1.9.12

المُقتصَد في الإقتصاد - الجزء الأول



بلاء عمّ هذه الأمة من أقصاها إلى أقصاها، وداء يُسمّى بالإسراف يجثم على صدورنا، فالأكل في الأعراس يفيض وحاويات القمامة تستوعب ما بقي من لحم ورز وخبز، المشتريات لا تعرف الحدود ولا تشبع الغرائز فكل شروة تُحفّز شروة أخرى، الخزائن لا تسع الثياب الموجودة ولكنّ الفتاة تطلب ثوبا آخر تماشيا مع الموضة، الشاب لا يرحم أباه من ولعه بالسيارة وقيادتها لسبب أو لعدمه، والكل يشكو ضيق العيش، وغيرنا لا يجد لقمة الأكل ولا يجد مسكنا ينام به في حين عمّرنا نحن الفيلات وما لسنا له بساكنين!

لكنّ الأنكى من ذلك أن نرى صرفا غير حكيم لأموال المسلمين على أيدي بعض الأحزاب والحركات الإسلامية التي تقيم حملات تبرّع وتُجنّد الأموال ولكنها لا تُحسن التصرّف بها للأسف. هذا هو محور الحديث في هذا المقال، ولكن قبل الخوض فيه يجدر بنا أن نأخذ لمحة سريعة عن المصطلحات المختلفة في باب الإقتصاد.

فمن اقتصد فِي نَفَقَتِهِ يعني أنه "صَرَفَ بِحِسَابٍ وَدِقَّةٍ ، وَفَّرَ ، اِدَّخَرَ"[1] ، والفرق بين الإسراف والتبذير، أنَّ الإسراف: تجاوز في الحلال، وأنَّ التبذير: إنفاق في الحرام، ولو أن رجلاً عنده مال قارون وأنفق درهمًا واحدًا في معصية، كان ذلك تبذيرًا، وهو محرَّم ومنهيٌّ عنه[2]، والترف زيادة عن السرف وهو المبالغة في التنعُّم والرَّفاهية، واستخدام الأدوات التي تفوق الوصف[3]. أما الإفراط في المأكل والمشرب والملبس والمسكن فهو من الإسراف، لأن هذه الأمور في أصلها حلال ولكنها عند المبالغة تدخل دائرة المنع لأن الله لا يحب المسرفين، وربنا جلّ وعلا يقول عند وصف عباده المخلصين: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا" (الفرقان، 67(، أي حتى في الإنفاق ينبغي للمؤمن أن يتوسّط ويعتدل.



[1] المعنى اللغوي مأخوذ من معجم الغني.
[2] من مقال للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بعنوان: "من أمراض الأمة: الإسراف"
[3] من مقال آخر للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بعنوان: "من أمراض الأمة: الإسراف-2"