25.9.12

علم نفس قرآني جديد/ د. مصطفى محمود


الفصل الأول من الكتاب هو الفصل الوحيد الذي يتلائم مع العنوان، ففيه ينتقد الدكتور مصطفى فرويد وزمرته أشدّ الإنتقاد، ويصف هذا التيار في علم النفس بأن علاجه سطحي ولا يتناول الجذور، وينتقد ماديته وتشديده على الجنس، ويضع الدين كمخالف له ويصل إلى أنه لا مرب مثل الرب. يمكننا أن نلمس منذ البدء أسلوب الدكتور القاطع الذي بواسطته يحطّم تحطيما من خالفه، وهذا لا يحُسب له وإنما عليه، فليس كل ما قاله فرويد هراء وليس كل ما قاله جواهر، فهناك التقسيم الذي وضعه فرويد إلى الواعي واللاواعي والقريب من الواعي، وهو ما يُثبته العلم الحديث، وهذا مثال واحد فقط.
 
خلاصة بقية الفصول تبتعد عن عنوانه لتتمحور حول ما اختصره بنفسه: "والخلاصة المفيدة لكل هذا أنهم يريدون ضرب الأسلام في مقتل، وأنهم قرروا استئجار الحثالة المجرمة من المسلمين لهذا الغرض". أما عن الدين فإنه يقول: "إن الدين ليس فقط ضرورة إجتماعية، وليس فقط أداة للسلام الإجتماعي، بل هو الماء والهواء لكل إنسان، وهو الركن الشديد الذي سنحتمي به ساعة الهول". ويتحدّث أيضا عن مكانة الإنسان العليا والكرامة التي أعطاها الله إياه عندما أمر الملائكة بالسجود له ومنحه روحا منه، ولكننا نبقى عاجزين ضعفاء أمام الملك والذات الإلهية. ويحدّثنا أيضا عن الخوف الجميل الذي هو الخوف من أن يظهر المكتوم، فإذا به على غير ما نرضى وعلى غير ما نحب وهو خوف يدفع كلا منا إلى إحسان العمل وهو خوف لا يتواجد إلا عند الأتقياء.

ثورة في المساجد - الجزء الثاني


هل الوضع سيئ إلى هذه الدرجة؟
بل أسوأ، وإذا سألتَ: كيف للمساجد أن تكون وسيلة للتفرقة في أيامنا؟! فإنني أخاطبك بخطاب الواقع البئيس الذي نسعى لإصلاحه، فالذي يُصلّي في مسجد الحركة الشمالية، لا يطيق المساجد الأخرى وروّادها، ويشفق عليهم لأنه يراهم مساكين إذ لم يفهموا الدين بالصورة التي فهمها هو، بل ولربما يشكّك في إيمانهم وإسلامهم، ويكاد يكون من المستحيل أن ترى من يُصلّي في مسجد الحركة الشمالية في مسجد الجنوبية، فلكل مسجد رجاله المعروفون، وإذا رآه الجنوبيون لربما سيفغرون فاهم لمدّة ملحوظة استغرابا ودهشة. أما أئمة المساجد فإنهم متعصّبون لفئتهم أكثر من الناس البسطاء! هل هذا معقول؟!
 
هؤلاء الذين نحسبهم قدوة يتعصّبون لفئتهم ولحزبهم ويتركون مصطلح الأمة الإسلامية في عالم الخيال؟! وأكثر من ذلك، فهم غير مستعدّين لمدّ جسور التواصل والتعاون مع إخوانهم من المشايخ أو الدعاة أو الأئمة إن لم يكونوا من فئتهم الضيّقة! ولو طلبت من أحدهم أن يُعلن عن مبادرة شبابية تهدف إلى خدمة هذا الدين وأهله فإنه غير مستعد، ولن يقبل أن يبوح بذلك على منبره لأنه لا يخدم مصلحة فئته! هل مصلحة الحزب أو الحركة مُقدّمة على مصلحة الدين؟! في قاموس هؤلاء هي مُقدّمة لأنهم لربما يحسبون أنهم الفئة الناجية فيجعلون مصلحة الدين ومصلحة فئتهم سيّان، ويا للعار عندما تدعو كل مشايخ البلد لأمسية إسلامية فيتغيّب خمسة مشايخ لسبب بسيط وهو أنها أمسية لا تخدم مصلحة حركتهم، ولربما حضورهم سيشكّل خطرا على كرسيّهم! إنها القيادة العليا التي تمنعهم وتستعبدهم وتتحكّم بحلّهم وترحالهم، فأنّى لهؤلاء أن يكونوا من قادة التغيير وأنّى لهم أن يكونوا عباد الله أحرارا! هذا هو الوضع الأسوأ الذي نتكلّم عنه، وبطبيعة الحال فالحديث لا يُعمّم على الجميع، لأنّ هناك من المصلّين والأئمة والدعاة من أدرك حقيقة وروح هذا الدين الشامل ولم ينسَ معاني الأمة الواحدة.
 
أين يكمن الحل؟
ما عرضته سابقا هو وصف للمشكلة ومحاولة لوضع الإصبع على الجرح المفتوح كي لا يستمرّ نزيفه، والمشكلة تحتاج إلى حل وربما يكون هناك عدّة إمكانيات لتحسين الوضع القائم، ولكنّي سأعرض الخطوات العملية التي يجب تنفيذها من أجل تحقيق الثورة من وجهة نظري للأمور وعلى أثر تجربتي الواسعة بحمد الله مع الأحزاب والحركات الإسلامية المختلفة. إن المسجد هو مؤسسة من مؤسسات الدولة وهو مؤسسة دينية وليست سياسية، ولذا فإننا نرمز من الآن إلى ضرورة إخراج الأحزاب السياسية والدعايات الإنتخابية من المساجد لأن هذا لا ينسجم مع الهدف الأولي للمؤسسة الدينية، وعلى أثر ذلك تبرز ضرورة إخراج الدعايات الحزبية والسيطرة الحزبية على المساجد وإن لم يكن الحزب سياسيا في رؤيته، وبإختصار، فإننا ننادي بفصل السياسة والمصالح الحزبية عن المساجد وأهم مظهر من مظاهر الفصل يكون بالمحافظة على إستقلالية المساجد وإدارتها على أيدي أناس تُنتخب.