15.6.14

قل لمن يدّعي في علم النفس فلسفة حفظت شيئا وغابت عنك أشياء – الحلقة الرابعة


كيف يُغيّر الإيمان بالله المخ؟

في عام 2009، أصدر مركز أبحاث المخ والدراسات الروحية، بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة، والذي يترأسه د. آندرو نيوبرج، كتابا رائعا بعنوان: كيف يُغيّر الإيمان بالله المخ؟ How God Changes your Brain.

ويقوم الكتاب على الأبحاث التي أجراها المركز على أعداد من المؤمنين بديانات مختلفة (البوذية-الهندوسية-المسيحية-الإسلام)، وذلك بإستخدام التقنيات الإشعاعية الحديثة، لمعرفة تأثير المشاعر الدينية والروحية على وظيفة ونشاط المخ!

وقد خرج الكتاب بالنتائج الأربع التالية:

1- إن الإيمان بإله رحيم (وليس بإله يتصيد الأخطاء ويتوعدنا بالجحيم)، كفيل بأن يقلل القلق والإكتئاب والتوتر، وأن يزيد شعورنا بالحب والأمان.

2- إن الصلاة والتفكّر والتأمل بإخلاص وعمق كفيل بإحداث تغييرات صحية في وظيفة ونشاط المخ، يصحبها سمو في قيم الإنسان وفي نظرته للحياة.

3- لا يقف تأثير الصلاة والممارسات الروحية على خفض معدل وحدّة ما يصيب الإنسان من توترات، بل إن القيام بهذه الممارسات لمدة عشرين دقيقة في اليوم كفيلة بأن تبطئ من اقتراب الشيخوخة.

4- إن ما يتبناه المتطرفون الدينيون من أفكار، يورثهم القلق والتحفز للآخرين، كما يُحدث تدميرا للخلايا العصبية بالمخ.

 المصدر: نقلا عن كتاب رحلة عقل للدكتور عمرو شريف.

قل لمن يدّعي في علم النفس فلسفة حفظت شيئا وغابت عنك أشياء – الحلقة الثالثة


جين الألوهية The God Gene

يخبرنا دين هامر Dean Hamer (رئيس وحدة أبحاث الجينات بالمعهد القومي للسرطان بالولايات المتحدة) أن الإنسان يرث مجموعة من الجينات التي تجعله مستعدا لتقبّل مفاهيم الألوهية والدين God Gene Hypothesis.

وقد خرج هامر بهذا المفهوم بناء على الأبحاث التي أجراها على جينات السلوك، وعلى دراسات بيولوجيا الأعصاب وعلم النفس. ونشر نتيجة هذه الأبحاث في كتابه The God Gene: How faith is Hardwired in our genes، عام 2004.

وكما تتوقّع، واجه كتاب دين هامر "جين الألوهية" معارضات من بعض الأوساط العلمية. وربما يرجع ذلك إلى اسم الكتاب الذي استفزّ الماديين، بالرغم من أن ما يطرحه من مفاهيم علمية ليس بجديد!

فقبل كتاب دين هامر بعشرين سنة، طرح كلود كلوننجر Claud R. Cloninger (أستاذ علم النفس والطب النفسي وعلوم الوراثة بجامعة واشنطن) "نظرية المزاجات والأخلاق الوراثية" والتي صارت من المفاهيم الثابتة في الأوساط العلمية.

في هذه النظرية، طرح كلوننجر ثلاث مجموعات من الأخلاق الوراثية (تمهد جيناتنا للتخلق بها) التي تحدد ميول البشر الإنسانية والأخلاقية والروحية. وهذه المجموعات هي:

1) مصداقية الذات Self-Directedness: وتشمل وضوح الأهداف Purposefulness، وكَوْن الإنسان أهلا للثقة Reliable (وهي صفات خاصة بشخصية الإنسان).

2) التعاون Cooperativeness: وتشمل استعداد الإنسان لمساعدة الآخرين Helpful، وتحمّلهم Tolerant والعزوف عن الإنتقام Non-Revengeful (وهي صفات تحكم تعامل الإنسان مع الآخرين).

3- تجاوز الذات (السمو النفسي) Self-Transcendence ويشمل الميول الروحية Spiritualness والإبداع Creativity وإنكار الذات Self-forgetfulness والبعد عن المادية Non-Materialism (وهي صفات خاصة بالمفاهيم العلوية).

وتقوم جينات معينة (في الجنين وفي مرحلة الطفولة) بتكوين الدوائر العصبية المسؤولة عن هذه الصفات في المراكز الخاصة بالتعلم وبالمفاهيم المُسبقة في القشرة المخية الحديثة Neocortex، التي يتميز بها الإنسان عن باقي الثديات.

وإذا تأمّلنا هذه المجموعات الثلاث من الأخلاق، وجدنا أنها تمثل الأساس النفسي لفطرة التدين وفطرة المنظومة الأخلاقية في الإنسان. ثم تقوم التربية بتنمية هذه التوجهات.

ويؤمن د. كلوننجر أنه ينبغي أن ننظر إلى الإنسان كوجود متكامل (جسم-عقل-نفس-روح). وينبغي عند دراسة الشخصية معرفة حدود كل من هذه المكونات الأربعة، وتحديد العلاقة بينها.

كما يؤمن أن الإنسان يستطيع أن يصير أفضل عقليا وروحيا بالتدريبات العقلية والروحية، كالتفكّر والتأمل والصلاة ومجاهدة النفس، تماما كما يبني جسمه بالتمرينات الرياضية. 

المصدر: نقلا عن كتاب رحلة عقل للدكتور عمرو شريف.

أبيات شعرية بعنوان أم القرى تتكلم


أم القرى تتكلم وكلامها الدُرر *** وهل جائك يا مسلم من مثل هذا الخبر

هي سِحر القلوب وجمالها القمر *** ولسنا نحيد عن قبلتنا ولا نخون القدر

وتُنادي هلّموا إليّ ولا تنسَوني *** وهل ننسى حبّ رسولنا المُعتبر

وتقول وقولها الفصل الجلل المُنتظر *** وهل نجادل موطن خير البشر

السفر يهونُ من شوقنا للحبيب والعناء *** ونحن لا نُجيد البُعد وجفاء الحجر

مقدّمات العنف وأسبابه


إذا نظرنا إلى حال مجتمعنا العربي فإننا نرى أن العنف قد استشرس فيه واستفحل، حتى صار الأمان معدوما في كل قرية مهما صغُرت، ولم تسلم أي منطقة من جريمة فظيعة يندى لها الجبين ويتأسّف على اقترافها كل العقلاء وغالبية لجان الإصلاح، وتُنظّم المظاهرات والوقفات والندوات ولكن دون تغيير جذري. فما الذي يُعتبر عنفا؟ وما هي أسباب انتشاره؟ وما هو الحل المطلوب؟

العنف هو الخرق بالأمر وقلّة الرفق به، وهو ضد الرفق (لسان العرب)، ولذا فليس القتل وحده عنفا، وليس الضرب فقط، وإنما مفهوم العنف هو أوسع وأشمل. يمكننا تعريف العنف من عدّة وجهات نظر كالنظرة الإجتماعية، النظرة الدينية، النظرة القانونية وغيرها، ولكن لتبسيط الأمر فإنني سأتخذ وجهة النظر الإجتماعية النفسية. في هذه المقالة سوف أعرض آخر ما توصّل إليه علم النفس الحديث ومن ثم سأحاول تقريب النظرية من واقع حياتنا في مقالة منفردة.

العنف (אלימות) والعدوان (תוקפנות) هما مصطلحان قريبان من بعضهما بالمعنى ولذا فلن أتوقّف كثيرا عند الفرق بينهما، وسأكتفي بالقول أن العدوان هو الشيء الكامن والعنف هو العملية نفسها على أرض الواقع. يمكن تعريف العدوان (Aggression) بأنه قصد إحداث ضرر. كما يمكن تقسيم العنف أو العدوان إلى نوعين أساسيين: عنف مُعادي (Hostile Aggression)، والذي يهدف بشكل أساسي الى إحداث ضرر للضحية، وكذلك إلى عنف وسيلي أو أداتي (Instrumental Aggression)، والذي لا يهدف لإحداث ضرر بالمقام الأول ولكن لتحقيق هدف آخر.

هناك عدة توجّهات نظرية أساسية لتفسير ظاهرة العنف:

1) توجّهات غرائزية (אינסטינקטואליות): وفقا لهذه التوجّهات، فإن العنف أو العدوان هو جزء لا يتجزّأ من طبيعة الإنسان. وفقا لفرويد، ينبع العنف من "غريزة الموت" التي تظهر بصورتها الأولية كأنها موجّه إلى الداخل (لتدمير الذات) ومن ثم تتجّه إلى الخارج. توجّهات أخرى تقول أن مصدر العنف هو غريزة قتال من أجل الحصول على أرباح (مثل البقاء، المحافظة على النفوذ أو الموارد). التيار الإجتماعي البيولوجي يفسّر العنف على أساس أنه نابع من الإختيار الطبيعي والذي وفقا له فإن القوي هو الذي يبقى (على سبيل المثال، العنف يساعد الذكور الأقوياء للحصول على الأنثى للتكاثر). التوجّهات الغرائزية للعنف موجودة في موضع شك عند الباحثين، وأحد الأسباب لذلك هو وجود فروقات بين الثقافات المختلفة في موضوع العنف.

2)  نظريات بيولوجية: تصرّف عدواني يتأثّر من مستويات التستسترون في الجسم أو من خلل معيّن في آليات عصبية.

3) نظريات الدفع (Drive theories): العنف ينبع من حافز خارجي للإضرار بالآخر، بشكل عام على أثر إحباط ناجم عن الاضرار بسلوك له هدف معين. على سبيل المثال، وفقا للصياغة الأولى لفرضية إحباط-عنف (Frustrtion-Aggression Hypothesis) لدولارد، فإن الإحباط دائما يودي إلى العنف، ومن هنا فإن العنف ينبع دائما من الإحباط. لكن اليوم يعتقد كثير من الباحثين أن الشعور الغير جيد (الإحباط) هو فقط إحدى العوامل المؤدّية للعنف وذلك على أساس العلاقة بين الشعور السلبي والعنف.

4) نظرية التعلّم الإجتماعي ((Social Learning: العنف، مثل أي تصرّف آخر، يُكتسب عن طريق تجربة مباشرة أو غير مباشرة. هذا التوجّه يزوّدنا بتفسير للفروقات بين الثقافات المختلفة في مدى انتشار العنف (على سبيل المثال، الثقافات تختلف بالطرق للتعبير عن العنف وبالحوافز التي تؤدي للعنف).

5) نظريات إدراكية: قوة ردة الفعل العدوانية تتأثر من دمج المزاج وعوامل إداركية (أفكار، ذكريات، تقييمات للوضع الحالي وغيرها).

أسباب العنف:

هناك عدة أسباب التي من الممكن أن تفضي إلى ردة فعل عدوانية، أو إلى زيادة في مستويات العنف:

1) إثارة أو استفزاز مباشر: إثارة من قبل الآخرين والتي تُفسّر أحيانا بأنها مقصودة.

2) التعرّض للعنف في وسائل الإتصال المختلفة.

3) تنبّه زائد (עוררות מוגברת): مستويات يقظة عالية يمكن أن تؤدّي إلى تصرّف عدواني كردة فعل للإحباط أو للإثارة.

اليقظة والغيرة الجنسية

مستويات منخفضة من اليقظة الجنسية، المُصطحبة بشعور جيد، تؤدّي لتقليل التصرّف العدواني. بالمقابل، مستويات مرتفعة من اليقظة الجنسية تزيد من العنف. سبب مركزي لظهور العنف هي الغيرة الجنسية (Sexual Jealousy) وهي شعور بتهديد يُحيط بعلاقة عاطفية بسبب تنافس على الجنس الآخر. الأبحاث أثبتت أنه في الحالات هذه الأنثى تميل للرد بعدوانية أكثر من الذكر.

متغيّرات شخصية: هناك صفات شخصية مرتبطة بالتصرف العدواني أكثر من غيرها:

شخصية من نوع A أو B: هناك أناس تنافسيون (תחרותיים) بشكل خاص، الموجودن دائما تحت ضغط الوقت ويبثّون العداء، هؤلاء يُعرّفون كأصحاب شخصية من نوع A. بالمقابل، أشخاص ذوو شخصية B هادئون ولا يفقدون هدوئهم بسهولة. وفقا لهذا التعريف، فإن أصحاب شخصية A يُظهرون عدوانية أكثر مقارنة بذوي شخصية B. العدوانية التي يُظهرها أصحاب شخصية A تكون بالأساس عدوانية مُعادية والتي تهدف الى الحاق الضرر بالآخر.

الفروق بين الجنسين

بشكل عام، الرجال عدوانيون أكثر من النساء، لكن الأمر يختلف وفقا للحالة ولطابع العدوان. التفسيرات للفروق بين الجنسين تتطرّق لعوامل بيولوجية (مستوى عال من التستوستيرون عند الرجال يساهم في العدوانية) ولعوامل اجتماعية (على سبيل المثال، توقّعات المجتمع من الرجال أن يكونوا أكثر صرامة من النساء).

