20.5.12

الضوء الأزرق – رواية



إنها رواية يكتنفها الغموض، مليئة بالتفاصيل الدقيقة والحِكَم التي من شأنها أن تُضيف إلى الجانب المعلوماتي عند القارئ. إنها تدور بين شخصية الكاتب و"بري" بالأساس ولكون "بري" شخصية غير اعتيادية وتصرّفاته غير طبيعية فإن كل قول أو عمل يفتعله يجتذب حسين (الكاتب) لكي يفهمه، فحسين هو الباحث عن المعرفة بين حضارات مختلفة وبين شرق وغرب و"بري" هو المعلم المجنون أو المشرد أو أي صفة أخرى نطلقها على من لا نفهمهم. إن هذا الجنون يبدأ بالإنتقال تدريجيا إلى شخصية حسين ليقرر أن يكون انسانا غريبا متخفّيا لئلا يضطهده الناس، والصحيح أن من يريد أن يكون مُغيّرا أو مُجدّدا فعليه أن يكون شخصية إستثنائية ولكن هل واجب عليه التخفي أم محاولة التغيير؟! وهل عندما يكون استثنائيا فإنه يكون مجنونا لا يُحتمل وجوده بين العقلاء؟! ليس حتما ولا ينبغي كذلك أن يكون! الرواية تدور بين عالم شرقي ريفي وعالم غربي مُتحضّر، فالمكان مجنون والزمان كذلك لتقلّبهما، حتى أن سبب الفراق بين "بري" وحسين يكون على أتفه الأسباب! إنه دمج ما بين الفلسفة المنطقية وعالم الخرافات والأوهام! ولشدة الغموض ولكثرة الإنتقال في الزمان والمكان ولكثير التفاصيل والفلسفة والحِكَم، فإن هذا كله يحد من الحبكة القصصية ويجعل الرواية أقساما، بدل أن تكون وحدة متكاملة يصعب على القارئ الخروج منها! بإختصار من الصعب عيش الرواية ومن تجربتي الشخصية مع قرائتها كنت كلما فتحتها لأقرأها، أحاول استذكار آخر ما حصل وما قبله من مشاهد علّي أفلح في الدخول إلى أجوائها! 

أيقونة بلا وجه – رواية


إنها رواية تبدأ بأسى وتنتهي بأسى أكبر لتُظهر للقارئ تفاهة الأسى الأول الذي استمرّ سنينا، إنها رواية تُبرز قسوة الزمن على الأبرياء وقسوة أشدّ الناس قُربا على محبّيهم لا لشيء إلا لسدّ رغباتهم ولتحوّل مزاجهم! إنها رواية القهر المستمر، وهي رواية السجن بدون قضبان، وهي رواية تُجازي المخلص الوفي بالخيانة الأكثر مقتا، إنها ببساطة خدعة الحب!

نبوغ تلك المهزومة من أول الرواية إلى آخرها هي الضحية، لأنها اختارت أن تكون انسانا مُخلصا، فهي مذ أن دخل زوجها السجن كرهت عيشها وأدخلت نفسها في سجن وهمي، فلم تعرف للحياة طعما بغياب حبها الأكبر، ولم تُفارقها صور السجين في زنزانته لحظة من اللحظات طوال اثني عشر عاما، ولولا الطفل الذي تركه لها زوجها أمانة وأثرا من رائحته، لزادت حياتها جحيما على جحيمها! إن الصمود التي سطّرته نبوغ يعكس فعلا مدى نبوغها وعبقريتها في مواجهة أقسى الظروف لئلا تحيد عن هدفها الغامض، ورغم محاولات صديقتها وشقيقة روحها أحلام بثنيها عن عزمها وإقناعها بالتحرّر من عبودية السجين والبحث عن رجل آخر، إلا أن كل محاولاتها باءت بالفشل. إنها كانت تعيش حقا في أحلام ولذا فهي لم تُرد أن تترك صديقتها الغالية نبوغ بعيدة عن عالم الأحلام الجميل ومتقوقعة تحت قبعة الأسى التي فرضتها على روحها. أحلام تلك التي لا تعتقد بكون قلب أي امرأة يكتفي بحب رجل واحد، ولذا فلم تتذوّق يوما علاقة بين رجل وامرأة تدوم طويلا، على عكس صديقتها نبوغ التي لم تُفرّط بفارس حلمها رغم كل الشقاء!

إلا أن النهاية المرجوّة بعد خروج السجين من سجنه تتفجّر، وتنقلب الموازين، إذ أن الحلم الذي انتظرته نبوغ طويلا تحقّق جزئيا ولكنه لم يكتمل بفعل زوجها وإرادته! ويثور البركان الذي لم يكن مُتوقّعا عندما أعلنت نبوغ بوجه مستبشر لزوجها أنها حامل بطفل آخر، إلا أن زوجها يُقابل الإستبشار بإستنفار ويأمرها بإجهاض جنينها لكون السجن قد أفقده الأمل ولم يعد قادرا على استقبال حيوات جديدة! وتزداد الحمم البركانية انتشارا عندما تأتي لحظة الفضيحة لتجد نبوغ زوجها الذي ضحّت من أجله اثني عشر عاما من عمرها وصديقتها أحلام التي كانت شقيقة روحها على سرير واحد! أغلى شخصين في حياتها يخونانها، بعد أسى دام اثنا عشر عاما!

إن النهاية صدمة حقيقية لأن العدل قد انمحق في موازين الرواية، فتلك الشخصية التي ضحّت وكدّت، لاقت عذابا فوق عذابها، أما من عذّبها فلم يلتفت إلى جرحها النازف ولم يُقابل إحسان زوجته إلا بالخيانة التعيسة، وأحلام تلك المُخلصة لصديقتها تحوّلت إلى قطعة إغراء جنسية ليصل صدى فتنتها إلى زوج صديقتها! فالجزاء لم يكن من جنس العمل وأنياب الغدر تكشّفت لمن يُحسن لأحبابه وكل المصطلحات الخدّاعة: "الصداقة"، "الإخلاص"، "الحب" ظهرت على حقيقتها! إن هذه الأحداث المؤلمة عكست الشخصيات رأسا على عقب: فنبوغ صارت تُفكّر بالخيانة، وأحلام صارت تُفكّر بالحب الوحيد، والسجين نسي إخلاص وحب زوجته بثانية وخانها دون تردد.