22.11.13

الإلغاء والشطب !


ربما هي هواية لدى البشر أن يُلغوا ويشطبوا من لا يشبههم ومن لا يقول بقولهم أو حتى من يخالفهم في مسألة فرعية، لكنّ هذا يبرز في مجتمعنا العربي أكثر، ورغم كل المحاولات المُضنية لتذويت قيم التسامح وقبول الآخر وهجران التعصّب وحوار الحضارات والأخذ والعطاء، الا أن العقلية العربية ما زالت تستصعب قبول الاختلاف، ولذلك فهي تُنتج مُربّعات مُغلقة بحيث تحوي كل من يتبع للجماعة المربّعة وتطرد الى خارجها كل من لا يتبع، وهذه المربّعات تُغذّي العقول المُربّعة، فإن دخلت الى عقول هؤلاء الناس، لوجدت أن عقليتهم الإقصائية تسري على جماعتهم أيضا، إذ أنهم يُفضّلون الحديث مع فلان ومقاطعة آخر لاختلاف بسيط يصعب ملاحظته الا بعد وقت طويل من البحث! فهي العقلية المُربّعة الإقصائية التي تُلغي من هو خارج الجماعة أولا، ومن ثم يمتد تأثيرها الى داخل الجماعة لتُلغي الأقربين ولربما يبقى الانسان وحيدا مُقنعا نفسه أن الآخرين مخطئون وهو من الفرقة الناجية!

اننا عندما نتذكّر أن لكل انسان بصمة اصبع خاصة، علينا أن نتذكّر أيضا أن لكل انسان شخصية خاصة، عالم خاص، ذكريات خاصة، أحلام خاصة، أوهام خاصة، فكل انسان نشئ في بيئة مختلفة وهو يحمل في كل خلية من خلاياه شيفرة وراثية تختلف عن الآخرين، لذا فإن الاختلاف مزروع فينا نحن البشر، وكل محاولة لإلغاء الاختلاف ستبوء بالفشل، لأنها محاولة لمجابهة الطبيعة الانسانية! ومن ثم فلو حوى العالم نسخا متشابهة، فأي ملل سيصيب هذا العالم؟! وهل سيبقى العالم متحرّكا وحيويا أم انه سيجمد؟! ان الاتصال في هذا العالم سيكون أشبه بما نصفه بأنه "بحكي مع حاله، شكله انجنّ!". لذا فإن الخطوة الأولى هي الاعتراف بالاختلاف وقبول فكرته سرّا وجهرا.

 ان المتدينين والعلمانيين والعرب بشكل عام هم أبطال في ساح الإلغاء والشطب، فذلك يريح من عناء المناقشة والمحاورة والمجادلة والإقناع، ولكن فرصة الاطلاع على المُختلف تضيع وفرصة توسيع الآفاق تضيع هي الأخرى وفرصة بناء علاقات اجتماعية تضيع كذلك! ولما فهمنا أن البشر خُلقوا ليكونوا مُختلفين، علينا أن نفهم أيضا أن هذا الاختلاف هو لصالحنا وإيجابياته كثيرة لو أحسنا فهمه، وقد صدق من قال: "خلاف الرأي لا يُفسد للودّ قضية"! أما أن تُلغي فلانا لأنه لا ينتمي للحزب، وأن لا تسمع لأقوال فلان خوفا من التأثّر به لأنه لا ينتهج نفس المنهج، وأن لا تقرأ كتابا لمفكّر لأن موقفا عنده لم يُعجبك، وأن لا تسمع لمتديّن لأنك علماني، وأن لا تسمع لعلماني لأنك متديّن، وأن لا تسمع لشيعي لأنك سني، وأن لا تسمع لشيوعي لأنك رأسمالي، فهذا هو الإلغاء والإقصاء والشطب! لذا فإن الخطوة التالية هي قبول الآخر رغم الاختلاف معه، وهذا لا يعني أن تتبنّى آرائه، ولكن أن تتقبّل وتتفهّم أفكاره ولربما تناقشها وتحاججها دون محاولات الاقناع المُضنية برأيك لمجرد أنه رأيك، وانما لهدف البحث عن الحقيقة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق