6.7.14

تأمّلات في الطبيعة


اذا تأمّلنا في الطبيعة، وجدناها مرآة لطبيعة هذا الكون. فالسهول الخضراء والينابيع الصافية والجداول والأنهار والشلالات التي تُبهر الأنظار وتدفع بنا الى التقاط كمّ هائل من الصور، والأشجار على أنواعها والغابات والحيوانات والطيور، والبحار والمحيطات والجبال والتلال، تدخل كلها في الوجه الأول للطبيعة، وهو الوجه الحسن الخيري. الوجه الآخر يشمل كل ما نُسمّيه كوارث طبيعية، من مثل، هزّات أرضية، زلازل، أعاصير، براكين وغيرها. هذا الوجه القبيح الشرّي هو الوجه الآخر للطبيعة. انها الطبيعة التي تحمل خيرا وشرا، كما أن هذا الكون يحمل خيرا وشرا، ولذا فهي مرآة لهذا الكون.

ولا شكّ أن هذه التركيبة التي تحوي المتضادين (الخير والشر)، موجودة أيضا في الانسان، فهو يحمل نزعة الخير ونزعة الشر كذلك. الانسان بطبيعته (منذ خروجه الى هذه الدنيا في لحظة الولادة) يحمل هاتين النزعتين. نزعة الخير التي تتمثّل عنده بالفطرة، ونزعة الشر التي تتمثّل بالغريزة. والبيئة وحياة الاجتماع يُنمّيان كل واحد منهما ويُغلّبان أحدهما على الآخر. كذلك الطبيعة بطبيعتها (بدون تدخّل الانسان) تحوي تلك النزعة الخيّرة التي يمكننا أن نُسمّيها فطرة الطبيعة، وهي تشمل كل ذلك الحسن الذي وصفناه والذي يلمسه كلنا عند تجوالنا بين أحضانها. وأيضا تحوي النزعة الشريرة التي يُمكننا أن نُسمّيها غريزة الطبيعة، وهي تشمل الكوارث الطبيعية. أي أننا نجد تشابها ملحوظا بين طبيعة الانسان وطبيعة الطبيعة، مما يُشير الى الانسجام الطبيعي بين هذا المخلوق والطبيعة.

وكلما رجعنا أكثر في الزمن، وجدنا أن هذا الانسجام كان متواجدا أكثر. في الماضي، كان الانسان صديق الطبيعة ورفيقها. فالصداقة ظهرت في علاقة الإحسان المُتبادلة بين الانسان والطبيعة. الفلاح على سبيل المثال، كان يزرع أرضه ويعتني بها كما تعتني الأم بطفلها، وعندما يحين موعد الحصاد تردّ له الجميل بالجميل والاحسان بالإحسان من خلال محاصيل وفيرة وغنية (غنية بالمركّبات الطبيعية). والمرافقة ظهرت في تواجد الانسان اليومي الاعتيادي والعيش بين أحضانها، ويمكننا أن نقول أن الطبيعة حَوَت الانسان عندما قبلته ضيفا مُسالما بين أحضانها، وهو بادلها هذا الاحتواء، فحواها داخله أيضا ولم يكن يحتاج الى التقاط الصور الكثيرة ليُبقيها حيّة داخله. ولذا تأثّر الشعراء والكتاب بالطبيعة وكانت مُلهمتهم الأولى.

أما حين حدث الانفصال والابتعاد، وفي أعقابهما الجفاء وتضعضع العلاقة بين الانسان والطبيعة، قلّ الانسجام وصارت العلاقة صراعية أكثر منها انسجامية. لقد عزل الانسان نفسه عن الطبيعة وتمركز في المدن، وقلّ عدد الفلاحين بشكل ملحوظ، مما دفع بإنسان العصر الى أن يبحث عن وسائل لإعادة ذاك الرابط الطبيعي بينه وبين والطبيعة، من خلال رحلات ومغامرات طويلة في الطبيعة على سبيل المثال. هذه العلاقة الصراعية نجمت عن المجتمع الصناعي والنظرة المادية الخالصة للأمور، فعندما يضع الانسان نُصب عينيه زيادة أرباحه بكل وسيلة ممكنة، فإن ذلك يزيد من حدّة الأنانية والسيطرة السلبية. هذا المجتمع الصناعي يسمح لنفسه أن يستغلّ الطبيعة لمصلحته، كأن يُطلق كميات هائلة من الغازات السامة الى طبقة الأوزون وكأن يقطع غابات بأكملها دونما رحمة. ان العلاقة أضحت علاقة مُسيطر ومُسيطر عليه، فالإنسان يسعى الى امتصاص خير الطبيعة من جهة، والى كفّ أذاها عنه من جهة أخرى.   
بهذا المعنى، فإن الانسان صار يتعامل مع الطبيعة من دافع غريزي. ان اهتمامه محصور في ذاته وهو يسعى الى احكام السيطرة. انه يسعى لأن يكون الغالب في ما صوّره صراع بقاء أو قانون غاب. واذا تعامل الانسان مع الطبيعة من دافع غريزي، فإنها لن تتردّد بالردّ عليه بالمثل، اذ هي الأخرى تعامله من دافع غريزي. ولهذا نرى حالات الطقس المتطرّفة، التقلّبات الجوية، ازدياد الزلازل، ظاهرة الدفيئة وغيرها. لكن الفطرة الانسانية لا ينفكّ تأثيرها، ومهما سيطرت الغريزة فإن شيئا من الفطرة سيعلن انتصاره، ولذلك نرى جمعيات حماية الطبيعة ونسمع الأصوات التي تدعو للتفكير في الطبيعة. تماما كما أن فطرة الطبيعة لا تنفكّ تؤثّر علينا وتبهرنا بجمالها وسحرها!