28.9.12

ثلاثية لغسّان كنفاني: عائد إلى حيفا، رجال في الشمس، أرض البرتقال الحزين

رواية عائد إلى حيفا/ غسان كنفاني

إنها الرواية التي توثّق نكبة 48 بأدقّ تفاصيلها وتجعلك تعيشها بمشاعر جيّاشة! إنها الذاكرة التي لم ولن تُنسى! إنها الأمل والألم معا!
سعيد ذاك الفلسطيني الذي طُرد من بيته ومن مسقط رأسه حيفا التي يعرفها كما يعرف أبنائه، يستجيب لنداءات زوجته المتكرّرة لزيارة حيفا بعد ترّدد كبير، إذ هل من جدوى من الرجوع كزائر إلى أرض الوطن التي سُلبت؟! لكنّ خلدون هو الشخصية المفقودة التي تُفجّر القضية، فكل الأمل الذي علّقه سعيد وزوجته صفية صار سرابا، وكل الألم الذين تكبّداه لأجله بان سخيفا وبلا معنى، فما بال خلدون مات وهو على قيد الحياة؟! وما باله نسي والديه ولم يُعرهما أيّ اهتمام؟! إلا أن خلدون الصغير صار "دوف"! وهيهات لـ"دوف" أن يرجع إلى أصله! ويصلنا من الرواية درسا مهما جدا ألا وهو أن نصرة فلسطين لا تكون بالبكاء على الذكريات التعيسة وإنما تكون بالتفكير في المستقبل والعمل الدؤوب للوصول إلى الهدف.
 
 
رواية رجال في الشمس/ غسان كنفاني
رغم أن بدايتها كانت بطيئة ورغم أن وسطها ارتكز على مشهد التفاوض حول ثمن التهريب، إلا أن النهاية هي التي فجّرت الأزمة فكانت مُحزنة ومُؤثّرة!
"
لماذا لم تدقّوا جدران الخزّان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزّان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟" 
إنها الجملة الأخيرة التي صرخ بها أبو الخيزران: فهل هي تعني اليأس الذي سيّطر على الباحثين عن لقمة عيشهم؟ أم أن طيبتهم لم تسمح لهم بفضح أبي الخيزران؟ إنها حياة الشقاء والعذاب بكل معانيها، إنها الدقائق التي تفصل بين الحياة والموت، إنها تفاهة حديث رجال الأمن التي أودت بحياة ثلاثة من الأبرياء، إنها حياة المخاطرة والخروج على القانون بسبب ضنك العيش.

 
أرض البرتقال الحزين/ غسان كنفاني
هي مجموعة قصصية تصف الفلسطيني المهجّر الذي طُرد من أرضه على أمل الرجوع بعد فترة قصيرة، وقلبها كإسمها قصة بعنوان "أرض البرتقال الحزين"، فلا يبقى البرتقال ولكن تبقى ذكراه ولا تبقى الأرض ولكن يبقى التشريد واللجوء ولا يبقى الإستقرار والأمن ولكن يبقى الحزن. فيها بعض الغموض والرمزية التي تستعصي على الفهم أحيانا، وفيها بعض الإشارات الإلحادية التي تستغلّ المحن من أجل التشكيك بوجود الله، وهو ما اسماه الفلاسفة معضلة الشر.

ثورة في المساجد - الجزء الثالث

السيطرة الحزبية على المساجد هي بداية الفرقة ونهاية البعد عن الدين، وهي من دخول الدنيا المنبوذ بين المسلمين في مكان التعبّد والروحانيات، إنه ضرب للروحانيات بسوط من حديد. لذا فإن الواجب هو تحييد الحركات والمصالح الحزبية عن الأماكن الروحانية، لتستقرّ في مكان عملها الطبيعي ألا وهو الساحة المجتمعية الواسعة، فالمنابر لا ينبغي أن تُستغلّ لدعاية حزبية رخيصة، وحرام علينا أن نستغلّ المنابر للتفريق بدلا من الجمع! وهاكم المقترح الأولي والخطوات العملية التي أراها:
 
1- إظهار الخطأ في السيطرة الحزبية على المساجد للرأي العام، ورفع مستوى الوعي لضرورة التغيير من أجل العودة للمنهج النبوي الأصيل في التعامل مع الفرق المختلفة، وترسيخ مفهوم الأمة الواحدة وأواصر الأخوة والوحدة القلبية ولو اختلفنا في قضايا كثيرة.  
 
