22.8.15

من كمِثْلِ عمر؟


نظرة في مسلسل الفاروق عمر

يمكنني أن أقول بكل ثقة أن هذا المسلسل هو أفضل المسلسلات التي رأيت على الإطلاق، وانه ليحزّ في نفسي ما سمعت عنه من انتقادات لاذعة وما رأيت من محاولات لمنع عرضه. ولربما قد أصابني هذا الهجوم المؤسف على مثل هذا العمل الفني الراقي والمهم، فرغم أني كنت أمقت ما قد قيل في الترويع من مشاهدته الا أن حماس مشاهدته قد انطفئ عندي فلم أشاهده الا بعد سنتين من بثّه.

والملفت للنظر أن عمرا كان من أشدّ الناس على المسلمين قبل إسلامه، غير أن ذلك لم يكن من دافع المكابرة والعناد ولكنه على ما يظهر كان من حبّه وحرصه على قومه. فهو لم يكن يُريد أن تتفرّق كلمتهم زيادة على ما كنت مُتفرّقة ولم يكن يُريد أن تصيبهم الفتنة فتنغّص حياتهم. ولكنه لما رأى ما صار يبدر من أبناء قومه من عداوة وحقد وتعنيف وبالمقابل ما كان يرى من أصحاب النبي من الوداعة وحسن الخلق، صرّح أن أخلاق القوم قد فسدت وراح يُقلّب حساباته من جديد. وعندها جاءت اللحظة الفارقة في المسلسل التي أعلن فيها عمر اسلامه وأخذ يُجاهر بذلك، فما كان من أخيه زيد الا أن وصف حاله قبل الإسلام قائلا: "لقد كنت جبّارا يا عمر"، فقال عمر: "ولن تجدني في الإسلام خوّارا". وقد صدق من قال أن مكة قبل إسلام عمر ليست كمكة بعد إسلامه. فيا له من رجل أعزّ الله به هذا الدين وأهله، فقد صدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين"، فعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب عزّا لم يُشهد له مثيل.

ولن يتّسع المجال هنا لسرد انجازاته الجريئة والكثيرة، ولكني سأذكر انه هزم أعظم امبراطورية في زمانه ألا وهي امبراطورية فارس وفتح بيت المقدس ومصر والشام واليمن، فهابته كل الأرض. والعجيب أنه رغم هيبته وشدّته التي كان واعيا لها فقد كان عمر الخليفة من أكثر الناس تواضعا، اذ هو لم يسمح لمعدته أن تأكل اللحم ما لم يشبع أطفال المسلمين ولم يختصّ آل بيته بنفقة دون المسلمين، ولكنّه كان يرتدي أبسط الثياب وينام دون حراس حوله حتى قيل له: "عدلت فأمنت فنمت يا عمر". فهل هناك من قادة زماننا من بإمكانه أن يجمع بين الهيبة والتواضع والعدل؟! أم أن الحُكم عندنا لا يرتبط الا بالعجرفة والبذخ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق