22.8.15

صلوات


صلوات طيّبات

تلك اللحظة التي تُنسيك كل من حولك وتلفتك عن كل ما يشغلك، تلك اللحظة التي تُريحك من همومك وتلتقطك من بين تفاهاتك، تلك اللحظة التي تبعثك في فضاء فسيح وتأخذك الى جوّ مريح، تلك اللحظة التي تُنشيك وأنت تبكي وتُسكرك وأنت صاحي وتبعثك بعيدا وأنت قريب. انها ليست ككل اللحظات، بل اننا لربما نجهضها روحها اذا ما أسميناها "لحظة" فهي حالة خارج الزمان والمكان، حالة يصعب وصفها بكلمات كثيرة أو قليلة، وهي أعمق من كل ما قيل في وصفها وأبعد من كل ما قيل في تقريبها. انها لحظة الانغماس بعسل الصلاة ولحظة الذوبان في آيات القرآن ولحظة الاتصال بخالق الأرض والسماء.

لحظة الذروة هذه لا تُعكّر صفوها سعلة مصل قريب ولا حركة عفوية ولا حتى دويّ انفجار عابر، فهي انغماس الحواس كل الحواس في ملكوت السماء، وهي ذوبان في مشاعر دفّاقة، أخّاذة، مشاعر تجري جريان الأنهر أو تمرّ مرّ السحاب المُسخّر بين السماء والأرض. وهل هي الا مشاعر الوصال، وصالنا نحن الضعفاء بالقوي، وصالنا نحن الفقراء بالغني! وهل هي الا مشاعر الحبّ والعشق لمن أوجدنا من العدم، ولمن أغدقنا بعطاياه وبأنعمه! وهل هي الا مشاعر الشوق للُقيا القريب المجيب، الرحمان الرحيم!

واذا ما تفجّرت ينابيع الأحاسيس وانقطع توافد تفاهات الدنيا، تراءت المشاهد تلو المشاهد، وتسامعت الآيات تلو الآيات، الآيات التي تجعل الجبل خاشعا متصدّعا من خشية الله. وعندها وفقط عندها، تنهمر دموع صادقة، دموع خاشعة، دموع تحكي لصاحبها لذة الذوبان ونشوة الانغماس وحبور القُرب. دموع لها أول ما لها آخر، فهي تحثّ بعضها بعضا، والآيات المتدفّقة لا تبطّئها ولا تكفّها ولكنها تحضّ مزيدا منها، تحضّها على الخشوع، على الانهمار، على الركوع والسجود لبارئها. ولم نكفّها عن التدفّق؟! أوليس القلب قد ذاب عشقا وهي قد ذابت شوقا، فلها أن تعبّر عن عشق القلب وعن شوقها ولها أن تُعلن لخالقها أنها من أجله دفّاقة لا تتأنّى ولا تترنّح.

وهل يقدر كائن يعقل أن لا يتوقّف عند جمال الآيات وروعتها؟! وهل يستطيع أن يكظم ما في نفسه من أشواق في ذلك الموقف؟! ويأتي الركوع ويلحقه السجود فيزيدان من تعلّق الروح في الأعلى، ويصدّقان المشاعر بانحنائهما ويشدّان على الدموع المُنهمرة. تنتهي الصلاة بلمح البصر وعندها يعود الى ذهن المصلي أنه قاعد بين مصلّين في مسجد وأنه ما زال في حياته الدنيا، ويودّ لو أن تلك الرحلة الروحانية تعود من جديد في أقرب وقت.

***

فليت الذي بيني وبينك عامر!

من ذا الذي ينصرف عن صلته بالقوي؟ من ذا الذي يحيد عن ضيافة الملك؟ من ذا الذي يجزع عن التقرّب الى الغني؟ هي الصلاة صلتنا نحن الضعفاء بالقوي، صلتنا نحن العبيد بالملك، صلتنا نحن الفقراء بالغني، واليها يفيض ضعفنا وفقرنا وفيها تتجلّى عبوديتنا لخالق السماوات العُلى. هي الصلاة تُشعرنا بالقرب من الملك، من خالق الأرض والسماء، تُشعرنا بحبل الله الذي لا ينقطع وبرعاية الله التي لا تنضب وبمعيّة الله التي لا تحول عنا وبحفظ الله الذي ليس كمثله حفظ وبمعونة الله التي ليس كمثلها معونة، وتؤكّد لنا أننا لسنا وحيدين ولسنا متروكين. وكيف نكون كذلك ونحن نتلو "اياك نعبدُ واياك نستعين"؟! وكيف نكون كذلك ونحن في ضيافة الرحمان، في بيته ومسجده؟! وكيف نكون كذلك ونحن جئنا مُقبلين مُبتهلين لله؟! يقول عزّ وجلّ في الحديث القدسي الذي يرويه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن ربّه: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ جَاءَنِي يَمْشِي جِئْتُهُ هَرْوَلَةً".