تجدر الإشارة الى أن الرجال عنيفين أكثر من النساء من ناحية سلوكية، الا أن النساء أكثر عنفا من ناحية كلامية (كما يظهر بالنميمة والإهانات).

ادراك قصد الآخر

كما الحال في تفسيرات اجتماعية أخرى، فإنه أيضا في حال العدوانية هناك ميل للوقوع في خطأ العزو (טעות ייחוס). انحياز العزو العدواني (Hostile Attribution Bias) هي الميل لإدراك أعمال وتصرّفات الآخر على أنها تنبع من محفّزات عدوانية وعنيفة، أيضا في الحالة التي لا يكون فيها الوضع كذلك. الأشخاص الذين يقعون في هذا الميل يفترضون أن أعمال الآخرين موجّهة ضدهم، ولذا فهم يردّون بصورة عدوانية.

وسائل لمحاربة العدوانية

هناك عدة تقنيات ناجعة للتقليل من العدوانية:

1.   العقاب: اعطاء ردود فعل مُخيفة بهدف التقليص من اظهار العدوانية. العقاب يكون ناجعا بتحقّق بعض الشروط: أ. على العقاب أن يُعطى بصورة منهجية في كل الحالات التي تستدعي عقابا من النوع المُحدّد. ب. عليه أن يُعطى فور اظهار العدوانية. ج. عليه أن يكون مُعتبرا في نظر المُعاقَب. د. عليه أن يُفهم كمُستحقّ في نظر المُعاقَب.

2.   التنفيس: وفقا لفرضية التنفيس (Catharsis Hypothesis)، فإنه عندما يُخرج الأشخاص الضغط والعدوانية بصورة غير مُؤذية (عن طريق الرياضة مثلا)، فإن ميولهم لإظهار العدوانية بطرق مُؤذية ستقلّ.

3.   التقليد: كما يتواجد ميل لتقليد العدوانية، فإن هناك ميل لتقليد التصرّفات الغير عدوانية. عندما ينكشف الأشخاص الذي يميلون للعدوانية لأشخاص هادئين، فإن ميلهم للعدوانية سيقلّ.

4.   مهارات اجتماعية: اكساب مهارات اجتماعية كطريقة اضافية للتعبير عن الذات، عدا العدوانية.

5.   تفعيل أحاسيس الآخرين عدا العدوانية: بسبب صعوبة الدخول في حالتين عاطفيتين متعاكستين، أو ردود فعل غير متلائمة (Incompatible Responses)، فإن تفعيل الأحاسيس الإيجابية سيؤدّي الى التقليل من أحاسيس العدوان والتصرّفات العدوانية.

المصدر: مُترجَم باستثناء الفقرتين الأوليّتين  

طنّانة رنّانة بلا معنى!


إن الهدف الأسمى من وراء نشر مقال أو منشور أو قصة قصيرة أو رواية أو قصيدة شعرية هو تمرير أفكار معينة إلى القارئ وذلك من أجل التأثير عليه وإفادته بالصورة التي يراها الكاتب مناسبة. وقد ساعدت الكتابة ووسائل الإتصال الحديثة على نقل المعلومة من أي شخص في العالم إلى جمهور واسع مهما بَعُدَ فيزيائيا. لذا فإن كل نوع من الكتابة لا يقوم بتمرير الفكرة المراد تمريرها أو يُمرّر فكرة غير مرغوبة وغير مقصودة فإنها تحتاج إلى إعادة صياغة من جديد. إذا ففحوى الكتابة هي الأساس وليست الكلمات الطنّانة الرنّانة التي تُلخبط القارئ المتوسّط، وليس السجع وليست القافية وليس الوزن هو الأساس. بإختصار ليست الشكليات هي الأساس وإن كانت مهمة ولكن الأساس هو الجوهر والذي يتمثّل هنا بالفحوى.

