29.6.14

مواجهة التطرّف


انطلاقا من قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد، 11)، لطالما آمنت أن التغيير يأتي من الداخل قبل قدومه من الخارج، إذ لو فرضنا جدلا أن تغييرا قد بدأ من الخارج، فإننا نحتاج بعد ذلك الى من يقود ويحفظ هذا التغيير. اذا لم يحدث تغيّر داخلي، فمن سيقوده ويحافظ عليه ويطوّره؟! لذا، من الحريّ بنا قبل أن نُلقي اللوم كل اللوم على الآخر ونحمّله مسؤولية تخلّفنا، أن ننظر الى داخلنا، الى الوهن الذي أصابنا، الى الأمراض التي أصابتنا، لنميّزها فنحاول معالجتها! احدى هذه الأمراض هو مرض التطرّف الذي أصاب بعض الشباب المتحمّسين، ظانّين بذلك أنهم يُعيدون مجد الإسلام والمسلمين، فخرّبوا أكثر مما أصلحوا، وساهموا في تشويه صورة الإسلام وبذلك ساعدوا من يفتري على الإسلام أنه دين الإرهاب والقتل!

يقول عليه الصلاة والسلام: "إيّاكم والغلو في الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين"، ويقول أيضا: "هلك المتنطعون" قالها ثلاثاً، ويقول: "لا تشددوا على أنفسكم، فيُشدَّد عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم، فشُدد عليهم". ويقول تعالى: "قل يا أهْل الكتابِ لا تغْلوا في دينكم غيْر الحقِّ ولا تتَّبِعوا أهواء قومٍ قدْ ضلُّوا مِنْ قبل وأضّلُّوا كثيراً وضلُّوا عن سواءٍ السّبيل" (المائدة، 77). ولا حاجة بعد هذه الأحاديث والآيات الى اعادة التأكيد على خطورة التطرّف وضرورة معالجته، لأنه مرض فتّاك يمكن أن يُبقينا في الخلف رغم رغبتنا الجامحة بالتقدّم! ان المسألة التي تبقى مفتوحة هي كيف نعالج هذا التطرّف. وبكلمات قليلة تماشيا مع قصر المقالة، أودّ أن أقول أنه ينبغي معالجة هذا التطرّف عن طريق نقده، بيان هشاشته، التحذير منه، وفي نفس الوقت، طرح البديل الذي نرنو إليه، البديل المعتدل والوسطي. إلا أنه علينا أن نحذر من أن نواجه التطرّف بتطرّف آخر، فنبدأ نلعنهم أو نُشهّر بهم لينتهي الأمر بالاعتداء عليهم أو حتى اراقة دمائهم. اننا بذلك نُكرّر خطأهم، وانما الواجب ضمّهم ومحاولة تغييرهم، على أمل أن يعودوا الى رشدهم.