واذا كانت هذه المعيّة متغلغلة في القلوب واذا كان ذاك الحفظ محفوظا عندنا عبر تعاهدنا للصلاة، فهل ستنغلق الأبواب كل الأبواب في وجهنا؟! وهل سيسوء بنا الحال الى درجة اليأس والقنوط؟! كلا! فإذا ما أُغلقت أبواب الناس فسيبقى باب السماء مفتوحا وان طرقنا باب خالقنا فلن يطردنا من رحابه بمشيئته، واذا ما ضاقت الأمور وأظلمت الدنيا فسيبقى نور الآخرة يشعّ. يقول الشافعي رحمه الله: "ولرب نازلة يضيق لها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج، ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج". واذا ما انقطع حبل الناس فسيبقى حبل الله، واذا ما تخلّى عنك الناس فلن يتخلّى عنك رب الناس الذي لم تقطع صلتك به يوما. ولم يغلو أبو فراس الحمداني عندما قال: "فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالحَيَاة مَرِيرَة، وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ، وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ"، فهي الصلة بالله الصلة الحقيقية التي تدوم وهي الحياة الحقيقية التي لا تفنى وهي الملاذ والملجأ في الأول والآخر، في حلو الأمور ومرّها.

وهي الصلاة صلة لكل من طلب ولكل من دعا وتأمّل ورجا، فأي الناس يقدر على انفاذ طلباتك وتحقيق آمالك وهو ضعيف مثله مثلك؟! ولكنه رب الناس القادر على كل شيء الذي ان دُعي أجاب وان سُئل أعطى، رب الناس الذي ان حافظت على صلتك به فإنه لن يخذلك وسيسمعك فهو قريب مجيب.

***

 

حبّ وعشق

الذي يحبّ يذهب الى من يحبّ هرولة، الذي يحبّ يتجمّل لمحبوبه، الذي يحبّ يطلب رضى محبوبه، الذي يحبّ يسهر لأجل محبوبه، الذي يحبّ ينام لأجل محبوبه، الذي يحبّ يأكل لأجل محبوبه، فكيف بمن يحبّ من علمّ الناس الحبّ؟! وهل نملك الا أن نحبّ من أمدّنا بنفس الحياة؟! وهل نملك الا أن نسجد لمن أخرجنا من العدم الى الوجود؟! وهل نملك الا أن نفيض بالعشق لمن خلقنا في أحسن تقويم؟! وهل نملك الا أن نشتاق لمن يحفظنا ويرعانا ومن يهدينا اليه صراطا مستقيما؟!

تقول رابعة العدوية رحمها الله في حبّ الخالق:

عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك *** وأغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك

وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى *** خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك

أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى *** وحــبــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك

فــأما الــذي هــو حب الهــــوى *** فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك

وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــه *** فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك

فـلا الحـمد فـي ذا ولا ذاك لـــي *** ولـكـن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك

وما أجمل الحبّ الذي تصفه هذه الأبيات وما أحلى أن يتذوّقه الانسان في حياته، فإن لم يطلبه الانسان في حياته فمتى سيطلبه؟! وما أسعد من حظِي به فهو الحبّ الذي يدوم للحيّ الذي لا يموت! والحياة بدون حبّ الله والشوق للقائه كئيبة، ومعه وفقط معه تكون حياة طيّبة سعيدة هنيئة، وكم ستكون حسرة من فارق حبّ خالقه؟! وكم سيكون خسران من أشغل قلبه عن حبّ بارئه والشوق للقياه؟! أحُبُّ الدنيا الفانية أولى؟! أم حبّ المولى الباقي؟! وكيف نحيد بالحبّ عمّن نحن منه واليه؟!

والصلاة هي التي تُشعل هذا الحبّ وتمدّه بالحرارة على الدوام، فلا تدعه يخمد ولا تتركه يخبو، وهي ذاتها تعبير عنه وتجسيد له ان كان بالإمكان تجسيد مثل هذا الشعور الفائق للوصف والمُعجِز للبيان. ففي الصلاة تتوجّه الأطراف كلها الى خالقها وتُذعن لذكره ولعبادته، وفيها يرقّ القلب ويصفى الذهن، فهل تورث هذه الصلاة الا الحبّ؟! وهل تترك الا الراحة والطمأنينة؟! واذا ما اشتعل الشوق عند المحبّ المشتاق واذا ما زادت رغبة اللقيا، نزع الى التقاء الأرض بالسماء، الى لقاء العبد بربه، الى الصلاة، ففاض بكل حبّه وبكل أشواقه فيها وقال: "اني ذاهب الى ربي سيهدين"، وأردف: "وعجلت اليك ربى لترضى".

