28.4.12

في الطريق إلى الأقصى ...


في الطريق إلى الأقصى ترى "باصات" عناتا العنيدة
والأفواج كالأمواج تندفع إلى ذكرى الإسراء والمعراج
ولكنّ ثمة من يمشون عكس الموج فهل هم هُوج
أم من نسل يأجوج ومأجوج؟!
عند باب العامود إشارة ضوئية خضراء!
يا لها من حسناء ولكنّ أحدهم يجرّ عربته ويصيح
"اطلع يا بو صبيح"!
تنزل درجاتٍ عريضة فتُذكّرك بالموت عجوز شمطاء
هي وعكّازتها العوجاء ينظران إلى مشيتي السريعة بازدراء
تدخل إلى السوق فتزداد سرعة الحياة وتصمت الشفاه
لتسمع عن اليمين همس بائع "البلفونات" متكبّرا
وكأنه ملك زمانه بقطع نحاسية يحبها الناس كالماس
أمامي شابة شقراء جائت لتنشر بياضها صباحا ومساء
وتحمل على رقبتها "كاميرا كانون" لتوثّق الأشياء
لا تُصوّريني!
ولماذا تصوّرني؟! هل أنا "جاستين بيبر"؟!
لا توثّقي ألمي في بلدي التي فيها يومي وغدي!
لا تكتبي على ألبوم الصور "فلسطينيون مضطهدون"!
لا تدعي "الكانون" تُحزن أحفادي من بعدي!
وعودي من حيث أتيت أيتها الشقراء!
عودي ولا تقهريني بتلك الكاميرا المعجزة!
عودي فقد قالوا لي أننا اخترعنا "القُمرة"!
لا تسئليني أين هي فلقد ضاعت مني!
لربما أنت سرقيتها وطبعت عليها اسم "كانون"!

***

في الطريق إلى الأقصى ترى "بسطات" على الأرض مُغطاة
فهل جائت البلدية قبل ثوان أم ذهبوا للصلاة؟!
في الطريق إلى الأقصى ترى معالم لا تتغيّر وأشخاص ثابتون
كأنهم لا يتزحزون، صامدون، لكنهم مُزعجون
لأنهم يُذكّروننا بالسكون والركون
ويُلخبطون ماضينا بحاضرنا
إلا أننا نفيق على تسابق السنين
أحدهم رجل مشوّه الوجه، يبيع أشياء لم أكد أراها
وكعادته في نفس مكانه يُشغّل موسيقى لم أميّزها
وعن اليسار شابان أجنبيان يمسكان بالأيادي
ويتمايلان على بعضهما ويسيران ويضحكان
كأنهما مثليان!
لا تتحرّكان أكثر!
فلقد بعثتما برسائل إنحراف في مجتمع يخاف!
أتحسبون أنكما في أوروبا؟!
ألا تُدركون أنكم في البلدة المقدّسة؟!
ألا تريدان الإعتراف عند أبيكما؟!
إنه ينتظركما هناك عند باب الكنيسة!
إنها الترانيم تنبعث من الحارة النصرانية
هل هو عيد شم النسيم؟!

***

في الطريق إلى الأقصى يحاذيني رجل مهووس
يمشي في السوق وينادي
"عالصلاة يا مسلمين"
"الصلاة عماد الدين"
فهل هو ملموس؟!
لا، فها هو يقول
"فذكّر إن الذكرى تنفع المؤمنين"
يرد صاحب مصلحة عبوس
"اسبقنا واحنا وراك حندوس"
فهل فعلا ورائه سيدوس؟!
أرى ثلاثة أولاد يحملون الشراب المثلّج
يتداخلون بين الأرجل دون إحراج
كُفّوا عن ضرب مؤخّرتي!
وكفاكم دوسا على حذائي!
لكنهم في الغالب لا يقصدون
فهم بالبراءة يُعرفون
وليسوا جنسيين كما قال الفرويديون!
أخيرا يسبقون ويتقدّمون
أهذا حقا كل ما تبغون؟!
ويضحكون، ويتحرّكون
وعلى ظهر أحدهم مكتوب
"من قيمنا: المحافظة على البيئة!"
تعال لأضمّك إليّ أيها الظهر المعبّر
لكنّ الناس حولي ينظرون
وبالتأكيد سيقولون: إنه مجنون!
"صلاة الجمعة يا مسلمون"

***

في الطريق إلى الأقصى أمشي مع التيار البشري الهائج
هي نصف ساعة أو أكثر حتى ينعكس التيار
ويفر الجميع من حيث أتى إلى الديار
تفيض فييّ الذكريات عندما أرى مطعم الأجانب
وأستحضر اندفاع البائع لاستقبال الأقارب
رغم وجود الأجانب!
وتصعد إلى وعيي محادثتنا القصيرة
"من أين أنتم؟"
نحن من القمر إن أردت معلومات دقيقة!
دعنا نسكر من شرب "الليمونادا" بروح رقيقة!
لننسى ماضينا، ولنفكّر بآمالنا العريقة!
"نحن من أم الفحم"
"أهلا بأحفاد شيخ الأقصى"
وهل للأقصى شيخ واحد؟
أهذا يدخل في عقيدة التوحيد؟
تبّا لتفكيري! إنها مجرد كُنية
ذاع صيتها ووصلت كل الدنيا
"لو تمكّنت لبنيت تمثالا للشيخ رائد"!
ألهذه الدرجة يصل حب العائد؟!
أصطدم وأنا أسير بنظرات إمرأة سوداء
تلبس الحجاب "الموديرني" وملابس ضيّقة زرقاء
تُلاقيني في ذاك المكان كل أسبوع
وتبيع ملابس داخلية لنسوة يشتهين الشراء
ولو عشن مع أزواجهنّ في العراء!

***

في الطريق إلى الأقصى تشير إلى "مطعم أبو شكري"
وأنت مُغمض العينين!
تريد أن تلتهم الفلافل القدسية إلا أنك على موعد مع أذانين!
وخطبتين!
وعن اليمين صيدلية تُصارع تخلّف السوق برقاوتها
وتتفاخر بعلمها على طول زجاج نوافذها
هل هي مُخصّصة لأبي شكري؟!
أهم هذا ربط اخترعته من مكري؟!
أصل عند عتبة المسجد الأقصى فألتفت للجنود
عن اليمين وعن الشمال، فهل نحن على الحدود؟!
نعم، إنها الحدود الدنيوية الأخروية
لكنّ ثمة سائحة تتكلّم مع الجندي المشدود
إنها تريد الدخول إلى مكان التعبّد المعهود
هل يمكنها أن تخدع الجندي بشقفة قماش على رأسها
لحمها الأبيض يعكس ضوء الشمس وبين نهديها
يظهر إنحدار شديد!
ومن ثم يسألها بالإنجليزية: "هل أنت مسلمة؟!"
يا له من يوم مشهود!
لكنّه يصرّ على موقفه ويُشير إلى بقية الجنود
نعم نحن قُرب الحدود!
أدخل إلى وِجهتي وتستقبل عينيّ القبة الصفراء
إنها في مكانها! الحمد لله على هذه النعماء!
كم تخيّلت أن أمشي على ذاك البلاط القديم
باحثا عنها فلا أجدها حيث لقيتها فأهيم
ما هذه المرأة السوداء التي أمامي؟
سوداء بملبسها لا بلحمها المكنون
أين عينيها؟! لا بل أين فيها وأنفها؟
إنها تحت الستار!
كيف ترى طريقها؟ وكيف تلتقط شهيقها؟
وكيف تُدخل أكلها إلى فيها؟
إنها مهنة لا يُتقنها إلا الأبرار!
يبدأ المؤذّن ندائه للصلاة
فأضيع بين جموع كثيرة
وتتلاشى أفكاري بين أصوات التكبير الرقيقة
وأبقى في طريقي المثيرة!
ذاهبا!
راجعا!
إلى الأقصى
ودربي منيرة!