لكن عندما نتطلّع إلى الواقع نرى الشكليات تأخذ أهمية أكثر من تلك التي تستحقّها وربما يُغلّبها البعض على الجوهر، فنرى الناس يُصدرون البيانات التي تحمل كلمات في مستوى راقٍ، ولكن إذا دقّقنا النظر في تركيب الجملة والمعنى الذي تبثّه إلينا فإننا نفهم أحيانا العكس من المقصود، وذلك لأنّ الكاتب فضّل استعمال كلمات طنّانة رنّانة ليلفت الأنظار ويُري العالم حجم ثقافته الواسع وربما جدّية وصدق أقواله، ولكنّ أغلب اللفظ لم يكن في مكانه وذاك جاء على حساب الأهم وهو الجوهر. إن هذا يرتبط بالسطحية التي طغت على مجتمعنا العربي، فترى الناس يتحدّثون كثيرا عن المظهر الخارجي أو هم متأثّرين به متجاهلين فكر الإنسان وما لا يظهر بلقاء أو اثنين، وما أسرع الأحكام التي يُطلقونها دون التعمّق في الشخصية والفكر والمواهب المكنونة. تجدر الإشارة إلى أن هناك زيادة ملحوظة في الإلتفات إلى الجوهر مقارنة بالسنوات السابقة ولكن ما زالت الشكليات مُسيطرة.

إن هذه اللامبالاة في الدقة اللغوية وترك التعبير البسيط يمكن أن تنبع من عدة أسباب، منها:

1) فرضية مُسبقة أن المجتمع العربي لن يقرأ كل التفاصيل ولن يتعمّق في الفهم وقراءة ما وراء السطور، ذلك لأن المجتمع العربي ليس قارئا وفي أحسن الأحوال سينظر إلى المنشور عدد قليل وسيقرئه الأغلب قراءة سطحية سريعة دون تعمّق.

2) محاولة إدخال المعرفة المُكتسبة من هنا وهناك بالقوّة في النص البسيط، فكأنّما يلتقط الناشر من كل بستان زهرة ليُبدي مدى إطلاعه وثقافته.

3) الإستعجال: فلا مُراجعة جدّية للنص بعد كتابته في أغلب الأحيان، مما يترك مهمة مراجعة النص على القارئ. يقول ربنا جلّ وعلا: "وكان الإنسان عجولا".

4) شعارات طنّانة رنّانة تجذب الأنظار، في حين أن أغلبها يبقى في حيّز التنظير ولا يصل إلى التنفيذ.

إن النهج العلمي مبني على الوضوح وإختيار الطريقة الأيسر لتفسير الظواهر في حال أن كلا التفسيرين منطقي، ولذا فإننا نقول – رغم أننا نرى الفرق بين الحديث الشعبي والعلمي ولكن لا مانع أن يتحلّى الشعبي بوضوح لفظ العلمي - أنه من الواجب إستخدام الجملة الواضحة التي لا تحتمل تفسيرات كثيرة غير المعنى المقصود، ومن الواجب أيضا الإبتعاد قدر الإمكان عن التكلّف لأنّ الأهم هو وصول الفكرة إلى الجمهور الواسع. لذا فمن الواجب ملائمة الكتابة لجمهور الهدف، فإن كان منشورا لعامة الناس يجدُر به أن يكون بسيطا وواضحا لكل قارئ، أما إن كانت رواية فيمكن أن تكون على مستوى أعلى وأن تدمج الإستعارات والتشبيهات وكل أنواع البلاغة اللغوية لكن ذلك لا يعفيها من واجب وضوح القصد. 
كُتب منذ زمن 

يا قتلة الفن كفاكم !


في أحد الأيام التي لا تُنسى لوقع أثرها استوقفني خبر عادي لأوّل وهلة، ولكنّه شدّني لكونه مما حُبّب إليّ، فأخذت أجول في سطوره يُمنة ويسرة وأتفقّد الصور المرفقة وأطالع بعضا من تعليقات الجمهور على الحدث، إلى أن هالني وصدمني نقاش لاذع حول تحريم مثل هذا العمل الفني الذي لا يبث فُحشا أو رذيلة أو شرا. عندها أدركت ضرورة طرح مثل هذا الموضوع على الملأ، لبيان مدى خطورة الأمر في مثل هذا العصر الذي برز فيه الفن وعلا شأنه وازدهر.

إنّ ما نلاحظه في عالمنا الإسلامي هو إماتة الفن وتعطيله وكأنّه ليس من شأن المسلمين، مع أنّ الإسلام شامل وقد جاء رحمة للعالمين وليس ليشقّ على الناس، فالفن هو أدب راقي يحرّك المشاعر ويشدّ الانتباه ويقرّب المعاني ويزيدنا متعة وهو بمثابة فُسحة يمكنها أن تسخّر لعبادة الله. إذا فلماذا هذا الهجوم المسلّح على الفن وخاصة الغناء الملتزم؟! ولماذا نحرّم ما أحلّ الله بأبسط الجمل وأيسر الطرق دون تفكير إضافي؟! أهو الخوف الزائد أم رهبانية ابتدعها الناس أم هروب من النقاش والبحث؟!

إنّ الحلال بيّن والحرام بيّن ولذا فإنّنا نكاد نجمع على قذارة واستحقار أو على جمال وحلّ ورونق غالبية الأمور، ولكن تبقى الأمور المشتبهات والتي تحتاج إلى بحث علماء الأمة ونقاش موضوعي حضاري للوصول إلى جواب مقبول، ليتسنّى لكل مسلم أن يعرف يمناه من يسراه في عصر تفجّر المعلومات. لذا فإنّ ما يُقال له الفن الهابط في أيامنا هو ليس فنّا أصلا وربّما يكون سيطرة مثل هذا النوع من الفن على الإعلام هو سبب رئيسي من أسباب تراجع الإسلاميين وانسحابهم من الساحة الفنية الراقية في جوهرها، مع أنّ أعظم حضارة في الأندلس لم تخلُ يوما من جوانب الفن. وهنا تكمن المشكلة، فبهذا التراجع يتم فسح المجال للا فن  ويضمحل شأن المسلمين في هذا الباب ويقل تأثيرهم وبالتالي لا يصل صدى الإسلام الذي هو في الأصل دين العالمين إلى حيز الظهور والبروز على الشاشات.

من السهل أن أقول لك إنّ هذا الأمر حرام فإياك منه مع أنّه لا يوجد نص صريح يشهد بتحريمه، ولكن ربّما يكون هذا الجواب القاطع تنصّل من المسؤولية و"أقل وجع رأس" كما يقولون. إلا أنّ تحريم أمر كهذا هو جد خطير لأنّه عندها تُحرم أمة كاملة من أمر ربّما يكون في منزلة المشتبهات وبذلك يتم إلغاء هذا المجال أو ذاك من قاموس الأمة، والله أعلم بعواقب الأمور لأنّ العالم اليوم موجود بين يدي كل فرد من خلال الإعلام والشبكة العنكبوتية وكما هو معلوم فإنّ الجوع يولّد الشراهة.

أنا أظن أنّ كثيرا من القضايا المعاصرة تحتاج إلى دراسة أساسية من خلال مجلس إفتاء عالمي يشمل علماء مسلمين من جميع أطياف المعمورة، وعندما أقول علماء لا أقصد فقط علماء الشريعة وإنّما نحتاج في مثل هذه الجلسات والندوات والنقاشات إلى أصحاب التخصّصات المختلفة وخاصة علماء النفس وعلماء الإجتماع والذين من شأنهم أن يعرضوا إيجابات وسلبيات منع وتحريم أمر معين. الفتوى التي تصدر ولا يتم نشرها على الملأ هي موقوفة التنفيذ في أغلب الأحيان لأنها لا تصل إلى مسامع عامة الشعب ولذا كان من الضروري نشر الفتاوى الصادرة على الإعلام الواسع وليس هذا الأمر مستحيلا.

وإذا ما أردت أن أتركّز في عالم الفن، فالغناء على سبيل المثال يعجّ هذه الأيام بوابل من الأناشيد الدينية والإسلامية، ولكنّها في غالبيتها عالم رجولي بحت ولربّما تمّ إدخال بعض البنات اللواتي لم يبلغن الحُلُم. ولكن عندما يصل الحديث إلى شابة محجّبة حجابا كاملا وتعتبر مثالا حيا للفتاة المسلمة، فإنّ أصوات الرفض تتعالى والصراع يحتدم إذا ما غنّت بصوتها العذب أمام جمع من الرجال والنساء، ولو كانت أناشيدا تدعو إلى معالي القيم وإلى تعابير الوطنية والإسلام، والصحيح أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى طرح موسّع ودراسة. ونأخذ مثالا الشابة الفلسطينية ميس شلش والتي أبهرت الناس بجمال صوتها وكسبت قلوب كثير من الناس وهنا يُطرح السؤال: هل من الأفضل جذب الناس إلى هذه الشخصية الإسلامية الصارخة والتأثير عليهم أم من الأولى تركهم لحفلات الغناء الساقطة والتي لا تساهم في رفع مستوى الإيمان بطبيعة الحال؟! هل يجب كبح المستقبل الغنائي لهذه الفتاة وإماتة موهبتها وحصرها في آذان أقربائها أم من الواجب دعم مسيرتها وتشجيعها لإكمال مسيرة العفة الفنية؟! وهل أخطأ الدكتور يوسف القرضاوي على علمه عندما سمح لها بالغناء وغنّت أمامه كما زعم الإعلام؟!

