15.6.14

مقدّمات العنف وأسبابه


إذا نظرنا إلى حال مجتمعنا العربي فإننا نرى أن العنف قد استشرس فيه واستفحل، حتى صار الأمان معدوما في كل قرية مهما صغُرت، ولم تسلم أي منطقة من جريمة فظيعة يندى لها الجبين ويتأسّف على اقترافها كل العقلاء وغالبية لجان الإصلاح، وتُنظّم المظاهرات والوقفات والندوات ولكن دون تغيير جذري. فما الذي يُعتبر عنفا؟ وما هي أسباب انتشاره؟ وما هو الحل المطلوب؟

العنف هو الخرق بالأمر وقلّة الرفق به، وهو ضد الرفق (لسان العرب)، ولذا فليس القتل وحده عنفا، وليس الضرب فقط، وإنما مفهوم العنف هو أوسع وأشمل. يمكننا تعريف العنف من عدّة وجهات نظر كالنظرة الإجتماعية، النظرة الدينية، النظرة القانونية وغيرها، ولكن لتبسيط الأمر فإنني سأتخذ وجهة النظر الإجتماعية النفسية. في هذه المقالة سوف أعرض آخر ما توصّل إليه علم النفس الحديث ومن ثم سأحاول تقريب النظرية من واقع حياتنا في مقالة منفردة.

العنف (אלימות) والعدوان (תוקפנות) هما مصطلحان قريبان من بعضهما بالمعنى ولذا فلن أتوقّف كثيرا عند الفرق بينهما، وسأكتفي بالقول أن العدوان هو الشيء الكامن والعنف هو العملية نفسها على أرض الواقع. يمكن تعريف العدوان (Aggression) بأنه قصد إحداث ضرر. كما يمكن تقسيم العنف أو العدوان إلى نوعين أساسيين: عنف مُعادي (Hostile Aggression)، والذي يهدف بشكل أساسي الى إحداث ضرر للضحية، وكذلك إلى عنف وسيلي أو أداتي (Instrumental Aggression)، والذي لا يهدف لإحداث ضرر بالمقام الأول ولكن لتحقيق هدف آخر.

هناك عدة توجّهات نظرية أساسية لتفسير ظاهرة العنف:

1) توجّهات غرائزية (אינסטינקטואליות): وفقا لهذه التوجّهات، فإن العنف أو العدوان هو جزء لا يتجزّأ من طبيعة الإنسان. وفقا لفرويد، ينبع العنف من "غريزة الموت" التي تظهر بصورتها الأولية كأنها موجّه إلى الداخل (لتدمير الذات) ومن ثم تتجّه إلى الخارج. توجّهات أخرى تقول أن مصدر العنف هو غريزة قتال من أجل الحصول على أرباح (مثل البقاء، المحافظة على النفوذ أو الموارد). التيار الإجتماعي البيولوجي يفسّر العنف على أساس أنه نابع من الإختيار الطبيعي والذي وفقا له فإن القوي هو الذي يبقى (على سبيل المثال، العنف يساعد الذكور الأقوياء للحصول على الأنثى للتكاثر). التوجّهات الغرائزية للعنف موجودة في موضع شك عند الباحثين، وأحد الأسباب لذلك هو وجود فروقات بين الثقافات المختلفة في موضوع العنف.

2)  نظريات بيولوجية: تصرّف عدواني يتأثّر من مستويات التستسترون في الجسم أو من خلل معيّن في آليات عصبية.

3) نظريات الدفع (Drive theories): العنف ينبع من حافز خارجي للإضرار بالآخر، بشكل عام على أثر إحباط ناجم عن الاضرار بسلوك له هدف معين. على سبيل المثال، وفقا للصياغة الأولى لفرضية إحباط-عنف (Frustrtion-Aggression Hypothesis) لدولارد، فإن الإحباط دائما يودي إلى العنف، ومن هنا فإن العنف ينبع دائما من الإحباط. لكن اليوم يعتقد كثير من الباحثين أن الشعور الغير جيد (الإحباط) هو فقط إحدى العوامل المؤدّية للعنف وذلك على أساس العلاقة بين الشعور السلبي والعنف.

4) نظرية التعلّم الإجتماعي ((Social Learning: العنف، مثل أي تصرّف آخر، يُكتسب عن طريق تجربة مباشرة أو غير مباشرة. هذا التوجّه يزوّدنا بتفسير للفروقات بين الثقافات المختلفة في مدى انتشار العنف (على سبيل المثال، الثقافات تختلف بالطرق للتعبير عن العنف وبالحوافز التي تؤدي للعنف).

5) نظريات إدراكية: قوة ردة الفعل العدوانية تتأثر من دمج المزاج وعوامل إداركية (أفكار، ذكريات، تقييمات للوضع الحالي وغيرها).

أسباب العنف:

هناك عدة أسباب التي من الممكن أن تفضي إلى ردة فعل عدوانية، أو إلى زيادة في مستويات العنف:

1) إثارة أو استفزاز مباشر: إثارة من قبل الآخرين والتي تُفسّر أحيانا بأنها مقصودة.

2) التعرّض للعنف في وسائل الإتصال المختلفة.

3) تنبّه زائد (עוררות מוגברת): مستويات يقظة عالية يمكن أن تؤدّي إلى تصرّف عدواني كردة فعل للإحباط أو للإثارة.

اليقظة والغيرة الجنسية

مستويات منخفضة من اليقظة الجنسية، المُصطحبة بشعور جيد، تؤدّي لتقليل التصرّف العدواني. بالمقابل، مستويات مرتفعة من اليقظة الجنسية تزيد من العنف. سبب مركزي لظهور العنف هي الغيرة الجنسية (Sexual Jealousy) وهي شعور بتهديد يُحيط بعلاقة عاطفية بسبب تنافس على الجنس الآخر. الأبحاث أثبتت أنه في الحالات هذه الأنثى تميل للرد بعدوانية أكثر من الذكر.

متغيّرات شخصية: هناك صفات شخصية مرتبطة بالتصرف العدواني أكثر من غيرها:

شخصية من نوع A أو B: هناك أناس تنافسيون (תחרותיים) بشكل خاص، الموجودن دائما تحت ضغط الوقت ويبثّون العداء، هؤلاء يُعرّفون كأصحاب شخصية من نوع A. بالمقابل، أشخاص ذوو شخصية B هادئون ولا يفقدون هدوئهم بسهولة. وفقا لهذا التعريف، فإن أصحاب شخصية A يُظهرون عدوانية أكثر مقارنة بذوي شخصية B. العدوانية التي يُظهرها أصحاب شخصية A تكون بالأساس عدوانية مُعادية والتي تهدف الى الحاق الضرر بالآخر.

الفروق بين الجنسين

بشكل عام، الرجال عدوانيون أكثر من النساء، لكن الأمر يختلف وفقا للحالة ولطابع العدوان. التفسيرات للفروق بين الجنسين تتطرّق لعوامل بيولوجية (مستوى عال من التستوستيرون عند الرجال يساهم في العدوانية) ولعوامل اجتماعية (على سبيل المثال، توقّعات المجتمع من الرجال أن يكونوا أكثر صرامة من النساء).

تجدر الإشارة الى أن الرجال عنيفين أكثر من النساء من ناحية سلوكية، الا أن النساء أكثر عنفا من ناحية كلامية (كما يظهر بالنميمة والإهانات).

ادراك قصد الآخر

كما الحال في تفسيرات اجتماعية أخرى، فإنه أيضا في حال العدوانية هناك ميل للوقوع في خطأ العزو (טעות ייחוס). انحياز العزو العدواني (Hostile Attribution Bias) هي الميل لإدراك أعمال وتصرّفات الآخر على أنها تنبع من محفّزات عدوانية وعنيفة، أيضا في الحالة التي لا يكون فيها الوضع كذلك. الأشخاص الذين يقعون في هذا الميل يفترضون أن أعمال الآخرين موجّهة ضدهم، ولذا فهم يردّون بصورة عدوانية.

وسائل لمحاربة العدوانية

هناك عدة تقنيات ناجعة للتقليل من العدوانية:

1.   العقاب: اعطاء ردود فعل مُخيفة بهدف التقليص من اظهار العدوانية. العقاب يكون ناجعا بتحقّق بعض الشروط: أ. على العقاب أن يُعطى بصورة منهجية في كل الحالات التي تستدعي عقابا من النوع المُحدّد. ب. عليه أن يُعطى فور اظهار العدوانية. ج. عليه أن يكون مُعتبرا في نظر المُعاقَب. د. عليه أن يُفهم كمُستحقّ في نظر المُعاقَب.

2.   التنفيس: وفقا لفرضية التنفيس (Catharsis Hypothesis)، فإنه عندما يُخرج الأشخاص الضغط والعدوانية بصورة غير مُؤذية (عن طريق الرياضة مثلا)، فإن ميولهم لإظهار العدوانية بطرق مُؤذية ستقلّ.

3.   التقليد: كما يتواجد ميل لتقليد العدوانية، فإن هناك ميل لتقليد التصرّفات الغير عدوانية. عندما ينكشف الأشخاص الذي يميلون للعدوانية لأشخاص هادئين، فإن ميلهم للعدوانية سيقلّ.

4.   مهارات اجتماعية: اكساب مهارات اجتماعية كطريقة اضافية للتعبير عن الذات، عدا العدوانية.

5.   تفعيل أحاسيس الآخرين عدا العدوانية: بسبب صعوبة الدخول في حالتين عاطفيتين متعاكستين، أو ردود فعل غير متلائمة (Incompatible Responses)، فإن تفعيل الأحاسيس الإيجابية سيؤدّي الى التقليل من أحاسيس العدوان والتصرّفات العدوانية.

المصدر: مُترجَم باستثناء الفقرتين الأوليّتين  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق