2.8.15

مكارم الأخلاق


الأخلاق، ما هي ؟

في معرض حديثه عن الأخلاق، يقول علي عزّت بيجوفيتش: "ليست الأخلاق كما عرّفها الرواقيون (الحياة في انسجام مع الطبيعة)، انما هي على الأرجح الحياة ضد الطبيعة، بشرط أن تكون كلمة طبيعة مفهومة بمعناها الصحيح. الأخلاق كالإنسان هي أيضا لا عقلانية .. لا طبيعية، بل فوق طبيعية. فلا يوجد انسان طبيعي ولا أخلاق طبيعية. فالإنسان في حدود الطبيعة ليس انسانا، بل هو على أحسن الفروض حيوان ذو عقل. وكذلك الأخلاق - محدودة بالطبيعة - ليست أخلاقا انما على الأرجح شكل من أشكال الأنانية .. أنانية حكيمة مُستنيرة". وقد أرفق بيجوفيتش في الهوامش ملحوظة تُحاول ايضاح المعنى الذي ترمي اليه كلمة طبيعة: "ذكر بعضهم أن كلمة طبيعة تُستخدم في 52 معنى مختلفا. ونحن نعني بها في هذا السياق جميع الحقائق فيما وراء جوهر الانسان، ومن ثم فهي تعني عالم الإنسان الدنيوي مشتملا على جسمه وذكائه وكل ما يتّصل بهما".

ولا شكّ أن بيجوفيتش قد أوضح من خلال قولته هذه هشاشة الإلحاد الأخلاقي، ليصل الى النتيجة أنه يوجد مُلحدون على أخلاق ولكن لا يوجد إلحاد أخلاقي. ومرجع ذلك الى أن الإلحاد يحصر نظرته في المادة، في المُدرك، في الطبيعة، وبذلك عندما يُحاول تفسير السلوك الأخلاقي فإنه يُفسّره بمنظار مادي مثل المصلحة والخوف من العقاب وغيرهما. وهكذا فإن النظرة المادية تتنازل عن جوهر الأخلاق الما ورائي والفوق طبيعي. ويبدو أن استخدام كلمة طبيعة في هذا السياق (ورغم ايضاح معناها المقصود) لم يكن مُوفّقا، وانه كان من الأجدر استخدام عبارة "الطبيعة الحيوانية". ذلك لأننا نؤمن أن البذرة التي تكون مُهيّأة لتقبّل الأخلاق والسلوكيات الأخلاقية تكون هناك منذ الولادة وهذه البذرة تُسمّى "الفطرة". اذا ما تمّ تنشئة هذه الفطرة تنشئة سليمة فإنها ستثمر عن الأخلاق. الى جانب الفطرة، تُولد مع الانسان الغريزة الحيوانية التي ان أُطلق لها العنان فإنها تأخذ بالإنسان الى سلوكيات حيوانية وان ضُبطت فإنها تُفضي الى السلوكيات المقبولة اجتماعيا. بيجوفيتش نفسه يدعم هذه الثنائية (ثنائية الفطرة والغريزة) عندما يقول: "ان المساحة الجوّانية للإنسان شاسعة تكاد تكون لا نهائية. فهو قادر على أبشع أنواع الجرائم وعلى أنبل التضحيات". بكلمات أخرى، فإن الأخلاق تقف ضد الطبيعة الحيوانية الغريزية ولكنها تقف مع الطبيعة الانسانية الفطرية. تجدر الإشارة الى أن الأخلاق لا تكبت الغريزة ولكنها تضبطها وتوجّهها بما يتناسب مع الفطرة والسلوك الأخلاقي والاجتماعي المقبول. 

واننا نتّفق مع بيجوفيتش على أن الأخلاق تتعدّى حدود العقلانية، حدود المنطق الانساني، فكل انسان وكل فريق يمكنه أن يُسوّغ لنفسه وأن يُصدر التبريرات وأن يُشرعن أفعاله. ولذا جاء الوحي الربّاني ليُرشدنا في حيرتنا، ليُخرجنا من تخبّطنا، ليُنقذنا من تلاعب الفُرقاء بنا، فيرسم لنا خارطة أخلاقية، يستعصي على البشرية كلها أن تهتدي اليها دونه. ولكن بعد أن سلّمنا بهذه الأخلاق وآمنا به واستيقنتها قلوبنا، فإنه لا مانع من أن نبحث في الحكمة من ورائها وأن نبحث في اسقاطاتها علينا وعلى مجتمعنا وفي اسقاطات انعدامها، مما يعزّز بلا شكّ ايماننا ويجعله ايمانا نيّرا وواعيا، ولهذا كانت سلسلة المقالات هذه.

***

لِمَ الأخلاق ؟

المقاصد الفردية

للأخلاق مقاصد كثيرة نُجملها في مقصدين أساسيين. أما الأول فهو الجانب الفردي. عندما يستمسك الانسان بالأخلاق فإنه يُخرج ما به من خير ويُخرج ما به من حبّ وعطف واحسان وغيرها من صفات حميدة. ولا شكّ أن نزعة الخير موجودة في الانسان منذ الولادة (هي التي تُسمّى بالفطرة) وهي يمكنها أن تتطوّر أو أن تتقهقر بحسب البيئة التي وُلد اليها الانسان وبحسب اختياره ولكنها بكل الأحوال لا تختفي تماما، اذ يمكن اعادة احيائها اذا ما عزم الانسان على ذلك. وعندما يُخرج الانسان ما به من خير عبر أخلاقه، فإنه يرى الخير الذي كان مختبئا داخله، يراه شاخصا أمامه ويسمعه ويحسّه. انه يجعله حيّا محسوسا وعندها يمكن لحواس الانسان أن تلتقط هذا الخير مرة أخرى فتُعيده الى الانسان فينتشي ويرتاح وتسكن نفسه اذا ما رأى ما بدر عنه من خيرات. انه يرتاح وقتها ويرتاح ما بعدها، ذلك لأنه يبقى يأمل أن جميله الذي فعله سيُثمر عن جميل، فإن ضاق حاله فسيجد من يساعده وان طرق بابا فسيجد من يُلبّيه. وهذا الاثمار يُمكن أن يكون على أيدي البشر الذين أرادوا هم أيضا أن يُحسنوا الى من أحسن اليهم أو الى من عُرف بإحسانه، وبكل الأحوال فإنه سيُثمر عن جزاء وثواب من عند الخالق. يقول تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" (الرحمان، 60).

ثم ان أخذ الانسان بالأخلاق ليجعله يُحقّق انسانيته غاية تحقيقها. ومرجع ذلك أن الانسان يملك حرية الاختيار، فهو يمكنه أن يختار نزعة الشر أو أن يختار نزعة الخير، بعكس الكائن الحيواني الذي وان بدرت منه تصرّفات "أخلاقية" (كعطف الحيوان على صغاره) فإن ذلك يكون جراء الإلهام الذي أودعه الله فيه وليس نتيجة لحرية اختيار ما بين خير وشر. الا أن الانسان الذي يأخذ بالأخلاق، يختار عمليا أن يكبح جماح نزعة الشر وأن يُطوّر من نزعة الخير وذلك بعد أن أعمل عقله وتفكّر وفكّر فاختار الخير على الشر. وقد كان بإمكانه أن يختار الشر، ولكنه اختار الخير واختار أن يستمسك بالأخلاق بعد أن أعمل عقله، وبذلك هو حقّق أسمى معاني الانسانية. انه لم يُخلق ملاكا ولم يُخلق حيوانا ولكنه خُلق انسانا فيه من نزعة الخير ومن نزعة الشر وعندما اختار أن يُغلّب الخير على الشر، فإنه اختار عمليا أن يكون انسانا في أبهى صورة.

يتبع ...

***

لِمَ الأخلاق ؟

المقاصد الجمعية

أما المقصد الأساسي الآخر للأخلاق فهو الجانب الجمعي، أي اجتماع الانسان بالإنسان والبناء المجتمعي بشكل عام. عندما يستمسك كل واحد من أبناء المجتمع بالأخلاق فإنه بذلك يُحقّق وظيفة الإستخلاف التي أرادها الله لنا. يقول تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة". ذلك أن هذا الانسان يسعى الى نشر الخير بين البشر وفي الأرض. انه ان رأى فقيرا فإنه يُطعمه من القليل الذي معه، وان رأى ضريرا فإنه يركض اليه ليعبر معه الشارع، وان رأى من يحتاج الى مساعدة ركض نحوه واقترح عليه، وان رأى شرّا حاول اصلاحه بأحسن الطرق وأنجعها، وان رأى خيرا فإنه يفرح ويدفع نحو ابقائه وان باغته شر فإنه يحزن ويُحاول معالجته. بمعنى أن الخير الذي داخله لا يبقى حبيس الدائرة الضيّقة التي يعيش فيها، ولكنه يتعدّاه الى أبعد الحدود وينتشر منه الى حيث دبّ وحيث لم يدبّ.

واذا ما انتشر هذا الخير بين الناس، تنظّمت حياتهم وصار كل واحد يعرف ما له وما عليه ولم يعتدِ أحد على أحد. فالسرقة هي اعتداء والغشّ هو اعتداء والخداع هو اعتداء والظلم هو اعتداء والافتراء هو اعتداء والسخرية هي اعتداء والقتل هو اعتداء. فإذا ما انتشر الخير بين الناس فإننا نتوقّع أن تنحسر هذه الأمور التي هي ضدّ الخير، ولكننا لا نتوقّع اختفائها عن وجه هذه البسيطة بأي حال من الأحوال. هذا النظام وذاك الاحترام المُتبادل للحقوق والواجبات يُوصل الى توطيد العلاقات ما بين بني البشر، ذلك لأنه يمكن للأمان الذي يسود أن يبني عند الواحد ثقة بأخيه الانسان وأن يبني عنده ثقة بمجتمعه. واذا ما توطّدت العلاقات، فإنه يمكن للسعي المجتمعي المشترك أن يبدأ وذلك في سبيل بناء الحضارة وتشييدها وتأسيس الثقافة واثراءها. انه ان تضافرت الجهود كان بالإمكان بناء الحضارة والثقافة، وهذا هو غاية الاستخلاف في هذه الأرض.   

***

الصدق هو الأساس

الصدق هو أساس كل خير والكذب هو أساس كل شر. ذلك أنه من كان صادقا مع نفسه، صعب عليه أن يكذب عليها وأن يخدعها بمبرّرات وتسويغات لا يقبلها عقل ولا منطق. فلا يخطر على باله، على سبيل المثال، أن يرتكب جريمة قتل ومن ثم يُسوّغ لنفسه أن المقتول كان يستحقّ ذلك وأنه لم يفعل فعلته الا لأنه كان يريد أن يُلقّنه درسا قاسيا لا ينساه أبد الدهر. انه لا يسعى الى اعطاء مُبرّرات لأفعال مُشينة ينوي أن يرتكبها (ولذا فهو لا يفعلها ويمتنع عنها) وانه لا يرمي الى تبرير أفعال تُخجل الضمير الحيّ. وبذلك فهو لا يقع في فخّ الكذب على الذات والبعد عن الحقيقة ولكنه يبقى مُستمسكا بالعقل الصريح وبما أهداه ربّه من هدي كيّما لا ينجر وراء التبرير والانخداع.

كما أنه لا يسعى الى تغييب نفسه ولا يطلب أن يُحال بينها وبين الحقيقة ولكنه على العكس من ذلك يريد زيادة الوعي بها وهو يسعى الى ابصارها على حقيقتها. انه لا يشبعها وهما مريحا ولكنه يدفعها نحو الحقيقة وان كانت مُرّة. بمعنى أن العلاقة التي تكون بين الانسان ونفسه في هذه الحالة تكون علاقة مُنفتحة، علاقة صادقة، علاقة صريحة، فهو من جهة لا يُخبّئ عن نفسه ولا يخدعها، ومن جهة أخرى هو يسعى الى زيادة وعيه بنفسه والى النظر فيها كما هي. هذه العلاقة الصادقة تُثمر عن ثقة بين الانسان ونفسه، اذ هو يعيش بانسجام داخلي وعنده وعي بذاته ولذا فهو لا يخاف من البيئة ولا يخاف مما يحدث وسيحدث معه، فهو يُدرك أنه في مكان آمن مع نفسه وأن لا شيء يدعوه الى التغطية والى التسويغ والى التبرير. انه ان أصاب عرف أن ذلك من الأخلاقيات التي زرعها الله فيه، وان أخطأ عن قصد أو عن غير قصد نظر الى خطئه دون تسويغ أو تبرير محاولا أن يفهم ما دفعه الى ذلك.   

ومن تعوّد على الصدق مع نفسه، لم يدعه شيء الى أن يكذب على الآخرين، فهو لا يحتاج الى أن يُغطّي على أفعال شنيعة ارتكبها ولا على نزوات ظاهرة عنده لأن هذه الأفعال الشنيعة غير موجودة عنده أصلا. ان باطنه مشرق وما من شيء مُخجل حتى يُخبّئه وما من شيء فاحش حتى ينكره وما من قلب أسود حتى يُخفيه عمّن حوله. بمعنى أنه لا يتعامل مع الآخرين وهو يخاف أن يكتشفوا وجهه الحقيقي ولكنه يتعامل معهم بثقة لأنه يعرف ما عنده وهو واثق بما عنده وهو يعلم أن ما عنده يسرّ الخاطر. انه لا يتصرّف وفقا لمنطق الخائف ولكن بمنطق الواثق، وهذه الثقة تصل الى الآخرين وتُساهم في بناء العلاقات الواثقة معهم. فكما أنه لا يكذب على نفسه فهو كذلك لا يكذب على الآخرين، اذ لو أراد أن يُنبّه أحدا الى سوء عنده لم يذكر ذلك من وراءه ولكنه يضع ذلك بين يديه وبأسلوب حسن. وكذلك فإنه من كان صادقا مع الآخرين لم يغشّ ولم يخدع ولم يسخر ولم يظلم ولم يفترِ.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ ( أي يبالغ فيه ويجتهد ) حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا". والبر كلمة جامعة تدل على كل وجوه الخير ومختلف الأعمال الصالحات، والفجور في أصله هو الميل والانحراف عن الحق.