إنّ الله عزّ وجل عندما فرض الحجاب والجلباب فرضه لأنّه يعلم أنّ العورة الى حدودها تُثير غرائز الإنسان، أما ما عدا العورة فإنّه لا يحرّك الغريزة بالعادة. ولكن المشكلة هو أنّه عندما تضع نصب عينيك أنّ جزءا معينا أو حتى غرضا سيُثير غريزتك فإنّ الغريزة ستُثار بحكم تفكيرك وليس بحكم طبيعة الخلق. وكذلك موضوع الأدوات الموسيقية والتي ابتعد عنها المسلمون لاستوحاشها، وموضوع خطاب المرأة أمام الرجال إن كانت على قدر من العلم أو أرادت أن تعرض مشاركة في إلقاء شعر أو عرافة حفل أو إلقاء خطاب. كل هذه المواضيع تحتاج إلى وقفات ودراسات لأنّ هذه طاقات مكنونة فإما أن تُنمّى في المجالات المباحة وإمّا أن تنمّي نفسها في ما حرّم الله. وخلاصة القول علينا تمييز المباحات لنستطيع إغراق الناس بها فلا يجدون وقتا ورغبة في الحرام.
كُتب منذ زمن 

لخبطات شعورية


وبينما الحصار مستمر واغتصاب الأراضي على أشدّه وطرد الناس من بيوتهم عادة مألوفة، وقتل الأبرياء حدث عابر وإهانة الشيوخ وإرعاب الأطفال وإستحياء النساء، وقمع الأسرى وقلع الشجر والحجر وتدمير كل حضارة إنسانية، والإعتداء على المقدسات هي لغتهم الجلية، وصرخات الأيامى وشهقات الثكالى ودمعة الطفل الحزين، وأنين الحسام وعويل اليراع وآهات الهزبر ودعاء المظلوم ونداء الأقصى، وسكون الثلث الأخير من الليل وسبات الأفاعي والصمت القاتل للشعوب العربية واللا عربية والرد الخجول للعالم بأسره على أفعال دولة الاحتلال. وبينما هذا كله إذ يستعر الإعتداء في الأيام المنصرمة وتتجدد الجريمة وتُسجّل مجزرة أخرى لتحطّم بذلك دولة الإحتلال الرقم القياسي في عدد المجازر التي ارتكبتها خلال اثنين وستين عاما! لا ورغم هذا كله كان الرد الأولي للعالم هامسا خائفا وفي بعض الأحيان مبررا وفي بعضه مترددا خشية من تآلب العالم عليهم وعزلهم من دائرة السيطرة فالله أحق أن تخشوه من خشية عدوكم! يا أيها الشعوب العربية والإسلامية أهي المصالح الفردية تشغلكم عن مصلحة ومصير الأمة أجمع أم ماذا دهاكم حتى صرتم رعاة بعد كونكم قادة للأمم؟! أنسيتم مجدنا في الأندلس وتاريخنا العريق؟!   
كُتب منذ زمن

مقدّمة في المنطق النسبي


لا بد أن نشير إلى أن صورة توجيه العقل البشري وتهيئته يؤثران بشكل واضح على تفكيرنا المنطقي، لتجعل من العقل البشري وسيلة لكي يكمل بناء الأساسات التي وجّهته إلى اتجاه معين، ولذا نكاد لا نجد تفكيرا موضوعيا خالصا لأن التمهيد المسبق يحمل تأثيرا لا يمكن إبطاله بسهولة. كما أنه في التربية فإنه كما يُقال العلم في الصغر كالنقش في الحجر، أي أن المراحل الأولية من التربية والسنين الأولى من الطفولة لها أثر جليل في بناء شخصية الطفل. كذلك الأمر بالنسبة للأفكار والآراء المسبقة التي يحملها الإنسان، اذ لها أثر عظيم في بناء الفكر المتعلّق بأمر معين. عندما نسمع كلاما من أناس علمانيين بأن العلم والدين خطان متوازيان لا يلتقيان ويعرضون أمامنا الأدلة المقنعة نوعا ما فإنهم يتبعون هذه الطريقة من تحليل الواقع! فهم جاؤوا وقد أيقنوا أنه لا علاقة للدين بالعلم ولذا فهم يحللون الواقع ويفسرونه بناءا على هذا المبدأ، وهم بذلك يسيّرون الواقع لخدمة فكرتهم فيُظهرون ويُؤكدون ما يدعمهم وينبذون كل ما يُضعفهم وبذلك فهم يعرضون واقعا ليس بواقع وإنما هو كلام ناقص تم حذف بعض أجزائه. وكما أن هؤلاء العلمانيين افترضوا أنه لا علاقة للعلم بالدين، فمن حقنا نحن المؤمنين أن نضع الحقيقة المضادة نصب أعيننا وهي أن الدين والعلم يفسر أحدهما الآخر وأنهما يتقاطعان ويتكتلان في مضمونهما.
كُتب منذ زمن

