2.8.12

النفس الرمضانية 3: رمضان في الأقصى، الأقصى في رمضان



مثلما يزيد الترابط ما بين المصلين والمساجد في رمضان فكذا يزيد إرتباط الناس بالأقصى الشريف. وقد استعملت كلمة المصلين عند الحديث عن المساجد العادية، لأننا نتوقّع أن يزيد اندفاع من كان عنده اندفاع سابق نحو المساجد، فالذي كان يُصلّي صلاة المغرب والعشاء بالمسجد، سيصير يُصلّي في رمضان المغرب والعشاء والتراويح، أما من كان آخر همّه وصول المساجد قبل رمضان، فإن دخول الشهر الكريم لا يزيد من إرتباطه بالمساجد إلا من رحم ربي فأعلنها توبة نصوحا. أما عند الحديث عن الأقصى الشريف فإن المصطلح يختلف فنستبدل كلمة المصلين بالناس، ذلك أن للأقصى مكانة خاصة في قلوب المسلمين وعقولهم، وأن كونه مظلوما يزيد من تعاطف الناس مع قهره وألمه وأساه في رمضان، ولا نستغرب عندما نرى الناس أفواجا أمواجا في تراويح الليل أو جمعة النهار، إذ أن كثيرا ممن كانوا لا ينتبهون لنداء خالقهم صاروا يُهرولون للصلاة ولو كان من باب التقليد والعادات.

هالة التقديس الحيوية التي تُحيط بالأقصى هي مما يُساهم في حمايته، فعندما يعتبر الناس المكان مقدّسا، يزيد من وجلهم وإحترامهم له، وإذا ما خُدش أو نيل منه فإن الجموع تنفر لأنّ التقديس يرفع من شأن الشيء. كما أن لنفس هالة التقديس تأثير إيجابي على إزدياد إرتباط الناس بالأقصى، ولا شكّ لدينا أن التقديس يدخل أيضا في المساجد العادية، إلا أنه يبقى أكثر بروزا وتأثيرا عند الحديث عن ثالث الحرمين الشريفين وأولى القبلتين. أضف إلى ذلك، أن الأجر يتضاعف في المسجد الأقصى بإذن الله، فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى عظيم الأجر لمن صلّى في المسجد الأقصى في أكثر من موضع، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة"، وأيضا قوله: "لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى". فجمع مناسبة رمضان إلى الأقصى، أو جمع الأقصى إلى رمضان، يزيد من الأجر عند القيام بنفس العمل، لذا من المنطقي لمن كان عيشه محدود، أن يبحث عن هذه الفرص الثمينة التي فيها تتضاعف الأجور مع نفس الجهد والعمل.

رمضان في الأقصى مُختلف، ذلك أن كثيرا من الإيحاءات ترمز إلى أجوائه، وبالطبع ليس كلّها، وأقصد في هذا أنه مُذ دخولك إلى الأسواق تحسّ بحيوية رمضان ونشاطه إذا تكلّمنا عن الأجواء بعد الإفطار قُبيل صلاة التراويح، فترى الجموع تسير نحو هدف واحد وقسم يحمل مصلّاه بين يديه، والجدران مُزيّنة بالزخارف الإسلامية المضيئة وبهلال رمضان، والجلبة قائمة والنشاط والحركة والنداءات بفعل الأجواء الرمضانية، ولو لم يكن رمضان لما وجدنا كل هذا النشاط والحركة في مثل هذه الأوقات. عندما تدخل إلى المسجد الأقصى تكتشف أنك لست وحيدا، بل إنك غيض من فيض، فلربما هو أكبر تجمّع يومي للمسلمين في بلادنا، وكيف لا يكون ذلك ونحن نتكلّم عن الحرم القدسي الشريف. الساحات ممتلئة وقراءة الإمام تعطّر المكان في كل زاوية من زواياه، والصلاة لا تنحصر بين جدران أربعة وإنما يمكنك أن تُصلي في الهواء الطلق على بلاط الأقصى القديم الذي يذكّرنا بحزنه وألمه. إن كل هذه الإيحاءات والرموز كفيلة بأن تُدخلنا في أجواء رمضانية خاصة، على الرغم من أن كثير من هذه الرموز والإيحاءات لا يتم إلتقاطها بصورة واعية.

أما الأقصى في رمضان فإنه ينال حصة لا بأس بها من الدلال، ففيه يزيد إعماره ويعجّ بمحبّيه، وهو الذي يضمّهم إليه في كل يوم على الأقل مرة واحدة في صلاة التراويح، وفيه تكثر الصدقات وتزيد من الأعمال الخيرية على أرضه التي ما تلبث أن تستقر عليها بصمات. رمضان في الأقصى شيء آخر، وكذلك، الأقصى في رمضان شيء مُميّز، ولا ننسى بطبيعة الحال أن لهذا المكان يتوق ملايين من المسلمين الذي حُرموا من رؤيته بأم أعينهم، فلنا أن نستغلّ هذه الفرصة، وأن نجمع الفضلين: فضل رمضان وفضل الأقصى، في آن واحد.