***

سلام قولا من ربّ رحيم!

منذ أن ينطلق طقسها تسكن الجوارح عن الحركات العشوائية وتتحوّل عن الفعلات الإضطرابية. العين تميل عن النظر الى ما لا يعنيها، والأذن تحيد عن سماع لغو القول، واللسان يعدل عن النطق بكل ما هبّ ودبّ، والقلب يترك أهوائه وينصرف الى الواحد الأحد الفرد الصمد. فهو اذاً انصراف عن العشوائيات وعدول عن الأهواء وذهاب الى النظام والهدوء والسكينة. وهو دخول في نظام دقيق وايقاع متناغم، وهو انسجام مع النظام في هذا الكون، نظام الكواكب التي تدور في أفلاكها لا تحيد عنها، نظام الشموس التي لا تفارق الشروق ولا الغروب، نظام الأقمار التي تلتزم بعدّتها. هو الدخول في الصلاة يأخذنا الى هذا النظام وتلك السكينة. 

فمن أول طقس الصلاة وحتى قبل أوله، يتضرّع المصلّي لخالقه وحده وينوي التوجّه له دون غيره، وتأتي التكبيرة الأولى لتؤكّد الخروج من العشوائيات والدخول في النظام، والانتقال من الاضطراب الى السكينة، من عبث الدنيا الى نسائم الآخرة. وهي "الله أكبر" تعني أن لا شيء أكبر ممّن خلقني ولذا فسأضرع له وحده دون غيره وسأوجّه وجهي له فهو الذي فطر السماوات والأرض. وتأتي سورة الحمد لتعُلن ابتهالات خالصات لله رب العالمين، الرحمان الرحيم، مالك يوم الدين، وتتابع الآيات ويستمرّ النظام ولا ينضب التوجّه الى الواحد الأحد ولا ينفكّ الحياد عن العشوائيات والتوافه.

تستمر تلاوة الآيات بانتظام وبصوت رقيق خاشع، بعيد عن النشاز والضجيج الفارغ، ولا تسأم الجوارح من الهدوء الذي فُرض عليها ولكنه يبدأ يتغلغل اليها فيورّثها السكينة والخضوع لمن خلقها. واذا ما أتت حركات الركوع والسجود فإنها لا تأتي باندفاعية ولكنها تكون حركات كلها سكينة وكلها اذعان للملك، ويغلّفها ذوبان في حبّ المولى وانصهار في الشوق للقياه. وكيف لا يكون ذلك وكلما استمرّ العبد في صلاته زاد من قُربه من خالقه، وكلما استمرّ تصاعدت الحبكة لتصل ذروتها في السجود، عند ذاك الموقف الذي تلتقي فيه الأرض بالسماء وتلتقي به الدنيا في الآخرة، ويكون العبد أقرب ما يكون الى خالقه!

الآيات العذبة المتلّوة برقّة، المعاني السامية التي ترمي اليها، الحركات المنتظمة الخاشعة، كل ذلك وأكثر يجتمع في طقس واحد، في حالة واحدة هي الصلاة. فإذا ما تآلف جمال الآيات مع سمو المعاني وزيد على ذلك سكينة الحركات وخشوعها، فإن ذلك سيسفر عن سلام، سلام داخلي يتحقّق فيه الاطمئنان والسكينة، وسلام خارجي يظهر على الجوارح. وهنا يختتم المصلّي طقس الصلاة بقوله: "السلام عليكم ورحمة الله" على اليمين، ويؤكّده على الشمال: "السلام عليكم ورحمة الله".     

***

وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم!

هل عرف الحقيقة من حاد عن الصلاة؟ ربما عرفها ولكنه عاد فأنكرها أو تنكّر لها. هل عقل الحقيقة من ترك الصلاة؟ ربما عقلها ولكنه نسيها أو نُسّيها. هل ذاق الحقيقة من فارق الصلاة؟ كلا انه لم يذُقها! فلو ذاقها لما عدل عن ذا الذوق، فأي عاقل ذاك الذي يذوق الحقيقة ثم يفارقها بعد أن طَعِمها؟! والذي يُفارق الصلاة، يُفارق الحقيقة بلا شكّ! انه يُفارق عبوديّته لله ويتنكّر لكونه عبدا لله ويحيد عن العالم الحقيقي، عن دار البقاء. ويلهث بدلا من ذلك وراء دار الفناء، وراء الدنيا التي لا تدوم لأحد كما يمكننا أن نرى عن أيماننا وشمائلنا. أيهما أدعى الى الطلب: دار سنمكث فيها قليلا وسنذوق فيها من المرّ والحلوّ أم دار سنمكث فيها الى الأبد، نعم الى الأبد، وفيها نعيم وحلو لا يَشُوبه أي مرّ؟!

