13.2.13

كلما اقتربت، كلما رأيت الحدود !


في لحظة من لحظات الحب، إن كان العاطفي منه بين الذكر والأنثى وإن كان الأخوي منه، يظن الإنسان لبرهة أن هو صاحبه وصاحبه هو وأنه هو حبيبته وحبيبته هو، ويتوقّع أن يصبحا روحا واحدة وطموحا واحدا وآمالا واحدة ومستقبلا واحدا، في حين أنهما اثنان، ماضيهما مختلف، تجاربهما مختلفة، شخصياتهما مختلفة، حاضرهما مختلف، والأجدر بمستقبلهما أن يختلف. إذا فهي آمال وردية لا تلبث إلا أن تتحطّم والذي يحطّمها هو الواقع الذي لا يُحابي أحدا، فليس لديه صبر على اتحاد العاشقين ولا على وله المحبّين ولا على انسجام المنسجمين. كم من اثنين التقيا تحت مظلة سماء واحدة وعلى بساط واحد، في زمان ومكان واحد، في شعور واحد، في روح واحدة، في لباس واحد، في قلق واحد، في ذكريات واحدة، في اهتمامات واحدة، وجائهما ذاك الحلم الذي يقول أننا صرنا واحد، ولكن لم تمض سويعات، حتى انفصل هذا عن ذاك، ليس لخلاف أو لرغبة في ذلك، ولكن لأن الواقع بالمرصاد. جائهما ذاك الواقع الذي يُذكّرهما بحقيقتهما، فهما اثنان وليس واحدا كما ظنّا في تلك اللحظة السعيدة. نعم هو الواقع يفرض على المحبوبة أن تعود إلى بيت أهلها وعلى المُحب أن ينام مبكّرا ليستيقظ للعمل، وعلى الزوج أن يؤدّي واجباته وعلى الزوجة كذلك، وعلى المحبّ في الله أن يهرع إلى أداء وظيفة الاستخلاف في الأرض.
 
اذا فمهما اقتربت فلن تندمج وستذكّرك تلك اللحظات بالحدود التي بينك وبين الإنسان الذي أمامك والتي أنّى لك أن تصهرها أو أن تمحقها من على وجه البسيطة، ذاك أنك اقتربت كل الاقتراب ولم تندمج، فماذا بعد ينفع؟ والجواب أنه لا شيء لأن مرحلة الاندماج قد ولّت هاربة ولم ولن تُعقّب، وهذا ما ينسجم مع جوهر النظرية التطورية لمارجريت مالير (Margaret Mahler)، حيث إنها تصف عملية انفصال الوليد عن أمه من خلال مراحل عدة، لينتهي الأمر بالطفل إلى إدراكه بأنه كيان منفصل عن أمه وهو ما سمّته بـ ""Separation-Individuation Phase. بعد الوصول لهذه المرحلة وفي الحالة الطبيعية لا عودة إلى الوراء، أي لا عودة إلى الاندماج، وهو ما نلمسه عندما نكون في اتصال قوي مع الآخر، فرغم كل الاقتراب إلا أنه لا يمكننا الاطّلاع على أسرار القلوب والعقول ولا يمكننا الاطّلاع حتى على حقيقة ما يفكّر به الآخر اتجاهنا إلا من خلال ما أبداه، ولكن يبقى السؤال هل الظاهر يطابق الباطن مئة بالمئة؟ في هذه الحالة لا نملك إلا أن نخمّن حول شعور الآخر اتجاهنا من خلال ما يظهر منه من ردود أفعال كلامية أو غير كلامية!