صلاة الفجر


إن هذه الصلاة مميزة جدا بكل معاني الكلمة، ففيها البركة والخشوع التام والسكينة والسعادة الحقيقة، وهي التي تمنح الثقة بالنفس وهي التي تجعل النفس مطمئنة وهي تنشط الجسم وتجعله يقظا كل اليوم. من فاتته ساء يومه وثقلت عليه همومه ومهما جدّ وكدّ واجتهد فلن يكفيه ولن يشعر بالرضا، لأنه يبقى يحسّ أنه فقد نور يومه وبركته اللذين يجدهما فقط في صلاة الصبح وقت الفجر. وأنا أشدّد على وقت الفجر لأن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، فمن السهل على كل إنسان أن يؤدي فريضة الصبح عند استيقاظه من النوم، ولكن الإسلام وضع ضابطا وقت الفجر لكي نجاهد أنفسنا وننهض من دفء الفراش في ساعة يلذ بها النوم وتسكن فيها الضوضاء.

إلا أننا يجب أن نفهم كل الفهم أن الله جل في علاه في وضعه لهذه الصلاة الثقيلة على المنافقين والغافلين عن ذكر الله فإن ذلك ليس عقابا لنا وإنما لمصلحتنا، ففيها الخير الكثير الكثير ونفعها عظيم وجليل أدركه من أدركه وغاب عن ذهنه من غاب عن ذهنه. وأنا هنا لن أذكر منافع وفضائل صلاة الصبح ولكني أنصحك أخي الكريم أن تقارن بين يومين أحدهما أدّيت فيه صلاة الصبح وبين يوم فاتتك هذه الصلاة فستجد حتما أن يومك الأول ميسر وأن الآخر وإن بان في ظاهره لامعا فهو لم يأت لك بنفع كان.

تذكّر أخي الكريم قول المؤذن وهو يصرخ بأعلى صوت "الصلاة خير من النوم" وأنت نائم! إذا هذا يدل على أنك لم تتبع ميزان الخيرية واستبدلت الأمر الأسمى والأنفع بالأمر الأدنى! ألا تستحي من الله أن تقابله في صلاة الظهر وأنت لم تطرق بابه في صلاة الفجر (التي هي مفتاح اليوم) أو أن تقابله في صلاة الصبح في غير وقتها؟!

إن أمر الله واضح – في هذه المسألة - ولا يحتمل التفسير أو التأويل فإن كنت جادا فعليك أن تدخل بالسلم كافة، اذ لا يجوز أن تنتقى من الإسلام ما طاب لك وما وافق مزاجك وبالك! أم تريد أن تكون ممن أخزاهم الله في الحياة الدنيا وردوا إلى أشد العذاب يوم القيامة ذلك بأنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض؟! إن من سلك طريقا يجب أن يلمّ بكل جوانبه التي لا مناص منها، فأنت عندما تقرر أن تكون مسلما فأنت بدون جدال ولا أدنى تفكير يجب أن تحافظ على فرائض المسلم التي بدونها أنت معرض للخروج من دائرة الإسلام.

وما أشقى وأتعس من تعب تعبا جزئيا في الدنيا بسبب تقصيره المتواصل، فلم يهنئ بالدنيا ويوم القيامة كذلك لا يجد ما يسر باله وما كانت تتوق إليه نفسه ألا وهو الجنة بل هو في نار قد خسر الآخرة أيضا! إن في النهوض لصلاة الصبح مجاهدة للنفس ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل من عجز عن مجاهدة نفسه في النهوض من الفراش لنصف ساعة ثم العودة اليه قادر على أن يجاهد بنفسه وماله وعرضه في سبيل إعلاء كلمة الدين في ساحة الوغى حين تقوم الحرب؟! هل من عجز عن عبادة الله في رخاء عيشه قادر على عبادته والمجاهدة في سبيله في زمن الشدة؟!

كُتب منذ زمن