2.2.15

ما الذي يمنعك أن تؤمن ؟


يظنّ البعض أنه عندما يؤمن كل واحد منا بدين مختلف وعندما يُظهر شخصيته الدينية على الملأ فإن ذلك سيزيد من حدّة التوتّر بين أبناء الصفّ الواحد وسيُعمّق من الفُرقة، وليس هذا صحيحا. ان الفُرقة تحدث عندما نُمارس الدين بصورة عوجاء، بلهاء وهوجاء! ولو مارس العرب الدين بروح "أنا مؤمن بما أنا مؤمن به، وأحترم ما تؤمن به أنت" لصار الدين صفة تجمع جُلّ العرب في صفّ واحد. وهذا ما لخّصه الإسلام في: "لكم دينكم ولي دين". بمعنى أن الأديان في روحها لا تدفع بالإنسان الى مقاتلة واحتقار المختلفين، ولكن الفهم الأعوج هو الذي يوصل الى هذا المطبّ! كيف للأديان التي تدعو الى الرُقيّ الأخلاقي والى اخراج ما في الإنسان من خير والى الروحانية والتسامي على المادية، كيف لها أن تدعو الى التقاتل؟!

والأديان السماوية تَجْمَع لأنها تتفق جميعها على وجود قوى ما ورائية غيبية عدا عما نلتقطه من أشياء، وكل هذه الأديان يتجّه الى السماء، الى الله الخالق، وكلها يدعو الى التسامي الروحي والأخلاقي. فكيف لها أن تُفرّق؟ بل على العكس، اذ يمكن أن يحدث تلاقح ايجابي اذا ما اطّلع كل واحد على منطق الآخر دونما أحكام مُسبقة. ان التقاء هذه الأديان لهو شيء مثير للاهتمام وللفضول ولكننا نحن من جعلناه لقاء مخيفا غريبا وأحيانا مستحيلا!

ولو تمّعنا في الواقع لوجدنا الاختلاف بين بني البشر في كل مكان، فأي حياة مملّة ستكون حياتنا لو كنا نُسخا عن بعضنا؟ أبناء نفس العائلة، أحدهم يتعلّم الطبّ والآخر يتعلّم الكيمياء وثالثهم يتعلّم علوم الحاسوب، ولنفرض أن كل واحد سيكمل حياته في موضوع تعليمه ونعرف في علم النفس مدى تأثير موضوع التعليم أو العمل على شخصية الإنسان، أفلهذا الاختلاف يجب أن يتباغض الإخوة ويتقاتلوا؟ سيقال عنهم مجانين ان فعلوا!    

سيقول لك أحدهم: انكم تُكفّرون بعضكم بعضا، فكيف لأديانكم أن تجمعكم؟

والجواب على مثل هذا السؤال يبدأ من البحث في معنى الكفر. لماذا تؤلمنا كلمة كفر الى هذا الحد؟ ان الكفر هو ضد الإيمان. فالمسلم مؤمن بما يُمليه عليه دينه، كافر (أي غير مؤمن) بما يتعارض معه، والمسيحي مؤمن بما يُمليه عليه دينه، كافر (أي غير مؤمن) بما يتعارض معه. يقول تعالى في كتابه العزيز: "فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا". فكلنا مؤمن بأشياء وكافر بأشياء أخرى.

أما عندما يصف دين معين مخالفينه بالكفر، فهذا أيضا لا يجب أن يخضّنا ما دام أن الشخص مؤمن بذلك في قرارة نفسه دون أن يُؤذي الآخرين. ان ذلك ليس غريبا فكل اطار يضع له حدودا، ومن لا يندرج فيها يخرج من الاطار، تماما كالقانون الذي يضع قوانينا فمن يخالفه يُسمّى مخالِفا أو مُجرما. والقانون يمكن أن يختلف من دولة الى دولة والعقاب كذلك، كالأديان تختلف ويختلف فيها تعريف الكفر. فالإسلام يعتبر كل من يقول بالتثليث غير مؤمن به (أي كافر به) والمسيحية تعتبر كل من لا يقول بالصليب غير مؤمن بها كذلك (كافر بها). لكن هل يضرّ ايمانك (الذي تؤمن به في قرارة نفسك) بالآخر؟ المفروض أنه لا يضرّ، لكن أن تصير تنادي الآخر كافرا أو تتهكّم على دينه أو تحتقره فعند ذلك يضرّ ايمانك بالآخر ووقتها يكون ايمانا منقوصا!

ان صحوتنا لا يجب أن تفتقد الى صحوة دينية، فنحن ندعو الى اصلاح سياسي، اصلاح اجتماعي واصلاح ديني كذلك. ولا يجب أن نظنّ بعد كل هذا أن ابراز مظاهر التديّن تُبعدنا عن اللُّحمة، فإن كان مظهر الحجاب يُصيبنا بالإحراج أو بعدم الراحة أو أن مظهر الصليب يُصيبنا بشعور مماثل، فكل ذلك يعود الى الأفهام الخاطئة التي ذُوّتت داخلنا وبالتالي نجم عنها مشاعر سلبية تجاه الآخر كمثل الكراهية والبغضاء. ان هذه المظاهر كما المفاهيم التي نؤمن بها لا يجب أن تُحرجنا ولا أن تُبعدنا عن بعضنا، وانما ينبغي أن تكون جسورا للتعرّف على بعضنا البعض.