15.9.12

كتاب كلمات في الوسطية الإسلامية ومعالمها/ د. يوسف القرضاوي


يبدأ الكتاب بعرض تعريف عام للوسطية الإسلامية التي هي نفسها التوازن والإعتدال، إذ أنه لا يوجد منهج أو نظام يضعه بشر إلا وفيه من الإفراط أو التفريط، ولأن ظاهرة التوازن موجودة في الكون كله، فإنه من الحري بالرسالة الخالدة أن تحتويها وتنسجم مع توازن الكون. والوسطية تعني أشياء كثيرة منها: العدل، وتعني الإستقامة وهي دليل الخيرية وهي تمثّل الأمان وهي دليل القوة وهي مركز الوحدة.

أما مظاهر الوسطية فإنها تتجلى في وسطية الإسلام في الإعتقاد، ووسطيته في العبادات والشعائر ووسطيته في الأخلاق ووسطيته في التشريع، والوسطية تضمن التوازن بين الفردية والجماعية. أما أهم جزء في هذا الكتاب فهو الحديث عن معالم الوسطية الثلاثين والتي يلخّصها الشيخ القرضاوي في آخر الكتاب وإليكم ملخّصها:

1. الفهم الشمولي التكاملي للإسلام بوصفه: عقيدة وشريعة، علما وعملا، عبادة ومعاملة، ثقافة وأخلاقا، حقا وقوة، دعوة ودولة، دينا ودنيا، حضارة وأمة.
2. الإيمان بمرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، للتشريع والتوجيه للحياة الإسلامية، مع ضرورة فهم النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية.
3. ترسيخ المعاني والقيم الربانية، والتركيز على عبادة الله تعالى بوصفها الغاية التي خلق لها الإنسان، وهي تتجلى في الشعائر الأربع الكبرى، وما يليها من ذكر الله والدعاء والاستغفار، هذا بالإضافة إلى العبادات الباطنية: من صدق النية والإخلاص لله، والخشية له... وغيرها، وهي أساس التصوف الحقيقي الذي يقوم على (الصدق مع الحق، والخُلُق مع الخَلق).
4. فهم التكاليف والأعمال فهما متوازنا، يضعها في مراتبها الشرعية، ويُنزل كل تكليف منزلته وفق ما جاءت به النصوص؛ فلا يتقدم ما حقُّه التأخر، ولا يتأخر ما حقه التقدم، وهو ما أطلقنا عليه اسم (فقه الأولويات).
5. تأكيد الدعوة إلى تجديد (الفقه القرآني والنبوي)، وهو يضم عدة ألوان من الفقه المنشود: فقه سنن الكون، وفقه مقاصد الشرع، وفقه المآلات، وفقه الموازنات، وفقه الاختلاف، والفقه الحضاري، وفقه التغيير، وفقه الواقع، إلى جانب (فقه الأولويات).
6. التركيز على القيم الأخلاقية التي عني بها الإسلام، سواء كانت أخلاقا فردية أم اجتماعية، ورفض موقف الذين يعتبرون العبادات الشعائرية هي كل شيء، وموقف الذين يعتبرون الأخلاق كل شيء.
7. تجديد الدين من داخله، وإحياء مبدأ الاجتهاد الذي لا تحيا الشريعة إلا به، على أن يكون الاجتهاد من أهله وفي محله.
8. الموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر، مع ضرورة مراعاة الثبات في الأهداف والغايات وفي الأصول والكليات، والمرونة والتطور في الوسائل والآليات وفي الفروع والجزئيات.
9. تبني منهج التيسير والتخفيف في الفقه والفتوى، وإن كان ولا بد من التشديد، فليكن في الأصول لا في الفروع. والتيسير المطلوب هنا لا يعني تبرير الواقع، أو مجاراة الغرب، أو إرضاء الحكام.
10. تطوير مناهج الدعوة إلى الإسلام: للمسلمين تفقيها للتعاليم، وتصحيحا للمفاهيم، وتثبيتا وتذكيرا للمؤمنين وبيانا لحقائق الإسلام، وردا على أباطيل خصومه. ولغير المسلمين باعتبار دعوة الإسلام دعوة عالمية، مع تبني منهج التبشير في الدعوة؛ ليتكامل مع التيسير في الفتوى.
11. التدرج الحكيم: في الدعوة والتعليم والإفتاء والتغيير، وعدم استعجال الشيء قبل أوانه، والثمرة قبل نضجها. والتدرج سنة كونية كما هو سنة شرعية.
12. تأكيد الدعوة إلى المزج بين الروحانية والمادية، بين الربانية والإنسانية، بين العقل والوجدان؛ بحيث يأخذ كل جانب منها حقه، دون طغيان على الجانب الآخر. ومن هنا تتكامل العناية بالعبادة والثقافة والرياضة والفنون؛ فالعبادة تغذي الروح، والثقافة تغذي العقل، والرياضة تغذي الجسم، والفن يغذي الوجدان.
13. الدعوة إلى السلام مع كل مَن بسط يده للسلام، مع التمسك بفرضية الجهاد في سبيل الله للدفاع عن حرمة الدين والمقدسات، وعن المستضعفين في الأرض، والوقوف في وجه الفراعنة والمستكبرين في الأرض. مع ضرورة بيان أنواع الجهاد: النفسي والدعوي والمدني وغيرها.
14. توعية الأمة بأن الجهاد مفروض عليها فرض عين لتحرير أرضها من كل سلطان أجنبي مسلط عليها، وأول أرض يجب تحريرها هي أرض فلسطين.
15. الاعتراف بحقوق الأقليات الدينية ومعاملتهم بما أوجبه لهم الإسلام من تركهم وما يدينون، والتأكيد على أنهم من (أهل دار الإسلام)، ومقتضى هذا أنهم بلغة عصرنا (مواطنون)، لهم ما لنا وعليهم ما عليهم إلا ما اقتضاه التميز الديني.
16. احترام العقل والتفكير، والدعوة إلى النظر والتدبر في آيات الله الكونية والتنزيلية، وتكوين العقلية العلمية، ومقاومة الجمود والتقليد الأعمى للآباء أو للسادة والكبراء، أو لعامة الناس. ونفي التعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح.
17. الدعوة إلى المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية؛ مثل: العدل والشورى والحرية والكرامة، وحقوق الإنسان.
18. توكيد ما جاء به الإسلام من إعطاء المرأة حقوقها ومكانتها وكرامتها، وتحريرها من رواسب عصور التخلف والتراجع الإسلامي، ومن غوائل الغزو الحضاري الغربي الذي أخرج المرأة من فطرتها، ولم يراعِ أنوثتها.
19. العناية بأمر الأسرة باعتبارها الدعامة الأولى لقيام المجتمع الصالح، ورعاية حقوق كل من الزوجين على صاحبه، وعدم اللجوء إلى الطلاق إلا إذا تعذر الوفاق، وشرعية تعدد الزوجات بقيوده وشروطه، دون توسع ولا تحريم.
20. احترام حق الشعوب في اختيار حكامها من الأقوياء الأمناء، دون تزييف لإرادتها، أو فرض حاكم عليها يقودها رغم أنوفها، ولها أن تسائله وتحاسبه، وتعزله إذا تمادى في غيه بالطرق السلمية.
21. تقوية اقتصاد الأمة، والعمل على تكاملها فيما بينها؛ حتى تكتفي اكتفاء ذاتيا، وبناء هذا الاقتصاد على فقه الشريعة ومقاصدها، والتخطيط العلمي والسعي العملي لتأسيس اقتصاد إسلامي متميز عن الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الشيوعي.
22. الإيمان بوجود الأمة الإسلامية وخلودها، والإيمان بفرضية وحدتها، وبالأخوة الدينية بين أبنائها، على اختلاف مدارسها ومذاهبها، واعتبار الفرق المختلفة كلها من الأمة الواحدة، ما دامت تصلي إلى القبلة، وتؤمن بالقرآن الكريم، وبالسنة المشرفة.
23. تحسين الظن بكل من شهد الشهادتين، وصلى إلى القبلة، ولم يصدر منه ما يخالفها بيقين، والأصل حمل حال المسلم على الصلاح ما أمكن ذلك، وتجنب التفسيق والتكفير ما وُجد إلى التجنب سبيل، ولا سيما ما كان سببه التأويل.
24. العناية بالأقليات الإسلامية في العالم؛ باعتبارها جزءا من الأمة المسلمة، وعلى الأمة أن تعينهم على أن يعيشوا بإسلامهم في مجتمعاتهم؛ عناصر حية فاعلة، وإن يكن لهم فقههم الخاص، وأن يكون شعارها: استقامة على الدين بلا انغلاق، واندماج في المجتمع بلا ذوبان.
25. الإيمان بالتعددية الدينية والعرقية واللغوية والثقافية والسياسية، وضرورة التعايش بين الحضارات، والتلاقح بين الثقافات، وتفاعل بعضها مع بعض، واقتباس بعضها من بعض، دون انكماش ولا استعلاء.
26. العناية بعمارة الأرض، وتحقيق التنمية المتكاملة مادية وبشرية، ورعاية البيئة بكل مكوناتها، والتعاون على كل ما ييسر المعيشة للناس، وكل ما يشيع الجمال في الحياة، واعتبار ذلك عبادة وجهادا في سبيل الله.
27. حث دعاة الإصلاح والتغيير على مقاومة التخلف والفساد؛ فالتخلف يعطل عقل الأمة، والفساد يعطل ضميرها. ولا يكون الإصلاح حقيقيا إلا إذا تم بإرادتنا وبأيدينا، لا أن يُفرض علينا، ومدخل كل إصلاح هو إصلاح الأنظمة السياسية المستبدة، وأساس كل تغيير هو تغيير الإنسان من داخله.
28. العمل على تجميع كل القوى العاملة لنصرة الإسلام في صف واحد، وليس من الضروري -بل لعله ليس من المفيد- أن يجتمعوا في جماعة أو حركة واحدة، على أن الاختلاف والتعدد بين العاملين لا يضر إذا كان اختلاف تنوع وتخصص لا اختلاف صراع وتناقض.
29. الإشادة بما قدمته أمتنا من منجزات تاريخية بهرت العالم، ومن فتوحات في زمن قياسي، كانت تحريرا للشعوب من مستعبديها، والتنويه بما أسسته أمتنا من حضارة جمعت بين العلم والإيمان، وعدم الاكتفاء بالتغني بأمجاده، والبكاء على مآسيه؛ بل واجبنا هو استلهام الماضي، والارتقاء بالحاضر، واستشراف المستقبل.
30. الانتفاع بأفضل ما في تراثنا الرحب المتنوع: من ضبط الفقهاء، وتأصيل الأصوليين، وحفظ المحدثين، وعقلانية المتكلمين، وروحانية المتصوفين، ورواية المؤرخين، ورقة الأدباء والشعراء، وتأمل الحكماء، وتجارب العلماء، مع العلم بأن هذا التراث كله غير معصوم؛ فهو قابل للنقد والمراجعة والمناقشة والترجيح أو التضعيف. ولكن الأمة في مجموعها لا تجتمع على ضلالة.