13.4.14

الانسان كأداة

ان مما يبخس قيمة الانسان هو اعتباره أداة من بين أدوات عدّة، فلا يكاد يُفرّق بينه وبين الآلة! بل هو أقل من آلة، فهو أقرب ما يكون الى البرغي الذي هو جزء من الآلة! ان هذا الانسان البرغي لا يدري بالبراغي الأخرى ولا يدري ما هي وظيفتها ولا يدري أي علاقة تربطه بها، ولذا هو عاجز عن فهم غائية الآلة وغائية المنظومة أو المؤسسة. انه يعرف شيئا واحدا فقط، وهو عالمه المحصور الذي رُسم له من قبل، دون أن تتم مشاورته! وبالطبع فلا يتم استشارته فيما يتعلق بمستقبل عمله ولا يتم سماع اقتراحاته، فهو المُنفّذ وأسياده هم الذين يرسمون ويُخطّطون. ان اسياده معنيون بهذه الدكتاتورية التي هي أشبه بالرعاة والغنم، لأنهم بذلك يُحافظون على مصالحهم، على سلطتهم، على دكتاتوريتهم وهم يوفّرون وجع رأس متوقّع وجدالات ونقاشات لها أول، ليس لها آخر. ويمنعون الانتقاد، يمنعون الأخذ والعطاء، يمنعون ضياع الوقت، يمنعون من الموظّف "المتفلسف" أن يُظهر تفلسفه ويُساهمون في زيادة الإنتاج وازدهار الاقتصاد، على حساب انسانية وقيمة الموظفين المبخوسين.
لكنّ هذا الكبت وهذا الاستغلال لا يدوم طويلا، ولا بدّ للموظفين المقهورين أن يصحو من كبوتهم وأن يطالبوا بحقوقهم الأساسية في المعرفة والسؤال واسماع آرائهم والتعبير عن امتعاضاتهم ومشاكلهم. ان هذا التحكّم بالإنسان والتنكّر لعقله، لحسّه ولإنسانيته، من خلال التعامل معه كبرغي في أداة، لا بدّ أن يؤدّي الى انفجار، لأن الكبت المستمر لا يمكن أن يدوم. ان الانسان العاقل لا يمكن أن يعيش في ظل هذا الاستعباد وفي ظل هذا الاستخراف (التعامل مع الموظّف كخروف مطيع)، ولا يمكن أن يبقى حبيس عالم رُسمت له حدوده من ذي قبل، ولا يمكن أن يبقى مُغفّلا ولا يمكن أن يبقى مضطهدا في سؤاله.

الموظّف: "لماذا يا سيّدي تريدني أن أفعل كذا"؟ السيد: "نفّذ ولا تسأل كثيرا، سيّدك يُفكّر بالنيابة عنك، افعل انت وستأخذ راتبك في آخر الشهر". إلا أن هذا المنع من الاطّلاع على الصورة الكاملة، يمكن أن يُخبّئ في ثناياه غايات خسيسة، فالموظّف الأول يُحضّر المركّب الأول، الموظّف الثاني يُحضّر المركّب الثاني، السيد يجمعها جميعا وتنتج قنبلة ذرية تُساهم في قتل ملايين البشر. هل وافق جميع الموظفين على مثل هذا المنتج؟! هل دروا بماهية المنتج أصلا؟!