3.9.12

المُقتصَد في الإقتصاد - الجزء الثالث والأخير


في المطبوعات
الطرف الآخر من الحديث هو عن المطبوعات، ويشمل كل الإعلانات والمناشير والدعوات التي يبرع الإخوة في توزيعها بعد صلاة الجمعة أو في أي فرصة أخرى. لقد تأخّر المسلمون سابقا في استيعاب فكرة الطباعة بدعوى حرمة التصوير، وكما يبدو اليوم فإنهم يتأخّرون في استيعاب فكرة تكنولوجيا المعلومات ومدى فاعلية الشبكة العنكبوتية. بالطبع، لسنا بصدد تحريم الطباعة مرة أخرى، ولكن ينبغي النظر في كمية المطبوعات وضرورتها لأن كثير من المعلومات اليوم يمكن أن تُنقل بالإنترنت وبمكبّرات الصوت ومن خلال خطب الجمعة أو عبر لافتات كبيرة تُعلّق في مدخل المؤسسات الحيوية في كل بلد.

كثير من المؤسسات اليوم صارت تستعمل صفحات الإنترنت بدل الورق المطبوع وفي ذلك خير كثير بإذن الله، لأن الإقتصاد في الورق يعني جهد بشري أقل في صناعة الورق ومواد خام أقل، ومخلّفات بيئية أقل جراء عملية الإحراق وجهد بشري وتكلفة أقل في إعادة التدوير.

علينا أن نسأل أنفسنا قبل طباعة أي كمية من الأوراق: هل هي ضرورية؟ هل هناك إمكانية أخرى لتمرير نفس المعلومات بنفس النجاعة أو ربما بنجاعة أكبر؟ فما فائدة بطاقة تهنئة بالعيد إن كانت يمكن أن تكون كلامية؟ وما فائدة مطوية مليئة بالأحاديث والآيات الشريفة إن علمنا أن أغلب الناس لن يقرأها وإن كنا نستطيع أن نمرّر محتواها في خطبة الجمعة وفي المواقع المختلفة؟ فإن مثل هذه المطويّة ستجبرنا على ألّا نلقي بها في القمامة تعظيما لما تحوي من آيات قرآنية، وسنكدّسها في البيت وسنشعل بها النيران حين يكتمل النصاب وسينجم عنها تلويث للبيئة! المرحلة الأخرى التي يجب أن ننتبه إليها بعد أن نصل إلى أنه لا مناص من الطباعة هي: هل بالإمكان تقليل التكلفة كي لا يكون فعلنا إسرافا؟ ما حاجتي إلى منشور بطول نصف متر إن كانت ورقة صغيرة تكفي؟ وما حاجتي إلى طباعة ملوّنة وإلى أجود أنواع الورق إن كان الورق البسيط والطباعة بالأبيض والأسود يفيان بالحاجة؟ سيقولون لك: العين تأكل أيضا، لكن أليس من الحري بنا أن نغذّي الأفواه قبل تغذية العيون؟ ثم من قال أني لا أستطيع تنسيق منشور جذّاب بسعر قليل؟ أم إن فلان يقلّد علان ويزايد عليه ليريَ الناس مدى بأسه؟

هل ينبغي إلغاء الجرائد المطبوعة والكتب وإعلانات الحملات التجارية؟
لم نقل هذا، فلا شكّ أن للطابعات دور أساسي في ثورة ثقافية ملحوظة، وما قلناه أنه ينبغي التنازل عن الغير ضروري، ولا تدخل في الغير ضروري الكتب الثقافية لما فيها من النفع للقارئ، ولا الجرائد لكونها وسيلة إتصال حيوية بمستجدّات العالم، ولا إعلانات الحملات التجارية لكونها جزء من الدعاية التي يجب أن تصلّ إلى أكبر عدد من الجمهور وأن تبقى بيد الزبون لكي يعرف ماذا سيشتري بالتحديد. لكن مع ذلك يجب لفت النظر والإلتفات إلى الثروة الإلكترونية الموجودة على صفحات الإنترنت، فبدل أن تقتني كتابا بثلاثين شاقلا يمكنك أن تقرأه من ملف "PDF"، والمواقع الإخبارية والمحطّات التلفزيونية يمكنها أن تحتلنك بكل جديد على مدار الساعة، والمدوّنات بدل المقالات المطبوعة وشبكات التواصل الإجتماعي يمكنها أن تحلّ مكان بطاقات التهاني. 

ثلاث كتب في مقال واحد: رواية شرفة رجل الثلج، رأيت رام الله، الهروب إلى الخطر


رواية شرفة رجل الثلج/ إبراهيم نصر الله

إنها رواية الإنسان العربي المقهور الذي يرى الويلات من حكومته، فبدل أن تكون الحكومة عونا للمواطن العادي، تكون عليه وبالا، ويبقى حاجز الخوف يحول بينه وبين المطالبة بحقه. إنها السياسة المخابراتية التي ترصد كل حركة يخطوها المواطن، فتفتح له الملفات الضخمة مذ قبل الولادة، إلى أن يصير الخوف من الحكومة كابوس يخطف الأمان والإطمئنان، ويخطف حب الأولاد، فما الذي يدعو الإنسان إلى قهر أبنائه كما قُهر هو؟! والخوف يرافقه كسر للطموح، وكبت للرغبات، فيبقى الإنسان في مكانه المجتمعي دون تقدّم، ولو تقدّم شيئا لأرسلت الحكومة له غرابا يفقأ عينيه لئلا ينعم أكثر من اللازم. 

إنها الرواية التي تعيد رواية نفسها ولكن بأسلوب آخر أكثر توسّعا وربما يُضفي هذا بعض الغموض على الرواية إذ أن نهايتها أسطر فارغة في فصل "ما ظلّ خفيا"، وربما يُضفي عليها بعض الملل. ويلخّص بطل الرواية بهجت حبيب معاناته في كلمات قليلة عندما يقول: "هذه أوطان أشبه بالفنادق، لن يسمحوا لك أن تحبها، الشيء الوحيد المسموح به هنا أن تكون قوي وتدّعي، مثلهم، حبها لتلتهمها أكثر فأكثر. هذه أوطان لثلاثه: ابن غني، وابن قبيلة، وابن نظام."

وقفة مع نصفية "رأيت رام الله"

كتاب رأيت رام الله يطرح قضايا مهمة جدا على الصعيد السياسي، والجميل في الأمر أن الكاتب يعرض لنا المعاناة والألم والشوق إلى الوطن من وجهة نظر من عاش هذا الواقع الصعب، فنراه يصف لنا عبور الجسر ونراه يصف المستوطنات كأنها جراثيم داخل الجسم الحي. لكني وددت لو كان أسلوب الكتاب أكثر تشويقا، وهذا كان يمكن أن يحدث لو طوّر الكاتب الحبكة القصصية أو جعل فيها خيطا دراميا يمر من خلال الصور التي يعرضها.

الهروب إلى الخطر/ أجاثا كريستي

لا أدري لماذا أطلقوا عليها اسم رواية في حين أنها في الحقيقة مجموعة قصص بوليسية. إنها قصص من عالم الإجرام، وهي نتاج للحضارة المادية التي تمتهن حياة الإنسان وتستبيحها فتقتل لأجل متاع في الدنيا قليل. القتل صار أهون شيء، والسيناريو صار أكثر تعقيدا بفعل تراكم الخبرة في الإجرام، ولذا فإن التحقيق يطول في كل قضية وأخرى، ولكن لا بدّ للمجرم أن يقع ولو بعد حين، ولذا فإجرام المجرم هو هروب إلى الخطر في حين يظن هو أنه يهرب منه. الترجمة إلى العربية في النسخة التي قرأتها لم تكن متقنة وهناك أخطاء لغوية ومطبعية تعيق على القراءة السلسة.