27.4.13

الاقتناع والاقتناع الزائف!

ما أسهل أن يُصرّح أحدهم لكي يدعم فعله أو قوله: " أنا مقتنع بما أفعل"، في حين اذا حاورت كثيرا منهم تكتشف خلال وقت قصير أو طويل اقتناعه الزائف، بمعنى أنه يُردّد مجرّد عبارة "أنا مُقتنع" وهو لا يعرف كيف هو مقتنع وما الذي أقنعه! ربما الاقتناع مجرّد احساس! تسأل أحدهم: "لماذا تدرس هذا الموضوع؟"، يجيبك: "أنا مقتنع به"، تسأل: "ما الذي يقنعك فيه؟"، يجيب: "يا أخي معروف كل من يحصّل علامات عالية يدخل الطب، وأيضا الموضوع محترم وعليه طلب". تسأل فتاة: "لماذا تلبسين البنطال الضيّق؟"، تقول لك: "هذه الموضة اليوم!"، تسأل فتاة أخرى: "ما الحاجة الى غطاء للرأس؟ أليس شعرك جميلا؟"، تقول: "لا أعرف، أبي وأخي لا يقبلون الموضة!". تسأل شابا: "لماذا تنتمي الى حركة كذا"، يجيبك: "الحركات الباقية لا تنفع، لذا أنا هنا!". هي اجابات تدل على اقتناع زائف لأن الشخص ينساق وفقا لرغبة الآخرين وللعادات وللمتغيّرات وليس لرغبته هو، بل ولربما لا يعرف رغبته الحقيقية لأنه لم يلتقِ يوما مع نفسه وبالتالي لا يعرف ماذا يريد، كما أنه لربما يظن نفسه مقتنعا بطريق قائمة وموجودة (حركة معين) لمجرد أن أغلب الطرق الأخرى لا تلائمه، ولا يسعى للبحث عن طريقه بنفسه! ان الاقتناع الحقيقي هو الذي يُبنى على أدلة ومُبرّرات عقلية ومنطقية وعلى مجموعة ادعاءات موصِلة الى الشيء المُقتنع به.


كشف النقاب عن النقاب!

في هذا العصر، ما زال هناك كثير من الإسلاميين ممن يحاولون عرض ديننا الحنيف وكأنه شيء غريب عن هذا العالم، جراء احساسهم بالاغتراب هم أنفسهم، فتراهم يُبالغون ويُشدّدون في اللباس الشرعي للنساء ويدّعون أنه يجب على البنت والمرأة أن تنتقب (النقاب هو غطاء الوجه)، في حين أن المُتفق عليه هو اللباس الذي يتكوّن من حجاب وجلباب. فلماذا التعسير بدلا من التيسير، خصوصا وأننا في عصر تكثر فيه أصابع الاتهام ضد الاسلام، ولماذا الاصرار على شيء هناك اختلاف حوله؟!
 
ان الوجه هو كرامة الانسان، ومنه تخرج المشاعر والأحاسيس، فالمشاعر الستة الأساسية التي سطّرها ايكمان (Paul Ekman) تنطلق من الوجه وهي: الغضب، الفرح، الحزن، الخوف، التقزّز والتفاجئ، والوجه فيه حواس مهمة مثل: التذوّق والنظر والشمّ، فغطاء الوجه من شأنه اذا أن يُغطّي ويعوّق كل هذه المشاعر والحواس! اضافة الى ذلك، فان غطاء الوجه يمنع من امكانية تشخيص الانسان وبالتالي تصعب عملية التواصل بين الأفراد، فهب أن ثلاث طالبات جامعيات مُنقّبات في قاعة واحدة والأستاذ يريد أن يفحص الحضور، فكيف له أن يعرف من موجودة ومن لا؟ كما أن هذا يفتح المجال للخداع، فكيف للحارس أن يُميّز ان كانت الطالبة التي في صورة بطاقة الجامعة هي نفسها التي أمامه؟ وبالنهاية، علينا أن نعي أننا في عصر كثر فيه التبرج وآن لنا أن نؤكّد على الأهم قبل أن نتحدّث عن الاضافات التي لا يتّفق عليها الجميع، فالتيسير يُقرّب الناس الى الدين بخلاف التعسير الذي يُنفّر. يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله:

أمة رفعت العمل وأسقطت القول!

من غرائب هذا العصر أنك تجد من يُقيّم الانسان أو أي حركة أو جسم وفقا لكمية الأعمال، في حين أن الأقوال والأفكار لا تكاد تسوى شيئا وفقا لهؤلاء، فإن أرادوا ذم واحد يقولون: "هو بس شاطر في الحكي"! بينما في ديننا الحنيف يأخذ القول مكانة راقية، فكلنا محاسب على ما يقول بلسانه، والغيبة والنميمة هي كبائر يرتكبها الانسان بقوله، والتسبيح والتهليل هي أيضا أقوال، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون". لكن القول يختلط عادة بالعمل ولا يوجد هناك حد فاصل واضح بينهما، فلكي تُرزق بلسان ذاكر مسبّح ينبغي أن تعمل وتقيم الشعائر والتسبيح بدوره أيضا يدفعك الى اقامة الشعائر.
 
وقبل أي عمل لا بدّ أن تكون هناك مجموعة من الأفكار والأقوال لكي يتمّ تنفيذه على أحسن وجه، فالعفوية التي ابتلينا بها لن تنفعنا على المدى البعيد، ولا بد لنا من القول والمناقشة وتبادل الأفكار قبل الأعمال، ولا يجب الاستعجال في التنفيذ لأن التفكير وحسن التخطيط سيُوفّران علينا وقتا وجهودا. ثم ان هناك مهنا واختصاصات أساسها القول وذلك لا ينتقص من قيمتها الا في مجتمع أسقط قيمة القول، فالمفكّر والفيلسوف سلاحه القول والأفكار، ورجل الدين كذلك، والمُدرّس والعامل الاجتماعي والاخصائي النفسي وغيرهم. اضافة الى ذلك، يمكن أن ننظر الى القول كعمل، فهو ناجم عن سلسلة تفكيرية وهو نابع من ارادة الانسان في الغالب، وبالتالي يمكن أن نفعل القول، كما أن القول لا يمرّ في أغلب الأحيان ككلام جاف وانما يرافقه شيء مهم جدا وهو الاحساس والشعور وهو أيضا فعل بحد ذاته! آخر القول أنه لا يجب علينا أن نبخس القول، لأن للكلمات تأثير وللكلمات قيمة، واذا لم تقتنع الى الآن فحاول أن لا تتخيّل حصانا، فان لم تتخيّله فاعلم أنك على حقّ وإلا فلا!