22.1.15

ما الذي يجمعنا ؟


ان أول ما يجمعنا نحن العرب هو اللغة العربية وذلك يؤدّي الى اشتراك الثقافة والحضارة بيننا. فمن خلال اللغة المشتركة – التي هي بمثابة وسيلة التواصل – تُمرّر القيم المشتركة، العادات، التقاليد وحتى طرق التفكير وطرق التعبير عن الشعور. ولا شكّ لدينا بالنسبة لدور اللغة الكبير في تأسيس هذا الجزء العظيم من المشترك الانساني، فللغة وللكلمة تأثير على التفكير وعلى الشعور وعلى التصرّف.

لو قيل لك: "أنت أغبى انسان على وجه الكرة الأرضية"، لفكّرت أن القائل يُهينك ويعتدي على شخصك (تفكير)، مما يؤدّي الى استشاطة غضبك (شعور) والى ردة فعل كلامية أو فعلية (تصرّف). أما لو قيل لك نفس المقولة باللغة الصينية التي تجهلها فإنها لن تُحرّك فيك ساكنا، اذ هي مبهمة بالنسبة لك. وحتى لو قيلت لك نفس الكلمات بلغة تعرفها وتمارسها، فإنك سترجع القول الى لغتك الأم على الأغلب وستردّ بحسب ثقافتك. فإن كان وصف انسان بالهوس أو بالمثلية الجنسية مقبولا في ثقافة معينة فلربما يكون غير مقبول في الثقافة الأخرى (كما في الثقافة العربية) وذلك سيؤدّي الى فهم نفس المقولة والى ابداء ردة فعل بشكل يتلاءم مع النشأة الثقافية.

ولنا أن ننظر الى واقعنا اليوم: ما الذي يجمعنا نحن العرب في هذه الأيام؟  

ثروات ثقافية لا تُعدّ ولا تُحصى، من مثل روايات تحكي واقعنا، طموحاتنا وآلامنا، فالتونسي والمصري والسوري يشعرون بما يشعر به اخوانهم في فلسطين عندما يقرأون لفدوى طوقان. ومن منا لا يعرف الأيام لطه حسين ولو بالاسم؟ ومن منا لا يعرف جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونجيب محفوظ؟ وأشعار المتنبي والشافعي؟

والتراث الإسلامي لا ينبغي أن يكون حصرا للمسلمين، بل على كل عربي يفتخر بعروبته أن ينكشف ويغوص في أعماق هذا التراث، فما قدّمه هذا التراث من غنى للمكتبة العربية، للأدب، للشعر، للفكر وللعلم معروف لنا جميعا. ومن ثم فهذا الدين (الدين الإسلامي) نزل على أمة العرب وهو الذي أحدث فيها ثورة ثقافية وثورة حضارية لا يمكن أن ينكرهما أي مُنصف.

ان كل عربي بغض النظر عن دينه يجب أن يقول أن هذا التراث الإسلامي هو لي، ونكاية بأولئك المتشدّدين الذي يريدون منعي منه فسأقرأه وسأدرسه وسأستفيد منه، ولو لم أكن مؤمنا بكل فيه. كذلك الحال مع التراث الجاهلي، فلا ينبغي أن نتخذّ منه موقف المُحارب ولا أن نهجره ولو كان فيه ما لا يقبله دين ولا عقل ولا منطق، والتراث العباسي والعثماني والفاطمي كذلك. ان هذه حلقات ثقافتنا، ونعرف أن فيها منحدرات ونكسات وانتكاسات وأن فيها يقظة وازدهارا ومجدا، فلا ينبغي أن نرى منها ما ينسجم مع أجندتنا الدينية، الطائفية أو الحزبية وانما يجب أن نراها كُلّا واحدا. فإن لم يحدث ذلك فإننا نُهدّد عروبتنا قبل أن يُهدّدها أعدائنا ونهدم تاريخنا وماضينا. ولأولئك المتشدّدين الذين يريدون محق تاريخنا ومحق ما لا ينسجم مع أجندتهم نقول: اطّلعوا، اقرأوا، ابحثوا في تاريخكم، ولا تخافوا ان انتم اطّلعتم أنكم ستتأثّرون وستعودون الى "ضلالكم القديم"، فليس على القارئ أن يؤمن بكل ما يقرأه. ولربما من سطحية عقولكم وفقدانكم لمَلَكَة النقد، خفتم من قراءة ما لا تؤمنون به ونفرتم ودعوتم الى هجرانه وحرقه. ألا تبّا لكم يا من قتلتم عروبتنا وقتلتمونا!