ينطلق المؤلّف باولو كويلو في روايته معلنا تمرّده على
الروتين وعلى ضجيج الحياة المُمل، لينطلق في رحلة بحث عن ذاته! إنها الرحلة التي
تُظهر له حقيقته عارية أمامه، وكأنه ينظر إلى نفسه ومكنوناتها بالمرآة، وهو ما
يُطلق عليه أخصائيو النفس مصطلح "الوعي الذاتي".
يخرج باولو ثائرا على الحياة النمطية فيلتقي بمن ستأخذه
إلى عالمه، ورغم أن عالمه معه إلا أنه لا يتمكّن من سبر أغواره بسهولة، ولا يكتشف
الحقيقة إلا بعد أن يخرج مسافرا ويُقدم على خطوة لا تبدو أنها ضرورية، وبعد أن
يلتقي بهلال. إنه لمن الغريب فعلا أن يخرج الإنسان في سفر طويل كهذا ليبحث عن ذاته
ونفسه التي هي أصلا بين جنبيه! لكنّ هلال تكون فعلا هلالا في سماء أسطورته الشخصية
وتُفلح في إعادته إلى معرفته بذاته وحقيقته. يصر باولو على افتعال المغامرات التي
تبدو عبثية لأول وهلة والتي تُدخله أحيانا في مواقف محرجة كونه كاتبا مشهورا، لأنّ
المجتمع يتوقّع منه الجدّية والرسميات وليس شخصية رجل يترك كل المسؤوليات ويغطس في
مياه البحيرة، وبذلك فهو يتنكّر لكل تقييضات المجتمع المُبتذلة ويساهم في أن يعيش
حياته كما تحلو له.

إن عنصر الخيال لا يُفارق الرواية رغم الواقعية في طرح
القضايا الكثيرة، ولكنّ الألف بحد ذاتها هي تلك اللحظة التي ترى فيها ما كنته سابقا،
أي هي النقطة التي يتّحد فيها الزمان، وإن أردنا أن نقرّب الألف لشيء واقعي فإننا
نشبّهها بـ "اختراق اللا واعي واستخراج الذكريات المنسية".
وإن كنا قد تعلّمنا درسا من هذه الرواية، فإننا نتعلم أن
لا ننبذ كل جديد بسرعة البرق، لأننا لا نعلم ما يخبّئ لنا من خيرات، فأن تحتقر
شخصا من أوّل نظرة دون أن تدخل إلى عمقه، فهذا هو الخطأ بعينه، لأنّ كل إنسان هو
كنز بحد ذاته، كما أن لكل منطقة على أرض هذا الكوكب لها أسرارها وعجائبها، فلا يجب
الإستهانة بالغريب عني فقط لأنه ليس مثلي، فهذه نظرة فوقية إستعلائية لن تودي
بالإنسان إلى اكتشاف الجديد وستبقيه أسير عالمه.