8.9.12

ثورة في المساجد - الجزء الأول


المساجد هي بيوت الله في أرضه وهي أطهر بقاعها، ولها حرمة يجب احترامها وآداب يجدر الإنتباه إليها. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل نحترم مساجدنا؟ هل روح مساجدنا هي روح مساجد الدولة الإسلامية أيام الفترة المحمّدية والخلافة الراشدة؟ هل الزخرفة الإسلامية على الجدران وكتابة الآيات القرآنية واسم الجلالة واسم النبي الأكرم والصحابة تجعل مساجدنا من أحسن ما يكون؟ أم أننا في حُلُم ووهم وآن لنا أن ندرك الحقيقة وإن كانت مُرّة؟

من المعلوم لنا أن الوحدة قوّة وأن الفُرقة ضعف، وأن القشّة الواحدة تُكسر وأن حزمة القش تصمد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وإنما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمّم مكارم الأخلاق، وما كان للإسلام أن يُفرّق، ولكنّه على العكس يجمع، يجمع الجميع على كلمة التوحيد وعلى حب الله وحب رسوله وعلى مكارم الأخلاق التامة، فهذا رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام يُآخي بين الأوس والخزرج ويطوي صفحة حروبات استمرت سنينا ويُآخي بين المهاجرين والأنصار وحتى بين المهاجرين أنفسهم، لتصير أمة الإسلام أمة واحدة كما أراد الله لها أن تكون. إنها روح الإسلام الصحيح الذي ينهل من النبعين الصافيين: الكتاب والسنة، إنه إسلام الأمة الواحدة، الإسلام الذي ينظر إلى الجوهر ولا ينحصر بالمظهر، الإسلام الذي يجمع ولا يُفرّق، إسلام الوحدة القلبية، إسلام النهضة، وفي هذا يقول ربنا جلّ وعلا: وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" (الأنفال، 63)،  "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" (آل عمران، 103)، ويقول تعالى أيضا: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون" (الحجرات، 10). 

لكن في مجتمعنا المسلم اليوم هناك مسجد للصوفية وآخر للحركة الإسلامية الشمالية وآخر للحركة الإسلامية الجنوبية، وآخر لعائلة كذا وآخر للشيخ فلان وأتباعه وإلى غير ذلك من المظاهر الحزبية التي تُفرّق ولا تجمع! فما الذي أصابنا حتى شاعت بيننا هذه الحزبية المقيتة بيد أننا في الأصل أمة الإسلام الأمة الواحدة الموحِّدة؟! والأغرب من ذلك أننا استسغنا هذا التشرذم وقلنا: ليس في الإمكان أبدع مما كان! إن كنا لا نستطيع إحداث الثورة التي سنتحدّث عنها (وهو مجرّد وهم حُفّظناه جيّدا)، فإنه علينا على الأقل أن نعترف بخطئنا وأن نكون واعين له، عندها لن تخطر ببالنا فكرة إستحالة التغيير وستبدأ الخطوات نحو الإصلاح.

هل سمع أحدنا أو قرأ في التاريخ الإسلامي عن مسجد خاص بالأنصار أو مسجد آخر للمهاجرين أو مسجد لبني هاشم أو مسجد للأوس أو الخزرج؟ كلا، بل كانت روح المساجد منسجمة مع روح هذا الدين الشامل لكل جنس وعرق ولون، فكل الفروقات الطبقية التي سيطرت على العقل الجاهلي ذابت والتقت على كلمة التوحيد، وفي هذا يقول عليه الصلاة وأفضل السلام: "لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمى على عربي ، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض ، إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب". لكن، ما بالنا عكسنا الآية فجعلنا المساجد وسيلة للتفرقة، في حين كانت وسيلة لجمع المسلمين؟ كيف لا (أي كيف لم تكن وسيلة للجمع) ومنها انطلقت الدعوة وأشرق فجر الدولة الإسلامية التي اتّسعت رقعتها من الشرق إلى الغرب؟!