1.5.12

رواية "ألِف" في سطور


ينطلق المؤلّف باولو كويلو في روايته معلنا تمرّده على الروتين وعلى ضجيج الحياة المُمل، لينطلق في رحلة بحث عن ذاته! إنها الرحلة التي تُظهر له حقيقته عارية أمامه، وكأنه ينظر إلى نفسه ومكنوناتها بالمرآة، وهو ما يُطلق عليه أخصائيو النفس مصطلح "الوعي الذاتي".

يخرج باولو ثائرا على الحياة النمطية فيلتقي بمن ستأخذه إلى عالمه، ورغم أن عالمه معه إلا أنه لا يتمكّن من سبر أغواره بسهولة، ولا يكتشف الحقيقة إلا بعد أن يخرج مسافرا ويُقدم على خطوة لا تبدو أنها ضرورية، وبعد أن يلتقي بهلال. إنه لمن الغريب فعلا أن يخرج الإنسان في سفر طويل كهذا ليبحث عن ذاته ونفسه التي هي أصلا بين جنبيه! لكنّ هلال تكون فعلا هلالا في سماء أسطورته الشخصية وتُفلح في إعادته إلى معرفته بذاته وحقيقته. يصر باولو على افتعال المغامرات التي تبدو عبثية لأول وهلة والتي تُدخله أحيانا في مواقف محرجة كونه كاتبا مشهورا، لأنّ المجتمع يتوقّع منه الجدّية والرسميات وليس شخصية رجل يترك كل المسؤوليات ويغطس في مياه البحيرة، وبذلك فهو يتنكّر لكل تقييضات المجتمع المُبتذلة ويساهم في أن يعيش حياته كما تحلو له.

إن شخصية هلال هي شخصية مركّبة، تحمل تناقضات كثيرة، كونها تعرّضت لإعتداء جنسي في صغرها، مما أدى بها إلى التنكيل بأي رجل تلقاه، لكنّ لقائها مع باولو يوضح لها جانبا آخر لم تكن واعية له، وهو أنها هي نفسها كانت إحدى ضحايا إضطهاد الكنيسة في القرون الوسطى وأن باولو كان هو من ضمن من أسهموا في مصيرها المُفجع حين أحرقوها بحجة إقامة الدين، لأنها وقعت في حب باولو. ورغم ذلك يطلب منها باولو المغفرة فتغفر له وتصرّ على حبّه، إلا أن باولو يبقى مخلصا لزوجته حتى آخر الرواية.

إن عنصر الخيال لا يُفارق الرواية رغم الواقعية في طرح القضايا الكثيرة، ولكنّ الألف بحد ذاتها هي تلك اللحظة التي ترى فيها ما كنته سابقا، أي هي النقطة التي يتّحد فيها الزمان، وإن أردنا أن نقرّب الألف لشيء واقعي فإننا نشبّهها بـ "اختراق اللا واعي واستخراج الذكريات المنسية".  

وإن كنا قد تعلّمنا درسا من هذه الرواية، فإننا نتعلم أن لا ننبذ كل جديد بسرعة البرق، لأننا لا نعلم ما يخبّئ لنا من خيرات، فأن تحتقر شخصا من أوّل نظرة دون أن تدخل إلى عمقه، فهذا هو الخطأ بعينه، لأنّ كل إنسان هو كنز بحد ذاته، كما أن لكل منطقة على أرض هذا الكوكب لها أسرارها وعجائبها، فلا يجب الإستهانة بالغريب عني فقط لأنه ليس مثلي، فهذه نظرة فوقية إستعلائية لن تودي بالإنسان إلى اكتشاف الجديد وستبقيه أسير عالمه.

كتاب رحلة عقل: رحلة لكل عاقل!



"إنني أهيب بكل باحث عن الحقيقة، وكل متديّن يبحث عن يقين العقيدة، أن يقرأ هذا الكتاب قراءة متأنّية"، "إنه طرح جديد كل الجدة، يُعتبر ثورة في المفاهيم العلمية، وثورة في النظر إلى الدين" (د. أحمد عكاشة).