فلما أن كانت الحياة الآخرة أدعى للطلب، فلماذا نهدر أوقاتنا في طلب سواها؟! لمَ نركض وراء زائل ونُعرض عن باقٍ؟ ولمَ نُصرّ على حياة فيها من الصعاب ما فيها ونتغاضى عن حياة كلها نعيم خالص؟! وعندنا أن الحياة الآخرة هي الحقيقة، ففيها ستنكشف الحقائق وسيُماط اللثام عن الزّيف وسيزول كل ما هو غير مؤكّد. يقول تعالى: "لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" (ق، 22). وهي الحقيقة لأن كل ما قبلها يصبّ الى أنهارها، وكل ما قبلها سيُفضي اليها حتما، وفيها سيتحقّق الاستقرار والثبات. فإن كانت الحقيقة استقرارا في الجحيم فبئس بها من حقيقة وان كانت استقرارا في النعيم فنعم بها من حقيقة.

فإذا ما كان عندنا من المتّسع ما يمكّننا أن نكتب حقائقنا بأيدينا، فلماذا لا نركض ركضا وراء الحقيقة؟! لمَ لا نجعل من حقيقتنا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر؟! فإن كنا نريد ذلك فالصلاة هي المنقذ، هي المُعين، هي العنوان، هي التي ستنقذنا من زيف هذه الحياة الى حقيقة الآخرة ومن مُغريات هذه الحياة الى النعيم الأبدي ومن مُلهيات هذه الحياة الى السعي وراء الحقيقة.

***

عماد الدين

يمكننا أن ننظر الى الصلاة كطقس تدريبي وذلك لا يحطّ من قدرها، فهي وان كانت بهذا المفهوم وسيلة، فإنها بمفاهيم أخرى الهدف الذي يسعى الانسان لأن يقيمه أحسن اقامة كيّما يظفر بالحياة الحقيقية، حياة الآخرة. هذا الطقس التدريبي يهدف في المقام الأول الى كبح اللهاث وراء هذه الدنيا الفانية، الى كبح الركض وراء الزّيف والى كبح السعي وراء الغريزة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنه يهدف الى احياء الروح، الى الالتفات الى العمق الانساني والى توجيه النظر لحياة الآخرة الحقيقية. هذا التأثير المزدوج يتحقّق من خلال مركّبات الصلاة المختلفة. فعلى سبيل المثال، هدوء الصلاة وسكينتها يكبحان جماح الركض المستمر ويُخرجان الانسان من عجلة مشاغل الدنيا وبالمقابل يعزّزان من النظر في العمق ويدفعان الى الابتعاد عن حصر النظر في الآني والحاضر.

وآيات القرآن التي تُتلى في الصلاة تدفع الى مكارم الأخلاق وتُساهم في احياء الروحانيات وتحريك الطاقات الذهنية حول تساؤلات وجودية بعيدا عن الماديات الخانقة، مما يعني أن تلك الآيات تحمي الانسان من الانشغال المحصور بالمحسوس، بالمادة وبالحاضر. ومجرّد الذهاب الى المسجد والخروج من مُعترك هذه الحياة يعكس كبحا للانسياق الأعمى وللانجرار وراء مغريات الدنيا وتوجّها الى الحياة الأخرى، فمن يأتي الى المسجد لا يبحث بالعادة عن ربح مادي ولا عن متعة حسّية ولكنه يبحث عن روحه الطاهرة وعن نفسه كي يُزكّيها.

من هنا يمكننا أن نفهم غاية تكرار هذا الطقس خمس مرات في اليوم. انه في ظل الانغماس في هذه الحياة التي تشدّنا اليها بمُغرياتها وبمفاتنها، بآلامها وهمومها وكل مشاغلها، فإننا نحتاج في ظل هذا الانغماس الى ما يُخرجنا من دائرة الدنيوية، من دائرة الآنية الى ما هو أبعد من ذلك والى ما هو أجدى. وهذا الخروج لا يتحقّق الا بتدريب يومي، تدريب يدخل في خضم هذه الحياة، في خضم المشاغل الكثيرة، كيّما يخرجنا من الانسياق لها وحدها وكيّما يُدرّبنا على كبح جماحها والالتفات الى عالم الحقيقة. أضف الى ذلك فإن هذا التدريب الذي يتعامل مع الواقع بميزان الدنيا والآخرة وليس بمنطق المصالح الدنيوية الضيّقة، هذا التدريب الربّاني الذي يهدف الى نشر العدل من الله العدل، هذا التدريب الذي يُحيي الروح الطاهرة ويُروّض الغريزة ويكبح جماحها، فإنه من المؤكّد أنه يُدرّب ويحضّ على كل خير وينهي بالمقابل عن كل شر. بمعنى أن الصلاة تُوصل الى كل خير وتنهى عن كل منكر، أي أنها بمثابة موجّه للإنسان في حياته، ولهذا فهي الأساس وهي عماد الدين.

