19.4.12

كي لا نعود إلى القرون الوسطى!





لا ينبغي أن يكون موقف المتدينين تجاه ما يتوصّل إليه العلم، هو الرفض، والرفض فقط، لكل ما يخالف فهمهم، خاصة وأننا في هذا الطور الحضاري مُقصّرون في تحصيل العلم والمعرفة.

وإذا كان المسلمون يمتلكون النص المقدّس المعصوم (القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة)، فهذه مسئولية كبرى في أعناقهم، تحتم عليهم أن يُعملوا عقولهم للفهم عن الله لنصوص قُصد منها أن تتجاوب بسلاسة ويُسر مع المستجدات العلمية والحضارية، حتى تدرك البشرية من خلال هذه المستجدات أن الله حق.

وإذا كنا في العصر الحديث، قد عجزنا (مع استطاعتنا) عن أن نقود الإنسانية في طريق العلم، فليس أقل من أن ننهل مما يتكشّف من المعارف، فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أولى الناس بها.

إن آيات القرآن الكريم، كالرحيق في الزهرة، ينبغي على النحل بذل الجهد الكبير حتى يحوله إلى عسل صاف فيه شفاء للناس. أما إدعاء الإستئثار بالمعرفة، لمجرد أننا نمتلك النص المقدّس دون بذل الجهد للفهم والتفاعل الحضاري فخطأ فادح. كذلك أن نوصد الباب أمام العقل باعتبار أن كل ما نقول أمورا من العقيدة التي لا ينبغي النظر فيها، وهي ليست كذلك، فهو خطأ أكبر.

لا ينبغي في هذا العصر أن نُضفي القداسة على ما قاله المسلمون السابقون، كما فعلت الكنيسة في العصور الوسطى، وأن نعتبره الحق المطلق، ونردّده في مجالسنا ومنتدياتنا و"حَضَرَاتنا"، و"نمصمص الشفاة" سعداء بأقوال تحتاج إلى إعادة نظر وإعادة فهم.

إننا بهذا الأسلوب نخاطب أنفسنا وننتشي لما نقول، بينما العالم والعلم يتجاوزوننا، ولا يلقون إلى معارفنا بالا. هذه المعارف التي يحتاجها الإنسان كاحتياجه للطعام والشراب، لكننا قد كدّرنا المنهل ولوّثنا المَشرب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(منقول عن كتاب رحلة عقل للكاتب د. عمرو شريف، ص. 244)