2- العمل على إنشاء مجلس أعلى يتولّى إدارة شؤون المساجد في كل بلد، حيث يتم إختيار أعضاؤه بالإنتخاب، وينبغي على الذين ينتخبون أعضاء هذا المجلس أن يكونوا مواطنين ممثّلين لعامة أهل البلد (يمكن أن يكونوا أعضاء المجلس المحلي)، ويضمّ هذا المجلس: رجال دين، أخصائي نفسي، أخصائي إجتماعي، مختص في اللغة العربية وآدابها، مختص في الصوتيات. ويكون على المجلس المُنتخب أن يختار من بين المُتقدّمين أئمة المساجد وخطبائها والمؤذّن والإدارة الخاصة بكل مسجد، ولا بأس أن يتمّ تعيين نائب للخطيب ونائب للإمام، ومن ثم الإشراف على حسن إدارة كل مسجد وآخر والمحافظة على إعادة إنتخاب الخطيب والإمام والإدارة كل فترة محدودة من الزمن. هكذا يمكن لأي خطيب أو لأي إمام يرى في نفسه كفؤا ولأي فرد عادي يحب أن يخدم دينه أن يتقدّم للوظيفة، وعندها نحافظ على إختيار الأفضل من بين الموجودين. إعادة الإنتخاب كل فترة من شأنها أن تُلغي الدكتاتورية التي سيطرت على مساجدنا، فترى الإمام يتشبث بالمسجد الذي وُلّي أمره حتى آخر أيام حياته ولا يهمه في ذلك إن ساء صوته أو قلّت حيلته أو كثرت تغيّباته عن صلاة الجماعة.
 
3- كل ذلك يهدف إلى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فلا يُعقل أن يكون خطاب الخطيب متنافيا مع الواقع أو مع العلم أو هو في واد والواقع في واد آخر، ولذلك لا بدّ من النظر في أبعاد الخطاب الديني الإجتماعية والنفسية، ومن هنا كانت الحاجة إلى أخصائي إجتماعي وآخر نفسي، ولا يُعقل أن يؤمّ المصلّين من كان صوته نشازا لأنّ الجمال الصوتي مطلوب، والقرآن أولى بالجمال الصوتي من الأغاني الساقطة التي لا تحمل معنى فضلا عن فائدة، ونحن نعلم أيضا أن الجمال الصوتي ليس من أوّل المعايير التي تؤخذ بالحسبان عند إختيار الإمام (على أهميته)، ولذا كانت الحاجة إلى رجال الدين ليُحكّموا المعايير الشرعية. فلكلٍ دوره وهذه أمثلة تبيّن جزءا يسيرا من وظيفة كل متخصّص، فليس هذا تكلّفا ولا ترفا فكريا، وإنما هي حاجة لتحسين الخطاب الديني. 
 
4- الخطاب الديني وأهمّه ما يتجلّى في خطب الجمعة بحاجة إلى تحسين واضح لكل مثقّف، إذ كيف لخطبة جمعة في القرن الواحد والعشرين أن تفتقد حديثا عن العلم الحديث؟! إنه جُرم بحقّ المسلمين! ففي حين تباهينا أوروبا وأمريكا بالعلم وتصدّر إلينا معارفها وتستعمرنا بها، نقف نحن متجمّدين بعيدا عن سبل العلم في خطابنا، فنضيّع أحسن الفرص التي تجمع كثيرا من الناس (خطبة الجمعة)، وبالتالي نساهم في تجهيل شعبنا وأمّتنا. إنني أرى بخطبة الجمعة فرصة لتعليم الناس أمور دينهم ودنياهم، فكيف سنسبق أوروبا وأمريكا، إن كان مستوى الثقافة لدى شعبنا مخجلا، وكيف سنرقى إن كان عامة الناس لم يسمعوا بآخر ما توصّل إليه العلم الحديث فضلا عن أوّل ما توصّل إليه؟! سيقولون لك: عندها لن يفهم خطبتك أحد! وأنا أقول أنه مع التبسيط والأمثلة لن يستعصي الفهم على أحد بإذن الله، ثم إننا لا نطالب بقلب الخطبة كلها إلى فيزياء وكيمياء ومعادلات ومتغيّرات وإنما أخذ القليل الذي يدلّ على الكثير. إضافة إلى ذلك، فإن خطبنا تعاني من خلل في الأولويات، إذ كيف لنا أن نتكلّم عن الميراث ونحن ما زلنا غافلين عن المفاهيم الأساسية مثل الحرية والمساواة والعدل وما إلى ذلك من قيم؟! ثم لماذا يكتفي خطباؤنا بالنقل دون الشرح والتفصيل بما يتلائم مع واقعنا؟! ولماذا يكون ثلاث أرباع الخطبة قال فلان وقال آخر، في حين يتنكّر الخطيب لأقوال واقعه ولتحليله الشخصي وللثروة المعرفية التي تغمر مكتباتنا؟! لماذا لا يقتبس الخطيب أقوالا لمفكّرين جُدد؟! أسئلة كثيرة تُظهر لنا أن في خطابنا الديني الحالي خللا ينبغي الإنتباه إليه، وهذا لا يتمّ كما أرى إلا حين إختيار الشخص الأنسب من بين الموجودين.
هذا والله تعالى أعلم وأحكم ...