***

من صلاة الى شهادة دائمة

الصلاة محدودة بالوقت، فما أن ينتهي المسلم من أداء صلاته حتى يرجع الى معترك الحياة الدنيا، ولكنه يرجع مع شيء اضافي ان كان مخلصا في صلاته، انه يرجع مع أثر الصلاة. هذا الأثر من شأنه أن يجعل حياة الانسان كلها صلاة، رغم أنه لا يبذل فيها أكثر من دقائق معدودة من نهار. وهذا هو هدف الصلاة في حقيقة الأمر، فليس المراد ممارستها وحدها وترك كل ما هو سواها وليس القصد الركون اليها كل اليوم، فعند ذلك لن يبرز أثرها، ولكن الهدف هو الانصراف اليها في أوقات محدودة والانصياع الى أمرها ونهيها، حتى اذا ما تمّ ارشادها وتدريبها عاد الانسان الى حياته الدنيا فأقام فيها أمرها ونهيها وسعى نحو تحقيق وظيفة الاستخلاف في هذه الأرض.

والصلاة كلها شهادة لله ورسوله، فهي تتوجّه الى الله وحده لا شريك له وهي تُمجدّه وتحمده على أنعمه، ويتضرّع فيها المصلّي الى خالقه ويستحضر وقوفه أمام ربّه، وكذلك فإنها شهادة لرسول الله، فهي تسير على سنته وبذلك فهي تعترف برسالته وبنبوّته. فهل ينسى خالقه من يضرع اليه في اليوم خمس مرات؟! وهل ينسى الرسالة المحمدية من يعترف بها ويستحضرها خمس مرات في اليوم؟! كلا فإنه لكل فعل أثر، وان لصحوة القلب في الصلاة لمما يجعل منه صاحيا يقظا في معترك الحياة، وان لإعمال العقل في الصلاة حول الوجود وغاية الوجود لمما يجعل منه عقلا فذّا في الحياة الدنيا، وان لشهادة الصلاة لمما يجعل الانسان ناطقا للشهادتين على الدوام.

انه يمكن للشهادتين أن يبقيا حاضرتين في قلب وذهن الانسان حتى وان دخل في معترك الحياة وحتى ولو غاص في عمق المشاغل الدنيوية، فعنده من الزاد ما يكفيه حتى موعد التزوّد القريب. بمعنى أن الشهادتين الحاضرتين في القلب والذهن يكونان بمثابة المُرشد والحامي، فإن أراد مثل هذا الانسان أن يتّخذ قرارا أو يُنفذ أمرا فإنه لا يغيب عن باله أن يراعي حقّ الله ورسوله، وان حدث ووسوست له نفسه أن يظلم فإنه يرتدع لحضور أثر الشهادتين في نفسه، وان حدّثته نفسه أن يرتكب معصية فإن يستعصم لتواجد نفس الأثر. وكذلك فإن الشهادتين يحميان الانسان ويقيانه من النسيان والبعد عن طريق الله، فحضورهما الدائم في النفس لا يدع مجالا لأي مشغلة مهما بلغ شأنها أن تتغلّب عليهما وأن تُنسي الانسان وجودهما.    

***

من صلاة الى صدقة

من وحي الصلاة ينطلق كل عمل صالح. فهي تُربّي على ذلك، وتحضّ وتدفع بالإنسان الى الصلاح والإصلاح. هيئاتها تدعو الى الجام النزوات المترسّخة في الانسان، الى تنقية الأحقاد والأدران والى احياء المحبة والإحسان. آياتها تدعو الى مكارم الأخلاق، تنهى عن الفساد والإفساد وتأمر بإغداق الأرض بخير الأعمال وصالحها. 

عندما يتلو الإمام قوله تعالى: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم" (البقرة، 261)، تتبادر الى الذهن فكرة الإنفاق فترتسم في المخيلة تلك السنابل وذاك الحبّ الكثير، وتشتعل في النفس تلك الرغبة الجامحة والحماس البالغ للإنفاق كيّما يظفر الإنسان بذاك الإحسان الكبير.