"عندما تتأمّل الوجود من حولك، انظر إليه كأنك تراه لأول مرة. إن الإعتياد على الأشياء التي حولنا يمثل حجابا بيننا وبين حقيقتها، يسمونه "حجاب الإعتياد"" (في الصفحات الأخيرة من الكتاب).

فعلا إن هذا الكتاب يأخذنا في رحلة تأمّلية عميقة لنرى ما حولنا وما بداخلنا بنظارات جُدد وبرؤية أوضح، وهو يتميّز بكونه دقيقا في لفظه، فعندما يكون العلم قد أثبت فإنه يقول ذلك، وعندما يكون قد عجز فإنه يُصرّح بذلك. وهو رحلة لأنه ينقلنا من محطة إلى أخرى: بدءا من فلسفة الإلحاد، مرورا بإكتشاف الإله، وانتهاءا بالربط العجيب بين الدين والعلم.


إن الصراع الذي يواجهه د. عمرو شريف (مؤلّف الكتاب) هو الصراع الذي يواجه كل عاقل في هذا الزمان وقد عرضه لنا في ثنايا الصفحات بمنتهى الصدق والشفافية، وبيّن لنا كم عانى في إخراج هذا الطرح للوجود، فمن جهة هناك المدّ الإلحادي الذي انتشر بقوة ليدخل إلى العالم العربي والذي يتّخذ العلم سلاحه الوحيد، ومن جهة أخرى هناك الخطاب الديني الذي أخذ يبتعد عن التفكير المنطقي العقلاني، فتناول النصّ ببساطته ونبذ البحث والفلسفة بحجة أن الدين يحوي كل ما نحتاج إليه. لهذا فإننا نرى د. عمرو يُحاول بكل جدية ليُعيد التآلف المتروك بين العلم والدين، لأنّ هذا هو الأصل، والدين الإسلامي يحث على ضرورة التفكير والتعقّل والبحث وطلب العلم، فالذي أوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم النص الديني هو ربنا الذي أنعم على البشر بنعمة العقل والعلم، لذا فليس عجبا أن نجد إنسجاما بين النص الديني والإكتشاف العلمي وإنما العجب أن نجد تناقضا بين الإثنين. إن هذا الفهم الصحيح الراقي للدين من شأنه أن يجذب الناس إلى التديّن، لأنّ ذكريات اضطهاد الكنيسة في القرون الوسطى ما زالت تُلقي بالبشر بعيدا عن الدين خوفا منه. أما دين الفطرة، دين حقوق الإنسان، دين النظام، الرقاوة، الحضارة، دين المنطق، فهذا هو الطرح الذي سيؤثّر في عصر العلم والمعرفة وهو ما سيقلب الميزان لصالح المتديّنين. 


إن هذا الكتاب يحثّك على طرح الأسئلة التي لطالما خفت من طرحها والتي ما زال كثير من الإسلاميين يشكّكون ويطعنون بطارحها، إلا أنه في حقيقة الأمر أن البحث في هذه الأسئلة يودي بالإنسان إلى تقوية إيمانه بالله لأنّ الحجّة المنطقية تكون قد شغّلت تفكيره ودفعته إلى إيمان يقيني، وليس إيمان قولي وحسب، وبالتالي يُصبح الإنسان عندها قادرا أكثر على الصمود أمام التيارات التي تُعاكسه من تاركين للإيمان ومن ظروف قاسية من شأنها أن تشكّك الإنسان بحقيقة وجوده وحقيقة الكون. فأن تسأل: "هل الله موجود؟"، بدافع البحث عن الأدلة على وجوده، فهذا مطلوب وضروري ليكون إيمانك على بينة، لا مُجرد أن تقول كما قال آباؤك.


خلاصة القول أن هذا الكتاب هو ثروة للعالم العربي والإسلامي لأنه يُطلعنا على آخر ما توصّلت إليه الحضارة الغربية من اكتشافات وفلسفات وهذا ضروري لكي نلائم خطابنا الديني لعصر العلم والمعرفة ونُغنيه بأقوال فلاسفة أيقنوا الحق بعد بحث عميق في معنى الوجود ومعنى الحياة والكون، وأخيرا نقول أن الإيمان المبني على بحث هو أقوى وأمتن من الإيمان الذي استقبله الشخص على طبق من ذهب.