28.8.12

65 دقيقة!


إنها البشارة التي تأتي من إشارة، وهي الحكاية التي تأخذك إلى النهاية، رغم أنك ما زلت في البداية! إنها العلم بعد الجهل!

أنطلق في مسار بين أكناف الطبيعة متحمّسا ومنسجما مع أول سحور الأشجار والوديان، وإذ بي أتذكّر أني لا أدري! فمن يُعلمني؟! فلست أدري كم هو طول المسار الذي سأمشيه! هل سأمشي ساعة أم ساعتين أم سأبيت ليلتي هنا؟ يا إلهي ما أبغض الجهل! وبينا أنا كذلك إذ طالعتني لافتة شامخة لتخرجني من حيرتي ومن جهلي ومن الظلام إلى النور! هل سقطت من السماء في هذه اللحظة لتطمئن فؤادي أم إنها سئمت ركودها في نفس المكان؟

إنها 65 دقيقة باقية والسهم يؤكّد مسيرتي الفطرية، فهل يُعقل أن يكون لمثل هذه اللافتة الحقيرة مثل هذا الأثر في نفسي؟ من وضعها في مكانها؟ كيف حسبوا الدقائق إلى نهاية المسار؟ هل هي بسرعة شاب أم بزحف شيخ عجوز؟ أوف، ما بالي أحيد عن صلب الموضوع!

من الجدير ذكره أني رأيت لمثل هذه اللافتة شقيقات كثيرات على طول الطريق، وإنها بمثابة علامات يهتدي بها السائر في طريقه، ولا بأس أن يُضيف الإنسان علامات يهدي بها الناس إلى سواء الصراط، وليس القصد مضاهاة علامات النجوم وإنما الإحسان هو المراد. الأسهم هي إشارات بدائية لا تسقطنا أرضا من وَقْعها على أهميتها، ولكنّ وجود 65 دقيقة على اللافتة هي شيء آخر، فلولا أهمية الوقت عند هؤلاء القوم لما اهتمّوا بموضوع الدقائق المتبقيّة لنهاية المسار، ولو لم يفهموا معنى كل دقيقة في حياة الإنسان لما أضاعوا وقتهم في حساب الدقائق المتبقية.

ومن ثم فلماذا وضعوا الدقائق ولم يضعوا المترات المتبقية؟ إن القصد من ذلك التيسير والتبسيط ومراعاة النفس الإنسانية، فالنفس تحبّ العلم وتكره الجهل وتحب السيطرة على الأمور وتكره أن تكون ضائعة، فلو أنهم كتبوا بقي 500 متر لما استفدنا شيئا ولاحتجنا إلى أن نعرف سرعتنا وورقة وقلم لحساب الزمن المتبقي. علينا أن نتذكّر أخيرا أن الزمن يرافقنا في كل وقت وزمن، ولذا فمن الطبيعي أن يكون معنا في رحلاتنا كما في جلساتنا.