والصحيح أن من يدأب على أن ينفق من وقته في الصلاة، فإنه سيدأب على أن ينفق من ماله في سبيل الله. ومن يدأب على أن يؤتي زكاة وقته بتعاهد الصلاة والأعمال الصالحة، فإنه لن يتغاضى عن ايتاء زكاة ماله. ومن يبخل أو يتقاعس عن بذل الوقت في الصلاة، فإنه لربما سيبخل ويتقاعس عن البذل في معترك الحياة. بهذا المعنى فإن الصلاة تُدرّب الإنسان على الإنفاق، انها تُربّيه على البذل والعطاء، تُربّيه على أن يُعطي دون أن ينتظر جزاء عاجلا أو شكورا آنيا، تُربّيه على أن يُحسن مع الغير دون انتظار مقابل، تُربّيه على أن يبذل كلّ البذل وأن يصبر على الجزاء الأوفى، على الجزاء الأكبر، على الجزاء المُنتظر. هذه التربية وذاك التدريب يُخرجان الانسان من مفاهيم المادة، فإن أحسن فهو لا ينتظر احسانا قريبا ممّن أحسن معه، وان امتُحن في احسانه فإنه لا يجزع ولكنه يُحسن ويصبر، فهو ينظر الى الغاية الأبعد، الى الغاية الأحسن، وينتظر الجزاء الأوفى. انه لا يريد أن يُشبع غريزة آنية ولكنه يصبر ليظفر بما هو أجدى وبما هو أحسن وأوفى.

وتلك المعاني تتحقّق لأن الذي يقدم الى الصلاة لا ينتظر بالعادة ربحا ماديا ولا شهرة، فلو أراد مالا لكانت التجارة غايته ولو أراد شهرة لكان الانتقال من منصة الى أخرى أجدى له، ولو ظنّ أنه سيُحصّل مالا أو شهرة من قدومه للصلاة فهو لا يدري كما يبدو كيف يلائم بين الوسيلة والغاية. فما يقدم المصلي الى الصلاة الا لغاية الانفاق والبذل، الانفاق والبذل الذي لا ينتظر جزاء آنيا ولا شكورا مُستعجلا.

***

من صلاة الى صوم

ولما أن قرأ الإمام قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة، 183)، أخذ المصلي ما كُتب عليه وصار يغدو صائما ويروح صائما. وما ذلك الا لكونه مهيّئا لقبول الدعوة وتذويتها، فهي الصلاة كفيلة أن تُهيّئه لذلك من خلال ايحائاتها وارشاداتها، ومن خلال تدريبها وتربيتها.

فلو تأمّلنا الصلاة لرأينا فيها معنى الصوم، فلكأنّ الصلاة حوت بعظمتها صوما يهيّئ الطريق الى الصوم المفروض، ولكأنّها ضمّت اليها تدريبا وايحاء بالصوم. كيف لا يكون ذلك وفي الصلاة صوم؟! صوم عن الأكل والشراب، صوم عن التجارة وكسب المال، صوم عن اللعب واللهو، صوم عن النوم والخمول، صوم عن الصخب وكثرة الحركة، صوم عن الركض المتواصل، صوم عن الكلام الفارغ، صوم عن الحقد والكراهية والبغضاء، صوم عن الغيبة والنميمة، صوم عن الشتائم ... أليس كل ذلك صوما؟! انه يمكننا أن نقول أن الصلاة تُربّي على الصوم عن الدنيا ومغرياتها ليتسنّى للإنسان النظر الى الآخرة ونعيمها المُنتظر، انه صوم عن الدنيا كلها، عن حلالها وحرامها. وليس هذا يعني أنها تدعو الى نبذ الدنيا بالمطلق، فليس هذا من وحيها، ولكنها تُدرّب في لحظات معيّنة ومحدودة في اليوم على نبذ الدنيا وكل ما يتّصل بها والتوجّه الخالص الى الآخرة. فهو اذا صوم عن المال واللعب والصخب وما الى ذلك من أشياء دنيوية في لحظات الصلاة، صوم يهدف الى تدريب الانسان على أن لا تكون كل حياته مالا ولعبا وصخبا، صوم يُرسّخ فكرة الصوم عن الدنيا في لحظات قلّت أو كثرت كيّما يتمكّن الانسان من رؤية الآخرة من دنياه التي تشدّه شدّا. اذا هو اعراض عن الدنيا في لحظات حتى لا تستولي على الانسان فتكون همّه الأول والأخير.

وبهذا فإنه يمكننا أن نقول أن من يصوم عن لحظات من سهرة بين الأصحاب لكي يُصلّي وأن من يصوم عن لحظات من عمل يكسب منه مالا لكي يُصلّي وأن من يصوم عن لحظات من الاسترخاء لكي يُصلّي وأن من يصوم عن ركض مستمر لكي يُصلّي فإنه سيكون مُدرّبا مُهيئا لكي يصوم من نهاره اذا أقبل. ان فكرة الصوم لن تكون عليه غريبة، لأنه كان قد تدرّب عليها وذوّتها من خلال الصلاة.

