5.6.11

عُمرة العمر : أطول قصيدة خطّها يراعي



ودّع الأرض فالركب لا ينتظر *** وهل الوداع إلا من لعب القدر
وقل سلاما يا أرض الإسراء والدرر *** وفارق حب الوطن يوم يحين السفر
وانظر عبرات الفراق والنحيب فاسمعه *** فليس البكاء يخالف حنين البشر
ركبنا الحافلة فانطلقت وهي تحملنا *** وسألنا الله التوفيق في المسير
فاحتار قلبي بين حب مكة وفلسطين *** ولكنّ الشوق غلبني فركنت إلى النفير
دخلنا بلاد العُرب فعرفتها هويتي *** وسلّمت على أهلها بكل حب وتعبير
أنا مهما رُوّضت فلن أنسى جرحي *** فالذاكرة لا تُمحى والثورة تأنّ للتغيير
وغضنا في البوادي وحريقة النهار *** والليل أتى مسرعا ليُعلن حالة استنفار
أين أنت يا عمل النهار وأين العلم *** وأين ذاك الفراش الوثير ودفء السرير
السفر قطعة من العذاب والكل ذائقه *** وهو يهوى الرجال ومن عنده الصبر
وتراني متقلّب الأحوال لأقذف بالملل *** فتارة أتغنّى بالقرآن وأخرى يشدّني الذكر
يا مدينة رسول الله ما أبهاك *** وسلام عليك يا قمر المدينة والبدر
عمرتنا أشرقت من آبار علي لما أحرمنا *** وصدحت أصواتنا بالتلبية مع كل زفير
وصارت النيران تشتعل في كياني *** والقلب يرجف وكأنه الحشر والنشر
يا مكة جئناك وأضنانا طول الرحيل *** فهل يقوى العقل للقياك أم ينهار
ولما ولجنا أم القرى وشممنا شذاها *** هرعنا للبيت العتيق كالفار من النار
زاد الحماس والكل صار يترصد الأخبار *** فليس لقيا الحبيب بحبيبه من الأسرار
هلا فرشت لنا الأرض حرما آمنا *** فلقد سئمنا الخوف وهرمنا من حكام وجور
وتلك مآذن الحرم تعانق السماء وتتباهى *** وأبنية كلها حضارة ورُقي وزينتها الأنوار
وساعة مكة تذكّرنا بخطورة الوقت ومعناه *** والناس حولي أمواج عاتية يستعجلون النهار
واختلط الحلم بالحقيقة لما خطفت الكعبة ناظرينا *** وشدّنا جمالها إليها كالسحر وقت السحر
وخشعت الأصوات للرحمان وبدأنا نطوف *** فمن حب مكة فاضت من لساني الأشعار
سبعة طفناها ولم ننسَ الحجر الأسود *** وعند المقام صلّينا وسلبتنا الأذكار
شربة هنيئة من ماء زمزم أحيتنا *** وطمعنا بشربة مثلها عند الحوض يوم الحشر
وتتبعنا خُطى أمنا هاجر في المسعى *** من صفا إلى مروة وغايتنا كثير الأجر
ثم تحلّلنا بحلق الرأس أو التقصير *** ونبذنا ذنوبا أعيتنا لنلحق بالأخيار
هذه مناسك العمرة وشعائرها بكل إيجاز *** ولنا في الحج نصيب من خلال المزار
إلى منى رحلنا لنرجم إبليس وننتقم *** من حقدنا على من يريدنا له مهر
وفي مزدلفة طاب لنا ظل الخيام *** وصعقتنا ضخامة المكان وبُعد النظر
وإلى عرفات سرنا بخُطى الحجّاج *** وصعدنا جبل الرحمة بكل همة وإصرار
وذاك غار حراء ليس كأي غار *** وغار ثور ومسجد نمرة يكملان المسار
جمعة مكة وشمسها بكل مال لا يُشريان *** وعذب الأصوات تُطرب الجسد والأحجار
جدّة السعودية لم تغب عن البال *** فما أشد الشوق لبلاد العرب والأحرار
وموج اليمّ سلّم عليّ هناك وحيّاني *** وفي مسجد الرحمة صلّينا وفوق البحر
وسمك الأحمر غذّى الروح مني ووجداني *** والذكريات نسيت النسيان في الذاكرة والصور
إلى مكة عدنا لنعلن الفراق بسرعة الرياح *** فالوداع كل الوداع يا بكة الخير والطهر
ووداعا يا حب العدنان وقبلتنا والكعبة *** ووداعا لطواف وسعي وزمزم وعصر وفجر
فالله أدرى إن كانت لنا عودة أو لا ثاني *** للغمس في العسل وتذوّق جنة الدهر
وهاجرنا هجرة رسولنا إليه واشتقنا *** لمدينة السلام وللقيا الحبيب والقبر
وغنيتُ طلع البدر علينا لما هاجرنا *** ألا ليت شعري ما هذه النشوة والحبور
يا طيبة ما أهيب طلّتك وما أحلى *** سحرك فهل تقبليني ضيفا بين الأنصار
هذا مسجد خاتم الأنبياء يطلبنا ونطلبه *** وليس من يرى جمال الحرم ينسى المختار
وروضة الجنان هي زينة المكان وحلّته *** وبيت العدنان ومنبره كالذهب والقناطير
عند قبر رسول الهدي فاض الدمع شلالات *** وأبو بكر وعمر سلّمنا عليهم وانقضضنا كالصقور
إلى أحد شددنا الرحال وذكرنا الخسران *** فهلا أطعنا الوالي وتركنا عصيان الأمير
وهذا قبر حمزة يذكّرنا بشِيَم الرجال *** فهل نتلقّن عبر التاريخ أم نختلق الأعذار
وهذا مسجد قباء قد سطّر فجر الإسلام *** وقبور صحابة في البقيع أولئك الأبرار
وداعا يا مذكّرات سائح في أرض الحجاز *** وإلى اللقاء يا ليل المدينة والأسحار
أقصانا نحن عائدون إليك في مسرانا *** والشوق يزداد ما اقتربنا من الأهل والديار
هذه حكاية رحلة العمر في العمرة *** ولله الحمد على جميل النعم في العلن والإسرار