرة بهذا اللباس، ولكن كون التربية المبكّرة تحمل أثرا كبيرا على النفس الإنسانية، فإن ذلك يستدعي لباسا منضبطا وتوجيها مستمرا لما هو واجب في سن البلوغ. أنا لا أفهم ما دهى مجتمعنا الإسلامي عندما يُلبسون البنت الصغيرة لباسا كاشفا أكثر ومثيرا أكثر مما يلبسون الذكور وكأنّ الموازين قُلبت وتقلّبت. 
* كُتبت في نهاية السنة الأولى من بكالوريوس علم النفس.

البحث عن الهدوء !


كلنا يبحث عن الهدوء، لكن كثيرا ما نستصعب ايجاده، فلو كنتَ في قرية لسمعت صرخات الباعة المتجوّلين وصرخات الأولاد الصغّار الذين يلعبون بالكرة في فناء الدار، ولربما أقاموا عرسا في وسط القرية ولربما أطلقوا الألعاب النارية التي تُباغت الساهي وتُزعج الصاحي وطلقات الرصاص على كل كبيرة وصغيرة، والسيارات التي تدور في الشوارع وصافراتها التي استبدلت افشاء السلام وموسيقاها الصاخبة، وصرخات الأهل والجيران ... ولو كنت في المدينة، لسمعت أصواتا أعلى للسيارات وللشاحنات، ولأُضيفت أصوات سيارات الإسعاف والإطفائية والشرطة، وصافرات الباصات ونباح الكلاب وأصوات المارّة ...

لكن رغم ذلك الكل يبحث عن الهدوء! فحتى ذلك الذي يطلب الموسيقى الصاخبة، هو عمليا يبحث عن الهدوء دون أن يدري، فهو يريد أن يُفرّغ طاقاته في الرقص، والانفعال تحت وطأة موسيقى البوب والجاز، ليصل الى درجة مقبولة من الهدوء النفسي والمادي بعد أن تنتهي لحظات تفريغ الشحنات السالبة.