***

من صلاة الى حجّ

لو جاء أحدهم وأراد أن يحجّ البيت من مكان قصي فور دخوله الى دين الله، ثم واجه من عناء السفر ما واجه، حتى انه لصار يُفكّر في الرجوع والعدول عن الحجّ، فإنه لربما ارتدع عن الدين ولربما ظنّه عسيرا صعبا لا يُطاق. ذلك أنه لم يمرّ بتهيئة تجعله يُذلّل الصعاب وبتدريب يجعله يرى الصعب سهلا والمستحيل ممكنا. والصحيح أن ذلك ليس من الأوهام ولا من التخيّلات، فنحن نعلم أن التدريب يُسهّل الصعاب ويُذلّلها وأن من دأب على فعل الصعب فإنه سيرى الأصعب سهلا لينا يسيرا. على سبيل المثال، من يبدأ بحمل الأوزان لتنشيط العضلات وبنائها، فإنه ان تدرّج في الأوزان فسيرى بعد مدّة أن ما كان يراه صعبا مستحيلا أضحى سهلا ممكنا. كذلك الأمر في حال الحجّ فإنه يحتاج الى تهيئة وتدريب.

من دأب على صلاة المسجد في البرد والحر، من دأب على أن ينتزع نفسه من حياته خمس مرات من يومه ليتفقّد روحه وصلاته، من دأب على أن يكون من المشّائين في الظلم الى المساجد، من دأب على أن يوقظ نفسه قبل فلق الصبح ليلحق بصلاة الفجر، من دأب على كل ذلك، فإنه يمكننا أن نقول أنه قد دأب على "الحجّ الأصغر" وأتقنه. وبذلك فإنه صار مهيّئا للحجّ الأكبر، انه صار مُدرّبا على البذل المتفاني والتعب والاجتهاد من أجل المحافظة على الطاعات، والأهمّ من ذلك كلّه أنه صار مهيئا تهيئة عقلية ونفسية للحج الأكبر، فهو وان واجه عائق أو صادمته تحدّيات فإنه لا ينكسر أمامها، لأن عنده هدف ينتظر بلوغه ولن يرجع دون تحصيله.

اذا هي تهيئة جسدية، نفسية وعقلية. أما فيما يتعلّق بالجسد فقد أوضحنا أنه ان دأب الانسان على الحجّ الأصغر (على سبيل المثال، المداومة على صلاة المسجد وصلاة الجماعة والاجتهاد في تحصيلهما رغم كل الظروف المُعيقة) فإنه سيكون قادرا على بلوغ الحجّ الأكبر. وأما النفس فإنها ان ربت على الحجّ الأصغر، وان آمنت بعظم الحج الأكبر، فإنها ستحشد قواها الذاتية وستكبح مثبّطاتها لتنال الغاية. ان تعوّدت النفس على الصلاة وصارت عندها طقسا لا يجب أن يفارقها، وان أحيت القبلة فيها حبّ البيت والشوق للقياه، فتلك هي التهيئة. وأما العقل فإنه ان استساغ البذل والتضحية وان ثبتت فيه غاية البلوغ، بلوغ الهدف، فإنه سيحشد كل خططه لينال هدفه وغايته. وبذلك تكون الصلاة بكل تفاصيلها وارهاصاتها موصلا ومعينا على الحجّ الأكبر.

***

 من صلاة الى فعل خيرات

اذا تأمّلنا في الصلاة فإننا نرى فيها مفهوم الخير، ان كان ذلك على المستوى الفكري أو العاطفي أو السلوكي. فعلى المستوى الفكري هي تُحرّك في الانسان التفكير المنطقي الواسع الذي ينظر في ميزاني الدنيا والآخرة بخلاف ذلك التفكير المادي الذي ليس فيه بُعد نظر. انها تدعو الناس من خلال الآيات التي تُتلى خلالها الى التفكّر في خلق الله وفي آياته الكونية والى امعان النظر في السنن الكونية والى الالتفات الى مفهومي الجزاء والعقاب. انها تقول للإنسان أن اذا أحسنت فسينالك جزاء موفورا واذا أسأت فسينالك العقاب، وتُفصّل له الطريق الموصل الى برّ الأمان، ذاك الطريق الذي أساسه العدل وميزته العمل الصالح. وكم من آية تدعو الى العدل؟! وكم من آية تأمر بالأعمال الصالحة؟! وكم من آية تدعو الى اطعام الفقير والمحتاج؟! وكم من آية تدعو الى الإحسان الى الوالدين وذي القربى والناس عامة؟!