***

كيف يُبعدنا الكذب عن ذواتنا ؟

هناك من يمكنه أن يقول: "أنا سرقت لأني محتاج للمصاري، وبعدين اذا اللي معهم مصاري ما بدهم يعطوا اللي ما معهم، احنا منوخذ حقنا منهم بالقوة"، ويمكنه أن يحلف أيمانا مغلّظة على صدق حاجته، ويمكنه أن يجلب التبريرات الدينية وغيرها: "ربنا قال انه للفقير حق محفوظ عند الغني، مش أنا". ومن الناس من يمكنه أن يقول: "أنا بسكر لأنه هموم الحياة هاي الأيام كثيرة وما في حدا بقدر يتحمّلها بدون ما يسكر شوي". ومنهم من يمكنه أن يقول: "أنا أقتل هؤلاء الناس لأنهم خرجوا عن طاعتي ولأنهم أرادوا أن يسرقوا البلاد وأن يعيثوا فيها فسادا". وكم من مرّات سمعنا فيها تبريرات خصوصا على نسق التبرير الأخير: "هم كفار ولذا لا مانع من سفك دماءهم"، "انهم يريدون نشر مذهبهم بيننا فلنقاتلهم قبل أن يتمكّنوا من ذلك". ونحن نسمع هذه التبريرات وهذه الخدع في سبيل ابادة أمم وجماعات وشعوب.

وهذه التبريرات هي مواقف دفاعية تدلّ على أن القائل يُدرك في جوّاه أنه يرتكب جرما أو اثما ولكنه بالرغم من ذلك يختار أن يذبّ عن فعلته وأن يكذب على نفسه وأن يقنع نفسه أن ما يفعله صحيح بسبب كذا وكذا. وهو يصل الى درجة عالية من الايمان بفعلته، حتى أنه ليمكننا أن نقول عنه: "كذب الكذبة وصدّقها". انه كذب على نفسه عندما أخبرها أن قتله لهؤلاء البشر مسموح به، وجرّاء الممارسة والاعتياد والتسويغ المستمر والدعم الزائف الذي يحظى به، صار يؤمن أنه في المسار الصحيح وأنه يجب أن يستمر.

في علم النفس هناك ما يُعرف بالـ "Cognitive dissonance"، وهي نظرية تدّعي أن الاستمرارية (الاستمرارية بنفس النهج وبنفس المواقف) هي دافع مركزي عند الانسان. الانسان الذي يؤمن بموقف معين ولكنه يتصرّف خلافه، سيشعر بشعور غير مريح ولن يحسّ بانسجام في ذاته. عندها يمكن لهذا الشعور أن يجعله يُغيّر موقفه الذي يؤمن به أو أن يُغيّر تصرّفه. فمثلا، الذي يدرك في أعماقه أن السرقة هي ممنوعة ولكنه يفعلها بالرغم من ذلك (على أثر الظروف الصعبة) سيشعر في بادئ الأمر بشعور غير مريح، ولكي يتغلّب على هذا الشعور يمكنه أن يبدأ يُسوّغ لنفسه فيصير يعتقد أن السرقة مسموحة في حالات معينة. والذي يقتل يمكنه أن يُغيّر من موقفه ليصير يؤمن: "انه كان من الضروري قتله حتى لا يعيث في الأرض فسادا". وانه لمن الواضح أنها تسويغات واهنة وتبريرات ضعيفة يمكن تحطيمها في ثوان معدودة، فالعقل الصريح يرفضها ويستهجنها من فوره، ولكن على الرغم من ذلك تجد من يؤمن بها ومن تصير حجّته وتبريره، وهنا يمكن رؤية البعد عن الذات بجلاء. انه لو حاورت مثل هذا الشخص لاكتشفت أنه يؤمن في جوّاه أن فعلته شنيعة وأنها جرم ولكنه يُحاول أن يُقنع نفسه وأن يدافع عنها كي يعيش بسلام مع ذاته، بالرغم من وجود مثل هذه الأعمال المُشينة في حياته.

***

كيف يُبعدنا الكذب عن الحقيقة ؟

لو افترضنا أن عالما قام بتزييف تجربة علمية وأن مقاله قد نُشر في مجلة علمية عالية الشأن دون أن تتمّ ملاحظة الزيف الذي افتعله، مما أسفر عن ملاحم بين العلماء ومناظرات وحوارات لا نهاية لها، على أثر النتائج المختلفة التي سطّرها العالم السابق ذكره. انه قد أحدث ضجّة علمية كبيرة وامتصّ كثير من الجهود العلمية ولربما أحدث بلبلة كبيرة في أواسط العلماء، وكل ذلك في سبيل مآرب شخصية خسيسة. انه فضّل مصلحته الشخصية وشهرته العلمية ووضعها فوق مصلحة الكل، انه ضحّى بالعلم وأساء له وأشغله عن قضايا أخرى بدلا من أن يكون مُعينا على تطوّره وعلى بنائه. والحقيقة؟ انه قد نحر الحقيقة وتنازل عنها منذ زمن، لما أن قال أن لديه نتائج علمية جديدة ومختلفة، ليخلط بفعلته الحقيقي بالمُزيّف والصدق بالكذب والصحيح بالخطأ.

ولو كذب أحدهم على شخصية معروفة أو على دين معين، لاختلطت كذلك الحقائق بالأباطيل ولتاه الناس بين من يدّعي الحقيقة كذبا وبين الحقيقة عينها ولربما ضلّ كثير طريقهم على أثر هذا التلبيس. ولذا جاء الوعيد شديدا على من افترى على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم شيئا لم يقله: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

واننا لنرى أنه في كلا الحالتين – حالة الكذب العلمي وحالة الكذب الديني – وفي حال الكذب بشكل عام، هناك بُعد عن الحقيقة. اذ أنه يصير من الصعب التمييز بين الصحيح والخطأ، بين الحقّ والباطل، بين الحقيقي والمُزيّف، على أثر ادخال الافتراءات والنزوات الشخصية التي لا تسعى أصلا الى البحث عن الحقيقة، فكيف لها أن تُحصّلها ؟! ولكننا نقول على الرغم من ذلك، أنه لو التبست الحقائق سنينا ولو جرّ البحث عنها جهودا ولو طال غيابها ولو تعمّق الشكّ وافترق الناس، فلا بدّ للحقيقة أن تظهر في النهاية ولا بدّ لبني البشر أن يهتدوا اليها بمساعدة الارشاد الإلهي.

