15.4.14

الانسانية ...


ان للتربية المتخلّفة دور كبير في ايقاد الكراهية، الحقد والنفور من الآخر المختلف، وغالبا ما تأخذ هذه الكراهية وهذا النفور شكل الطائفية، الحزبية والعائلية. يُشرّب الطفل منذ صغره مفاهيم طائفته ويظنّ لوهلة أنها كل العالم وأن كل الناس (الذين يشاهدهم في التلفاز أيضا) مثله تماما، ورغم أنهم يُحاولون تشريبه حبّ طائفته والتغاضي عن الآخرين المختلفين أو حتى زرع كراهيتهم في نفس الطفل، الا أنه يعجز عن التفريق بين نفسه وبين أطفال آخرين، ولذلك يمكن لأطفال من ثقافات مختلفة أن يندمجوا بسرعة وأن يتصاحبوا سريعا، رغم أن الكبار يُحرجون من مثل هذا الاتصال ولربما يقودهم ذلك الى منع استمراريته عبر الفصل بين الطفلين. الطفل يرى أن الطفل الذي قباله يضحك مثله، يبكي مثله، يأكل مثله، ينام مثله، يلعب مثله، وبكلمات أكثر نُضجا، يراه انسانا مثله! ان هذا الحب الفطري الساذج يدلّ على طبيعة الانسان الذي لا يُفرّق بينه وبين أخيه الانسان. أما آن لنا أن نتعلّم من الأطفال كم نشبه بعضنا نحن بني الانسان؟! ان في عالم الحيوان أصناف وأنواع، ومنها أصناف تتفق وتعيش بسلام وتناغم مدهشين، ونحن صنف واحد نعجز عن أن نعيش دون حروبات وكراهية؟! وعندنا عقل أيضا؟! أنستعمله؟! أم أننا نستعمله ضد أنفسنا؟!      

ومن ثم يكبر الطفل، ليكتشف بعد فترة أن المفاهيم (قسم كبير منها سطحية) التي تشرّبها غير موجودة عند الجميع وأن هناك من يختلف. يبدأ الطفل بإثارة أسئلة مثل: لماذا لا يلبسون مثلنا؟! لماذا لا يأكلون مثل أكلنا؟! لماذا لا يُصلّون مثلنا؟! وأجوبة الكبار تتنوّع من تغاضي مقصود الى محاولة لبيان أن الآخرين أقلّ فهما وأنهم مساكين ولربما يصل المشوار الى زرع فكرة أنهم حطب جهنم، لأنهم حادوا عن الطريق المستقيم! ان الفكرة التي تصل الى الفتيان، فحواها أن فرقتك هي الفرقة الناجية، هي الفرقة الصائبة وكل الفئات الأخرى منحرفة أو مخطئة. هذه التفرقة التي ترفع من شأن الطائفة التي جاء منها الطفل وتحطّ من قدر الطوائف الأخرى، تساهم في زرع الاحتقار، الكراهية والحقد في النفوس، فيبدأ الفتى يحتقر المختلف لأنه أقل شأنا منه، يرفضه ولا يقبله، وذلك يوّلد انعدام الانسجام، البعد، الكراهية والحقد. ولنا أن نتخيّل اذا اعتبر كل واحد من الطرفين أن الطرف الآخر هو أقل شأنا، لتصير معركة طائفية تتمحور حول من هو الأحسن ومن الأفضل، ومثل هذا الجدال لا يمكن أن يصل إلا الى طريق مسدود. اننا لا نُعارض تعزيز القيم والمبادئ التي يكتسبها الفرد من بيته ومن بيئته المحيطة، ولكننا نرفض أن تحتوي هذه المبادئ على رفض الآخر، التحذير من الاتصال معه والحطّ من قيمته، اننا نرفض إلغاء انسانية الانسان الآخر.  

واذا ما سنحت الفرصة للشاب (المنشغل في بناء هويته في تلك الفترة) بالخروج والتحرّر من العقلية الطائفية المنغلقة (وليس ذلك بالتحرّر السهل، فما زال قسم من الكبار عاجز عنه)، فإنه يبدأ برؤية الآخر كما هو، يبدأ برؤية ما عند الآخر من مبادئ وقيم، يبدأ برؤية عالم الآخر المركّب أيضا، يبدأ برؤية أفكاره، أحاسيسه، انفعالاته والأهم من ذلك كله، يبدأ برؤية انسانيته، ويرجع بذلك الى الحب الفطري، الى حيث الانطلاقة، الى حيث الطبيعة البشرية التي شُوهّت لفترة طالت أو قصرت بفعل البيئة المنغلقة. تبدأ جسور التواصل تنبني وتبدأ مرحلة تلاقح الأفكار، ولا يخاف الانسان الواثق من ذاته، أن ينكشف لأفكار الآخر، لعاداته وتقاليده، لأنه مؤمن بما عنده، ولكنّه يسعى دوما الى توسيع آفاقه ورؤية الحياة على حقيقتها، على تركيبتها. يكتشف الفرد عندها أن الآخر ليس أقل شأنا كما حُفّظ من قبل، وأنه لديه عالمه الخاص والذي هو منسجم معه والذي هو يؤمن به، وعندها يأتي الفضول المتبادل، الاحترام المتبادل، الحب الفطري المتبادل، ويفهم الفرد أنه مهما اختلف الآخر في مبادئه وآرائه ومواقفه فهو يبقى انسانا!    

حكم وأمثال شعبية - الجزء الأول


الحكم والأمثال الشعبية هي جزء مهم من التراث، وأهميتها تبرز في كونها تعبّر عن آهات، آلام، أفكار وخبرات الشعوب وعامة الناس، وهي تنبع من احساسهم الصادق ومن تجربتهم الطويلة مع الأيام، ولذا فدراستها وفهمها يساعدان على فهم نفسية الشعوب، وما هي التغييرات التي طرأت منذ أن قيلت، وما هي تَبِعات هذه الأمثال، بمعنى كيف ترتبط النفسية التراثية بنفسية الحاضر. فكلمة شعبية تُوحي بأمرين هامين: الأول أن هذه الأمثال نابعة من تجربة الناس وهي بذلك قريبة من الواقع، والأمر الآخر أن هذه الأمثال مستعملة وشائعة بين الناس، مما يدلّ على عظيم أثرها على نفسية الشعب، ومن هنا تبرز أهميتها.

الأمثال مأخوذة من كتاب: الحكم والأمثال الشعبية في الديار الشامية لمحمد سعيد مبيّض