ومن ناحية عاطفية، فإن الصلاة تُحيي في النفس أحاسيسا عالية تلامس الروح وتحوم في فلكها. تلك الأحاسيس هي مزيج من حُبّ وشوق وشعور بالقرب من الله الرحمان الرحيم، وتذّلل وخوف من عقاب الخالق. فهي اذا تُحيي الروح وتبعث فيها نبض الحياة من جديد، وتُهذّب الغرائز وتضبطها. فهل ذلك يُعدّ خيرا أم شرا؟! أليس الخير كل الخير يكمن في احياء الروح وفي احياء الانسان وتهذيب الغرائز؟! ألا يُخرج ذلك بذرة الخير التي داخل الانسان فيُنبتها ويرعاها ويسعى الى نموها ويُميت بذرة الشر التي يمكنها أن تجعل من الانسان شيطانا في جسد بشر؟!

وأما من الناحية السلوكية فكل حركاتها مُنتظمة ومُطمئنة، هي تجمع الناس في صعيد واحد متآزرين متكاتفين متجهين الى نفس الغاية رافعين أكفّ الضراعة الى ذات الخالق، وهي تفرض جوّا من السلامة والوداعة على من يقدمها وجوّا من الحُرمة والتعظيم على من يأتي اليها. ولنا أن نلاحظ أقوال الناس اذا اشتاط أحدهم غضبا داخل المسجد: "لأجل حُرمة المسجد فسأكظم غيظي"...

من هنا فإننا نخلص الى أن الصلاة من أعمال الخير بلا شك ومن أقامها فإنه سيكون مهيّئا لفعل الخيرات. انه سيكون مُدرّبا على فعل الخير في البيت، في الشارع، في العمل وبين الناس، وبالتالي سيكون الخير حاضرا عنده في ذهنه وعاطفته وسلوكه.

***

من صلاة الى انتهاء عن منكرات

يمكننا أن نلاحظ أنه بأداء الصلاة فإن الانسان يقوم بالإنتهاء عن الكثير من الأعمال أثناء وقت الصلاة، ومن بين الأمور التي ينتهي عنها المنكرات. انه كان بإمكان الانسان وبدلا من أن يذهب الى أداء الصلاة، أن يذهب الى مرقص وأن يحتسي ما شاء من المسكرات، أو أن يرافق الغواني فينعم بحُسنهنّ ويُشبِع بل ويُحفّز شهوته على الدّوام، أو أن يسرق مالا أو أن يُقامر أو أن يغمط الناس حقوقهم. ولكنه رغم تواجد هذه الأعمال في المحيط ورغم تواجد الاغراءات التي تُودي اليها، فإنه يُعلن تفضيله للآخرة الباقية على الدنيا الفانية، إنه يعلن اختياره الطريق الموصل الى الله بدلا من طرق الضلال، إنه يعلن ايمانه بالله وكفره بالطاغوت.   

لذلك فإنه يمكننا أن نرى في الصلاة نفسها انتهاء عن منكرات كانت يمكن أن تُرتكب بدلا منها. هذا الانتهاء المحدود في وقت الصلاة يُربّي ويُدرّب على الانتهاء في سائر الأوقات، فمن تدرّب على الانتهاء عن المنكرات خمس مرات في اليوم من خلال أداء الصلاة، فإن ذلك سيُلقي بظلاله على سائر الأوقات التي تكون بين الصلوات. وبذلك تُحقّق الصلاة غايتها المرجوّة، فتنهى مُقيمها عن اتباع الشهوات اتباعا أعمى، وتنهاه عن الظلم وعن سوء الخُلق وعن كل ما يتصلّ بالتصرّف الشهواني البعيد عن العقل والروح. يقول تعالى: "وأقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" (العنكبوت، 45).

وبهذا لا تكون الصلاة مُجرّد شعيرة تُؤدّى وينتهي الأمر، وانما تكون مُربّيا ومُدرّبا على حُسن الخلق وعلى الاحسان وعلى فعل الخيرات بشكل عام، وهي ذاتها تنهى الانسان عن سوء الخلق وعن الظلم وعن المنكرات عموما. بمعنى أنها تكون هي المُوصلة الى غيرها من العبادات والأعمال الصالحة ولذلك فهي عماد الدين وأساسه. وهي تفعل كل ذلك من خلال تفاصيلها الدقيقة التي تعمل على احياء الروح وتنشيط العقل لئلا يبقى حبيس المادة ولكن لينظر في ميزاني الدنيا والآخرة، في مفهومي الثواب والعقاب، وهي تعمل أيضا على تهذيب الشهوة لئلا تكون مُحرّك الانسان الحصري. ان كل ذلك سيُلقي بظلاله على تصرّف الانسان وعندها يمكننا أن نرى فعلا لخيرات وانتهاء عن منكرات.

هناك 5 تعليقات: