20.4.12

حوار الزنادقة





لمياء: لماذا لم تُصغِ إلى القصيدة التي ألقاها ذاك الشاب أمام عينيك؟ أتظنّه لم يلحظ إنشغالك عنه؟
سمير: من خالد؟
لمياء: نعم، إنه خالد، ماذا دهاك في تلك اللحظة؟ (تسأل وهي تنهض من مقامها)
طلال: لا بدّ أن كلامه لم يرُق لك أو أن مظهره لم يُعجبك أو ...
يرد سمير مقاطعا: ألم تسمع بـ "وحدة الوجود"(1)؟! لقد اتحدّت في تلك الدقيقة مع خالقي فنسيت من حولي! إنها لحظة سحرية لا يحظى بها كثير من الناس!
لمياء: كُفّ عن المزاح وتكلّم كلاما يمكن فهمه!
سمير: دعونا نستريح قليلا من التفكير، فلقد مكثنا في قاعة الإختبارات ثلاث ساعات متواصلة، وقابلنا أكثر من عشرين متسابقا! (يقول وهو يُشعل سيجارته)
طلال: فعلا كانت بداية يوم صعبة، ولكن بقي أمامنا ثلاث ساعات إضافية. ماذا عسانا نقول؟! أما فيما يتعلّق بخالد فأنا أرى ما رأته لمياء أن تصرفك لم يكن لائقا! كيف لك أن تنشغل بهاتفك النقال وأحدهم ينتظر تقييمك؟!
***
سمير: في الحقيقة أنا لا أفهم كيف يُفكّر هؤلاء الأشخاص؟! هم في حُلُم بعيد عن الواقع! نحن في القرن الواحد والعشرين وما زال من يقول لي أن الكون يحتاج إلى إله؟! (يقول قوله ويبصق على الأرض)
طلال: ولكن يا سمير عليك أن تقبل من يختلف معك في الرأي! كيف لك أن لا تقبل غيرك وأنت تدّعي التحرّر والديمقراطية والمساواة؟
سمير: نعم أنت محق ولكني لا أستطيع سماع ذاك الهراء. إن العلم وحده يكفي لتفسير كل كوننا وما به من تعقيد وإن عجز العلم عن تفسير شيء في الوقت الحالي فإنه سيصل إلى فك رموزه يوما من الأيام لا محالة. المسألة مسألة وقت لا أكثر! أتذكر عندما قال المتديّنون أن الله هو الذي يُنزل الطاعون والأوبئة بالبشر؟ لكنّ العلم أثبت فيما بعد أن الجراثيم هي المسئولة عن كثير من الأمراض.
طلال: أنا لا أُريد أن أُجادلك في إلحادك ولكن بالنسبة للطاعون فإن العلم والدين لا يتعارضان، إذ أن الله هو المُسبب والجراثيم هي حلقة الوصل والناتج هو الأمراض. ألا يبدو لك هذا التفسير منطقيا؟
سمير: المنطقي أن كوننا ليس بحاجة إلى إله، لأن الأمور تسير بدونه، ولو افترضنا أن الإله خلق الكون، فما هي وظيفته بعد ذلك بعد أن دبّت قوانين الحياة في الكوكب؟ شاهد كم نعلم عن عمل المخ والعقل وجزيء الـ DNA وفيزياء الكم والنانوتكنولوجيا ونقل المعلومة بسرعة الريح والأقمار الإصطناعية و ... (تأتي لمياء فيوقُف كلامه)
***
لمياء: لماذا أنتم صامتون؟ أتتئمّلون جمال هذا اليوم الربيعي؟ (تأتي وهي تحمل كأس شراب أحمر)
طلال: نتأمّل أفكار سمير الإلحادية متناسين إعجاز الله في خلق تلك السماء الزرقاء وخلق البحار والأنهار ومتناسين خلق أنفسنا. ألم تسمعوا ببرهان التصميم وبالمبدأ البشري(2+3)؟
لمياء: إذا هذا سبب رفضه لموهبة خالد رغم كونها من أجمل ما رأينا اليوم! (تقول وهي تقترب من الفسحة بينهما رافعة رجلها على المقعد)
سمير: ما إن تحرّر العالم من إضطهاد الكنيسة وصارت الثورة العلمية، حتى عاد المتديّنون لحماقاتهم، فهم يريدون إعادة الدولاب إلى الوراء، ويُصرّون على أن العلم جزء من الحقيقة، في حين أنه الحقيقة كلها! أنا لا أفهم كيف يعيش ذاك الشاب مع وهم الإله وتأثير الصلوات!
لمياء: كما تعيش أنت مع أفكارك بسلام وإن كنت أراك اليوم مضطربا، فكذلك هو يعيش بسلام، وكُلٌ فرح بعالمه الخاص. فلماذا يشغلك هذا الموضوع بالذات؟
سمير: "الدين أفيون الشعوب" يا لمياء. أنسيتِ إقتباسك الشهير؟
لمياء: لا لم أنسَ ولن أنسى هذا القول لأني أؤمن به، ولكنه لا ينبغي الخروج عن المهنية والحكم على الشخص بإنعدام الموهبة بسبب إنتمائه للإسلام؟
***
طلال: أراكما تخوضان في عمق الحدث. دعكم من خالد وشأنه! أنا شخصيا أزور المسجد مرة واحدة في الأسبوع، وأشعر براحة كبيرة كل مرة بعد صلاة الجمعة، فكيف لو زرته خمس مرات في اليوم؟ (يقول طلال وهو يضحك)
لمياء: رغم كوني من أنصار الدين الطبيعي(4)، ولكني لا أجعل ذلك يؤثّر على حُكمي الموضوعي!
سمير: الموضوعية وهمٌ وكلّنا صدّقناه!
طلال: على الأقل فهي ليست بحجم الوهم الذي تعيشه يا حضرة المُلحد! (يقولها طلال ضاحكا ويقوم من مكانه)
لمياء: هيا لندخل قاعة الإختبارات مجدّدا فقد انتهى وقت الإستراحة، وأنت يا سمير لا تجعل تعصّبك لفكرتك يُخرجك من وظيفتك التي لأجلها أنت هنا.
سمير: حسن، سأحاول، فقد بدأت أُدرك سوء تصرّفي مع خالد، سأحاول إرتداء القناع الذي يُظهرني ودودا مع المتدينين رغم أني أحمل لهم في قلبي رسائل كراهية، ولكن لا تقلقوا سأحجم نفسي! (يضحك هو ويضحك الجميع، يرمي سيجارته ويدخلون القاعة)
______________________________________________
(1) وحدة الوجود: هي النظرة التي تقول أن الكون (الطبيعة) والله هما واحد.
(2) برهان التصميم: فحواه أن نشأة الكون من عدم وبُنية الكون وقوانينه يدلان على وجود المصمم الذكي أي الإله.  
(3) المبدأ البشري: فحواه أنه تم بناء الكون على هيئة تجعله ملائما تماما لنشأة الإنسان.
(4) الديانة الطبيعية: مذهب فكري، يدعو إلى الإيمان بدين مبني على العقل، لا على الوحي، ويعرف كذلك بمذهب الربوبية.