13.9.13

"الفردية"، "العائلية"، "البلدية"، "الوطنية" و "العالمية"


في ظل اقتراب موعد الانتخابات للسلطات المحلية، تبدأ الدعايات الانتخابية البنّاءة والهدّامة، وتزيد العقليات العشائرية والقبائلية من بروزها، ولربما ظهرت على الساحة سجلات قديمة من الكراهية والخلافات، وكل ذلك من أجل دعم المرشح الوحيد والأوحد لعائلة فلان! والأهم من ذلك كسر منافسيه، اذ لا يكون النضال نضالا بدون كسر المنافسين، والكسر يكون بكل الوسائل المتاحة، كالتخريب على الآخرين من خلال المناشير والإعلام وكإطلاق النار على البيوت والتهديد بالقتل ولربما محاولة الابتزاز للتنازل عن الترشّح للانتخابات، وكل ذلك بالطبع يصب في الدعاية الانتخابية الهدّامة، اذ أن هذا النهج يعتمد على قانون الغاب الذي بموجبه البقاء للأقوى. أما الدعاية الانتخابية البنّاءة فهي لا تعنينا بالمقام الأول للأسف الشديد، وان عنتنا فهي لا تكفينا ولا تُشبعنا، فأن يشتغل المرشح على طرح منظومة فكرية جديدة وبرنامج انتخابي خلّاق وخطوات عملية لإصلاح البلد، كل ذلك لا يضمن فوز المرشح في نظرنا، وانما ينبغي التمسّك بالعائلية والاغراءات المادية والوعودات "المصلحجية" واسقاط المرشحين الباقين، وبعد ذلك يصلي المرشح قيام ليل يبكي فيه من خشية الله ويطيل في الدعاء ليطلب الفوز والنصر من عند الله على المُخالفين وعلى الأعداء، ويعلن توكّله على الله بعد أن توكّل على العباد!

ولا يمكن الانكار أن العائلية تُسيطر على عقولنا، فإن كان قريب العائلة مرشحا، أحسسنا بضرورة التصويت له، وان صوّتنا لغيره شعرنا بالخيانة ولخفنا من العائلة ولتستّرنا على موقفنا المتخاذل، لأن الإعدام مصيرنا ان بُحنا بهذه الجريمة النكراء، وان لم يكن اعداما ماديا فهو اعدام بمعنى المقاطعة والمشاحنة والنبذ! ولذا وجب احداث تغيير جذري في منظومة الأفكار المجتمعية، بحيث ينبغي الترويج لاختيار المرشح وفقا لمعايير جوهرية، كقدرة المرشح على القيادة، والأفكار التي يطرحها، والخطوات العملية التي ينوي احداثها، مدى واقعيتها ومدى ملامستها لمتطلّبات أهل البلد، وهذه المسؤولية تقع على عاتق كل فرد من أفراد البلد، فالمرشحون يُدرجون هذه المعايير في دعاياتهم الانتخابية، ورؤساء الجمعيات والحركات والمنظّمات يُوعّون لأهمية الأمر، وخطباء المساجد كذلك، والوالدان في البيت، والصاحب لأصحابه وهكذا. لكن تأكيد فكرة اختيار المرشح على أساس الكفاءات لا تكفي، وانما ينبغي اختراق مفهوم العائلية، من خلال التأكيد على الامتناع عن الاختيار وفقا لمناظير عائلية وانما وفقا لمناظير الكفاءات.

ان الانسان وُلد حرا ولذا كان حريّا باختياراته أن تكون حرّة ومستقلة ونابعة من الذات، فلا الضغوط المجتمعية ولا المصالح ولا أواصر المحبة والقرابة هي التي يجب أن تُحدّد اختيارنا، وانما العقل الصريح والمنطق السليم والفطرة الحسنة. لذا فإننا نقترح تبديل عدسات النظر "الفردية" و"العائلية" بعدسات أوسع وأشمل، ليتسع مجال الرؤية ولتتضّح معالم الطريق أكثر، فـ"الفردية" تملي علينا تصرّفا "مصلحجيا" أنانيا، بمعنى أن مصالحي مقدّمة على كل المصالح الأخرى والآخرون لا يعنوني، و"العائلية" تملي عليّ اتباع الآباء والأجداد وان كانوا على جهل وبذلك المساهمة في حفظ "جينات الجهل"، أما "البلدية" فهي اطار أوسع، وهي تعني التفكير في ما يصبّ في مصلحة البلد وأهلها، و"الوطنية" تعني التفكير في ما يصب في مصلحة الوطن كل الوطن، فإن كان هناك مرشحا معروفا بقدراته الفائقة على التواصل فهو مُقدّم على غيره، لأنه سيفيد في الاتصال والتعاون مع رؤساء آخرين لتنظيم احتجاجات قطرية مثلا، ولإخراج وادخال مشاريع من والى البلد، و"العالمية" هي التفكير في ما يصب في مصلحة العالم، فمثلا ان كان أحد الأهداف عند المرشّح هو المحافظة على البيئة فهو مُقدّم على غيره ان فكّرنا في مصلحة العالم. انها دوائر التفكير المختلفة ولو وسّعنا آفاقنا وتنازلنا عن عصبيّتنا القبلية، العشائرية، العائلية والفردية، لاخترنا المرشّح الذي يكون هو الأفضل للبلد، للوطن كله، وللعالم.