***

علاقات اجتماعية مُهدّدة

اذا ظهر الكذب بين شخصين اثنين، فإن ذلك يمسّ بصدق العلاقة التي بينهما وبالتالي يُضعفها ويُضعف الثقة المتبادلة التي هي أساسها. انه عندما تخرج العلاقة عن دائرة الصدق فإن الشكوك تبدأ تحوم حول كل قول يصدر من الآخر، ذلك أنه يمكن أن يكون قولا صادقا أو كاذبا. واذا أردنا أن ترجع العلاقة الى دائرة الصدق التي كانت فيها، فإنها تحتاج الى اقناع بالطارئ الذي حصل (ما الذي دعا الشخص الى الكذب؟) والى فترة فحص واختبار تعتريها المُسائلات والشكوك. ذلك في العلاقة بين شخصين، فما بالنا ان انتشر الكذب بين الناس؟ فإذا ما ظهر الكذب بين الناس، لم يعد الواحد يُميّز بين الصدق والكذب أو بين الحقيقة والتدليس، مما يجعل الناس تتلخبط لترى أحيانا الكذب صدقا والصدق كذبا.

وعندها فإن الوضع الطبيعي يكون أن الانسان مشكوك في كلامه حتى يمرّ فترة فحص يثبت فيها صدقه، بمعنى أن الوضع الغير مألوف والطارئ هو أن يكون الانسان صادقا. ذلك بدلا من أن يكون الوضع الطبيعي هو أن الانسان موثوق في كلامه وصادق في أقواله. ولنا أن نتخيّل مدى التكلّف الذي سينجم عن ذلك ومدى القلق النفسي الذي سيعيشه الناس. فإن أرادت شابة أو أراد شاب أن يتزوج فإنه لا يكفيه ما يسمعه من الشخص نفسه ومن المحيطين به ولكنه يذهب الى استعمال التحقيق والمُسائلة والى الطرق التي تعمل على نسق جهاز كشف الكذب. واذا ما أراد أحد أن يسافر من دولة الى أخرى فإن الفحوصات الأساسية لا تفي بضرورة الأمن مما يستدعي فحصا دقيقا يُنفَض فيه الانسان نفضا حتى يُثبت لهم أنه بريء وأنه صادق في قوله.

انه اذاً انعدام للثقة المتبادلة بين الناس وانعدام للثقة المتبادلة بين الحكومة والشعب، فالكل يعتبر الكل كذابا أو على الأقل مشكوكا في صدقه حتى يثبت عكس ذلك. هذا الاحساس الشاكّ الذي يبثّه كل انسان تجاه أخيه الانسان في مجتمع مريض كهذا، والذي يتلقى مثله في حالات أخرى، يُهدّد العلاقات الاجتماعية بين الناس بل وينسفها نسفا ويقضي عليها. ان العلاقات الاجتماعية تضمحل الى أبعد الحدود، ذلك أن الواحد يحاول أن يمتنع عن دائرة الشك الثقيلة على النفس، واذا ما كانت علاقة اجتماعية فإنها تكون سطحية في الغالب بعيدة عن المشاركة النفسية العميقة أو انها تكون مُزيّفة يُظهر الواحد فيها ما لا يتلاءم مع مكنوناته القلبية. وهل بعد كل هذه الشكوك وهذا الزيّف وهذه الوحدة راحة نفسية؟ كيف يمكن للراحة النفسية أن تكون وأنت تشكّ في الآخر وهو يشكّ فيك؟ كيف يمكنها أن تكون والعلاقات الاجتماعية ضحلة والوحدة التي يشعر بها الانسان أكبر من أن تُوصف؟ كيف يمكنها أن تكون والمشاركة النفسية الصادقة شبه معدومة؟ كم يمكن للجوف أن يحتمل في بيئة كاذبة شكّاكّة؟

***

انهيار حضاري وثقافي

يُعرّف علي عزّت بيجوفيتش في كتابه "الاسلام بين الشرق والغرب" الحضارة على أنها "استمرار للحياة الحيوانية ذات البعد الواحد، التبادل المادي بين الانسان والطبيعة. هذا الجانب من الحياة يختلف عن الحيوان فقط في الدرجة والمستوى والتنظيم". بمعنى أن الحضارة تتجّه بالأساس الى الماديات. فخامة العمران، البنى التحتية، المدن الراقية، التقدّم الصناعي والتكنولوجي والتقدّم العلمي، كل ذلك يتبع الى الحضارة. فإذا ما ساد الكذب في المجتمع وانتشرت الشكوك وصار الواحد لا يثق بأخيه الانسان، فكيف له أن يضع يده في يده لكي يتعاونوا معا على بناء الحضارة؟! على سبيل المثال، لو أراد شخص أن يبني بيتا (مظهر من مظاهر الحضارة) ولم يجد عامل البناء الذي يثق به وبعمله، فكيف له أن يبنيه؟! ولنفرض أنه استطاع اتمام البناء، فإن ذلك لن يكون الا بعد عناء كبير في ايجاد العامل الصادق أولا ومن ثم في محاولة تدارك البناء ان ظهرت مماطلة العامل أو ظهر عدم اتقانه لعمله!

ومرجع ذلك الى أن الحضارة لا يمكن بناؤها على يدي فرد واحد ولكنها تحتاج الى أيدي تتوافق على بناء الحضارة. فإن كان هناك من يريدون تشييد البناء الحضاري ولم تتواجد الأيدي الكثيرة، لم تنشأ الحضارة أو ان نشأت فإنها ستنشأ بصعوبة وستكون بدائية. وان تواجدت الأيدي ولم يتواجد من يريدون ومن يتفقون على تأسيس البناء الحضاري، صَعُبَ أو حتى استحال بزوغ الحضارة. وان تواجدت الأيدي وتواجد من يريدون الشر كإشعال الحروب الطائفية التي لا نهاية لها، فليس فقط أن البناء الحضاري لن يتطوّر ولكنه سيندثر. انه ان لم تكن هناك ثقة متبادلة بين الناس فإن الأيادي لن تتشابك ولن تتضافر الجهود وستبقى هناك جهود فردية عاجزة عن تشييد بناء حضاري.

أما الثقافة فإن بيجوفيتش يعرّفها على أنها "تبدأ بالتمهيد السماوي بما اشتمل عليه من دين وفن وأخلاق وفلسفة، وستظل الثقافة تُعنى بعلاقة الانسان بتلك السماء التي هبط منها، فكل شيء في اطار الثقافة اما تأكيد أو رفض أو شك أو تأمّل في ذكريات ذلك الأصل السماوي للإنسان". هذه الثقافة لا يمكن أن تتواجد ما دام الكذب منتشرا، لأنها تنبني على الأخلاق وعلى الصدق. ولو تواجدت الجهود ولو تضافرت في سبيل تطوير الثقافة في مجتمع يقوم على الكذب واللا أخلاق، فإنها لن تنشأ ثقافة بأي حال من الأحوال، ولكن ما يمكن أن ينشأ هو ترهات تُلهي الناس وتُبعدهم عن ذواتهم وعن الحقيقة وعن الثقافة.

***

أوجه الكذب

لا ينحصر الكذب في القول الكاذب الذي يُخالف ما في الحقيقة وما في الواقع، ولكنه يتعدّاه ليشمل الكذب في التفكير والكذب في الفعل والكذب في الشعور. انه ان صار يُسوّغ الانسان لنفسه أفعالا شنيعة أو لا أخلاقية عبر مُغالطات منطقية فإنه قد وقع عمليا في مطبّ الكذب على التفكير، وان صار يفعل الفعلة اللا أخلاقية وكأنها شرعية، عادية، متلائمة مع الواقع فإنه قد وقع في الكذب في الفعل، وانه ان صار يحسّ تجاه الفعلة اللا أخلاقية التي يفعلها بإحساس ايجابي أو بنوع من اللا مبالاة فإنه قد وقع في الكذب على الشعور. والحقيقة أن مرجع كل ذلك هو الكذب على التفكير، فلو اعتقد الانسان أن الفعلة الشنيعة أو اللا أخلاقية هي عادية، لا بأس بها أو حتى جيدة، فإن ذلك يدفع الى الكذب في الفعل والى الكذب في الشعور، بمعنى أن الانسان يصير يمارس الفعلة بانعدام للمبالاة أو بأريحية وشعوره السلبي (كمشاعر الذنب) يتضاءل تدريجيا الى أن ينحسر الى أبعد الحدود.

الغشّ هو وجه من أوجه الكذب، ذلك أنه ينضوي على تغطية حقيقة الشيء وتزيينه وتجميله بما لا يتلاءم مع حقيقته، فالبائع يمكن أن يغشّ المشتري ان باعه بضاعة أطال في الاطراء عليها وعلى جودتها في حين هي لا تصل الى نصف ما قال عنها من كلام، والزوج يمكن أن يغشّ زوجته ان بالغ في لفت النظر الى مناقبه وأشاحه عن مثالبه وهكذا. والخداع هو وجه من أوجه الكذب. يُقال "رَجُلٌ خَدَّاعٌ أي مضلِّل، يكون ظاهره على غير باطنه" (قاموس المعاني). والغيبة والنميمة هما من أوجه الكذب، ذلك لأن الذي يستغيب أو الذي ينمّ يعرض وجهه الحسن أمام الآخر وربما يخدعه بمعسول الكلام، حتى اذا ما فارقه أخرج كل ما يضمره تجاهه من مشاعر سلبية عبر الغيبة والنميمة. اذاً هو كذب على الآخر، فما يُقال قدّامه شيء وما يُقال من وراء ظهره هو شيء آخر. الافتراء والبهتان هما أيضا من أوجه الكذب البائنة التي لا تحتاج الى تفسير، فهما اختلاق لحقائق لا أصل لها ولأشياء لا وجود لها في الواقع. ولربما لبيان شدّة الافتراء وللتشديد على شناعة القول، سمّى الاسلام اتهام المرأة العفيفة الطاهرة بالزنى قذفا ووضع لذلك حدّا. عندما يُقال قَذَفَ فإن ذلك يعني "ألقى وأنزل إنزالا شديدا" (معجم كلمات القرآن).

والسخرية هي أيضا من أوجه الكذب. اذ أن الذي يسخر يحاول أن يحطّ من قدر الآخر وأن يُحقّره ويُصغّره، في حين أنه لا يبلغ ذلك، فكل ما في الأمر أنه بسخريته يخدع نفسه ويكذب عليها عبر ابراز نقاط قوته والتغاضي عن نقاط ضعفه (لا يرى نفسه كما هي) ويكذب على نفسه مرة أخرى عندما يُبرز نقاط ضعف الآخر ويتغاضى عن نقاط قوته (لا يرى الآخر كما هو). انه يكذب على نفسه مرتين بسخريته هذه، مرة عندما يختلق صورة كاذبة لنفسه ومرة عندما يختلق صورة كاذبة للآخر، وكما يُقال بالعامية "ماخذ بحاله مقلب". يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ".

والظلم هو من أوجه الكذب. اذ أن الظالم يكذب على نفسه، فهو ينسى أو يتناسى مكانته الحقيقية في هذا العالم، ينسى أو يتناسى أن لا حول له ولا قوة وأن قدرته وقوته مهما بالغت وتعالت فإنها محدودة وزائلة حتما. فهو ان ملك قدرة على أخيه الانسان، فإنها حتما ستكون قدرة محدودة بعظمتها (كما يُقال: فوق القوي من هو أقوى منه) وحتما ستكون قدرة محدودة بالزمن اذ أنها لن تدوم. فذلك الانسان الذي تغرّه قدرته اللحظية ويحاول أن يستغلّها في سبل الظلم، فإنه بعيد عن حقيقته الانسانية ولربما توهّم للحظة أو للحظات أنه إله أو أنه مقتدر على كل شيء، وكل ذلك أوهام طفولية ساذجة.

***

خطيئة القتل والكذب

لو أن القاتل يُدرك حقا ما سأكتبه هنا من أسطر قليلة لما فكّر في أن يقترب من فعلته الشنيعة ولا خطر على باله أن يقوم بها أو بجزء منها. ولكنها لحظات يكذب فيها الانسان على نفسه كذبا شنيعا فيدفع به ذلك الى فعل كاذب شنيع. اننا نؤمن أن الله هو الذي خلق هذا الانسان، هو الذي خلقه من طين لازب وأودع فيه روحا، وهو الذي سخّر له هذا العالم الذي يتلاءم مع احتياجاته، وحدّد له عمرا وساعة يقبض فيها اليه تلك الروح التي أودعها فيه. وأسجد له الملائكة واستخلفه في الأرض وهيّء له جنة ينعم فيها أو نارا يستعر فيها.

ومن ثم يأتي من يُعلن تحكّمه برقاب الناس وهو منهم! يأتي ليقول أنه قادر على تحديد مصير انسان وهو غير قادر! يأتي ظانّا نفسه الها يحيي من شاء ويُميت من شاء وهو ليس كذلك! وهو يعلن كل ذلك عبر فعلته الشنيعة التي ما كان ليُقدم عليها لولا كذبه على ذاته. انه ظنّ لوهلة أن عنده قدرة على أخيه الانسان، كيف لا وعنده السلاح الذي يمكنه أن يقضي على المقصود بثوان معدودة، وظن أيضا أن له أن يستغلّ قدرته هذه في سبيل تحقيق مآربه ولكنه قد غاب عن باله أنه مسؤول عن كل أفعاله. انه نسي أنه من بني البشر، أنه من لحم ودم، أنه سيموت يوما وسيبلى جسده وستفارق روحه جسده، وغرّته قدرته اللحظية على فعل ما لا يمكنه تحمّل عقباه. انه كذب على نفسه بأن أقنعها أن له قدرة على احياء من شاء واماته من شاء، فهو يترك من يشاء حيا ويقص رقبة من يشاء اماتته. والواضح أنه اغترار بالقدرة اللحظية التي يملكها. فلو تحقّق له مأربه واستطاع أن يقضي على من أراد أن ينهي حياته، فإن ذلك لا يعني أن عنده قدرة على الإماتة. لأن الحقيقة تقول أن الخالق الذي خلق البشر هو الذي جعل موت فلان على يديه واستعمله على ذلك، ولا يعني ذلك أن الانسان سُيّر الى ذلك ولكنه هو من اختار ذاك الطريق الذي أودى به بوعيه أو بعدمه الى ارتكاب جريمة يندى لها الجبين.

وبئس به من شر أن يُستعمل الانسان في سبيل اقامة الشر! انه عكس وظيفة الاستخلاف في هذه الأرض، فبدلا من أن يقوم ذلك الانسان بتوظيف الطاقات الانسانية من أجل إعمار الأرض وتشييد الحضارة والثقافة فيها، فإنه يقوم بتدمير ذاك الانسان وتدمير الأواصر الاجتماعية وبالتالي اعاقة التقدم الحضاري والثقافي. انه بدل من أن تتجّه الجهود الى البناء والحركة فإنها تتجه الى الهدم والجمود. لذلك فإن صاعقة جريمة القتل تكون كبيرة، اذ هي لا تنسجم مع سير الحياة الطبيعي ولا تنسجم مع وظيفة الاستخلاف ولا مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها ولا مع الفطرة التي فطر الله عليها هذا العالم.  

***

خطيئة القتل والمجتمع

بقدر ما هي غالية حياة الانسان، فإن حياة المجتمع ان جاز التعبير أغلى وأهمّ وأدعى الى الحفظ، وليس ذلك فقط لتفاضل العدد ولكن للأواصر الاجتماعية وللترابط المجتمعي. انه لو كان هناك أفراد مُتفرّقون لما نشئ مجتمع ولما نشئت حضارة ولا ثقافة تجمع بني البشر، ولكن لما كان الاجتماع حاجة في نفس الانسان، نزع الى تأسيس البناء المجتمعي الذي فيه يمكنه أن يسدّ حاجاته الأساسية والثانوية بشكل أفضل وأيسر.

ولنا أن نتخيّل ماذا يمكن للقاتل أن يفعل عندما يُقدم على فعلته السوداء النكراء. انه يخلخل هذا البناء المجتمعي ويضربه في أساساته، اذ لو لم تنشئ هناك ثقة بين الناس ولو لم يعتقدوا أن المجتمع سيحفظ دمائهم وسيذبّ عنهم اذا ما باغتهم خطر خارجي، لما صار اجتماعهم ولما سكن بعضهم الى بعض. فذاك القاتل الغبي أعاد الناس بفعلته الى الوراء ليمتحن من جديد كل واحد منهم أواصره الاجتماعية وليُعيد النظر في الأمن الذي كان يتوقّعه في مجتمعه. انه قد أحدث فيهم ما لم يكن متفقا عليه وما لم يرغبه أحد عندما أراد الانسان أن يجتمع بأخيه الانسان، فالغاية كانت شبك الأيادي ليتحصّل لكل واحد حاجاته الأساسية من أكل وشرب وأمن واطمئنان. لكن هذا الذي أُحدث هو عكس ما اجتمع عليه الناس في بادئ الأمر، انه خيانة للعهد الانساني وطعنة يطعنها القاتل في ظهر مجتمعه.

وهو خيانة للخالق الذي أراد من عباده أن يخلفوه في أرضه وأن يُصلحوا وينصروا بعضهم بعضا ويشدّ بعضهم بعضا ليصيروا كالبنيان المرصوص. ذلك بدلا من أن يكونوا أفرادا مُتفرّقين أو قبائل متناحرة كما كان في الجاهلية. يقول تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ". ان الخالق أراد من الجهود كلها أن تتجّه الى صلاح المجتمع ككل، لا أن تضيع في ما يفسد على الناس جمعهم ولا أن تذهب الى حمام دماء لا يدع للناس مجالا لتحقيق وظيفة الاستخلاف.

فالذي يرتكب جريمة القتل هو عمليا يكذب على نفسه مرتين فيما يتعلق بعلاقته مع مجتمعه. أما الكذبة الأولى التي يكذب بها على نفسه فهي عندما يظنّ أنه غني عن البشر وأن لا حاجة له الى أن يحفظ أواصره الاجتماعية، فيُقدم على فعلته النكراء متنكّرا لحاجته في الاجتماع. وأول ما يُزجّ به في السجن وأول ما يقاطعه الناس يحسّ بالوحدة وبحاجته الى الاجتماع ببني جلدته. أما الكذبة الثانية التي يخدع بها نفسه هي عندما يحيد عن وظيفة الاستخلاف، وكأنه لا يعير البناء المجتمعي أي اهتمام ولا يهمّه أمر مجتمعه البتة.

***

ما الذي يدفعك الى القتل؟

وفقا لفرويد، ينبع العنف من "غريزة الموت" التي تظهر بصورتها الأولية كأنها موجّهة إلى الداخل (لتدمير الذات) ومن ثم تتجّه إلى الخارج. بمعنى أن جريمة القتل التي تتجّه الى الخارج، ما هي الا نتاج غريزة حيوانية مزروعة في الانسان. ونحن لا ننكر وجود الغريزة في الانسان، ولكننا نعلم أيضا أنها الجانب المنخفض في الانسان الذي ان أُطلق له العنان فإنه يفعل فعلات يندى لها الجبين، فهو لا يخضع لمنطق ولا لعقل ولا لدين ولا لأخلاقيات ولا للمتعارف عليه اجتماعيا. ولكنه يسير في طريق واحد أحادي الجانب، هو طريق طلب اللذة والبعد عن الألم ولا يهمّه كيف يتحصّل له ذلك، فكل الطرق مشروعة وكل شيء عنده مباح.

لكن ما الغريزة الا مركّب واحد من بين المركّبات التي عند الانسان، فهناك كما يقول فرويد "الأنا" و"الأنا الأعلى" أو كما نقول نحن هناك أيضا النفس والعقل والروح. وكل حالة يأخذ فيها أحد المركّبات السابق ذكرها حيّزا أكثر على حساب الأخريات فإنها حالة خارجة عن التوازن المطلوب، وفي حالات معينة يمكنها أن تكون حالة مرضية. واذا ما رجعنا للحديث عن الذي يُقدم على فعلة القتل النكراء، فإنه يمكننا القول أنه ينساق عمليا وراء غريزته الحيوانية وهي التي تكون مُرشده وإلهه آنذاك. انه انفراد بالغريزة دون غيرها وهو ما يجعل الانسان أقرب ما يكون الى الحيوان بل أدنى، ذلك لأن عنده العقل والروح والنفس ولم يستعمل أيا منهما. انه لو استعمل عقله الصريح لما قيد الى التسويغ والى التبرير ولو نظر الى روحه لما غرّته غريزته ولو نظر الى نفسه لعلم أن فيها أيضا ما يأبى أن يسلّم أمره الى فحش الجريمة.

ولكنه الكذب على الذات الذي جعل الانسان تبعا لغريزته، فتغاضى عن عقله الذي ميّزه الله به عن سائر المخلوقات وغضّ الطرف عن روحه التي هي من عند الله ونسيَ نفسه فلم يأخذها الى صلاحها. انه ترك كل مركّباته التي تُعليه عن الحيوانية واتبع أدناها، انه ترك انسانيته واتبع حيوانيته، ولعمرك ان هذا لهو البعد عن الذات ولهو الكذب الجلي على النفس.   

***

السارق كاذب

الذي تسوّغ له نفسه أن يسرق فإنها تسوّغ له أن يكذب. ذلك أنه لو تأمّلنا في عملية السرقة لوجدنا أنها لا تنسجم مع مفهوم العدل، ففيها يسلب السارق ما لا يحقّ له وما لا يتعب فيه وما ليس ملكه. انها تتعارض على طول الخط مع العدل، فهل من العدل أن يأخذ الواحد عنوة ما لا يتبع له، وهل من العدل أن يأخذ عنوة ما لم يتعب فيه؟ انه من الواضح أنه ليس من العدل، فحتى الأطفال يعلمون أن ما لهم هو لهم وأنه لا يحقّ لأحد أن يسلبهم اياه. فما بال السارق اذ ينزل الى ما دون فهم الأطفال، فيسلب ما ليس له؟ ما باله يحدث في مجتمعه مرضا مميتا؟

الا أنه هو الكذب على الذات، فرغم علمه أن ذاك الشيء لا يتبع له ولا يحقّ له، الا أنه يُسوّغ لنفسه سرقته ويقنعها بشرعية فعلته. يقول لها: "أنا أحقّ بذاك الشي منه" أو "انه كان لي من قبل فلم يُرد صاحبه الحالي أن يبيعني اياه فحُقّ لي أن أسرقه" أو "الكل يسرق من الكل أفكون أنا المختلف؟" أو "السرقة شغل، فيها تخطيط وفيها مخاطرة وفيها تعب" والى ذلك من تبريرات وتسويغات. ان ذاك السارق يعلم بداخله أنه يسلب شيئا ليس له وأنه يأخذه بطريقة غير شرعيه ولكنه على الرغم من ذلك يكذب على نفسه ويقنعها أنه يجب أن يصير له ولو لم يتعب فيه.

هذا السارق يكذب أيضا على مجتمعه بالإضافة الى كذبه على ذاته، فهو وكأنه يوحي اليهم أن الأجر ليس على قدر المشقة ولذا لا حاجة الى الاجتهاد ولا حاجة الى العمل. انه يُعطي لهم مثالا كاذبا عن تحصيل أجر بمجهود قليل، فكأنه يقول لهم: شاهدوني ها أنا ذا حصلت على مغانم كثيرة دون أن أشقى وأتعب. عندها يمكن للحمقى من بني مجتمعه أن ينخدعوا بكذبته هذه فيسيروا على نهجه، ولكن الفطِنين هم أولئك الذي يُدركون الجوانب التي تتعالى على المادية في تلك الفعلة، فهم يعلمون أنها فعلة ليست أخلاقية ولا منطقية ولا عادلة. ذاك السارق الكاذب يُحدث خللا مجتمعيا بوعيه أو بعدمه، فهو يُشجّع بفعلته على الفوضى وعلى التكاسل (فإن كانت السرقة أسهل، فلمَ لا نسرق؟) وهو يُشجّع على التقصير في العمل أو حتى تركه مطلقا والى الاتجاه الى سلب مجهود الآخرين. فهي طاقات انسانية تذهب سدى وتضيع لأنها وبدل أن تُسخّر في خدمة المجتمع والنهضة به عبر الأعمال المختلفة التي تساهم في تطويره، سُخرّت لتنهش دعائمه من الداخل ولتُقوّض بنيانه عبر جرائم السرقة التي تؤذي أبناء المجتمع.

***

البناء الأسري والكذب عليه

كثير من المفكّرين والفلاسفة تحدّثوا عن دور الأسرة المهم في البناء المجتمعي، ولكي لا نُردّد ذات الأقوال نحاول أن نعرض هنا أهمية الأسرة عبر المنطق البسيط الواضح. المجتمع يتكوّن من أفراد والأفراد ينقسمون الى ذكور واناث. وقد وضع خالقنا في الذكور والاناث على حد سواء ميلا طبيعيا الى الجنس الآخر، انها حاجة للاتصال بالجنس الآخر وهي ترمي الى التناسل الذي يُفضي الى استمرار الجنس البشري وبقائه. اذا ما اتصل الذكر بالأنثى بطريقة عشوائية فإن غاية التناسل يمكن أن تحدث وغاية بقاء المجتمع يمكن أن تحفظ، ولكن هذه الغايات كلها مادية بيولوجية، ماذا عن الغايات النفسية؟ ان الأخيرة لا يمكن أن تُصان الا في اطار يكون فيه أب وأم جيدين بشكل كاف كما يُسمّي ذلك عالم النفس وينيكوت (صحيح أن وينيكوت تحدّث بالأساس عن الأم الجيدة بشكل كاف ولكن يمكن الاستنتاج بالنسبة للأب بالاستعانة بنفس المنطق).

لذلك جاء الاسلام ونظمّ العلاقات بين الجنسين عبر العلاقة الزوجية التي أسماها بالميثاق الغليظ فرفع بذلك من مكانة الأسرة. كما وحرّم كل علاقة لا تتمّ في اطار الزواج حتى لا ينهدم البناء الأسري وحتى لا تخرج الى هذه الدنيا أنفس لا تجد الأم الجيدة بشكل كاف والأب الجيد بشكل كاف. سيقول لك: ان مقدّمات العلاقة الجنسية وحتى العلاقة الجنسية نفسها لن تُفضي الى نسل اذا ما تم اتخاذ وسائل منع الحمل، فلماذا اذا هذا التحريم؟ والجواب على هذا السؤال هو أن السائل يتعامل مع القضية بصورة مادية بحتة ولا يأخذ بالاعتبار حاجات الانسان النفسية، فكل علاقة جنسية تتواجد فيها شحنات عاطفية وطاقات نفسية (وليس فقط خلايا تكاثر) واذا ما ذهبت هذه الطاقات وتلك الشحنات العاطفية الى علاقة خارج اطار الزواج فإن ذلك سيكون بالتأكيد على حساب العلاقة التي في اطار الزواج. فإن كان الحديث عن أعزب أو عزباء، فالعلاقة التي تكون خارج اطار الزواج ستذهب بطاقته/ها النفسية اليها وسيكون ذلك على حساب توجيهها الى بناء علاقة زوجية راسخة، وان كان الحديث عن متزوّج/ة فالعلاقة الاضافية التي هي خارج الزواج ستكون على حساب العلاقة الزوجية. لذلك فإن تحريم أي علاقة خارج اطار الزواج كان من أجل توجيه الطاقات الجسدية والنفسية الى مكان واحد، وعندها لن تتشتت طاقة الانسان النفسية بين زوجة وحبيبة وبين زوج وصاحب، ولكنها ستذهب كلها الى العلاقة المقدّسة وسيمكّن ذلك الأب والأم أن يكونا والدين جيدين بشكل كاف ولن يعاني الأولاد من والد غائب أو والد حاضر غائب أو والد حاضر بشكل جزئي (نقصد الحضور الجسدي والنفسي).

وما كان ذلك التشديد على الحضور الجسدي والنفسي الكامل الا للتأكيد على أهمية هذه العلاقة، فهي ليست لحظة تسلية وحسب وهي ليست متعة فقط، ولكنه لقاء يمكنه أن يلد مجتمعا أخلاقيا أو مجتمعا فاسدا. انه دفع نحو أخذ المسؤولية في ممارسة هذه العلاقة، فكأنّ الذي يمارسها خارج اطار الزواج يتهرّب من مسؤوليته تجاه مجتمعه. ولو أفضى الانسان بطاقته الجسدية والنفسية الى العلاقة الزوجية الطاهرة ولم يفضي بهما الى غيرها لكان حضوره الجسدي والنفسي كاملا ولتمكّن من انشاء وتربية أبنائه على أحسن نحو، أما ان كان مُشتتا بين علاقات متعدّدة فإن حضوره سيكون منقوصا ولن يكون مربّيا صالحا مما سيضرّ بطبيعة الحال بأولاده. لهذا فإن الزنى ومقدّماته هو كذب على الذات وعلى المجتمع. هو كذب على الذات لأن الانسان يُشتّت نفسه بين زوجة وحبيبة كي لا يُنشأ علاقة عميقة صادقة، وهو كذب على المجتمع لأن الانسان يذهب بطاقته النفسية والجسدية الى ما لا يُصلح حال مجتمعه. والمثلية كذلك هي كذب على الذات وعلى المجتمع ففيها حياد عن الطبيعة وتوجيه للطاقة النفسية والجسدية الى مكان غير صحيح لا يساهم في تطوّر المجتمع.

 

ثقافة العقلانية والكذب عليها    

كلنا يعلم أن الله قد ميّز الانسان عن سائر المخلوقات بالعقل وعلى أثر هذا التمييز والتفضيل استمر الانسان بالتفوّق والتفاضل على سائر المخلوقات، فاكتشف خبايا ومكنونات هذا الكون واخترع ما يسدّ حاجته ويسهّل عيشه. واذا ما زال هذا العقل أو خفّت سطوته، فإن الانسانية تُستبدل بالحيوانية ويزول عندها تفاضل الانسان على سائر المخلوقات. والعجب أن هناك من يختار تغييب العقل أو جزء منه عبر تناول المسكرات على أنواعها وهم يُقنعون أنفسهم بأقوال شتى من مثل: "كلها لحظات وسنعود الى الوعي التام، كلنا يحتاج الى أن يُريح دماغه من الهموم" أو "دعنا نفرح قليلا وننسى، أينبغي أن نكون كل الوقت حاضرين ذهنيا" أو "هي كمية قليلة لا تُذهب العقل بتاتا". والحقّ أن في كل واحد من هذه الأقوال هناك كذب على الذات، فكل لحظة سكر أو كل نسبة سكر ستذهب بطاقة ذهنية الى العبث ولن يكون بالإمكان استردادها.

ولنا أن نتخيّل رجلا قضى ساعات معدودة كل أسبوع في احتساء المسكرات، فإن بدا لنا أنها فسحة صغيرة يريح بها الانسان نفسه، فإنه ان نظرنا الى مجمل الساعات التي قضاها في حياته تحت تأثير مسكر فإننا سنجدها ساعات كثيرة جدا. ولو أن كل واحد من أبناء المجتمع أضاع مثل هذه الساعات سدى، لنتج اهدار مجتمعي لا يمكن وصفه لطاقات ذهنية كانت يمكن أن تُوظّف في سبيل البناء الحضاري والثقافي. والنتيجة أن ذلك سيكون على حساب التقدّم الانساني وعلى حساب التفاضل على الحيواني. وما ذلك الا لأنه هو ذا العقل ميزتنا وأساس مجدنا وحضارتنا وثقافتنا، ومنا من اختار صدّه عنا. لذلك فإن من كبار العلماء الذين يحترمون عقولهم من حرّم على نفسه المسكرات كلها كي لا تُلهيه عن ميزته العقلية وعن عطائه المتفاني للعلم، وأحد هؤلاء العلماء هو داروين صاحب نظرية تطوّر الأنواع.

والصحيح أن كل سعي وراء المُسكرات يُضمر في داخله هربا من الحياة، من الواقع، من المواجهة، من التفكير، من المسؤولية. ذاك الذي يُسكر دماغه ولو بنسبة بسيطة هو عمليا يهرب من المسؤولية التي حمّله الله اياها عندما ميّزه بالعقل، هو يهرب من وظيفة الاستخلاف ووظيفة اعمار هذه الأرض ويهرب من ابصار الأمور على حقيقتها. انه يختار له وهما مريحا ويختار بعدا عن الواقع وبعدا عن ذاته، وفي كل ذلك كذب على الذات.

ولا شكّ لدينا أن خالقنا أرادنا حاضرين كليا في معترك هذه الحياة، يقظين، صاحين، واعين، مدركين، عقلانيين، لنكون متفرّغين كليا للبناء الحضاري الذي يحتاج الى عقل مُدبّر حاضر والى البناء الثقافي الذي يحتاج الى انسان سوي واع. ان هذه الحياة جدّ وهي دار عمل واجتهاد ولا وقت فيها لسكرة صغيرة أو كبيرة تذهب بجزء من العقل أو كله لما في ذلك من حياد عن غاية العمل والاعمار والبناء الحضاري والثقافي. لذلك جاء الاسلام وحرّم كل أنواع المسكرات لأنه أراد أمة صاحية واعية، لا أمة تعمه في سكراتها. أراد أمة تُعمل عقلها كل وقت وحين وتعمل وتجتهد في كل نواحي الحياة. أراد أمة على قدر المسؤولية، أمة تدرك أن المسؤولية في هذه الحياة لا تحتمل سكرة صغيرة أو كبيرة. وقد أثمر هذا الارشاد عن حضارة دامت ثماني قرون لم يعرف لها التاريخ مثيلا، كيف لا وما هذا الا نتاج حثّ مستمر وحضّ كبير على اعمال العقل وعدم التنازل عن أي جزء منه لأي فترة كانت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق