7.2.15

الديمقراطية مطلب !


في ظل ما نُعاني من الدكتاتوريات وطُغيانها وقمع حقوق الانسان وضنك العيش وتهميش المواطن، فإنه من الحريّ بالشعب العربي أن يكون أول من يُطالب بالإجهاز على مثل هذه النُظُم وتغييرها. ولربما ما يجعلنا نتراجع خطوات الى الوراء هو التفكير في البديل عن الدكتاتورية، فإن بان لنا سوء الدكتاتورية فإن ذلك لا يقينا من حيرة البديل. أهي الديمقراطية أم ماذا؟ والعيب الرئيس في الدكتاتورية هو أنها تحصر الحكم بيدي شخص واحد أو حزب واحد، مما يعطي ذاك الشخص أو الحزب فرصة الاستبداد بالرأي وفرض الأجندة الخاصة به على الشعب وقمع كل رأي يُعارض تلك الأجندة. ان مثل هذا الاستبداد بالحكم يجب أن يُمنع حتى لو بان الشخص "ملاكا" أو لو ظهر الحزب مثاليا، اذ أنه لا وجود لتلك الشخصية "الملاك" ولا وجود لحزب كامل مُكمّل، فهي مظاهر خدّاعة سرعان ما تنقلب على المُخدوعين بها فور الوصول الى كرسي الاستبداد.

والديمقراطية هي عكس ذلك، اذ هي حكم الشعب ومتّخذو القرار يُنتخبون من قبل الشعب، وهي تدفع نحو التعدّدية، تعدّد الأحزاب، تعدّد الآراء، تعدّد الأقوال، وبذلك فهي لا تقمع رأيا أو مجموعة مُخالفة. انها لا تفرض أيديولوجية واحدة ووحيدة، انها لا تعطي لشخص واحد أو حزب واحد أن يستغلّ منصبه في سبيل تحقيق غايات شخصية أو حزبية ضيّقة. انها تفتح المجال أمام عدّة مجموعات لكي تُدير أمور الوطن بأحسن شكل، واذا بان لأحدها هشاشة رأي الآخر انتقدته وجاءت برأي آخر يتنافس معه ليبقى بذلك الرأي الذي يراه الشعب هو الأنسب وهو الأفضل لهم. والديمقراطية هي الأنسب منطقيا، فلو أراد نفر من الناس قضاء حاجة لاختاروا منهم عدة أشخاص يقدرون على ذلك وبعثوا بهم، كذلك الحال في حكم البلاد فالناس تبتعث مندوبيها ليُديروا شؤون الوطن والبلاد.

واذا ما أرادت الأمة العربية أن تضمن عدم استبداد مجموعة أو طائفة معينة فعليها بالديمقراطية، فهي تضمن لها ذلك وتضمن لها أيضا مشاركة الجميع في بناء الوطن، وبالتالي يتوحّد الكل في بناء الوطن والحفاظ عليه. ان الشعور الذي يصل كل واحد هو أنه عضو مهم في مجتمعه وله رسالة فعّالة في وطنه. ولا يشعر واحد أن لا تأثير له على دولته ولا يشعر أنها غريبة عنه ولا يشعر أنها تمنعه من التفكير بشكل مختلف أو تمنعه من ممارسة حريّاته المختلفة. ولا يشعر بخوف مستمر ولا يكون مكبوتا في لفظه وفنّه وعلمه، اذ أنه هو من اختار من يُمثّله ومن الصعب أن يجتمع جميع الممثّلين على الإطاحة بهذا المواطن.

والى أولئك المتديّنين المُتحمّسين والى أولئك الذين يرتجفون من الإسلام أقول ما قاله الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "من فقه الدولة في الإسلام":

الواقع أن الذي يتأمّل جوهر الديمقراطية يجد أنه من صميم الإسلام، فهو ينكر أن يؤمّ الناس في الصلاة من يكرهونه ولا يرضون عنه، وفي الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا ..."، وذكر أولهم: "رجل أمّ قوما وهم له كارهون ...". واذا كان هذا في الصلاة فكيف في أمور الحياة والسياسة؟ وفي الحديث الصحيح: "خيار أئمتكم - أي حكامكم - الذين تحبّونهم ويحبّونكم، وتصلّون عليهم – أي تدعون لهم – ويصلّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم".