11.8.12

النفس الرمضانية 6: المحافظة في مجتمع محافظ – الجزء الثاني



أما السلطات (يشمل المجالس المحلية) فهي الجانب المكمّل لجوهر المشكلة، فعليها أن توفّر ما يساعد المواطنون في المحافظة على بيئتهم وأن تُرشدهم إلى ذلك وتحذّرهم من الإخلال بالنظام لأنها هي مصدر قوة لا يُستهان به، ورغم أننا ندعو إلى المراقبة الذاتية التي يراقب فيها الإنسان أفعاله، إلا أننا لا نتوقّع أن يستجيب كل الأفراد لفطرتهم السليمة ولذا كان لا بدّ من مراقبة خارجية. لا بدّ للمجالس المحلية أن تستثمر في موضوع المحافظة على البيئة لما فيه من مصلحتها، وليس عليها أن تلقِ اللّوم على السلطات التي تعلوها، وإنما أن تزيد من عدد حاويات القمامة بحيث تنتشر في كل مكان والأهم من ذلك أن توفّر سيارة واحدة ليس أكثر لتنظيف الشوارع. أما بالنسبة لإلقاء النفايات في أطراف البلدة، فلا يمكن أن تنتصب اللافتات التي تُحذّر، في حين لا يتم توجيه الناس إلى مكان يستوعب النفايات، فالواجب توجيه الناس إلى مكان كهذا، أو تخصيص مكان منبوذ في أحد أطراف البلد بحيث لا يُزعج بصرنا. إنه ليس دلال زائد، ولكن من أحد حقوق الإنسان الأساسية أن يُحافَظ على صفاء سمعه وبصره وشمّه.

لربما سيقول أحدهم أنه يجب أن ننظر إلى نصف الكأس المليئة وأن نترك النصف الفارغة، ولكن هذا الذي يقول يغفل عن أن هناك أخطائا قاتلة ينبغي معالجتها دون أدنى انتظار، فمثلا لو جائنا إنسان يلبس أجمل الثياب وشعره يلمع وحذاؤه كذلك وكان سحّاب بنطاله مفتوحا لنسينا كل أناقته ولسميّناه بأبي السحّاب المفتوح! إن شوارعنا كذلك هي سحابات مفتوحة إذا اعتبرنا أن كل شيء غير ذلك تمام (وهو في الحقيقة ليس كذلك)، فهي الظاهرة التي لا يمكن إخفاؤها تحت التراب ومن سيزورنا في بلدنا سيمشي في شوارعنا، وله أن يبتأس بمنظر الأوساخ في كل مكان، وله أن يأخذ أسوأ الأطباع عن أمة الإسلام! إن الواحد منا ليستحي من نفسه أمام هذا الإهمال في حين أن شوارع أقرب القرى اليهودية إلى قريتنا تسخر منا! لا تقل لي أن هناك تمييزا في الميزانيات فنحن نتكلّم عن أبسط الأشياء وهي سيارة واحدة لتنظيف الشوارع، والذي يُثبت أننا قادرون على إقتناء مثل هذه السيارة أنه قبل سنين كانت سيارة كهذه تجوب شوارع كفرقرع كلها، فهل نحن في تراجع مستمر؟ وبالمقابل لنا أن نتخيّل لو أن كل فرد منا حافظ على بيئتنا المشتركة كما يجب، من أين ستأتي الأوساخ؟ هل ستنزل من السماء؟ معاذ الله، إنها بفعلنا نحن، ونحن سببها، وفي هذا يقول تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم، 41).

كنا على أبواب رمضان وللأسف لم نلاحظ نقلة مشهودة في المحافظة على البيئة، ونحن الآن على أبواب العيد وحريٌ بنا أن نستقبل هذا العيد من بين اثنين على حين نظافة ونقاوة تعمّ الشوارع وأطراف هذا البلد. لربما يكون هذا التقصير نابع من إختصار الدين في الشعائر الدينية، في حين أننا غفلنا عن مكارم الأخلاق التي يدعو إليها الإسلام ولذا اختصرنا اسلامنا بالصلاة والصيام، ونسينا فعل الخيرات وكفّ الأذى عن الطرقات والإحسان إلى البيئة، ولربما يكون أيضا من اختصار النظافة في المساجد، ونحن لا نقلّل ممّن يعمر مساجد الله ويعمل على نظافتها، ولكن ينبغي أن لا يتمّ إختصار النظافة والمحافظة في المساجد وإنما توسيع دائرتها لتشملّ كل الأرض، فرسولنا عليه الصلاة والسلام يقول: "وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً". خلاصة القول، أن الحفاظ على البيئة وعلى نظافتها هي ثقافة مُكتسبة، وعلى الأفراد وعلى السلطات كذلك تنمية الفطرة السليمة لتصير ثقافة، وهذه الثقافة منوطة بتنمية الجوهر لا مجرّد المظهر.